من هنا ننتهي إلى مسألة خطيرة جداً وهي ما وقع في كثير من البلدان الإسلامية اليوم
مثل مصر وسوريا وفي طريق هذا الوقوع السعودية : حيث أنهم ألزموا القضاة والحكام
في مصر وسوريا بأن يقضوا ويُفتوا بناءً على مذهب معين إما على المجلة سابقا
وإما على القوانين التي وُضعت حديثاً بشيء من التعديل لأحكام المجلة سابقا هذا بالنسبة للقضاة.
فقد ألزموا القضاة والحُكام بأن يقضوا بغير ما أنزل الله فهو إلزام بما لا يلزم
بل هذا أمرٌ بنقيض ما جاء في هذا الحديث : فإن المفتي إذا استفتى ولم يرجع إلى الكتاب والسُنة
لايرجع إلى مذهبه الذي يُتابع فيه إمامه الذي قال:لايحل له أن يُفتي حتى يعرف دليله .
فإذن المصيبة اليوم هي أن الفتوى اليوم مفروضة أن يفتي من كتاب ليس هو الكتاب والسُنة.
والقضاة يجب عليهم أن يفتوا من القوانين وليس كل القوانين شرعية محضة كما كان الأمر
في زمن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -حيث كلها استنبطت أو جلها من المذهب الحنفي .
فأصبح اليوم فيها قوانين وضعية لم تنزل من السماء وإنما انبعثت من الأرض
فطلبت وفرضت هذه الأحكام على القضاة المسلمين ليقضوا بها بين المسلمين هذه مصيبة
حلت في البلاد السورية والمصرية وربما في بلاد أخرى لا نعرف حقيقة الأمر فيها.
والآن فيه دعاة في السعودية يدعون إلى تقديم الحكام أي إلى الاقتداء بالدولة السورية
والدولة المصرية و فرض أراء وأحكام معينة على القضاه الذين يحكمون الناس بالكتاب والسُنة.
هذه مصيبة جديدة ونرجو الله - عزوجل - ألا يتحقق في تلك البلاد.
ولكن يجب على كل مسلم أن يعرف هذه الحقيقة وهي أنه لا يجوز الإفتاء إلا من كتاب الله
وحديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - كما لايجوز القضاء إلا استنباطا من كتاب الله
وحديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - ففي هذا الحديث إذن تنبيه لأمور تتعلق بما نحن فيه
وتتعلق بالأمة التي تنصب دستوراً وقضاة يحكمون بغير ما أنزل الله
ويتناسى هؤلاء جميعاً الوعيد الشديد المذكور في ثلاث آيات من القرآن الكريم:
1- {ومَنْ لم يَحْكُم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.
2- {ومَنْ لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون}.
3 - {ومَنْ لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون}.
فهذه آيات صريحة بالحكم بالكفر على مَنْ لم يحكم بما أنزل الله.
ولكن هنا كلمة أخيرة :
أن الحكم بغير ما أنزل الله منه حُكم يُرادف الردة ومنه حُكم لا يلزم منه الردة على التفصيل
الذي ذكِر على الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
أيضاً لابد من استحضاره في تفصيل هذه الآيات الثلاثة {ومَنْ لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}.
قال ابن عباس:"كفر دون كفر"أي أن الكفر نوعان:
كفر اعتقادى قلبي ... وكفر عملي.
وهذا ما يجهله كثير من المسلمين اليوم وخاصة منهم الشباب الناشئ
فإنهم يتوهمون أن كل مَنْ لم يحكم بما أنزل الله فهو مرتد عن دينه وليس كذلك
بل يجب أن ينظر إلى الحاكم الذى يحكم بغير ما أنزل الله :
- فإن كان يحكم بغير ما أنزل الله مُستحِلاً له بقلبه مُؤثِراً له على حُكم الله وحكم نبيه فهذا هو الذي يرتد به عن دينه
-أما إذا كان في قرارة قلبه يعتقد بأن الحكم بما أنزل الله هو الصواب والواجب لكن لا معين على ذلك فله عذر وليس له عذر مقبول ، ولكن له عذر واعتذاره بهذا العذر يدل على أنه يؤمن بحكم الله و بحكم رسوله أنه هو الصواب ولكنه انحرف عن هذا الحكم كما ينحرف كثير من الناس الذين يظنون خيراً.
الحاكم المسلم الذي يحكم بكتاب الله وبحديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -
ليس معصوماً فقد يضل في حكمٍ ما أو ينسى مثلاً فيحكم بغير ما أنزل الله فهذا ينطبق عليه قوله تعالى {فأولئك هم الكافرون} ولكن بأى معنى أولئك هم الكافرون؟ ردة أم كفر معصية ؟
ننظر حينما ارتشى وحَكَمَ للراشي بما ليس له فإن كان يعتقد في قرارة نفسه أنه إثم
كما يعتقد الزاني والسارق والغاش..إلخ فهو آثم وليس بكافر وهذا معنى كفر دون كفر.
وإن كان يقول كما يقول كثير من الشباب الذي تثقف الثقافة الأجنبية ولمَّا يدخُلِ الإيمان في قلبه يقول:
بلا إسلام بلا إيمان بلاد رجعية بلاد كذا..إلخ ، فهذا إنسان وضع على رأسه إشارة بالكفر فهو إلى جهنم وبئس المصير.
فإذن يجب أن نعرف أن الواجب على المسلم أن يحكم بما أنزل الله وبما فسره وبيَّنه
رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- سواء كان ماشيا في الشارع وواحد سأله فلا يقول له :
حرام أو حلال إلا إن كان درس في كتاب الله أنه حرام أو حلال .
كذلك الحاكم المفتي الرسمي الموظف أولى وأولى ألا يفتي للناس بدون رشدٍ وبدون بيِّنة أو حُجة
والقضاء أولى وأولى ألا يحكم القضاة في قضاتهم إلا بما جاء في كتاب الله وما جاء في سُنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم -
ولخطورة القضاء على الكتاب والسُنة قال-عليه الصلاة والسلام الحديث الصحيح:
" القضاة ثلاثة؛فقاضٍ فى الجنة وقاضيان في النار,قاضٍ عرف الحق فقضى به فهو في الجنة وقاض عرف الحق فلم يقض به فهو في النار وقاض لم يعرف الحق فقضى به فهو في النار"
لأنه قضى بجهل.
إذن يجب القضاء بالكتاب والسُنة فإذا قضى بالكتاب والسُنة فهو ناجٍ وإذا قضى بخلاف
ماجاء في الكتاب والسُنة فهو آثم وكذلك فهو آثم إذا قضى بجهل بالكتاب والسُنة.
ما هو بجهل ألا يعرف المذهب الحنفي أوالشافعي لأن ذلك ليس هو العلم لذلك
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -وبكلامه أختم درسنا هذا :
العِلمُ قالَ اللهُ قالَ رسوله ** قال الصحابةُ ليس بالتمويهِ
ما العِلمُ نَصْبُكَ للخِلافِ سفاهة ** بَيْنَ الرسولِ وبين رأي فقيه
كلا ولاجحدُ الصفاتِ ونفيُها ** حَذرَا من التعطيل والتشبيهِ
والحمد لله رب العالمين ..
انتهى الشريط الرابع عشر .
يتبـــــع .