* روى المصنف بإسناده الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه -عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - قال: "لاينبغي للصدِّيق أن يكون لعاناً".
أيضا هنا خص بالذكِرالصديق وذكرأنه لا يجوزأن يكون لعاناً أي مُكثراً من اللعن.
والمقصود هنا بالصِدِّيق أعم من أن يكون المقصود به أبو بكر -رضي الله عنه -
الذي عُرف بذلك اللقب وذلك حينما أسْرِي برسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
إلى بيت المقدس وإلى السموات العلا ثم حَدَّثَ الناسَ بذلك فكذبه الكثيرون.
وجاء بعض مَنْ يُريد أن يوقع بين الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -
وبين صاحبه في ألغار لِيُثِيره عليه فقيل له: لقد حَدَّث بأنه قد أسرى به في ليلة
واحدة إلى السموات العلا فقال:"إن كان حدَّث بذلك فهو حق"
ومن يومئذ سُمِي الصديقُ صديقاً - رضي الله عنه -.
فقول الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- في هذا الحديث : "لاينبغي للصديق"
هو أعم من أن يكون المقصود به أبا بكر.
هذا الحديث يُؤكد الحديث الذي قبله من حيث أنه لا يجوز لمَنْ كان في مقام الصِديقية
أن يغلب عليه استعمال لفظة اللعن : لعن الناس أو الدواب أوغير ذلك.
ولاشك ولاريب أن المقصود بهذا تنزيهٌ للصدِّيقين من أن يكونوا لعانين
وذلك إذا كانت اللعنة بغير حق ، أما إذا لعن الرجل مَنْ يستحق اللعن لاسيما
إن كان هو في ذلك متبعا للنص في الشرع ؛ فحين ذلك لا يدخل في ذلك النهي.
فالمقصود بتنزيه الصديقين أن يكونوا لعانين بغير حق كالغيبةِ والنميمة ونحو ذلك.
أما إذا كان ذلك في سبيل الإصلاح أوالتحذيرأو بيان الذين يستحقون اللعن عند الله -
عزوجل- فكل ذلك لا يدخل في هذا الباب.ونضرب مثلاً واقعياً كما جاء في الحديث الصحيح:
"صِنفان من الناس لم أرهما بعدُ رجالٌ بأيديهم سياط أذناب البقر يضربون بها الناس ونساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ مائلاتٌ مُميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة العنوهن فإنهن ملعوناتٍ لايدخلن الجنة ولا يجدنَّ ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا"
وجاء في حديث آخر صحيح :"فإن ريحها لتوجد من مسيرة مائة عام"
هنا يقول الرسول -صلوات الله وسلامه عليه -هذه المتبرجة الكاسية العارية
إذا رأيتهن فالعنوهن فإنهن ملعونات فمَنْ فعل هذا لا يكون قد خالف هذا الحديث
لأن المقصود من الحديث هو إكثار اللعن بغير حق فليكن هذا في البال.
*لذلك أتبع المصنف - رحمه الله -الحديثين السابقين بالأثر الآتي
في الحديث الموقوف الذي رواه أيضاً بإسناده الصحيح عن حُذيفة قال:"ما تلا عن قوم قط إلا حق عليهم اللعن"
ما تلا أي : تسابب بعضهم لبعض بغير حق لاستحقوا بذلك لعنة الله -تبارك وتعالى-.
هذا يؤكد أن الذي يتنزه منه الصديقون والشهداء هو اللعن بغير حق.
ثم يعقد المصنف باباً يُبين فيه ما الذي يفعله الصدِّيق حينما يزل لسانه فيلعن مَنْ ليس أهلاً للعن
باب مَنْ لَعَنَ عبده فأعتقه
*يروي بإسناده الصحيح عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- : (أنَّ أبا بكر لعَنَ بعض رقيقه فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-:"يا أبا بكر اللعانون و الصديقون؟(1) كلا ورب الكعبة مرتين أو ثلاثاً فأعتق أبو بكر يومئذٍ بعض رقيقه ثم جاء النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- فقال:لا أعود)
(1) هكذا الرواية عندالمصنف وهي عند غيره كالبيهقي في "شُعب الإيمان"بلفظ أوضح وأظهر قال:ألعانون وصديقون؟!.
يعني هما أمران لا يجتمعا : .يعني أنتَ صِدِّيقٌ وأيضاً تلعن؟
كلا ورب الكعبة أمران لا يجتمعان مرتين أوثلاثاً.
أي كررهذه الجملة -صلى الله عليه وآله وسلم-ألعانون وصديقون ألعّانون
وصديقون ألعّانون وصديقون كلا ورب الكعبة.
فماذا فعل أبو بكر-رضي الله عنه -؟وهذا مما يدل على قوة إيمانه وحُسن
تصديقه فأعتق أبو بكر يومئذ بعض رقيقه كفارة للعنه لرقيق من أقاربه
بغير وجه حق وبعد ذلك أكمل أبو بكر-رضي الله عنه- مساره في توبته
حيث جاء في آخر هذا الحديث أنه جاء إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -
وقال: لاأعود ، فهو لم يتب بينه وبين ربه فقط بأن أعتق رقيقه
بل هو أيضاً سارع إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مظهراً ندمه
على مافعل وعزمه على ألاَّ يعود.
س:- هل يجوز لعن الشيطان؟
ج:- لعن الشيطان من حيث استحقاقه يجوزلأنه ملعون وطريد
لكن جاء في بعض الأحاديث أن الشيطان إذا أضرَّ الإنسان أو وَّرطه
وأغضبه فإذا الإنسان يلعن الشيطان ؛ يصير الشيطان يقول:أنا سويت,
أنا فعلت ، فحتى المسلم ما يفتح الطريق لفرح الشيطان ما ينبغي أن
يلعن الشيطان وإنما يستعيذ بالله -عزوجل- من شر الشيطان الرجيم.
يعنى هوملعون من يوم الله -عزوجل- أمره أن يسجد لآدم فأبى واستكبر وقال:
أأسجد لمن خلقت طيناً ، ومن يومها قال الله -عزوجل-:فإنَّ عليك لعنتي إلى يوم الدين.
فهو ملعونٌ من يومها فعلاً ولكن مادام الله لعنه انتهى.
فنحن إذا قلنا:لعنة الله على الشيطان نُدخل الفرح والسرور على نفس
الشيطان وأقررنا له أننا نتأثر فعلا منه ؛ ولذلك الرسول -صلى الله عليه
وآله وسلم-أدبنا ووحسَّن تأديبنا وعلمنا وحسَّن تعليمنا فقال:"إذا وقع أحدكم في شيءٍ من ذلك فلا يلعنه لأنه يقول:أنا الذي فعلت إنما يقول:أعوذ ُباللهِ من الشيطان الرجيم".
يتبــــــع .