تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 5 من 9 الأولىالأولى 123456789 الأخيرةالأخيرة
النتائج 81 إلى 100 من 162

الموضوع: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

  1. #81
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    *عن ابن عباس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: "عَلِّموا ويسِّروا ولا تُعسروا وإذا غضب أحدكم فليسكت"

    هذا حديث فيه توجيه كريم من رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم - للمؤمنين المُتبعين له فقد أمر المسلم أن

    يقوم بواجب التعليم فقال- عليه الصلاة والسلام -:"عَلِموا"لأن نشر العلم هو من الواجابت الدينية التى يجب على كل

    عالم أن يقوم بنشر العلم بين الناس احتساباً لوجه الله -تبارك وتعالى -لايبتغي من وراء ذلك جزاءً ولا شكوراً. لكن

    كثيراً من الناس حينما يتولون تعليم الناس لا يُحسنون تعليمهم فقد يتشددون عليهم وقد يُنفروهم, ولذلك فقد أمر-عليه

    الصلاة والسلام- مَنْ تولى تعليم الناس بأن يكون سمحاً مُيسِراً غيرَ مُتشددٍ عليهم.كما وقع فى عهد الرسول-عليه

    الصلاة والسلام- قصة فيها عبرة ذلك أن أعرابياً والأعراب في الغالب يغلب عليهم الجهل لبعدهم عن المدن التي فيها

    الثقافة والعلم فوقف ذلك الأعرابي في مسجد الرسول - عليه الصلاة والسلام - فكشف عن ثوبه وأخذ يتبول في

    مسجد الرسول فلما رآه الصحابة همُّوا أى بضربه ذلك لأنه يأتي في مسجد الرسول -عليه السلام -أمراً مُنكراً لأن

    المساجد بُنيت لعبادة الله -عزوجل- وبالتالي أمر المسلمين بتطهيرها بل وبتطييبها فكان طبيعياً جداً أن يهم الصحابة

    بضربه فقال لهم-عليه الصلاة والسلام-:"دعوه ولاتزرموه"أي لا تقطعوا عليه بوله. وقال -عليه الصلاة والسلام -في

    تمام هذه النصيحة التي وجهها إلى المُعلمين لا إلى الجاهل: "دعوه ولاتزرموه إنما بُعِثتم مُيسرين ولم تُبعثوا

    مُعسرين" ثم التفت-عليه الصلاة والسلام-إلى ذلك الأعرابي فقال له:"إن هذه المساجد لم تُبن لشىءٍ من البول أو

    الغائط إنما بُنيت للصلاة وذكر الله".

    فأسلوب الرسول-عليه الصلاة والسلام- مع كل من الطائفتين أسلوب لطيف لكن لعله كان على المُعلمين أشد منه

    على ذلك الجاهل. ومن الطرائف أن هذا الأعرابي الذي فعل ما فعل في مسجده-عليه الصلاة والسلام- ماكاد يُصلي

    خلفه-عليه الصلاة والسلام-حتى بادر إلى الدعاء فقال:اللهم ارحمنى ومحمداً ولا تشرك معنا أحداً,

    فقال-عليه الصلاة والسلام-لمن حوله من الأصحاب الكرام:"أترون هذا أضل أم بعيره؟ "ثم قال للأعرابي: "لقد

    حجّرت واسعاً من رحمة الله"أى ضيقت. فهذا فيه تحقيق عملي من الرسول -عليه الصلاة والسلام- لهذا الأمر

    النبوي الذى جاء في هذا الحديث : "علموا ويسروا".

    ومثال آخر :
    لما جاء في السيرة النبوية قصة ذلك الرجل واسمه معاوية بن الحكم السُّلمى الذي دخل ذات اليوم المسجد فقام

    يُصلي خلف النبي -عليه الصلاة والسلام- فعطس رجلٌ بجانبه فقال له :يرحمكَ الله ... وهم يعلمون أن مثل هذا

    التشميت لايكون فى الصلاة لأنه من باب المكالمة وقد كان جائزاً في أول الإسلام.أى كان من الجائز في أول الإسلام

    أن يُكلم الآتي إلى المسجد الرجل القائم في الصلاة، فمن ذلك كان يدخل الرجل المسجد فيسأل الذي يقف بجانبه:أي

    ركعة هذه؟ يقول له مثلا:الثانية .. حتى جاء ذات يوم معاذ بن جبل -رضي الله عنه -فوجد الإمام قائما يُصلي فما تكلم

    بشيءٍ وأنما اقتدى به فلمَّا سلم الإمام قام وأتى بما فاته من الصلاة فقال-عليه الصلاة والسلام-:"لقد سَنَّ لكم مُعاذ

    سُنَّة ًحسنة فاتبعوها"
    هنا سُنَّة معاذ لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- أقره.

    وكان من ذلك أيضا أن الرجل كان إذا أتى الرجل يُصلي و سَلَمَ عليه ردَّ عليه السلام لفظاً ولم يكن أمراً منكراً فى

    أول الإسلام إلى أن رُفِعَ هذا الحُكم وعُدِّل برد السلام إشارة ونُسِخَ رده لفظاً: وذلك حينما جاء عبد الله بن مسعود من

    الحبشة فلقي النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يُصلي فقال:السلام عليكم يا رسول الله, قال فما رد عليَّ السلام إنما

    أشار برأسه قال ابن مسعود:فأخذني ما قرُبَ وما بَعُدَ -يعني من التفكير قال: فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه

    وآله وسلم-الصلاة قال:"إنَّ اللهَ يُحدث في أمره -أي في دينه - مايشاء وإن مما أحدث ألا كلام في الصلاة".

    فمعاوية بن الحكم السُلمى قد طرق سمعه الحكم السالف؛ فحينما عطس الرجل بجانبه قال له: يرحمك الله وهو

    يُصلي ، أما الذين من حوله فكانوا يعلمون أن تبادل الكلام فىيالصلاة لايجوز فنظروا إليه بأطراف أعينهم مُسكتين له

    ولكنه ازداد ثورة وغضباً فقال وهو في الصلاة -رفع عقيرته وهو في الصلاة قائلاً : واثكل أمياه !!! مالكم تنظرون

    إلى؟!! تعبير عربي يعنى دفنتني أمي ، قال:فأخذوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم تسكيتاً له

    قال فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-الصلاة والشاهد هنا: أقبل إليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال:

    فواللهِ ماقهرني ولاكرهني ولاضربني ولاشتمني وإنما قال لي:"إن هذه الصلاة لايصلح فيها شيء من كلام الناس إنما

    هي تسبيح وتكبير وتحميد"ولم يأمره بإعادة الصلاة.



    وهذاحكم شرعي ؛ أخذ من هذا الحديث علماء الشافعية:أن المُصلي إذا تكلم في صلاته ساهياً أو ناسياً أو جاهلا ؛ فصلاته صحيحة.

    من هنا يتبين أن الرسول -عليه الصلاة والسلام -كان يأمر بالأسلوب الحسن والحكيم في التعليم وكان هو سيد

    المعلمين الذين يسلكون هذه الأساليب الحسنة لهذا قال-عليه الصلاة والسلام-:يسروا ولاتُعسِروا تأكيداً منه لقاعدة

    شرعية هامة ألا وهي: "إن الإسلام بُنِي على اليُسر لا على العسر".{يُريدُ اللهُ بكمُ اليُسر ولايُريد بكم العُسر}وقال:{وماجَعَلَ عليكم في الدين من حرج}

    لذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-يغتنم المناسبة تلو المناسبة ليُأكد هذه القاعدة ويُثبتها في أذهان

    أصحابه.فمثلا حينما أرسلَ معاذاً وأبا موسى الأشعري إلى اليمن قال:"إذهبا وتطاوعا ويسِّرا ولا تُعسِّرا" فيخص

    بهذا التذكير خواص الناس كأبي موسى ومُعاذ حينما أرسلهما إلى اليمن.

    وتأكيداً لهذا كان منطلق الرسول -عليه السلام- في حياته فقد قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها -:"ما خُيَّرَ رسول

    الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما" ومن هنا نفهم أن الذين يتشددون في الدين بأفكارهم

    يُخالفون هذه القاعدة الإسلامية العظيمة وهوأن:
    الأصل في الدين هو التيسير وليس التعسير.


    قال-عليه الصلاة والسلام-:"وإذا غضب أحدكم فليسكت" أى لا يتجاوب مع ثورته الغضبية فيتكلم من الكلام ما يؤذي به الذي كان سببَ إغضابه كما وقع لعمر مع حذيفة.

    وجاء في الحديث الصحيح:أن رجلا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -فقال له:أوصِني

    يا رسول الله فقال:"لاتغضب" قال:أوصني قال: لاتغضب قال:فرأيتُ الخيرَ كله فى ترك الغضب).

    فهنيئاً لمن استجاب لأمر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- فبذلك يحيى في الدنيا حياة طيبة كما قال

    ربنا-تبارك وتعالى-: {ياأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسولِ إذا دعاكم لِما يُحييكم}

    فالرسول -عليه الصلاة والسلام -يدعونا دائما وأبداً للأخذ بمكارم الأخلاق التي فيها حياة المتمسك

    بها حياة طيبة في الدنيا قبل الآخرة وعلى العكس من ذلك الذي لايأخذ بتعاليم الرسول -عليه الصلاة

    والسلام- يعيش في حياته ضنكاً. وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-لا يثأر لنفسه وإنما إذا

    انتهكت محارم الله لم يقف شيء أمام غضبه.



    يتبع .

  2. #82
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..



    108-باب:الانبساط إلى الناس


    يعني معاملة الناس برحابة الصدر وبالهشاشة والبش في وجوههم.

    *عن عطاء بن يسار قال:(لقيتُ عبدَ الله بن عمرو بن العاص فقلتُ:أخبرني عن صفة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-في التوراة)

    عطاء بن يسار تابعي مشهور يسألُ عبد الله صحابي مشهور.

    قال:(فقال:أجل والله! إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن { ياأيها الرسول إنَّا أرسلناك شاهِداً ومبشراً

    ونذيراً}
    هذه الآية فى سورة الأحزاب. جاءت هذه الصفات جاء وصف الرسول- عليه الصلاة والسلام-بها في التوراة.

    {ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهدِاً ومبشِراً ونذيراً} جاء هذا في التوراة وجاء عطفاً عليها"وحرزًا للأميين,أنتَ عبدي

    ورسولي ,سميتُكَ المتوكل ليس بفظٍ ولاغليظٍ ولاصخَّابٍ في الأسواق ولا يدفع بالسيئةِ السيئةَ ولكن يعفو ويغفر,ولن

    يقبضه اللهُ-تعالى-حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا:لا إله إلا الله ويفتحوا بها أعيناً عمياً وآذانا صُماً وقلوباً غلفاً)


    هذه الأوصاف مما وصف بها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في التوراة كبيان لليهود وللنصارى بأنه سيأتي

    من بعدهم رجلٌ هو أحمد بن عبد الله - عليه الصلاة والسلام -.

    الله - عزوجل - وصف الرسول قبل بعثته لأهل الكتاب حتى إذا أدركوا بعثته ووجدوا تلك الأوصاف مُتحققة فيه

    ؛آمنوا به فإذا لم يؤمنوا به فقد كفروا لأن الحجَّة قد قامت عليهم بهذه الصفات التي تقدمت مجئ الرسول والتي أوحى

    بها ربنا- تبارك وتعالى-إلى موسى -عليه السلام- في التوراة ، فجاء وصفه -عليه الصلاة والسلام- بهذه الصفات.

    الصفات الثلاثة الأولى مذكورة في كتابنا : {ياأيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً}.

    = مامعنى: شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا ؟

    شاهداً أي لله -عز و جل- بالألوهية وشاهداً على الناس يوم القيامة كما يُشير إلى ذلك الآية

    الكريمة:{فكيف إذا جئنا من كل أمةٍ بشهيد وجئنا بك على هؤلاءِ شهيداً} فشاهد لله بالوحدانية وشاهد

    على أمتك بصورة عامة وعلى قومك بصورة خاصة بأنك دعوتهم إلى عبادة الله وحده.ولهذا لما أمر

    رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- بعض أصحابه أبي بن كعب أوابن مسعود والراجح أنه ابن

    مسعود أمره أن يقرأ قال:"اقرأ عليَّ القرآن" قال:يارسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال:فإني أحب

    أن أسمعه من غيري, فقرأ حتى بَلَغَ هذه الأية {فكيف إذا جئنا..} قال:كان عبد الله بن مسعود يقرأ

    رامياً ببصره إلى الأرض أدباً في التلاوة وأدباً في الجلوس بين يدي الرسول - عليه الصلاة والسلام-

    قال:فلما وصلتُ إلى هذه الآية"وجئنا بك"رفعتُ بصري وإذا برسول الله- صلى الله عليه وسلم - عيناه

    تدمعان"لأنه سيشهد على قومه بما شهد منهم من عصيان ومن طغيان فهذا شيء يحزن له رسول

    الله- صلى الله عليه وسلم- فلما تذكر ذلك بكى لأنه لابد أن يؤدي الشهادة.

    وبشيرا : للمؤمنين بالنعيم المقيم

    ونذيراً : للكافرين بالعذاب الأليم.


    =وفى التوراة زاد في وصف الرسول - عله الصلاة والسلام- فقال:

    "وحرزاً للأميين" أي وحصناً حصيناً للأميين.هذا من جملة الأنباء الغيبية لأن التوراة نزل ولا يعرف

    المُنزل عليهم من اليهود مَنْ هم المقصودون بالأميين؟

    فنبأهم ربنا بطريق كتابه التوراة بأن هذا النبي الكريم بأنه حرز للأميين الذين لايقرَؤن وفي هذا دلالة

    على أن هذا النبي سوف يُبعث من غير اليهود والنصارى لأن اليهود والنصارى لم يكونوا

    أميين.والأميون إنما هم العرب الذين قال الله:{وهو الذى بَعَثَ فى الأميينَ رسولاً منهم}.

    وقد عاشوا وليس لهم دولة قائمة,عاشوا قبائل شتى وطرائق قددا يقتل بعضهم بعضاً ظلماً بدون إثم

    ولاحرج فقد كان الروم يستعبدونهم وكان الفرس يستعبدونهم فلما جاء الإسلام بطريق محمد- عليه

    الصلاة والسلام - واستجاب له المؤمنون وهم أميون صار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حصناً

    لهم فلم يستطع بعد ذلك أن يستعبدهم الروم ولا الفرس بل انقلبت الآية فجعل اللهُ كلمة هؤلاء المؤمنين

    الأميين هي العليا وجعل كلمة الكفار الذين هم فارس والروم يومئذٍ السُفلى .

    فإلى هذه الحقائق تُشير هذه الكلمة الوجيزة التي كانت وحياً من السماء إلى موسى -عليه السلام-فى كتابه التوراة.

    فقالت:وحرزاً للأميين أي:رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يكون حصناً حصيناً لأصحابه المؤمنين به وهم من الأميين.

    وخاطب الله-عزوجل- نبيه كما جاء في التوراة: "أنتَ عبدي ورسولي" أنتَ عبدي في هذا تشريفٌ

    للرسول -عليه الصلاة والسلام- ولذلك لما ذكر الله -عز و جل في سورة الإسراء في مطلعها أنَّ اللهَ

    أسرى به - عليه السلام - فقال:{سُبحان الذى أسرى بعبده} ماقال سبحان الذي أسرى بمحمد لأن في

    هذه التسمية وصف لا تشريف

    ورسولي أرسلك إلى الناس جميعاً وكافة ورحمة للعالمين.

    وسميتك المتوكل من أسماء الرسول-عليه الصلاة والسلام -المتوكل على الله ، والتوكل:هو الاعتماد

    على الله -عزوجل- ولكن التوكل صفة قلبية وليس لها علاقة بأعمال الجوارح.أي أن التوكل على الله

    والاعتماد عليه لا يُنافي الأخذ بالأسباب الموصلة إلى المسببات خلافاً لما يتوهم بعض الناس خاصة

    منهم الصوفية الغلاة الذين يظن أحدهم أن من تمام التوكل على الله ترك الأخذ بالأسباب وهذا ليس

    بصحيح.بل هذا خِلاف ماأمرالله -تبارك وتعالى- في كتابه وبيَّنه رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم

    ففي كتاب الله: {هوالذي جَعَلَ لكم الأرضَ ذلولاً فامشوا في مناكبها وكُلوا من رزقه وإليه النشور}

    لم يقل لاتمشوا في الأرض وأنا أضمن لكم الرزق. الأرض ذلولاً يمتنّ الله على عباده حيث يُيسرلهم

    الانطلاق في الأرض فجعلها ذلولاً أي مُهيأة مخضعة لينطلق الإنسان بيسر فيسعى لكسب رزقه المدخر

    له عند ربه. وما يتوهمه بعض الناس من أنَّ هناك بعض الأحاديث التى يتوهمون أن فيها ما يُقرر

    خلاف ما أفادته هذه الآية أي أن يتكل الإنسان على الرزق المكتوب في الغيب ولا يتعاطى

    الأسباب، فذلك وهمٌ مجرد.

    من ذلك استدلال بعضهم بالحديث الصحيح:"لو توكلتم على الله حق التوكل لرزقكم كما يرزق الطير

    تغدو خِماصا وتروح بِطاناً" يفهمون من هذا الحديث أن الإنسان لو توكل على الله حق التوكل لرزقه

    اللهُ دون أن يتعاطى الأسباب بينما الحديث يتضمن خلاف ذلك.لأن الحديث لما ضرب المثل بالطير

    ماقال:تمكث في أوكارها ويأتيها رزقها من ربها,إنما قال: تغدو: تذهب فى الغدوة في الصباح

    المبكر.خِماصاً: يعني بطونها خاوية ثم تروح مساءً وبطونها ممتلئة من رزق ربها.

    فالحديث يدل على أن من تمام التوكل على الله -عزوجل- الأخذ بالأسباب حتى الطير يعرف أن طريق

    طلبه للرزق ليس أن يقبع في عشه ويقول كما يقول جُهَّال المسلمين :وفي السماء رزقكم وما

    توعدون.هذا صحيح لكن هذا الرزق الذي في السماء هل يأتيكَ دون أن تطرق بابه؟ الجواب:لا.

    فالتوكل على الله -عزوجل- لا يُنافي الأخذ بالأسباب وهكذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-الذي

    سماه اللهُ المتوكل فهو لم يدع الأخذ بالأسباب.

    لذلك قال-عليه الصلاة والسلام-:"بُعثتُ بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لاشريك له وجُعِلَ

    رزقى تحت ظل رمحي" هذا سبب من أشرف الأسباب ألا وهو أن النبي-عليه السلام- كان يقاتل فى

    سبيل الله الكفار وقد جَعَلَ الله له الخُمس فكان ذلك سببا لطلب الرزق.فكان يقول في تمام

    الحديث:"وجُعِلَ الذل والصغار على مَنْ خالف أمرى ومَنْ تشَبَهَ بقوم فهو منهم".


    يتبع

  3. #83
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    الأسئلة




    س1:-عن بريدة قال:قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-:"نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ونهيتكم عن لحوم الأضاحى فوق ثلاث فأمسِكوا مابدا لكم ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاءٍ فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مُسكِراً".رواه مسلم. نرجو شرح الحديث.


    ج:-نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها كان الرسول-عليه السلام- قد نهى المسلمين في أول الإسلام نساءً ورجالاً عن

    زيارة القبور وذلك من باب سد الذريعة لأنهم كانوا حديثي عهدٍ بالإسلام وقريبي عهدٍ بالشرك فخشي -عليه الصلاة

    والسلام-أنه إذا أذن لهم بزيارة القبور أن يفعلوا عندها من الشركيات والوثنيات ماكانوا يفعلونه قبل البعثة في

    الجاهلية ، وبعد أن مضى ما شاء الله من الزمن حتى تمكن الإيمان في قلوبهم وعرفوا مايجب الإتيان به إذا زاروا

    القبور أذِنَ لهم -عليه الصلاة والسلام- إذناً عاماً للرجال والنساء على القول الصحيح فقال:"كنتُ نهيتكم عن زيارة

    القبور ألا فزوروها"، وبيَّنَ في أحاديث أخرى الحكمة من زيارة القبور فقال -عليه الصلاة والسلام-:"فإنها تذكركم

    الآخرة" فلاشك أن النساء بحاجة إلى أن يتذكرن الآخرة كالرجال إن لم نَقُل هن أحوج إلى ذلك من الرجال ؛ لذلك

    حصر الإذن بزيارة القبور للرجال دون النساء مع أنه مُخالف لأحاديث صحيحة فهو في الوقت نفسه يُنافي الحكمة

    وهي تذكّر الآخرة : فالنساء كما قال-عليه الصلاة والسلام-: "شقائق الرجال"فهن بحاجة لتذكر الآخرة ، فيجوز

    للرجال والنساء زيارة القبور لكن بشرط أن تكون الزيارة شرعية فلا يجوز مثلا للرجال أن يتخذوا المقبرة مقهىً ،

    ومن تمام زيارة القبور أن يُسلم الزائر على المزور السلام الذي شرعه الرسول -عليه الصلاة والسلام-ألا وهو:

    "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنَّا إن شاءَ اللهُ بكم لاحِقون,أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع ,نسأل

    الله لنا ولكم العافية اللهم اغفر لهم اللهم ارحمهم".


    كذلك النساء يزرن القبور لتذكر الآخرة والسلام على الميت.أما أن يزرن المقابر متبرجاتٍ بزينةٍ ويجلسن ويتحدثن

    ويصحن ويَنِحنَّ؛ فكل هذا يجعل الزيارة مُحرمة.

    و من آداب الزيارة:- أن الذي يريد المرور بين القبور لابد أن يمشى حافيا ذلك لأن النبى -صلى الله عليه وآله

    وسلم- رأى رجلا يمشي بين القبور بنعليه فقال:"ياصاحب السبتتين إخلع نعليك" السبتية هى النعل الذي لا شعر

    فيها. أى إذا كنت مضطرا أن تمشي بين القبور فمن احترامك للقبور ألا تطأها بنعالك وإلا فليقتصر على السلام من

    بعيد.

    - ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا مابدا لكم من جملة الأحكام التى كانت في أول الإسلام أنه لا يجوز

    للمُضحِّي أن يدخِّر لحم أضحيته إلا ثلاث أيام فقط فإذا دخل اليوم الرابع يجب صرف ما بقي عنده من الأضحية.وكان

    هذا الحكم لأمرٍ قد طرأ,فقد جاء في"صحيح"مسلم من حديث السيدة عائشة قالت: دفَّت دافة من الأعراب فى

    المدينة -يعني جاء طائفة من الأعراب الفقراء مُهاجرين إلى المدينة فهم بحاجة إلى طعام وكان الوقت وقت عيد

    الأضحى فقال -عليه الصلاة والسلام-:"لاتدخروا لحوم الأضاحي فوق ثلاث" ليضطر المُضحي إلى أن يصرف هذا

    اللحم إلى هذه الدافة. لكن الدافة إما رجعت وهى غنية وإما استقرت في المدينة وقد أغناها الله - عزوجل -من فضله

    بواسطة المسلمين فزالت العلة التي من أجلها نهى الرسول-عليه السلام-من ادخار لحوم الأضاحى ، فأمسِكوا ما بدا

    لكم يعني ادخروا ماشئتم لكن لا تنسوا على كل حال حق الفقراء في الأضاحي.

    وجاء في الحديث الصحيح:أن المضحين إذا ضحوا يوم العيد يُؤمرون بثلاثة أشياء:"فكلوا وتصدقوا وادخروا".

    - ونهيتكم عن النبيذ في الأسقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً
    هذا كان في أول الإسلام حيث كانوا حديثي عهد بتعاطي المُسْكرات فلما حَرَمَ اللهُ عليهم الخمر تحريماً عاماً من أي

    شيء كان هذا الخمر متخذاً ، فمن باب سد الذريعة نهاهم الرسول-عليه الصلاة والسلام-أن ينتبذوا في بعض أنواع

    الأسقية التي تساعد على تخمر النبيذ ثم أباح الانتباذ بعد ذلك في كل سقاء وبقي النهي عن المسكر فقط .


    س2:-عن عائشة قالت:"كنتُ أدخل بيتي الذي فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي واضع ثوبي وأقول إنما هوزوجي وأبي ,فلما دُفِن عمر-رضى الله عنه -مادخلته إلا وأنا مسدولة عليَّ ثيابي حياءً من عمر" رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح هل الأموات يرون الأحياء عند زيارة القبور حتى تقول عائشة هذا؟


    ج:-الأموات لايرون الأحياء وبينهم وبين الناس في الدنيا برزخا كما في القرآن إلى يوم يُبعثون فلا صلة بين الأموات

    والأحياء. ولا علم للأموات بما يجري للأحياء.أما هذه القصة التي تتحدث عنها السيدة عائشة فهي من الأمور إما ان

    يُقال:إنه رأي للسيدة عائشة, وإما أن يكون هذا حُكمٌ خاصٌ بعمر بن الخطاب على اعتبار أنه من الخلفاء الراشدين

    وأنه قُتِل غدراً من المجوسى اللعين. فعائشة - رضي الله عنها - تقول:أنها كانت تدخل الحجرة التي كانت حجرتها في

    عهد الرسول -عليه السلام-.وفي هذه الحجرة دُفن الرسول -عليه السلام- ودُفِنَ أبوها فكانت باعتبارها في بيتها

    رافعة خمارها آخذة حريتها ، فلما دُفِن عمر وهو غريب صارت لا تدخل الغرفة إلا بخمارها قالت:حياءً من عمر.

    فهل الأموات يرون؟ هى احتجبت من باب أحد شيئين:

    1-إما أنها تظن أن عمر بصورة خاصة لأنه شهيد ومن الخلفاء الراشدين يجوز أن يكون له هذا الانطلاق وهذه

    الرؤيا الخاصة فهي تضع الخمار لكي لا يراها عمر.

    2-الاحتمال الثاني وهو الأرجح أن هذا أمرٌ رمزي, و هي لا تعتقد أن عمر يراها وإنما مادام الرجل دُفن في بيتها

    فهي ترى من الآداب الشكلية؛أن تختمر وأن لا ترفع الخمار.

    ومما يؤيد الوجه الثاني أنها لو كانت تعتقد أن عمر يراها ؛ لما اقتصرت على وضع الخمار لأن أمهات المؤمنين

    بعد أن فُرضَ عليهن الحجاب لم ير الرجل الغريب وجه إحداهن إطلاقاً لأن نساء الرسول كان من الواجب عليهن أن

    يسترن وجوهن. فهذا مجرد أدب من السيدة عائشة -رضي الله عنها - فى ذلك المكان الذي دُفن فيه عمر .



    انتهى - بفضل الله - الشريط العاشر .

    يتبـــــــــع .

  4. #84
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    الشريط الحادي عشر


    ** تابع باب الانبساط إلى الناس


    تتمة الحديث:" ليس بفظٍ ولا غليظٍ ولاصخَّابٍ في الأسواق, ولا يدفع بالسيئةِ السيئة َولكن يعفو ويغفر,ولن يقبضه

    الله تعالى حتى يُقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا:لاإله إلا الله و يفتحوا بها أعيناً عمياً وآذانا صُمَّاً وقلوباً غُلفاً"



    - ليس بفظٍ ولا غليظٍ ولاصخابٍ في الأسواق :

    قال تعالى:{ولو كُنتَ فظاً غليظَ القلبِ لانفضوا من حَولِكَ}. هذه الصفة أن الرسول -عليه الصلاة والسلام - لم يكن

    فظاً غليظَ القلب هو أمرٌ طبيعي أن يكون كذلك مادام أنه وُصِفَ في القرآن بقول الله: {وإنكَ لعلى خُلقٍ عظيم} فليس

    من الأخلاق الكريمة أن يكون المسلم المُقتدي برسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- فظاً غليظاً لأنه لو كان كذلك

    لنفر الناس وانفضوا من حوله لذلك قال تعالى مُخبراً عن هذه الحقيقة التي عليها رسول الله -صلى الله عليه وآله

    وسلم- وهي أنه كان رقيق القلب رحيما رفيقاً بأصحابه بل وحتى في بعض الأحيان بأعدائه.

    وقد جاء يهودي للنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو في مجلسه في بيته فسَلَمَ عليه سلاما بالتعبير العامِّي ملغوم

    ضمنه الطعن فيه حيث قال:السام عليك يا رسول الله -السام هو الموت - وبديهي أن لا يخفى ذلك على رسول الله -

    صلى الله عليه وآله وسلم- فقال له: "وعليك"ولكن السيدة عائشة – رضي الله عنها- التي سمعت قولهم وتنبهت لما

    قصدوا إليه لم تملك نفسها بل اندفعت لتقول:وعليك السام واللعنة والغضب.ثم لمّا انصرف اليهودي عن مجلس

    الرسول -عليه الصلاة والسلام- التفت إليها قائلاً:"ياعائشة ماكان الرفق فى شىءٍ إلا زانه وما كان الغضب في

    شيءٍ إلا شانه" قالت: يا رسول الله ألم تسمع ما قال؟

    قال:"ألم تسمعي ما قلتُ؟ لقد أجبته بقولي:وعليكم,

    فإن كان قصد فقد أعلمناه أنَّا مُنتبهون وإن كان لم يعن فقد أجبناه بدون اعتداء".

    فهذا أثر من آثار الرسول -عليه الصلاة والسلام-أنه لم يكن فظاً ولا غليظاً حتى مع الكفار الذين كان لهم ميثاق؛

    فأولى أن لا يكون مع أصحابه فظاً ولاغليظاً.


    = ولاصخَّابٍ فى الأسواق :

    فمعنى ذلك أنَّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان في منتهى الهدوء فكان بعيداً عن أخلاق السوقة والباعة الذين

    يرفعون أصواتهم في الأسواق فالصخب:هو رفع الصوت بشدة. فلم يكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كذلك إنما

    كان رقيقاً ناعماً مهذباً.


    = ولايدفع بالسيئةِ السيئة :

    أي أن الرسول-عليه الصلاة والسلام-كان يغلب عليه أنه إن أساء إليه أحد؛

    لم يُقابل السيئة بالسيئة وإنِّما يُقابل السيئة بالحسنة ويعفو ويصفح.

    ومن الأمثلة على ويعفو ويغفر: قصة ذلك المشرك الذي تتبع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم-في بعض أسفاره

    حتى وجد منه خلوة وابتعاداً عن أصحابه في البرية فوجده وقد عَلَقَ سيفه على شجرة ثم وضَعَ رأسَهُ فنام فسارع إلى

    السيف فأخرجه من غمده ثم أيقظه ثم قال له وقد أشهر سيفه: مَنْ يُجيرك مني ؟

    فقال-عليه الصلاة والسلام-:"الله"

    فسقط السيف من يد ذلك المُشرك من رهبته وخوفه من مُناداة الرسول-عليه الصلاة والسلام- لربه وسرعان ما أخذ

    الرسول-عليه الصلاة والسلام- السيف بيده وقال له:"مَنْ يُجيرك مني ؟"

    فطلبَ المشرك منه أن يعفو عنه فأطلقه ولستُ استحضر أن المشرك آمن.


    = ولن يقبضه اللهُ حتى يُقيم به الملة العوجاء :

    لن يتوفى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- حتى يُقيم الملة العوجاء. والمقصود بالملة:هي ملة إبراهيم -عليه

    السلام-ولكن وصفها بأنها عوجاء باعتبار ما دخل عليها وما طرأ فيها من التغيير والتبديل لا منه إبراهيم-عليه

    السلام- فقد كان أمة قانتاً مُوحِداً داعِياً إلى اللهِ كما أمره اللهُ وإنما الناس بعد إبراهيم إعوجوا وانحرفوا عن مِلته

    ومع الزمن أصبح الناس يتوهمون أن ماهُم فيه من الاعوجاج والانحراف عن ملة إبراهيم إنما هي الملة المستقيمة

    كماهو الشأن اليوم بالنسبة لكثير من المسلمين الذين يعبدون الله - تبارك وتعالى- بأمورٍ ليست من الإسلام ولكنَّ الله

    تعهد بهذا الدين بالمحافظة عليه كما قال ربنا- تبارك وتعالى-: {إنَّا نحنُ نزَّلنا الذكرَ وإنَّا لهُ لحافظون}

    فالله -عزوجل- لاشك أنه موفي بهذا العهد فلا يزال الشرع كما كان في عهد الرسول -عليه الصلاة والسلام

    -محفوظاً ما بين دفتي القرآن وكتب السُنَّة الصحيحة. أما قبل الرسول-عليه الصلاة والسلام-فقد أصاب الملة

    الإبراهيمية إعوجاج لم يبق مجال لأحد أن يعرف الاستقامة التي كانت في ملة إبراهيم حينما بُعث بها.

    لذلك فقد قيّضَ اللهُ لملة إبراهيم أن يُقيمها رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأخبرَ اللهُ في التوراة بأنه إذا بَعَثَ

    محمداً-عليه الصلاة والسلام -فإنه سوف يُبارك في عمره فلا يقبضه إليه إلا بعد أن يُقيم الملة الإبراهيمية التي ادْخِلَ

    فيها ما ليس منها فأصبحت ملة عوجاء.


    مثال:- كيف أصبحت ملة إبراهيم عوجاء بسبب ما أدخله الناس بجهلهم في هذه الملة السمحاء؟

    كلنا يعلم أن الذي بنى الكعبة الشريفة إنما هو إبراهيم -عليه السلام- وهو الذي دعا الناس للذهاب إلى الحج إلى

    بيت الله الحرام وأنه هو الذي سنَّ الطواف حول الكعبة وبين الصفا والمروة فلبث الناسُ ما شاء اللهُ - تبارك وتعالى-

    من سنين يُحافظون على سُنَّة إبراهيم -عليه السلام- في الحج والمناسك.ثم عرض لهذه المناسك شيء كبير من

    الانحراف.من اوضح ذلك أن الأصنام بدأت تتسرب إلى بيت الله الحرام بسبب انحراف الناس عن عبادة الله وتوحيده

    كما دعا إبراهيم -عليه السلام- إليه فجلبوا الأصنام من الروم إلى مكة ووُضِعت على ظهر البيت الحرام مع أن

    المساجد كما قال تعالى:{وأنَّ المساجدَللهِ فلا تدعوا مع اللهِ أحداً}وأفضل المساجد على وجه الأرض هو المسجد

    الحرام.ومع ذلك وُضِعت الأصنام على ظهر بيت الله الحرام وعُبدت من دون الله. فهذا أعظم البدع والضلالات التي

    دخلت في دين إبراهيم وفي بيت الله الحرام ومن ذلك أن الطوافين حول الكعبة سَوَّلَ الشيطان إليهم بأنه أتقى لهم عند

    الله أن يطوف الطائف منهم حول الكعبة عارياً لا فرق عندهم بين النساء والرجال.فهذا من الانحراف الخطير الذي

    أصاب ملة إبراهيم -عليه السلام- خاصة في بيت الله الحرام.ولقد كانت المرأة حين ما تدخل الطواف حول الكعبة تُلقي

    ثيابها.لماذا سَوَّلَ الشيطان لهؤلاء الأقوام أن يطوفوا حول البيت عراة نساءً ورجالاً؟ لقد سول لهم استحسان الطواف

    حول الكعبة عراة بدعوى أنه لا يليق بالطائف أن يطوف حول الكعبة في ثيابٍ عصى الله فيها وكانت غفلتهم شديدة

    لأن هذه الثياب يُمكن غسلها أو تغييرها لكن ماذكرهم الشيطان أنه لاي ليق الطواف بالبيت الحرام بقلبٍ عصى الله .

    فجاءت السُنَّة تعاكس دعوة الشيطان فبينت في القرآن:{خذوا زينتكم عند كل مسجد} نزلت بخصوص الطواف حول

    الكعبة عارياً نزلت لإبطال هذه العادة الجاهلية التى خالفوا فيها ملة إبراهيم -عليه السلام- فقال تعالى:{خذوا زينتكم

    عند كل مسجد} أي استروا عوراتكم إذا طفتم وإذا دخلتم أي مسجد من مساجد الله في الأرض.وكان من السُنَّة أن

    المسلم إذا عزم على الحج أن يتطهر من أدرانه ومن الآثام والذنوب وأن يتوب إلى ربه -تبارك وتعالى -إذا كان يريد

    أن يكون حجه مقبولاً مبروراً فقال-عليه الصلاة والسلام-:"مَنْ حجَّ البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم

    ولدته أمه"فأمر -عليه الصلاة والسلام- بهذا الأمر الهام قبل كل شيء قبل تغيير الثياب أن يُطهرالإنسان نفسه من

    ذنوبه وآثامه حتى إذا حج إلى بيت ربه رجع كيوم ولدته خالياً من ذنوبه. بعد ذلك أمر الرسول -عليه الصلاة

    والسلام - في المرتبة الثانية أمر كل حاج إذا أحرم بالحج أن ينزع ثيابه ولو كانت نظيفة وأن يلبس إزاراً ورداءً هذا

    من تمام التهيؤ للذهاب إلى بيت الله الحرام.


    يتبع .

  5. #85
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    = يقيم الملة العوجاء

    يُقيم:أي يُقوِّم الملة:هي ملة إبراهيم -عليه السلام- ليست بطبيعتها عوجاء وإنما عرض لها

    العوج بما أدخل الناس فيها من خرافات فلم يقبض الله نبيه -عليه الصلاة والسلام- حتى أطاح بالأصنام

    من الكعبة وذلك يوم فتح مكة فكان يطعن بمخصرته"عصاة في يده" على كل صنم ويقرأ قوله تعالى:

    {وَقُل جَاءَ الحقُ وزَهَقَ الباطلُ إنَّ الباطلَ كان زَهوقاً} حتى لم يبق على ظهر الكعبة صنم وأصبحت

    العبادة لله وحده لاشريك له. فالله - عزوجل - بَعَثَ الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- ليُقيم الملة العوجاء

    فما مات إلا وقد قام بهذا الواجب مصداقاً لقول الله -تبارك وتعالى-:

    {ياأيها الرسول بَلِغ ماأنزِلَ إليكَ من ربك وإن لم تفعل فمابلَّغتَ رسالته واللهُ يَعصمك من الناس}

    فقد غفر الله له وعصمه من الناس حتى أقام الملّة الحنيفية بعد ما أصابها الإعوجاج من كل ناحية.

    ولقد بيَّنَ في هذه الجملة كيف يقيم الملّة العوجاء فقال:"بأن يقولوا:لا إله إلا الله"

    -فى هذه الفقرة تنبيهٌ عظيمٌ جداً إلى أهمية شهادة التوحيد في الإسلام.إنما تكون إقامة الملّة التي انحرفت

    وانحرف فيها الناس عن الجادة أول ما تكون بأن يقولوا:لاإله إلا الله. ومن البديهي أنه ليس المقصود من

    قوله بأن يقولوا:لا إله إلا الله أن يقولوها بألسنتهم ولمَّا يدخل معناها فى قلوبهم,ليس هذا هو المقصود وإنما

    الغرض أن يقول بلسانه هذه الجملة الطيبة وهو واعٍ لمعناها المقصود منها.

    فما هو معنى لاإله إلا الله ؟

    لأن أكثر الناس في غفلة عن معنى هذه الكلمة الطيبة والكارثة أنه قد عادت هذه الملّة إلى الإعوجاج

    في هذا الزمن وفي الذي قبله من سنين بسبب غفلة الناس عن معنى لا إله إلا الله ومقتضياتها ولوازمها.

    كثير من الناس يتوهمون أن معنى لا إله إلا الله:لا رب إلا الله وهذا خطأ ، ليس معنى لا إله إلا الله لا رب

    إلا الله فقط لا شك أنه لارب إلا الله ولكن الشيء المهم لفهم هذه الكلمة الطيبة هو :

    أن نفرق بين معنى الرب ومعنى الإله ؟

    فمعنى الإله أعم وأشمل من معنى الرب.ومعنى الرب أضيق من معنى الإله.


    مثال:- من اعتقد بأن محمداً نبي الله فهذا صحيح فمحمد نبي الله ولكن لا يتم إيمانه حتى يعتقد أن

    محمداً رسولُ الله ؛ ذلك لأن كلَ رسولٍ نبي وليس كل نبي رسولا، أي أن معنى النبي أضيق من

    معنى الرسول.

    أيضا إذا قيل حيوان وقيل إنسان فمعنى الحيوان أوسع من معنى الإنسان.

    كل إنسان حيوان ولكن ليس كل حيوان إنسان ، فمعنى أنَّ كل حيوان إنسان خرج

    من ذلك أن تكون له حياة تشبة حياة الملائكة.

    &- الفرق بين النبي والرسول:-

    النبي:هو رجلٌ يوحى إليه من الله - تبارك وتعالى - لكن هذا الوحي ليس فيه تشريع,

    نزل إليه خاصة وإنما هو بحكم برسالة وكتاب مَنْ قبله من الرسل.

    أما الرسول: فهو نبي أرسِلَ للناس بكتاب.

    كذلك معنى الرب والإله:-

    فالرب :- هوالخالق للناس وللعالم جميعاً والمُربي لهم فهو رب العالمين

    لكن الإله:- هوالرب الذي لا يُعبد سواه.

    فمن اعتقد بأن الرب هو خالق هذه السموات ؛ هذه عقيدة صحيحة لكنها لاتكفي فلابد

    أن يضم إلى اعتقاده بأن الله هو الرب خالق السموات والأرضين لابد أن يُضيف إلى ذلك

    بأنه هوالإله المعبود بحق ليس غيره يُعبد بحق.


    --"بأن يقولوا:لاإله إلا الله":

    بأن يعتقدوا أن هذا الرب الخالق هو وحده الذي يستحق العبادة دون سواه.

    فمعنى هذه الجملة لامعبود بحق فى الوجود إلا الله.

    هنا يظهر الفرق بين التوحيد والشرك ويظهر سبب كفر المشركين الأولين الذى جاء الخبر

    عنهم في القرآن الكريم بأنه: {وإذا قيل لا إله إلا الله يستكبرون}.
    كان من طبيعة عقيدة المشركين أنهم يُنكرون هذه الكلمة "وإذا قيل لهم لاإله إلا الله يستكبرون"

    ذلك لأنهم عرب ويفهمون أن معنى هذه الكلمة هو إبطال الآلة الأخرى التي كانوا يعبدونها من دون

    الله في الوقت الذي يعتقدون فيه أن الرب هو الخالق المربي الرازق :
    {ولئن سألتهم مَنْ خَلَقَ السمواتِ والأرضَ ليقولن الله}

    فهم يُوحدون الرب ولايعتقدون أن هناك خالق مع الله ، فهم فى الربوبية موحدون

    ولكنهم في الألوهية كانوا مشركين. كانوا يعتقدون أن الخالق واحد لكن يعبدون معه آلهة أخرى

    ولذلك كانوا يستنكرون على الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- حينما يدعوهم إلى قول:

    لا إله إلاالله . فالمسلم إذا قال هذه الكلمة فاهما لمعناها مؤمنا بها ؛ نجا من الخلود في النار

    وكان مصيره الجنة ( مَنْ قال لاإله إلا الله دخل الجنة )

    وأما الذي لايفهم هذه الكلمة ولايُفرق بين: لا رب إلا الله ولا إله إلا الله فهو فى الجهل بها

    كالمشركين أو أشد لأن المشركين كانوا يعلمون معنى هذه الكلمة باعتبار أن لغتهم لاتزال

    عربية سليمة.ولكنهم مع هذا العلم كانوا لا يعترفون بهذا المعنى الصحيح لأن ذلك يستدعيهم

    إلى أن يكفروا بآلهةٍ أخرى {أجَعَلَ الآلة إلها واحداً إن هذا لشيءٌ عُجاب}.

    ماقالوا:أجعل الربَ واحداً ؛ لأنهم مؤمنين وكانوا متفقين مع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-

    أن الربَ واحدٌ أي الخالق المربي واحد لكنهم استغربوا وتعجبوا من دعوة الرسول - صلى الله

    عليه وآله وسلم-إياهم إلى لا إله إلاالله.

    من أجل ذلك حينما حضرت الوفاة عمه أبا طالب؛جاء الرسول-عليه الصلاة والسلام- في

    آخر لحظة من حياة عمه أبي طالب ليبلغه دعوة الإسلام:شهادة أن لا إله إلا الله رحمة به

    وطمعاً في إيمانه.فجاء إليه وقال له:يا عم قُل لي كلمة أحاج بها لك عند الله - تبارك وتعالى-

    وحوله كبار قريش كانوا ينهونه أن يستجيب لدعوة ابن أخيه محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-

    فكان آخر كلمة قالها عمه أبوطالب وهو في حضرة الموت: لولا أن يُعيرني بها قومي لأقررتُ

    بها عينيك.

    مثلا:دعوة أهل القبور: يجهل أكثر المسلمين أن معنى دعاء المقبور من دون الله هو عبادة

    لهذا الميت من دون الله فالرسول -عليه الصلاة والسلام - يقول:"الدُعاء هو العبادة"

    نعتقد نحن أن أهم واجب على الدُعاة في هذا العصر الحاضر هو شرح عقيدة التوحيد

    قبل كل شيء.قبل أي إصلاح لابد من تفهيم المسلمين معنى هذه الكلمة الطيبة.


    يتبــــــــع .

  6. #86
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    الأسئلة


    س1:- ذكرتم أنه إذا غُزِىَ إقليم من العالم الإسلامي فإن الجهاد يكون فرضاً عينياً لرد العدوان,
    على الرجل والمرأة سواء.أفليس الغزو الفكري في عصرنا الحديث أخطر من الغزو العادي؟
    وألا يلزم منه أن يكون فرض الجهاد الفكري فرضاً عينياً على الرجل والمرأة سواء لمُحاربة
    هذا العدو بنفس سلاحه؟ فكيف توفقون بين قيام المرأة بالدعوة وبين أن لا تكون داعية للزومها بيتها؟


    ج:- هذا الذى يُسمى الغزو الفكري لو فرضنا أن القيام بدفعه هو فرض عين على كل مسلم ومسلمة

    فهذا الفرض المزعوم لم يأت به كل مسلم حتى يأتي دورأن يقوم به كل مسلمة.

    فحين يجد السائل المسلمين من الرجال خاصة قد قاموا بواجب رد هذا الفكر الأجنبي حينذاك يسأل:

    أليس واجب على النساء أن يشتركن مع الرجال في دفع هذا الغزو؟!

    أما وأكثر الرجال اليوم لا يشتغلون بدراسة السُنَّة التي بها يُمكن فهم القرآن وبدون هذا الفهم

    لا يمكن دفع الغزو الفكرى إطلاقاً ، إذا كانت هذه حقيقة فكيف نقول:ألا يجب على النساء

    أن يصبحن داعيات ؟ أي أن ينقلبن دعاةٍ كالرجال ويتركن بيوتهن؟ والله -عزوجل- يقول:

    { وقرن في بُيُتِكُنَّ ولاتبرجن تبرجَ الجاهلية الأولى } علماً بأن طلب العلم باتفاق علماء المسلمين

    ليس فرضاً عينياً على كل مسلم ، وإلا لأثم جميع المسلمين إلا أفرادا قليلين منهم من العلماء.

    لكن الله -عز وجل - بالمؤمنين رءوف رحيم فهو لم يفرض على كل مسلم ومسلمة أن يكون

    كل منهم عالما بالإسلام من ألفه إلى يائه وإنما أوجب على طائفة منهم أن يتفقهوا في الدين

    وأن يُبَلِغوا هم للآخرين. فكيف يُقال بأنه يجب على النساء جميعاً أن يتعلمن هذا الإسلام كله ليكونوا

    دعاة ومهاجمين لهذا الغزو؟!!

    هذا انحراف في فهم الإسلام بصورة عامة أي تنحراف عن أن طلب العلم ليس واجباً عينياً

    على كل مسلم.وإنما يجب على كل مسلم ما يُصحح به عقيدته هذا فرض عين كما بالنسبة للا إله إلا الله.

    لوكان يجب على كل مسلم أن يكون عالما فيجب على النساء والرجال أن يعلموا معنى لا إله إلا الله

    ثم يدعو كل منهم في دائرته الخاصة به يشرحون جميعاً هذه الكلمة لأن معرفتها والعمل بها فرض عين

    على كل مسلم. وأنا أنصح بكلمة واحدة نحن أشبه ما نكون اليوم بالزمن الذي أشار إليه القرآن الكريم حينما قال:

    { ياأيها الذين آمنواعليكم أنفسكم لايضركم مَنْ ضل إذا اهتديتم }

    ومعنى هذه الآية أن على المسلم أن يتعلم ويعرف المعروف فيأمر به ويعرف المنكر فينهى عنه

    فإذا وَجَدَ قلوباً غلفاً وآذاناً صماً وأعيناً عمياً ؛ فلا يهمه ذلك فعليه نفسه.




    س2:-قرأتُ في كتاب"فتح العبدي مُختصر الزبيدي"حديث أنس بن مالك:أن الرسول -عليه الصلاة والسلام-قال بما معناه:"إذا سببتُ شخصاً أو شتمته فلتكن له كفارة يوم القيامة" فكيف ذلك ولم يكن فظاً وكان على خُلقِ كريم؟


    ج:- الرسول - عليه الصلاة والسلام - وإن كان أفضل البشر فهو لا مخرج عن طبيعته البشرية

    فهذه الطبيعة البشرية تغلب عليه في نادر أحواله فقد يتوجه في طريقةٍ مستعجلة بكلمة يجرح بها

    شعور إنسان لديه لكنه ليس كأمثالنا مطلقاً لأننا نسبّ المسلم ونتّهمه بما ليس فيه ثم لا نبالي

    أما الرسول -عليه الصلاة والسلام- فسرعان ما ينتبه أنّه تكلّم بهذه الكلمة التي كان من الأفضل

    أن لايتكلم بها. لقد عاش-عليه الصلاة والسلام- ثلاثا وستين سنة فلو استقصيت مثل هذه الكلمات

    التي توجه بها الرسول -عليه الصلاة والسلام -إلى بعض الناس وهم ليسوا أهلاً لها لربما لم تبلغ

    عشر كلمات ؛ فهذا لايخل بمقامه -عليه الصلاة والسلام - ولا بنبوته ولا برسالته ما دام أنه بشر

    بنص القرآن: {قل إنما أنا بشرٌمثلكم} ولكن يجب أن لا نأخذ طرفا من هذا

    الحديث أي نتساءل كيف صَدَرَ من الرسول -عليه الصلاة والسلام-أنّ سبَّ إنسانا بغير حق؟

    وإنّما يجب أن نأخذ تمام الحديث ؛ فمن صفاته لا يتبع السيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر

    فالرسول -عليه السلام- كان حينما يسبّ إنساناً وهو غير أهل لهذه المسبّة كان يرفع يديه إلى ربه

    - تبارك وتعالى - فيقول:"أيما رجل سببته أو لعنته وهو ليس لها بأهل فاجعلها مغفرة له وزكاة

    ورحمة يوم القيامة" فهذه حسنة قضت تلك السيئة.

    لذلك ما في استنكار في هذا إلا حينما ننظر إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام- نظرة شعرية

    خيالية يعني نتصور أنه ليس بشراً وأنه كملائكة الرحمن: {لايعصون الله ماأمره ويفعلون مايؤمرون}

    حينما ننظر للرسول -عليه الصلاة والسلام -هذه النظرة الشعرية الخيالية يرد الاستشكال

    أما حينما ننظر إليه بعين الواقع أنه بشر مصطفى مختار عند الله وأن كونه بشر مصطفى

    لا يُنافي أن تصدر منه بعض الأخطاء ؛ ومن أجل ذلك قال تعالى -:

    {إنَّا فتحنا لك فتحاً مُبيناً ليغفر الله لك ما تقدمَ من ذنبك وما تأخر} .

    هل يصح أن يُقال في حق الملائكة أن الله غفر لهم ما تقدم وما تأخر؟!!

    لا ... لأن الله فطر الملائكة على أنهم لا يعصون الله ما أمرهم

    أمّا البشر بما فيهم سيد البشر-عليه الصلاة والسلام- فلم يُفطر على الطاعة

    وإنّما فُطر على الجهاد فى سبيل الطاعة فهو بحق سيد المجاهدين.




    س3:- يُقال أن الإسلام انتشر بالسيف فهل هذا صحيح ؟ وإذا كان لا فكيف الفتوحات ؟

    ج:- قال -عليه الصلاة والسلام:"بُعثتُ بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله

    وحده لاشريك له,وجُعل رزقي تحت ظل رمحي , وجُعل الذل والصغار على مَنْ خالف

    أمري ومَنْ تشبه بقوم فهو منهم"
    .هذا حديث صحيح يرويه الإمام أحمد في مسنده

    من حديث عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما - فقوله -عليه الصلاة والسلام-:

    بُعثتُ بالسيف بين يدي الساعة تقرير لحقيقة شرعية.

    وهناك حقيقة أخرى يقررها الإسلام كتاباً وسُنَّة من ذلك قوله -تبارك وتعالى -:

    {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمةِ والموعظةِ الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن }

    هذه الآية تُقرر أصلا والحديث يُقرِّر أصلاً آخر.

    الآية تُقرر أن الأصل في دعوة الناس إلى الإسلام وإلى الدخول فيه

    أفواجاً أن يشرح لهم الإسلام ويُبيِّن لهم الحقيقة وعلى هذا بدأت

    الدعوة الإسلامية في تاريخ الإسلام المكي ثم المدني.

    أما الأصل الثاني فهو بإزالة العراقيل : الأصل الثاني هو الدعوة بالسيف

    لإزالة العراقيل والعثرات التى يُلقيها أعداء الإسلام في طريق الدعوة

    للإسلام على الأصل الأول ، فالرسول-عليه الصلاة والسلام- لايرفع السيف

    إلا مضطراً وكل دعوة لابد لها من صيانة ، وأصل الدعوة الصحيحة هو الدعوة

    على الأصل الأول"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"

    ولكن الدعوة التي لاتُدعم بالقوة سيكون نهاية أمرها أن تُطوى لأن الحق مالم يُنصر بالقوة مات.

    وأنتم ترون معي بأن الإسلام حقٌ سواء في الزمن الأول أو الزمن الحاضر

    لكنه في الزمن الأول انتشر حتى بلغ المشرق والمغرب أما اليوم فقد تقلص ظله

    حتى من نفس البلاد الإسلامية وما سبب ذلك إلا أنه لم يوجد له نصر ينصره

    بالقوة حين يريد أعداء الإسلام أن يحصره بل يقضوا عليه.

    فالحكمة الإلهية اقتضت أن يُدعا إلى الإسلام بطريقة من طريقتين:

    الأولى: وهي الأصل الدعوة بالتي هي أحسن.

    الأخرى: بالسيف لإزالة العثرات من طريق الدعوة التي يجعلها الكفار.

    فمقاتلة المسلمين في القرون الأولى إنما كان لهذا السبب وهو أن الرسول

    -عليه الصلاة والسلام - بعث الدعاة إلى هرقل وإلى المقوقس وإلى أنوشروان

    وإلى كسرى فماذا كان موقف هؤلاء؟

    الصد والمنع من السماح لدعوة الإسلام أن تنطلق بحرية تامة في تلك البلاد

    فهذه البلاد التى لم تفتح أبوابها للدعاة الإسلاميين لم يكن بد من نقل الدعوة إليها بالسيف.

    أما لو فرضنا كما يزعم في العصر الحاضر أن هناك حرية تامة لكل إنسان أن يدعو

    لما يدين به لو فرضنا أن بلاد الأرض اليوم كلها تبنت هذا المبدأ أي الحرية التامة

    فسوف لا يحتاج المسلمون إلى القتال لأن القتال هو كما قال -تعالى-:

    {أذِنَ للذين يُقاتَلون بأنهم ظُلِموا} فأذِنَ لهم بالقتال لأنهم

    ظلموا وما هذا الظلم إلا هو الاعتداء عليهم إما في عقر دارهم وهو الأكثر

    في أول الإسلام وإما فى طريقهم للدعوة فأولئك القراء السبعون الذين وقعت

    معركة بئر معونة أرسل -عليه الصلاة والسلام- سبعين قارئاً حافظاً من حفاظ

    الصحابة ليدعوا إلى الإسلام فغدرت بهم بعض القبائل فقتلوهم عن بكرة

    أبيهم فقاتلهم الرسول -عليه الصلاة والسلام -حتى نصره الله عليهم.



    انتهى الشريط الحادي عشر .


    يتبــــع .

  7. #87
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    الشريط الثاني عشر


    تابع باب الانبساط إلى الناس



    * عن معاوية قال:سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلاماً نفعني الله
    به سمعته يقول أو قال:سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - يقول:
    "إنكَ إذا اتبعت الريبة فى الناس أفسدتهم"

    هذا حديث خاطب به رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم- معاوية ابن أبي سفيان

    وكان ذلك قبل أن يتولى الملك ويقول العلماء:إن مُخاطبة النبى -صلى الله عليه وآله وسلم-

    لمعاوية بمثل هذا الحديث تلميحاً لطيفاً إلى أنه قد يتولى يوما ما ولاية الناس

    وشئونهم ولذلك نصحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن لايُعاملهم على

    أساس سوء الظن وإلقاء الشبهة والريبة فيهم.

    = إذا اتبعت الريبة :

    أي إذا ظننت بهم ظن السوء وعاملتهم على أساس سوء الظن بهم كان ذلك

    دافعاً لهم وحافزاً على أن يرتكبوا ما من أجله أسأت الظن بهم.

    فلا يجوز للمسلم ان يُسيء الظن بأخيه المسلم لاسيما إذاكان له ولاية عامة

    على الناس لأن إساءة الظن بهم يُحملهم على أن يكونوا عند سوء ظنه بهم.

    وإذا أحسن الوالي الظن بالناس كان ذلك من الحوافز على أن يكونوا عند حسن الظن.

    ونحو هذا الحديث ماجاء في"صحيح"مسلم أن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-

    نهى الرجل أن يطرق أهله ليلاً يتخونهم ويتظنن بهم سوءً ، نهى الرجل إذا كان مسافراً

    أن يأتي أهله ليلاً أي أن يقصد أن يأتيهم ليلاً من باب المُباغتة والمفاجأة.

    معنى ذلك أنه ألقِي في نفسه سوء ظن بأهله ، وفي عرف الناس إذا اتُهم شخص

    بتهمة وكان بريئاً منها وحاول أن يدفعها عن نفسه فلم يستطع فيفعل ما اتٌهم به.

    فهذا الحديث فى غاية الحكمة.


    يتبـــــع .

  8. #88
    سارة بنت محمد غير متواجد حالياً مشرفة سابقة بمجالس طالبات العلم
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    3,129

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    بارك الله فيك متابعين
    عن جعفر بن برقان: قال لي ميمون بن مهران: يا جعفر قل لي في وجهي ما أكره، فإن الرجل لا ينصح أخاه حتى يقول له في وجهه ما يكره.

    السير 5/75

  9. #89
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سارة بنت محمد مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك متابعين
    وفيك بارك الله نسعد بمتابعتك

  10. #90
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    109- باب التبسم


    * عن جرير وهو ابن عبد الله البجلي قال:"ما رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-منذُ أسلمتُ إلاتبسم فى وجهي"

    وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -:"يدخل من هذا الباب رجل من خير ذي يمن على وجهه مسحة مُلك" فدخل جرير


    في الحديث الأول:أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-كان من آدابه وأخلاقه في

    صحبته لصحابه أن يهش لهم ويبش في وجوههم ولذلك يقول جرير:

    مارآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-وهذا التبسم من الصدقات التي

    بها وبأمثالها مما يُسِّر للمسلمين من الصدقات يستطيع المسلم ذكر وأنثى

    أن يصبح غنياً بالأجور فقد يفوق بمثل هذه الأعمال كثيراً من أصحاب الأموال

    فقد قال -عليه الصلاة والسلام- في حديث:"وتبسمك في وجه أخيك صدقة"

    ولذلك كان طبيعياً أنه -عليه الصلاة والسلام- يُعامل أصحابه بمثل هذا الأدب

    الذي وجَّه أصحابه إليه.

    سُئلت في الأردن ما رأيك في اجتماع يُعقد بين الرجال والنساء ؟

    أو بين الشباب والشابات متجلببات بالجلباب الشرعي فما رأيك بهذا الاجتماع ؟

    وقد سماهُ بحق اختلاط فقال:ما رأيك بهذا الاختلاط ؟

    فعلا هو اختلاط ولو أنه في تلك الحدود التي ذُكرت، وقلتُ له إذا أردنا أن نتمسك

    بالحرفية اللفظية مادام النساء في هذا المجلس متجلببات ومتسترات الستار الشرعي

    فلا بأس من هذا الاجتماع ولكن الحقيقة أن هذا لايمكن أن يكون إلا نظرياً.

    أما عملياً فكيف تستطيع أن نتصور مثل هذا الاجتماع من أوله إلى آخره.

    قد تحكم على هذا الاجتماع بالرزانة بحيث أن أحد الحاضرين لا يتكلم بكلمة

    تندفع من ورائها إحدى الحاضرات فتبتسم أو تضحك؟

    لذلك فالشرع في الابتعاد عن عقد مثل هذه الاجتماعات الخليط بين النساء

    والرجال بدعوى أن السترة متوفرة لأن كون السترة متوفرة هذا شرط من الشروط

    وأدب من الآداب الواجبة في الإسلام لكن هناك نوعية الكلام :

    فإن تبسم رجل لامرأة أوامرأة لرجل فضلا عن الضحك فضلا عن القهقهة

    حينئذٍ يخرج عن هذا المجلس عن أن يكون مجلساً إسلامياً.

    ولذلك فلا نرى إقرار هذه الاجتماعات مطلقاً ما أمكن إلى ذلك سبيلا ؛ لأن الإنسان

    لايملك نفسه أن يضحك أحياناً فيُضحك الآخرين وهنا يكون الشيطان قد طرق على الحاضرين باب الفتنة.

    لذلك فإن كان من أدب الرسول -عليه السلام- أنه لا يلقى أصحابه إلا تبسم في

    وجوههم فيجب أن نفهم هذا الحديث على ضوء القواعد الإسلامية والتي منها سد الذريعة,

    فيتبسم الرجل في وجه الرجل والمرأة في وجه المرأة وليس العكس لأن هذا مفتاح للفتنة.

    و في تمام الحديث فائدة :

    إن جريراً لما جاء يدخل على الرسول -عليه الصلاة والسلام- مبشراً بمجيء جرير:

    يدخل من هذا الباب رجلٌ من خير ذي يمن :

    جرير من قبيلة من القبائل اليمنية فأخبرهم -عليه الصلاة والسلام-أنه من خير هذه القبيلة.

    على وجهه مسحة مُلك أي على وجهه آثارالمُلك والنعمة والجمال.



    يتبــــع .

  11. #91
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    * عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "مارأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ضاحكاً قط حتى أرى منه لهواته إنما كان يبتسم -صلى الله عليه وسلم-"


    في الطرف الأول من الحديث تُحدث السيدة عائشة عن طبيعة الرسول وهو أنه

    كان يبتسم ولكن ما كان يضحك ضحكاً بالغاً بحيث يُرى لهواته .

    وإن كان الضحك بالقهقهة والصياح ليس محرماً لكن لاشك أنه مما لا يدل أبداً على الكمال والفضل.

    وقد جاء في بعض الأحاديث عن السيدة عائشة -رضي الله عنها - وصف الرسول

    - عليه الصلاة والسلام - بأنه ضحك حتى بدت نواجذه.

    فما هو التوفيق بين هذا الحديث وحديث عائشة -رضي الله عنها- ؟

    التوفيق سهل وذلك باستحضار قاعدة من القواعد العلمية الأصولية

    وهي التي تقول:مَنْ حفظ حجة علا مَنْ لم يحفظ ومَنْ علم علا على مَنْ لم يعلم.

    فكل من السيدة عائشة التي نفت وغيرها الذي أثبت كلٌ منهم صادق وكل منهم

    أثبت ما سمع وما شهد فلا نُكذب شخصا منهم فنقول في سبيل التوفيق : أنه أحياناً أي بصورة نادرة كان

    الرسول -عليه الصلاة والسلام - يضحك وما ذلك إلا لقوة الباعث على الضحك فهذا يكون على سبيل الندرة.

    ومن ذلك أن الرسول -عليه الصلاة والسلام - حدَّثَ ذات يوم أصحابه بالحديث الآتي فقال:

    "إني لأعرفُ آخر رجل يخرج من النار وآخر رجل يدخل الجنة:

    رجلٌ يخرج من النار يحبو حبواً فبينما هو يمشي بدت له شجرة عظيمة وارفة الظلال كثيرة الثمار فقال:

    ربي أوصلني إلى تلك الشجرة أستظل بظلها وآكل من ثمرها وأشرب من مائها

    فيقول الرب:هل عسيت إن أنا أوصلتك إليها ألا تسألني غيرها؟

    فيقول:لا يارب لاأسألك غيرها ، فيوصله الله -تبارك وتعالى-إليها فيستظل بظلها

    ويأكل من ثمرها ويشرب من مائها ثم ينطلق يمشي إلى الجنة فتبدو له شجرة أخرى

    ويعيد العبارة مرة ثانية وثالثة ويمتنّ الله عليه ثم ينطلق يمشي حتى إذا ما دنا واقترب

    من الجنة وأبوابها قال: يارب أدخلني الجنة فيقول ادخل الجنة ولك فيها مثل الدنيا وعشرة أضعافها

    فيقول العبد:أتهزأ بي وأنتَ الرب وأنت الحق؟!!

    فهنا يضحك راوي الحديث وهو عبد الله بن مسعود فيسأله التابعي:لمَ ضحكت؟

    قال:لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- لما ذكر أن العبد قال لله -عزوجل- أتهزأ بي وأنت الرب ؟

    ضحك الرسول -عليه السلام- ولعل راوي الحديث قال:حتى بدت نواجذه.

    فسُئل الرسول:لم ضحكت؟ قال:لأن الله ضحك من عبده لما قال له:أتهزأ بي وأنت الرب؟!!

    لم يُصدق هذا العبد المسكين وهو يعلم نفسه أنه خرج من النار وهالك

    فكيف يقول الله له:ادخل الجنة ولك فيها مثل الدنيا وعشرة أضعافها ؟

    من الأمثلة على قاعدة: مَنْ حفظ حُجَّة على مَنْ لم يحفظ

    -قالت عائشة - رضي الله عنها -:"مَنْ حدثكم بأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -بالَ قائما فلا تُصدِقوه"

    بينما روى البخاري ومسلم فى "صحيحيهما"من حديث حُذيفة بن اليمان-رضي الله عنه - قال:
    "أتى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -سُباطة قومٍ أي مزبلتهم فبال قائماً".

    نقول: كل منهم حدَّثَ بما علم: فعائشة -رضي الله عنها- لم تعلم بما علم به حذيفة

    وهذا أمرٌ طبيعي لأن السيدة عائشة من المخدَّراتِ فى البيت فهي لم تكن تخرج كلما خرج الرسول

    -عليه السلام -من بيته لأنها امرأة ووظيفتها أن تقر في بيتها,

    أما حذيفة فهو يطّلع على انطلاق الرسول-عليه الصلاة والسلام-وذهابه ومجيئه خارج بيته

    أكثر من زوجه عائشة -رضي الله عنها-. وبالعكس هي تعلم من الأمور الباطنية أكثر من كل الصحابة - رضي الله

    عنهم أجمعين- ولذلك هي لم يتفق لها أن ترى الرسول-عليه السلام- يبول قائماً لأنه وهو في بيته لايضطر أن يبول

    قائما لكن قد يخرج خارج بيته بستان برية فقد يكون الوضع بحيث أنه أسهل له أن يتبول قائماً.

    فقال العلماء:العمل على حديث حذيفة لأنه مُثبت وليس على حديث عائشة لأنه نافية والمثبت مقدم على النافي.

    --قالت:"وكان -صلى الله عليه وآله وسلم-إذا رأى غيماً أوريحاً عُرف في وجهه"

    يعني كان -عليه الصلاة والسلام- يتأثر بظواهر الطبيعة ، لكنه حينما يتأثر بهذه

    الظواهر أنما يُراقب اللهَ من ورائها ، فهو -عليه الصلاة والسلام - يحى و يعيش دائما ذاكراً

    لله -عزوجل- في كل حال وفي كل مناسبة. ومن ذلك إذا رأى في السماء غيماً أو ريحاً شديدة

    اضطرب-عليه الصلاة والسلام وظهر تأثره مما رأى على وجهه.

    وفي رواية أخرى:"وإذا أمطرت السماء سري عنه".

    يعني الرسول-عليه الصلاة والسلام كان له حالتان:

    1- إذا امتدت الغيوم في السماء فكان يضطرب الرسول -عليه الصلاة والسلام- ويظهر ذلك على وجهه.


    2 - فإذا نزلت الأمطار سُرِّىَ عنه أي زال عنه الكرب والخوف.

    كانت السيدة عائشة -رضي الله عنها - تُراقب هذا في وجه الرسول -عليه الصلاة والسلام-

    فقالت:يارسول الله ! إنَّ الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاءً أن يكون فيه المطر وأراك

    إذا رأيته عُرفتَ في وجهك الكراهة ؟

    فقال: "يا عائشة ما يؤمنِّى أن يكون فيه عذاب فقد عُذِب َقومٌ بالريح وقد رأى قومٌ العذاب

    فقالوا:هذا عارضٌ ممطرنا".

    الرسول - عليه الصلاة والسلام - هو كما قال بحق في حديثٍ آخر: "أما إني أخشاكم لله وأتقاكم لله"

    فالرسول -عليه الصلاة والسلام- بلاشك هوأخشى الناس لله وأخوفهم من الله -تبارك وتعالى -

    ومن الدليل على ذلك أنه إذا رأى ريحاً يستولي عليه الخوف ولذلك كان من هديه -عليه الصلاة

    والسلام -إذا رأى ريحا يقول:"اللهم إني أسألكَ خيرها وخير ما فيها وأعوذ بكَ من شرها وشر ما فيها"

    أي أن الريح قد تأتي بالخير وقد تأتي بالشر ولذلك فلا يجوز للمسلم أن يغتر بخير يراه

    فقد ينقلب شراً ؛ {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الكافرون}

    فإذا رأى المسلم ريحاً في السماء فيجب أن يتصور نفسية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.


    يتبـــع .

  12. #92
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    - باب الضحك


    * عن أبي هريرة قال:قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-:"أقِلَّ الضحك فإن كثرة الضحك تُميت القلب"

    *عن أبي هريرة عن النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-قال: " لاتُكثِر الضحك" .


    الفرق بين الحدثين:-

    الحديث الأول: يعلو ويسمو بالمسلم فيأمره أن يُقلل من الضحك.

    والحديث الثاني: ينهاه عن الإكثار من الضحك لأن الضحك القليل إذا اعتاده الإنسان توصل إلى الإكثار منه.

    والحديث يشهد أن الإكثار من الضحك سبب من الأسباب المميتة للقلب.

    -معنى موت القلب:ليس المقصود منه الموت المادي ؛ لأن القلب له وظيفتان وظيفة يعرفها جميع الناس حتى الكفار

    وخصوصاً منهم الأطباء ؛ وهو أنه سبب حياة الإنسان وهو المضخة الفطرية التي تمد الإنسان بهذا الدم الذي هو

    سبب حياته في تقدير الله - عزوجل -.

    أما الوظيفة الأخرى لايعرفها إلا أهل الشرع المتمسكين بنصوص الكتاب والسُنَّة هذه الوظيفة

    هي حياة الإنسان من الناحية الفكرية والناحية الروحية.

    هذه الحياة مقرها القلب ليس كقطعة لحم وإنما سر كالروح المودعة في هذا الجسد والتي لن يعرف أحد كُنهها .

    {ويسألونكَ عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}

    كذلك هذا القلب هو سبب حياة ذلك الإنسان حياة عقلية روحية.

    قد يحيى الإنسان الحياة المادية إما حياة طبيعية ، أو حياة جنونية ؛ لأنه يحيا حياة مادية كما

    يحيا أي حيوان على وجه الأرض أما الحياة العقلية والفكرية فلا يحياها إلا من كان قلبه حيا حياة روحية عقلية.

    هناك أسباب مادية تقضي على هذه الحياة الروحية التي مقرها القلب ، من هذه الأسباب كثرة الضحك.

    كثير من المسلمين فضلاً عن غيرهم لا يعلمون أن مركز العقل أي الفهم هو القلب,

    ويظنون أن مركز العقل هو الدماغ ، وهذه غفلة لأنها سيطرت على كثير من العلماء والأدباء والكُتَّاب

    فضلاً عن جماهير الناس ، النصوص الشرعية كلها تشهد بأن العقل والفهم إنما مركزه القلب

    لذلك ربنا يقول:{أم لهم قلوبٌ لايعقلون بها أم لهم آذانٌ لايسمعون بها}

    وجاءت الأحاديث تؤكد أن هذا القلب هو مركز حياة الإنسان في فهمه و في حياته الروحية

    ولعل من ذلك الحديث المشهور:"ألا وأنَّ في الجسد مُضغة إذا صَلحَت صلح الجسد كله

    وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب"


    فمن الوسائل التي تُساعد على إفساد هذا القلب وعلى إماتته؛ كثرة الضحك.

    فعلى المسلم وخصوصاً النساء ألا يُكثرن من الضحك وأن لا يرفعن أصواتهن بالضحك

    ولولم يكن هناك رجلٌ غريب فالنساء أولى بالحشمة والرزانة لذلك كنَّ يُسمين قديماً بالمخدرات.

    فأحوج من يكون إلى الإقلال من الضحك النساء لأن النساء وصفهن الرسول-عليه الصلاة والسلام-:

    "بأنهن القوارير"أي أنهن يتأثرن بأقل شيء أي بالخير والشر.



    *عن أبي هريرة قال:(خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - على رهطٍ من أصحابه يضحكون ويتحدثون
    فقال:"والذي نفسي بيده لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراُ "ثم انصرف وأبكى القوم ثم أوحى الله -عزوجل-إليه:"يامحمد ! لم تُقنِط عبادي؟ فرجع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال:"أبشِروا وسدِدوا وقاربوا")



    = لم تُقنِط عبادي؟ يعني رويدك بأصحابك, ترفق وتلطف بهم, لاتشدد عليهم في وعظك وتذكيرك.

    لذلك قال لهم -عليه الصلاة والسلام-أخيراً:"أبشِروا وسددوا وقاربوا".

    وعظه الأول ووعظه الأخير معناه كما يقول أهل العلم:إن المسلم يجب أن يحيى بين منزلتين:الخوف والرجاء.

    فلا هو خائف خوفاً يُنسي الرحمة و لا طامع طمعاً يُنسي العقاب وإنما بين ذلك قواماً.

    وقد رأى -صلى الله عليه وآله وسلم-امرأة من السبايا وهي تركض بين المعسكر لتبحث

    عن طفلها حتى وجدته فضمته إلى نفسها فقال-عليه السلام-:"لله أرحم بعباده من هذه بطفلها أو بولدها".

    فحياة المسلمين بين الخوف والرجاء تستلزم أن يكون بعيداً عن سفاسف الأمور.


    يتبــــع .

  13. #93
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    الأسئلة


    س1:- ماهو حُكم التكبير أيام عيد الأضحى وعيد الفطر؟ وماهي الأوقات المفضلة لذلك؟ وماهى صيغة التكبير؟


    ج:-أما حُكم التكبير: فهو الوجوب ؛ لقوله تعالى: {ولتُكَبِروا اللهَ على ما هداكم} .
    أما الأوقات المفضلة لذلك:فليس لتكبيرات العيدين وقت وإنما كما هو فى الآية مطلق.

    فالمسلم في العيدين يجب أن يحيا بذكر الله -عزوجل- فيُكثر من الذكر لا على التحديد ، والتحديد أدبار

    الصلوات بالتكبيرات في العيد ؛ هذه من محدثات الأمور وليس لها أصل في الشريعة إطلاقاً :

    وإنما يكبر قبلها وبعدها وبين الصلوات ، أي ليس هناك وقت معين لتكبيرات العيدين.

    أما صيغة التكبير:فليس هناك صيغة وردت عن الرسول -عليه الصلاة والسلام- ،

    وإنما جاء عن بعض أصحابه ، فمما صحَّ عنهم:"اللهُ أكبر,اللهُ أكبر اللهُ أكبر لاإله إلا الله,

    اللهُ أكبر اللهُ أكبر وللهِ الحمد" بدون الزيادات التى نسمعها.



    س2:- عن معاذ:"أنَّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم -كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زوال الشمس؛أخَّرَالظ هر حتى يجمعه إلى العصر ويُصليهما جميعا, وإذا ارتحل بعد زوال الشمس؛صلى الظهر والعصر جميعا"أخرجه أحمد وابن داود وغيرهم.هل هذا الحديث صحيح؟

    ج:- خلاف كثير بين علماء الحديث فمنهم المُصحح ومنهم المُضعِف ومنهم من يحكم عليه بالوضع

    وهذا أبعد الأقوال عن الصواب.وأصحها أن الحديث صحيح وفيه التنصيص على مشروعية جمع

    التقديم.هناك أحاديث أخرى تؤكد هذا المعنى أي أن الرسول-عليه الصلاة والسلام -كان يجمع جمع

    تقديم بين الظهر والعصر ، أما أحاديث جمع التأخير فهي أكثر وأكثر ؛ ولذلك فالمسلم في السفر مخير

    بين أن يجمع جمع تقديم أو جمع تأخير لأن كلا الجمعين ثابت عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم

    - فى الأحاديث الصحيحة ، الجمع رخصة ليس بعزيمة كالقصر.

    القصر عزيمة:أي لا يجوز للمسافر أن يُصلي تماما بل يجب عليه أن يُصلي قصراً.

    إذا كانت الحاجة للمسافر تقتضيه أن يجمع جمع تقديم ؛ قدَّمَ,وإن كانت الحاجة تقتضيه أن يجمع جمع

    تأخير؛أخَّرَ فهو وراحته ؛ صدقة تصدق اللهُ بها عليكم فاقبلوا صدقته.

    المسافر تبدأ أحكام سفره بعد تجاوزه بنيان بلدته أو قريته اللهم إلا في الصوم ، ففي

    الصوم خاصة إذا عزم على السفر وهو فى بلده؛ جاز له الإفطار:

    مثلا نويت السفر في الغد والوقت رمضان ؛ يجوز أن لا أتسحر, ويجوز أن أكل بعد السحور

    لأني عازم على السفر. أما الصلاة فلا يبدأ القصر والجمع إلا بعد الخروج من بنيان البلدة أو القرية.





    س3:- حديث سلمة بن الأكوع قال: لمَّا نزلت: ( وعلى الذين يُطيقونه فدية طعامُ مسكين )
    بمعنى مَنْ أراد يُفطر ويفتدي حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها ذكرت عن الحامل والمرضع المضطرة أنها تفطر وتُطعم عن كل يوم مسكيناً حسب الآية {وعلى الذين يُطيقونه فدية طعام مسكين}والآية قد نُسخت نرجو التوضيح؟


    ج:- نُنبه على شىء يتعلق بكلمة النسخ.فالاصطلاح الأصولي الفقهي اليوم وقبل اليوم

    بمئات السنين أن معنى نسخ الشيء:هو رفع الحكم مطلقاً جملة وتفصيلاً.

    هذا هوالاصطلاح الذى استقر عليه رأي أهل الأصول ، أما الصحابة فكانوا يستعملون النسخ بهذا

    المعنى ، وبمعنى آخر وهو في اصطلاح علماء الأصول يُعبر عنه بالتخصيص.

    فالصحابي عندما يقول:الآية الفلانية نسخت الآية الفلانية ؛ تارة يعني رفع الآية مطلقاً وتارة يعني

    خصصت منها حُكما معيناً ولم تلغ الحُكم من أصله.

    فهنا سلمة بن الأكوع يقول:إن آية{وعلى الذين يُطيقونه} نسختها الآية التي بعدها {فمَنْ شَهِدَ منكم

    الشهر فليَصُمه} إما أن نحمل كلمة"نسخت" على النسخ بالمفهوم العام وهي أن آية الفدية نُسخت

    مطلقاً وهذا هو رأي الجمهور وإما أن نفهم بقوله:نسخت هذه الآية تلك أي خصصتها.

    والمعنى الثاني سواء كان يعنيه سلمة بن الأكوع أو لا يعنيه هو الصواب

    ذلك لأن آية {وعلى الذين يُطيقونه} كانت أيضا مطلقة أول ما نزلت لاتخص ناس

    دون آخرين أي أن الله -عزوجل- حينما فرض صيام رمضان لم يفرضه على المكلفين كما هو

    مفروض اليوم,وإنما فرضه على عباده المؤمنين على التخيير بين شيئين:-

    1 - إما أن يصوم المكلف مؤديا الفرض.

    2- وإما أن يفطر فيُفدي.

    وهذا من حكمة التشريع لأنهم ماكانوا يعرفون الصيام في الجاهلية فلما نزلت فلما نزلت :

    {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}هذه الآية كما يقول سلمة نسخت الآية الأولى

    فإما أن نفهم من قوله:"نسخت" يعنى مطلقاً وإما أن نفهم المعنى الثاني

    والاصطلاح السلفي نسخت بمعنى خصصت وقيدت {وعلى الذين يُطيقونه}

    كالشيخ العجوز المسن والمرأة الحامل والمرضع.

    فالمنسوخ من هذه الآية ماسوى هذه الأنواع الثلاثة ؛ والدليل على ذلك أحاديث بعضها مرفوعة

    وبعضها موقوفة على ابن عباس منها:"قوله -عليه الصلاة والسلام -:"إنَّ اللهَ وَضَعَ الصوم عن الحامل والمرضع والمسافر"

    وضع:أي أسقط.

    وقول ابن عباس:("وعلى الذين يُطيقونه"خاص بالشيخ والمرأة الحامل والمرضع)

    لأن الله بنى شرعه كله على أساس: {وماجَعَلَ عليكم فى الدين من حرج}.


    ملاحظة:- الشيوخ والحامل والمرضع قسمان:-

    1-قسم يُطيق الصيام مع المشقة ؛هؤلاء يفطرون ويفدون ويأخذوا بهذه الرخصة.

    2-قسم لايُطيق الصيام فيفدي ولا شيء عليه.



    س3:- عن أبي هريرة- رضي الله عنه-قال:قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:"مَنْ جاع أو احتاج طعمه عن الناس وأفضى به إلى الله تعالى ؛ كان حقا على الله أن يفتح له قوت سنة حلال" ما صحة هذا الحديث؟


    ج:- الحديث ما بين ضعيف أو موضوع. إما أنه ضعيف أو حسن فهذا أبعد ما يكون.



    انتهى الشريط الثاني عشر .

    يتبع .

  14. #94
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    الشريط الثالث عشر


    111 - باب إذا أقبل أقبل جميعاً وإذا أدبرأدبر جميعاً



    *عن أبي هريرة أنه ربما حدَّثَ عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -فيقول:"حدثنيه أهدب الشفرين,أبيض الكشحين,إذا أقبل أقبل جميعاً وإذا أدبرَ أدبر جميعاً لم ترعينٌ مِثله"


    هذا الحديث إسناده حسن لغيره. ويتحدث به صاحب الرسول -عليه الصلاة والسلام-

    المُكثر من الرواية عنه أبو هريرة -رضي الله عنه - يقول الراوي عن أبي هريرة:

    إن من عادة أبي هريرة أنه إذا حدَّثَ عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-أحياناً يصفه

    ببعض صفاته وشمائله التي كان عليها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -

    فيقول:"حدثنيه أهدب الشفرين" الشفر:هو الجفن الذي ينبت عليه الشعر.

    فيصف الرسول - عليه الصلاة والسلام - بأنه جميل الصورة بالإضافة إلى أنه حسن الخُلق.

    فقد جمَعَ له ربه -تبارك وتعالى - بين الحُسنيين:حسن الظاهر وحُسن الباطن.

    وهذا من أكمل ما يجتمع للإنسان في الحياةِ الدنيا ؛ ولهذا جاء فى السُنَّة الصحيحة أنه يُسن

    للمسلم سواء كان رجلا أوأنثى إذا وقف أمام المرآة أن يقول:"اللهم كما حَسَنتَ خَلقي فحَسِن خُلقي".

    فمن حُسن خَلقه - عليه الصلاة والسلام -أنه كان أهدب الشفرين يعني : كان شعر جفنه

    -عليه الصلاة والسلام- طويلاً ، وهذا دليل على جمال العينين ، وجمال العينين في الإنسان

    هو أصل الجمال فيه.


    أبيضُ الكشحين:وهذا كناية عن أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان خلافاً للمعهود عن العرب

    بصورة عامة أنهم سُمر ، فهو -عليه الصلاة والسلام -أبيض البشرة ؟، وإنما تكون البشرة بيضاء

    فيما بطن من الجسم ولم يتعرض للشمس والحر والبرد لأن هذه العوامل الطبيعية مما يُؤثر

    في لون البشرة فتسمر مع الزمن ؛ ولذلك تحدث أبو هريرة عن ناحية من جسم الرسول

    -عليه الصلاة والسلام -التي من طبيعتها ألا تتعرض لعوامل الطبيعة فتبقى على سجيّتها

    وعلى مافطرها الله عليه من هذه الناحية وهما الكشحتان.

    المقصود بالكشحين: الخاصرتان ، وهذا كناية عن أنه -عليه الصلاة والسلام -أبيض البشرة

    ومما يؤيده هذا في شمائله -عليه الصلاة والسلام-أن بعض الصحابة حينما كانوا يصفون

    وجهه يقولون: "أبيض محمر الخدين".


    وكان من شمائله - عليه الصلاة والسلام - أنه إذا أقبل أقبل جميعاً: والمقصود أنه

    - عليه الصلاة والسلام - كان رجلاً رزيناً ولم يكن شخصاً خفيفاً :

    فكان إذا مشى مشى متوجها إلى هدفه بكليته وإذا أدبر أدبر بكليته أيضاً

    بمعنى أنه لا يلتفت أو يمشي بانحراف اي منحرفا بقسم من بدنه وإنما كان يتجه بكل بدنه مقبلا أو مدبراً.

    وهذا معناه أن المسلم يجب عليه أن يقتدي به -عليه الصلاة والسلام- حتى في مشيته ؛

    لأنه أكمل إنسان خلقه الله - عزوجل - وجعله أسوة للناس جميعاً.


    لم ترعينٌ مثله ولن تراه :أي في جماله وفي كماله ، و يجزم أبوهريرة أنه لن يرى

    مثله أبداً حتى يرثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ عليها.


    يتبــــع .

  15. #95
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    112- باب المُستشار مؤتمن



    أي الشخص الذي يستشيره المستشير (المستشار) مُؤتمن.أي يجب عليه أن يؤدي

    الأمانة إلى الذي استشاره فينصحه ولايغشه ولايخدعه.

    * عن أبي هريرة قال:( قال النبي- صلى الله عليه وآله وسلم-لأبي الهيثم:"هل لك من خادم؟"قال:لا قال:"فإذا أتانا سَبي فأتِنا"فأرسل فأتى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- برأسين ليس معهما ثالث فأتاه أبو الهيثم.قال النبي - صلى الله عليه وسلم-:"اختر منهما" قال:يارسول الله! اختر لي فقال- صلى الله عليه وسلم: "إنَّ المستشار مؤتمن,خذ هذا فإني رأيته يُصلي واستوصى به خيراً"فقالت امرأته:ماأنت ببالغ ماقال فيه النبي- صلى الله عليه وسلم-إلا أن تعتقه.قال:فهو عتيقٌ.فقال- صلى الله عليه وآله وسلم-: "إنَّ الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان:بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر,وبطانة لاتألوه خبالا ومَنْ يُوق بطانة السوء فقد وُقي"



    في هذا الحديث فوائد جمة منها: قوله:"المستشار مؤتمن"

    قال -عليه الصلاة والسلام -لأبي الهيثم:"هل لك خادم؟"

    قال:لا قال: "فإذا أتانا سبىٌ فأتنا"

    السبي:الأسرى من الرجال والنساء ، ولقائد الجيش أن يتصرف فيهم بأمر من أربعة:
    1
    -إما أن يُطلق سراحهم ويمن عليهم.

    2-وإما أن يفدي بهم أسرى من المسلمين وقعوا في أيدي الكفار.

    3-وإما أن يسترقُّهم وذلك بتقسيمهم على الجيش.

    4-وإما أن يقتل الأسرى إذا رأى ذلك في صالح المسلمين .

    وهذا الأخير وقع في تاريخ الرسول - عليه الصلاة والسلام - وسيرته بالنسبة

    لبعض الأشخاص حتى قال:"اقتلوا ابن الأخطل ولو وجدتموه مُتعلقاً بأستار الكعبة".

    والغالب من الأمور الأربعة إما المفاداة وإما الاسترقاق.

    فلما سأل الرسول -عليه الصلاة والسلام -أبا الهيثم :هل لك من خادم؟

    وقال:لا / قال له -عليه السلام-فإذا جاءنا سبي فأتنا.

    فجاءت الأسرى إلى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فحسبما طلب الرسول

    -عليه الصلاة والسلام- من أبي الهيثم من المجيء إليه جاءه ، ولم يكن عنده من السبي

    مما يصلح أن يكون خادما إلا رأسين: يعني شخصين فعرضهما-عليه السلام- على أبي الهيثم وقال له:اختر أيهما شئت.

    فعاد أبو الهيثم على النبي -صلى الله عليه وسلم- يستنصحه ويقول له:اختر لي أنتَ.

    فقال-عليه الصلاة والسلام-:"إنَّ المستشار مؤتمن خذ هذا فإني رأيته يُصلي"

    كيف هذا وهو أسير؟ والأسرى المفروض أنهم كفار؟

    هذا مما يُشكل على كثير من طلاب العلم اليوم.يقولون:عرف نا أنَّ الإسلام إنما استباح الاسترقاق

    جزاءً لكفرهم وعنادهم ووقوفهم في طريق الدعوة إلى الله فكان جزاؤهم في الدنيا أن يُسترقوا؛

    هذا معقول.ولكن ما بال هذا الأسير لا يزال عبداً مسترقا وقد آمن بالله ؟.

    الجواب على هذا أن كثيراً من الأسرى الذين كانوا يقعون في يد الجيش المسلم

    كانوا يُسلمون حينما يُخالطون المسلمين ويعيشون بينهم ويطلعون عن قرب

    على تأثير الإسلام في تربية المسلمين وفي تخليقهم بالأخلاق الحسنة فيتبينون

    من هذه الحياة التي اضطروا إلى أن يحيوها مع المسلمين يتبينون بها مالم يكن

    يعرفونه من قبل من مبلغ تأثير الإسلام في مُعتنقيه في تربيتهم وفي سلوكهم

    فكانوا حينما يرون هذا التأثير الصالح من الدين الإسلامي في أصحابه ينشرحون

    لهذا الإسلام فيُسلمون ويُصَلون. فهو من قبل كان كافراً وما وقع أسيراً إلا لأنه

    كان كافراً ولكن بعدما أسِر وتبينَ له صلاح الإسلام ليكون ديناً لجميع الأنام أسلم هذا العبد.

    فلماذا يبقى عبداً مُسترقاً ؟

    لوكان الإسلام اتخذ نظاماً أن الأسيرإذا وقع في الأسر فأعلن إسلامه ويصبح حراً

    لكان هذا أداة ضرر للجيش المسلم لأنه كلما وقع أسيراً في يد مسلم يقول:

    أشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فيُعتق فيرجع لبلده ويجهز من جديد

    مع الذين لم يُؤسروا أو أسِروا وأعْتِقوا ؛ لذلك فمصلحة الجيش المسلم

    تقتضي إن يظل الأسير الكافر أسيراً حتى ولو أعلن إسلامه خشية أن يكون

    هذا الإعلان طريقة للخلاص من الأسر ولم يكن عن قناعة وإيمان

    لذلك كانت هذه الحقيقة توجد في حياة المسلمين في أسراهم.

    فالأسير كان كافراً فأسلم ؛ يظل أسيراً مُسْترقاً مُستعبداً وفي نفس الوقت لم يسد

    الشارع الحكيم طريق التحرر لهذا المُسترق المُستعبد بعد إسلامه.

    ماسد الطريق عليه في أن يتخلص من أسره؛ بل أمر المسلمين الأسياد

    الذين لديهم من أمثال هؤلاءالعبيد الذين أسلموا بعد استرقاقهم بأن يُكاتبوهم

    فقال: {فكاتبوهم إن عَلِمتُم فيهم خيراً}.

    والمكاتبة :-أي مُكاتبة السيد لعبده: معناها عقد واتفاق يُعقد بين السيد وبين عبده

    بأنه إذا قدم إليه كذا من الدراهم يُصبح طليقاً حراً رغما عن هذا السيد وبناءً على

    هذا الذي أمر به الشارع الحكيم وأوجبه على الأسياد.

    أي لايجوز للمسلم السيد أن يظل مسترقاً لعبده بعد إسلامه إذا رأى فيه خيراً

    بل يجب عليه أن يفسح له المجال ليتحرر من الرِّق بأن يشتري نفسه بالمال

    فيُقدم للسيد مايوجب على السيد أن يعتقه.

    أما هذا العبد الذي اختاره الرسول -صلى الله عليه وسلم - لأبي التيهان

    كان من أولئك الأسرى الذين حينما أسروا أسلموا فجاء إلى الرسول

    -عليه الصلاة والسلام- أسيراً ، فلما استنصحه الرجل قال:اختر لي يا رسول الله.

    فقال-عليه السلام:"إن المستشار مؤتمن خُذ هذا فإني رأيته يُصلي" .

    وهذا الحديث:إن المستشار مؤتمن هو من معاني قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-:
    "الدين النصيحة الدين النصيحة الدين النصيحة" قالوا لمن يارسول الله؟ قال:"لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة المسلمين ولعامتهم"

    فهذا تطبيقٌ للشطر الأخير من هذا الحديث "ولعامتهم"

    فأبو التيهان من عامة المسلمين ولما استنصح الرسول -عليه الصلاة والسلام -

    بأن يختار له أحد العبدين نصحه -عليه الصلاة والسلام - وبيَّن له لماذا اختار له هذا العبد لأنه:-

    أولا:-المستشار مؤتمن وأبو التيهان استشاره فكأنه يقول:يا أبا التيهان أنت استشرتني
    ووثقت بذمتي وأمانتي فيجب علىَّ أن أنصحك فإنّ المستشار مؤتمن أي عليه أن يؤدي الأمانة.

    ثانيا:لأنه يُصلي


    فلم يكتفِ - صلى الله عليه وسلم- بأمر أبا التيهان بأخذ العبد بل اتبَعَ ذلك

    بنصيحة وجهها إلى أبي التيهان فقال له: "واستوصي به خيرا"

    وكان عند أبي التيهان أم التيهان وهي امرأة صالحة عاقلة .

    كثير من النساء قانتات صالحات ولكن القليل منهن مَنْ يكن عاقلات رشيدات

    صاحبات رأي سديد ، ومن هذه القلة كما يُشعرنا هذا الحديث زوج أبي التيهان .

    فإنها لما سَمِعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمر زوجها بأن يستوصي

    بهذا العبد خيراً؛ قالت لزوجها: "ما أنت ببالغ ماقال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم-إلا أن تعتقه"

    يعني لن تستطيع بلوغ تنفيذ هذه الوصية إلا بإعتاقه.

    هذا رأي امرأة وهو رأي عظيم ورشيد جداً ، وكان الرجل ولاشك مُتجاوباً متفاهماً

    مع زوجته وهكذا شأن الأزواج الصالحين دائما وأبداً ؛ ولذلك أجابها على الفور:

    فهو عتيق وهي عبارة بالغة ؛

    حيث تدلنا على أن الصحابة -رضي الله عنهم- في الوقت الذي كانوا يشعرون

    بالحاجة إلى الشيء سرعان ما يجودون به لوجه الله - تبارك وتعالى- وهذا من معاني الزهد.

    لكن الزهد الحقيقي أنه إذا جاءت وأقبلت الدنيا حلالها لا حرامها وأقبلت على

    الرجل الصالح لم تسترقه ولم تستعبده فأصبح هو مالكاً لها ، هذا هوالزهد الصادق.

    ولهذا نجد أبا التيهان حينما سأله الرسول -عليه السلام-: هل عندك خادم يقوم بخدمتك ؟

    قال:لا فلما جاء الخادم وأصبح في يده لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام -

    قال له:"استوصي به خيراً" ونصحته زوجته الصالحة بأنك لاتستطيع تنفيذ هذه

    الوصية في هذا العبد تنفيذا جامعاً صادقاً إلا بأن تعتقه.

    فسرعان ماقال: فهو عتيق.

    إذن ما الذي استفاده من حيث التمتع بالحياة الدنيا من هذا العبد الذي قدمه له رسول الله -صلى الله عليه وسلم -؟

    أما من حيث الحياة الدنيا فلم يستفد منه شيئا لأنه ماكاد يدخل في ملكه إلا وأعتقه

    لوجه ربه وهكذا يكون الرجال المسلمون حقاً الذين لاتستعبدهم الدنيا

    وهكذا يجب أن يكون المسلم غنياً فلا يُسترَق هو بنفسه بهذا الغنى أو بهذه الثروة

    وإنما تكون هذه الثروة في يده ليستعين بها على زيادة التقرب إلى الله

    فلا يكون المال وزراً عليه فى الاخرة وإنما يكون له أجراً.

    بمناسبة أن السيدة أم التيهان أشارت على زوجها بأن يعتق هذا العبد يجب

    أن نذكر أنَّ في هذه المرأة شيء آخر من الكمال لأن هذا العبد سيقوم بمؤنة خدمة بيتها

    في الوقت الذي كانت هي تقوم بهذه الخدمة فنصحت السيد أن يُبادر إلى عتق هذا العبد

    وإن كان هذا ليس في صالحها.

    هذا بالإضافة إلى رجاحة عقلها ففيه إشعار بأنها حقيقة كانت زاهدة في الدنيا راغبة

    فيما عند الله لأنها تعلم أن المسلم إذا أعتق عبداً لوجه الله -تبارك وتعالى -

    أعتقَ اللهُ كلَ عضوٍ من أعضائه من النار.

    وهذا كناية عن أن الله يعتق المعتِقَ للعبد من النارفيُحَرِمَه على النار

    فالعبد وإن كان مِلكا للزوج فهي تأخذ في الوقت نفسه الأجر ؛ لأنها تعلم أن الدال

    على الخير كفاعله فهي دلت زوجها على أن يُبادر بتنفيذ أمر الرسول

    - عليه الصلاة والسلام - وهي قوله:"استوصي به خيراً".



    يتبــــــــــع .

  16. #96
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    بهذه المناسبة قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-:

    "إن اللهَ لم يبعث نبياً ولاخليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالاً فمَنْ يوق بطانة السوءِ فقد وُقِي"

    لذلك قال العلماء:إنَّ في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-:"إن الله لم يبعث نبياً ولاخليفة"

    عقب هذه الحادثة فيه إشارة إلى تزكية أم التيهان ويشير فيه إلى أنها كانت بطانة

    صالحة لزوجها لذلك نصحته وأمرته بالمعروف ولم تأمره بالمنكر.

    إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان :

    بطانة الرجل: هي صاحبه الذي يطلع على سره ويعرف مداخله وأسراره

    فهو إما أن ينصح له أو أن يخونه ، فيقول -عليه الصلاة والسلام- مخبراًعن حقيقة

    واقعة في هذه الحياة الدنيا وهي أنه مامن نبي ولا خليفة إلا وله بطانتان:بطانة صالحة

    وبطانة طالحة.

    النبي:هو الذي يوحى إليه من السماء أخباراً مُغيبة لا يعرفها سائر الناس.

    وقد يكون نبيا ورسولا كما هو حال نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-

    إذا كان الأنبياء لهم بطانتان فمادون الأنبياء أولى وأولى أن يكون لهم بطانتان.

    ذكَرَها هنا من بعد الأنبياء الخلفاءَ وهنا يجب أن نقف قليلاً عند كلمة خليفة

    فإن كثير من الكتاب الإسلاميين اليوم يُسيئون فهم لفظة خليفة التي تُذكر في الكتاب والسُنَّة

    فيتوهمون في مثل قوله تعالى: {إني جاعلُكَ في الأرضِ خليفة} فهما سيئاً

    فيتوهمون أن معنى قوله تعالى لآدم: {إني جاعلك في الأرضِ خليفة}

    يعني عن الله -تبارك وتعالى- وهذه خطيئة فاحشة لأنه لايجوز بوجهٍ من الوجوه

    أن يتصور المسلم بأن الله - عزوجل - يقول عن ذاته العظيمة أن خليفته فلاناً.

    ففلان مهما علا وسما من البشر هل يصلح أن يكون خليفة عن رب العالمين؟

    لو ضربنا مثلا سيئاً لوجدنا أن هذا المثل السيء على سوئه وقبحه هو خير من الفهم السيء.

    لو قال قائل أن فلانا الزبال الجاهل هو خليفة لأبي بكر الصديق هل يقول قائل مثل هذا الكلام؟

    طبعا لأ لبُعد الفرق بين أبي بكر الصديق في إيمانه وعلمه فهذا طعنٌ للخليفة أبي بكر الصديق لا شك في ذلك.

    النسبة مُتفاوتة بين الخليفة الراشد وبين هذا الرجل الجاهل كذلك النسبة

    بين الله -عزوجل- وأتقى إنسان في الدنيا أبعد وأبعد بكثير لذلك لايجوز أن نتوهم

    أن الله -عزوجل- جَعَلَ آدم خليفة عنه في الأرض.

    ولذلك لايجوز لمسلم أيضا في سبيل تعظيم بعض العظماء أن يقول:أنت في مثل عظمة الله.

    من الناحية العربية حين يُقال:فلان خليفة فلاناً يعني إذا ذهب الأول فيخلفه الآخر

    أما الله الحي القيوم الباقي الذي لايحول ولا يزول مطلقاً فكيف يُقال :فلان خليفته؟

    هو لم يذهب حتى يجعل له خليفة في الأرض.

    فقوله:{إني جاعلك في الأرض خليفة} لايعني جاعلك في الأرض خليفة عني

    إنما خليفة عن مَن كان قبلك

    ولذلك لما جاء في الحديث "أن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة"

    فمعنى الخليفة والاستخلاف لغة وشرعا ليس هناك فرق بين اللغة والشرع

    في هذه المسألة فكلاهما متحد فيها لكن الشرع يؤكد التزام اللغة في ذلك.

    ** الخلافة:-
    مصدر كما جاء في القاموس يُقال:خَلَفَه خِلافة أي كان خليفته وبقي بعده ، نلاحظ تمام التعبير"وبقي بعده".

    ومما جاء في القاموس الخليفة هو السلطان الأعظم.

    ويُقال بالتذكير والتأنيث الخليف والخليفة ، والجمع خلائف وخلفاء هذا مافي القاموس

    لكن الشيء البديع ما في "النهاية في غريب الحديث والأثر" لابن الأثير ذكر أثراً يقول:

    (جاء أعرابي فقال لأبي بكر:أنتَ خليفة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- ؟
    فقال:لا,قال: فما أنت إذا كنت تقول أنك لست الخليفة فما أنت؟ قال:أنا الخالفة بعده)


    يعني الذي جاء بعد منه.أما أن يكون خليفة فلا لأن معنى الخليفة معنى دقيقاً

    وإن كنا نُعبر عنه إجمالا ونستنكر التعبير والإنسان خليفة الله في الأرض من أجل ذلك المعنى

    الذي يوضحه ابن الأثير يقول أبو بكر:"أنا الخالفة بعده"

    فأبو بكر لم يرض لنفسه أن يكون خليفة بل هوالخالفة أي الذي جاء بعده فقط.

    يُفسر ابن الأثير فيقول:(الخليفة مَنْ يقوم مقام الذاهب ويسد مسدَّهُ, والهاء فيه للمبالغة,والجمع خلفاء..إلخ).

    الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- وهو بشر لم يرض أبو بكر أن يقول أنه خليفته

    لأن معنى الخليفة بهذه اللفظة أنه ينوب مكان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-

    ولا يمكن لأي بشر مهما سما أو علا أن يُداني كماله - صلى الله عليه وآله وسلم-.

    من هنا نعرف أنه لا ينبغي من باب أولى أن يُقال:الإنسان ومطلق الإنسان أنه خليفة الله

    في الأرض لأن البون أكبر من أن يُذكر بين الخالق والمخلوق فإذا كان أبو بكر

    لا يرضى أن يقول عن نفسه أنه خليفة الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-

    فنحن لا نرضى أن نقول أن الإنسان خليفة الله في الأرض.

    فما معنى قوله تعالى: {إني جاعلك في الأرض خليفة}؟


    للأئمة أكثر من قول في تفسير هذه اللفظة في هذه الآية والقول الذي يجنح

    له ابن كثير وهو في ذلك تابع لابن جرير.يقول ابن كثير فى تفسير الآية نفسها:ليس المراد هنا

    بالخليفة آدم-عليه السلام- فقط كما يقوله طائفة من المفسرين ولم يثرده الله آدم عينا

    لأنه لو كان ذلك لما حَسُنَ قول الملائكة:{..مَنْ يُفسِدُ في الأرض ويُسفك الدماء}

    لأنهم أرادوا أن من هذا الجنس من يفعل ذلك.ثم قال ابن كثير:

    ( قال ابن جرير:وإنما معنى الخليفة التي ذكرها الله إنما هي خلافة قرنا منهم

    والخليفة من قولك خَلَفَ فلانٌ فلاناً:إذا قام مقامه فيه بعده كما قال تعالى:{ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون}

    ومن ذلك قيل:السلطان الأعظم خليفة لأنه خَلفَ مَنْ كان قبله وقام بالأمر فكان منه خلفاً).

    هذا هو معنى الخلافة فيجب علينا أن نستحضر هذا المعنى العربي حتى نستعظم

    المعنى من قولهم:"إن الإنسان خليفة الله في الأرض" لأن الذي يُريد ان يخلف غيره

    هنا يقال أنه يكون على الأقل قريبا منه ، وهنا لا يَحْسُن أن يقول القائل:فلان الجاهل

    فلان الزبال هو خليفة العالم الفلاني ، هذا مستهزيء كل الاستهزاء لأنه لايصلح

    أن يكون خليفة لذلك العالِم لبعد الشقة بينهما لذلك تجد التعابير في السُنَّة الصحيحة

    تأتي لتصنع الخليفة:"اللهم أنتَ الصاحب في السفر والخليفة في الأهل"

    فإذا غاب الزوج عن بيته فمَنْ الخليفة من بعده؟ هو الله -تبارك وتعالى-.

    أما ان يكون العبد العاجز الجاهل مهما كان قوياً مهما كان عالِماً أن يكون

    خليفة عن الله - عزوجل - بالأرض هذا تعبير مُستهجن لغة و شرعا ولا يجوز .


    انتهى الشريط الثالث عشر .


    يتبـــــــع .

  17. #97
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    الشريط الرابع عشر

    113- بــــــــــاب المشـــــــــور ة



    * عن عمرو بن دينار قال:( قرأ ابن عباس : "وشاورهم في [بعض الأمر] الآية159 آل عمران)


    في مثل هذا للعلماء طريقان:

    -أحدهما أن يُقال:أنها قراءة ، فالآية المقطوع بروايتها هي باللفظ المذكور في

    القرآن الكريم:{وشاورهم في الأمر} أما هذه القراءة وإسنادها صحيح عن ابن عباس

    ففيها لفظة : "بعض" وشاورهم في بعض الأمر.

    فالعلماء لهم قولان في مثل هذه الزيادة:

    1- أحدهما أنها قراءة : أي أن ابن عباس سمع النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقرأ الآية بهذه الزيادة.

    2 - والقول الآخر:أن هذه الزيادة ذكرها ابن عباس في تضاعيف الآية على سبيل التفسير والبيان ولايعني أنها لفظة ثابتة في القرآن.

    وعلى كل حال فهذه الرواية عن ابن عباس رواية صحيحة فسواء كانت لفظة : "بعض"

    جزءًا من هذه الآية كما سمعها ابن عباس أو كانت زيادة تفسيرية منه

    فالمقصود أن الآية فسرها ابن عباس بأن الأمر الوارد في الآية:"وشاورهم في الأمر"

    إنما هو في بعض الأمر وليس في كل الأمر .

    أي أن الله - تبارك وتعالى - لما أمرالنبي - عليه الصلاة والسلام - بأن يُشاور أصحابه الكرام

    فيما يُعرض لهم من أمر فليس هذا الأمر المذكور في القرآن"وشاورهم"ع لى سبيل العموم

    وإنما هو في بعض الأمور. وهنا مسألتان:-

    1- تحديد الأمر الذي يجب أن يُشاور فيه الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - بدلالة هذه الآية

    أصحابه و بالتالي أهل الولايات أي الرؤساء والحُكام.

    تبعا لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -أن يُشاور أهل الشورى منهم.

    فما هو ذلك الأمر الذي يجب على ولي الأمر أن يُشاور فيه أهل الشورى ؟

    يجب أن نعلم أن الأمر المذكور في هذه الآية هو قطعاً ليس في الأمور الدينية :

    يعني ليس ماكان منها منصوصاً في الكتاب والسُنَّة ففي مثل هذا يُقال:{إتبعوا أحسَنَ ما أنزِل إليكم من ربكم}

    ولايُقال: {وشاورهم في الأمر}. إنما الأمر الذي أمِرالرسول -صلى الله عليه وآله وسلم -

    ومن بعده من الحكام بمشاورة أهل الشورى في الأمور المباحة "الإدارية" التي تعرض للحكام

    وتختلف ما بين زمان وزمان ومكان ومكان ففي هذه الأمور التي ليست مما نُصَّ عليها في الكتاب

    أو في الأحاديث هي التي يجب على الحاكم والوالي أن يُشاور فيه أهل الشورى.

    مثلا :عزم الحاكم أن يوجه جيشاً إلى جهةٍ ما فشاورهم هل من صالح الجيش المسلم

    أن يُوجه في الشتاء إلى هذه الجهة أم في الخريف أم الربيع أم غيره لأن تعيين الفصل للذهاب

    أو السفر ليس أمراً مقرراً في الشرع ففي مثل هذا الأمر يُشاور الحاكم أهل الشورى.

    وهذا معنى قول ابن عباس أو قراءته:"وشاورهم في بعض الأمر" أي ليس في كله

    وعلى ذلك جرى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه من بعده :

    أي أنهم ماكانوا يستشيرون في كل وصغير وكبير.

    ومن أبرز الأمثلة على ذلك:-

    أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في غزوة أحد لما اختلف أصحابه في الخروج للقاء العدو

    فبعد أن تشاور معهم ورأي طائفة الشباب منهم عازمة على الخروج وافقهم على ذلك فلما لبس

    - عليه الصلاة والسلام -لأمته أي ثياب الحرب الدرع والخوذة وعزم على الخروج

    نكل من كان أشار عليهم بالخروج فقال-عليه الصلاة والسلام-:
    "ماكان لنبي أن يستنكف عن القتال بعد أن لبس لامته" فلم يعبأ برأيهم وذهب إلى القتال

    ** ومن ذلك أن أبا بكرالصديق لمَّا عزم على قتال أهل الردَّة إنَّما عزم أولا دون أن يستشير أحداً من أصحابه

    وثانيا:بعد أن عارضه عمر معارضة منطقية وليست معارضة عملية حيث كان عند عمر شُبهة

    فقال: أتُقاتل قوماً يشهدون أن لاإله إلا الله وأن محمداًرسول الله؟!

    فقال أبو بكر الصديق- رضي الله عنه -:(ألم تسمع رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم-قال في الحديث:"أمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لاإله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها"
    قال أبو بكر ألم تسمع الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-يقول:"إلا بحقها"؟ ومن حقها إعطاء الزكاة وهؤلاء أعلنوها صريحة فامتنعوا عن إعطاء الزكاة كما كانوا يُقدمونها في عهد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-)

    ولذلك عزم أبو بكر على قتالهم وحلف"والله لو منعوني عِقالاً كانوا يقدمونه لرسول الله

    -صلى الله عليه وآله وسلم- لقاتلتهم عليه" ثم قاتلهم ونصره الله-عزوجل-عليهم.


    إذن الشورى ليست واجبة في كل أمر وإنما في أمر من الأمور الدنيوية التي يبدو للحاكم

    أن الرأي فيه مشترك وقد يكون عند المفضول مالا يكون عند الفاضل من الرأي.




    يتبـــــــع .

  18. #98
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    فضل المشورة


    ساق المؤلف -رحمه الله - عقب الأثر السابق أثرا آخر :

    *عن الحسن قال:" والله ما استشار قومٌ قط إلا هُدوا لأفضل ما بحضرتهم ثم تلا:{ وأمرهم شورى بينهم}"

    والمقصود هنا الحسن البصري التابعي وقد يتبادر إلى الذهن أنه الحسن بن علي بن أبي طالب

    ولكن ليس هو المقصود ولا سبيل لمعرفة هذا إلا لمن كان عنده علم بتراجم الرجال والرواة

    والذين رووا عن هؤلاء الرجال من تلامذة وطلاب علم.

    فها هنا مثلا راوي هذا الأثر هو الثري : قال:عن الثري عن الحسن ، ونحن إذا عرفنا

    مَنْ هو الثري اكتشفنا بواسطته الحسن.

    - الثري هنا كيف نعرفه ؟

    - نعرفه من الراوي عنه هذا علم من علم الحديث المهجور اليوم في العالم الإسلامي

    إلا ما قل وندر. فالراوي هنا عن الثري هو حماد بن زيد ، فحينما نرجع إلى حماد بن زيد

    في ترجمته يسوقون هناك شيوخه الذين تلقى الحديث عنهم نجد منهم الثري بن يحيى,

    عدنا لترجمة الثري بن يحيى فوجدناه يروي عن الحسن البصري فانكشف لنا أن المقصود

    بهذا الأثر هو الحسن البصري وهذه كلمة موجزة تتعلق بعلم أسانيد الأحاديث.

    إذن الحسن البصري يقول في فضل الاستشارة يُقسم بالله - عزوجل - فيقول:

    " ما استشار قوم قط إلا هُدوا لأفضل ما بحضرتهم " ثم تلا {وأمرهم شورى بينهم}

    أي أنه يأخذ من هذه الآية الكريمة أنَّ اللهَ حينما مدح المؤمنين الصادقين بأن أمرهم شورى بينهم

    بل حينما أمر النبي الصادق الأمين بقوله :{وشاورهم في الأمر} فما ذلك إلا لفائدة الاستشارة.


    وما فائدة الاستشارة ؟

    هوالوصول إلى خير الرأيين وأصدق القولين.

    من هذا وهذا فهم الحسن البصري فضيلة الاستشارة فحلف بالله -عزوجل-

    وهو في ذلك صادق أنه ما استشار قوم بعضهم بعضاً إلا هُدوا لأفضل رأي مَنْ كان معهم

    أي لأفضل ما بحضرتهم من الآراء والأقوال.

    قد يرد على البال فيقول قائل:المصنف عقد ها هنا باب المشورة أي فضل المشورة والاستشارة

    فما باله لم يذكر الحديث المشهور على ألسنة الناس :
    "ماخاب مَنْ استخار ولا ندِمَ مَنْ استشار ولاعال مَنْ اقتصد"

    هذا حديث مشهور ومذكور في كثير من الكتب,والجواب أنه حديث ضعيف الإسناد

    والظاهر أن الإمام البخاري من أجل هذا الضعف الذي فيه لم يسق الحديث

    مع تصريحه بفضيلة الاستشارة حيث فيه : "ولاخاب مَنْ استشار".


    يتبـــــــــــع .

  19. #99
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    114- باب أثم مَنْ أشار على أخيه بغير رشدٍ


    * عن أبي هريرة قال:(قال النبي-صلى الله عليه وآله وسلم-:
    " مَنْ تَقَوَّلَ علىَّ مالم أقل فليتبوأ مقعده من النار ومَنْ استشاره أخوه المسلم
    فأشار عليه بغير رشدٍ فقد خانه ومَنْ أفتى فُتيا بغير ثبت فإثمه على مَنْ أفتاه")



    هذا الحديث تضمن فقرات فيها فوائد علمية جمة : أول هذه الفقرات:

    قوله -عليه الصلاة والسلام -:"مَنْ تقوَّل عليَّ مالم أقل فليتبوأ مقعده من النار"

    هذا بمعنى الحديث المشهور المتواتر: "مَنْ كَذِبَ عليَّ مُتعمِدا فليتبوا مقعده من النار".

    مَنْ تقول عليَّ أي مَنْ افترى عليَّ مالم أقل فالرسول -عليه الصلاة والسلام -

    يتوعده بالنار فيقول له فليُهيء مكاناً له في النار لأنه افترى على رسول الله

    -صلى الله عليه وآله وسلم - والافتراء على رسول الله إنما هو افتراء على الله ؛

    ذلك لأن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-ليس كأحدنا.

    أحدنا لو اُفتُرِيَ عليه - وهو إثم بلا شك ؛ لأن الافتراء على المسلم إثم كبير

    لكن الافتراء على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- هوإثم أكبر وما ذلك إلا أنه

    يتكلم عن رب العالمين وبما أوحي إليه -سبحانه وتعالى- كما قال الله: {وماينطِقُ عن الهوى}

    فالذي يفتري على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-هو في النتيجة يفتري على الله

    لأن الافتراء على رسول الله معناه الافتراء على وحي الله و معنى هذا أنه يفتري على الله

    - تبارك وتعالى - ؛ لأن الوحي إنما أنزل على رسول الله من عند الله -تبارك وتعالى-.

    فلا جرم أن وعيد المفتري على رسول الله -صلى الله عليه وسلم -كان شديداً جداً.

    ولذلك اختلف العلماء"علماء الحديث بصورة خاصة" في حُكم مَنْ كذب على النبي -صلى الله عليه وسلم-عامداً متعمداً : هل هو كافرٌ مرتدٌ عن دينه أم هو فقط فاسقٌ يستحق عذاب ربه كما أفاد هذا الحديث لكنه لا يخلد في النار لأنه مسلم يشهد أنَّ لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله ؟

    اختلفوا على قولين اثنين:-

    1- منهم مَنْ حَكم بكفره أي ردَّته عن دينه.

    2- ومنهم مَنْ لم يوصله إلى هذا الدرك من النار وإنما حكم عليه بأنه فاسق.

    والحكم الثاني أرجح بالنسبة لأدلة الشريعة الإسلامية لأنه قال -عليه الصلاة والسلام-في الحديث الصحيح:

    "مَنْ قال:لاإله إلا الله نفعته يوما من دهره" أي أنه لا يخلد في النار ، وبدليل أحاديث الشفاعة

    وهي كثيرة جداً وفيها أن الله -تبارك وتعالى - يقول لملائكته بعد أن شفع في أهل النار

    الأنبياء والأولياء والصالحون يقول رب العالمين:"شفعت الملائكة وشفعت الأنبياء

    فلم يبق إلا شفاعتي أخرجوا من النار مَنْ كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان"

    لذلك فمهما فعل المسلم من ذنوب وآثام فلا بد أن يخرج يوماً ما من النار

    لكن لا يستسهلن أحدٌ هذا الحكم فإن ما يقول العلماء في العُصاة : "أنهم يستحقون دخول النار

    والعذاب فيها ولكنهم سيخرجون يوماً ما" لكن لا يستسهلن أحدٌ هذا الحكم لأنه جاء فى الأحاديث الصحيحة :

    إن المسلمين الذين يخرجون من النار يوم القيامة يخرجون وقد صاروا حمماً سوداً يعني فحما .

    هذا الرأي الثاني في حكم مَنْ تعمد الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-

    إنما هو مَنْ كذب وضميره يؤنبه يعني يعترف بأن هذا الكذب حَرَّمَهُ اللهُ على لسان نبيه

    -عليه الصلاة والسلام - ولكن النفس الأمارة بالسوء التي تُسوِّل لصاحبها ارتكاب أي ذنب

    مهما كان كبيراً فيبقى هناك شيء من الإيمان فى قلب هذا المُستحِل للإثم ألا وهو الاعتراف

    بأن هذا ذنبٌ حَرَّمَهُ اللهُ-تبارك وتعالى- فهذا الإيمان الباقي في قلب هذا المُرتكب لِما حرم اللهُ

    أي محرَّمٍ كان ومنه التقول على رسول الله ، فإن كان هذا المُتقول على رسول الله

    -صلى الله عليه وآله وسلم- يشعر بأنه واقع جُرما يستحق العذاب عليه ؛

    فهذا الاعتقاد يشفع له يوم القيامة أن يخرج من النار بعد العذاب الذي يستحقه.

    أما إذا كان يستحل الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فهو مرتد بمجرد هذا الاستحلال

    فهو في الدرك الأسفل من النار مع المنافقين لأنه يتظاهر بالإسلام ومن جهة أخرى يستحل

    الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.

    وقد ترد هنا شُبهة وهي أنه إذا كان الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-والكاذب غير مُستحِل له قلباً فهذا فِسقٌ فما الفرق بين الكذب على رسول الله والكذب على غيره وهو أيضاً فسق؟

    وحينذاك أي فسقٍ وقع فيه المسلم فإن كان استحله بقلبه فقد ارتد عن دينه سواء

    كذب على محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وآله وسلم-أو أي مسلم من المؤمنين بمحمد

    - صلى الله عليه وآله وسلم-.إذا استحل ذلك بقلبه فهو مرتد عن دينه وإذا لم يستحله بقلبه فهو فاسق فما الفرق

    حينذاك بين الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -وبين الكذب على غيره مادام النتيجة أنه لا يكفر لا بهذا ولا بهذا؟

    الجواب: الكذب بلاشك درجات : الكذب كله إثم وذنب ولكن ليس كل نوع من أنواع الكذب

    يُشابه الأنواع الأخرى فالكذب درجات ككل ذنب ومعصية.

    الزنا درجات والسرقة درجات ، فالذي يكذب على مشرك كافر فهو كذب وإثم

    لكن لو كذب على مسلم يزداد الإثم لو كان هذا المكذوب عليه مسلماً فاسقاً

    فإذا كان مسلماً صالحاً كان الكذب أشد إثماً وهكذا دواليك إلى أن يصل الكذب على رسول الله

    -صلى الله عليه وآله وسلم- فيكون هذا النوع من الكذب أكبر إثم ليس بعده إلا الكفر بالله -تبارك وتعالى-.


    يتبع .

  20. #100
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    المشاركات
    1,782

    افتراضي رد: * القطف الداني من كتاب : ( الأدب المفرد ) لشيخنا الألباني..

    = ومَنْ استشاره أخوه المسلم فأشارعليه بغير رشدٍ فقد خانه :

    هذا الشاهد من إيراد المؤلف لهذا الحديث الحسن ، حيث إنه بعد أثبت وجوب التشاور

    بين المسلمين حاكماً ومحكومين فأتبع ذلك بحديث يُتمم الباب السابق ، ويفيد هذا الحديث

    وجوب المشورة من المستشار على المُستشير بالنصيحة وبالرشد وبالخير

    فإن لم يُشر له بذلك الرشد فهو آثم لأنه من الواجب

    "إن المُستشار مؤتمن" فمعنى مؤتمن أنه يجب عليه أن يؤدي الأمانة والأمانة

    التي عليه أن يؤديها هي الإخلاص للمستشير فيها.

    فهنا في هذا الحديث يؤكد الحديث السابق"المستشار مؤتمن"

    فإذا أدى الأمانة وهي النصيحة فقد أدى الواجب وإذا لم يؤد الأمانة أي بأن أشار

    عليه بغير رشدٍ أي بغير صواب فقد خانه أي لم يؤد الأمانة ، ولذلك فالرسول -عليه الصلاة

    والسلام- قد بالغ في الأداء للأمانة حتى قال:"أد الأمانة إلى مَنْ ائتمنك ولاتخُن مَنْ خانك"

    فلو أن هذا المستشار خان الذي استشاره يوماً لأثم ، و لا يجوز له أن يخونه

    ل عليه أن ينصحه ويدله على خير ما يعلمه له.

    ولذلك كانت هذه الخصلة وهي الإشارة على الناس بالخير كانت طبيعة الأنبياء ووظيفتهم

    مع كل أممهم كما أفاد حديث الرسول-عليه الصلاة والسلام-:"مابَعَثَ اللهُ نبياً إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير مايعلمه لهم".

    حقاً: أي واجباً عليه ، فكذلك يجب على كل مستشار إذا استُشير في مسألة ما

    أن يدل المستشيرعلى خير ما يعلمه له فإن لم يفعل ذلك فقد خانه.

    إذن تبين لنا أن :-

    1-الشورى: وهي تبادل الرأي فى المسائل التي لها علاقة بالمسلمين أفراداً وجماعاتٍ فهي أمر واجب كأصل ولكنها ليست واجبة في كل أمر.

    2-المستشار مؤتمن فيجب عليه أن يُقدم إلى المُستشير النصيحة فإن لم يفعل وأمره بغير رشدٍ فقد خانه وهذه الخيانة طبعاً من المحرمات في الإسلام.




    = ومَنْ أفتى فُتيا بغير ثبت فإثمه على مَنْ أفتاه :

    في هذه الفقرة حُكمٌ خاصٌ يتعلق بأهل العلم الذين يتعرضون لفتيا الناس

    وهذه مسألة ثقيلة على وزن قوله تعالى لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: {إنَّا سنُلقي عليك قولاً ثقيلاً}

    ذلك لأن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم - قد أوجَبَ على المُستفتي أن لا يتسرع في الإفتاء

    بل عليه أن يتثبت ، وليس التثبيت إلا أن يعرف الحُكم من كتاب الله ومن حديث رسول الله

    - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فإن أفتاه دون أن يتثبت هذا التثبيت وهو أن يرجع

    إلى كتاب الله وحديث رسول الله ، فتبنى المستفتي رأي المفتي وفتواه وكان قد أفتاه بإثم

    فإنما إثمه على مفتيه ، ومن هنا نتوصل إلى مسألة خطيرة وهي :

    أن العالم حينما يُستفى في مسألة فيُفتي بغيرإسنادٍ إلى الكتاب والسنة فهو يفتي بغير ثبتٍ ؛

    لأن الحديث يقول :"ومَنْ أفتى بغير ثبتٍ" أي بغير سندٍ وبغير بيِّنةٍ وحُجة.

    ومعلوم لدى كل مسلم أن الحُجة في الإسلام هي الكتاب والسُنَّة وإلا ما استُنبِط

    منهما من إجماعٍ وقياسٍ صحيح.

    فمن أفتى بغير ثبت أي بغير حُجةٍ من كتاب الله أو من حديث رسول الله

    -صلى الله عليه وآله وسلم- فقد أفتى بغير رشدٍ وإثم المستفتي على مفتيه.

    فماذا يجب على المفتي؟

    يجب عليه التثبيت قبل كل شيء ولا يتسرع بالفتوى :

    ومعنى هذا أنه يجب عليه أن يُراجع المسألة إن لم يكن راجعها :

    ومن أين يُراجعها ؟ وكيف يستفتي الجواب الصحيح؟

    - بالرجوع إلى الكتاب والسُنَّة لأن الحديث يقول:"بغير ثبت"أي بغير حجة

    والحُجة فى الإسلام : القرآن والسُنَّة كما قال -عليه الصلاة والسلام-:"تركتُ فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتابَ الله وسُنتي ولن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض".

    مَنْ استُفتى في مسألة فأفتى برأي عالم وهو يعلم أن المسألة فيها قولان فأكثر فهل أفتى بثبتٍ وحُجةٍ بيِّنةٍ أم لا؟

    الجواب: لا لأنه حينما تكون المسألة من المسائل الخلافية وقد صدر للعلماء فيها قولان فأكثر

    ثم هو أفتى بقولٍ من القولين دون أن يُدعم فتواه ولو في نفسه على الأقل بآية من كتاب الله

    أو بحديث من سُنَّة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - فهذا لا يكون قد أفتى

    عن ثبتٍ وعن حُجة وعن بينة ، كون فتواه بهذا الخطأ لا يتعلق إثمه على المُستفتِى

    إنما على المفتي فإثمه عليه.

    إذ ن على كل مستفتٍ أن يتثبت في فتواه,أي أن يستند في فتواه إلى كتاب الله

    وحديث رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -.

    ومعنى هذا الكلام العلمي بعبارة واضحة:أن المُستفتي العالم إذا استُفتي في مسألةٍ ما

    مثلاً رجلٌ سأله هل خروج الدم يُنقض الوضوء؟

    قال: نعم وهو يعني أن المذهب الحنفي هكذا يُفتي

    فإذا رجعنا إلى هذا الحديث نفهم أن هذا الجواب إثمه عليه وليس على مُستفتيه لماذا ؟

    لأن المسألة فيها قولان آخران ، فالمذهب الحنفي يحكم ببطلان الوضوء بمجرد خروج

    الدم عن مكانه ، و المذهب الشافعي يقول:لا ينقض الوضوء الدم مهما كان كثيراً.

    و مذهب الإمام مالك وأحمد يُفصل فيقول:إذا كان الدم كثيراً نقض وإلا فلا.

    فالذي أفتى قال : ينقض أين الحُجة ؟

    فالمسألة فيها اختلاف والله - عزوجل - يقول: {فإن تنازعتُم فى شيء فرُدوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسَنُ تأويلاً}

    لذلك لا يجوز للمسلم المُتمذهب بمذهبٍ واحد إذا استُفتي في مسألة أن يُفتي على مذهبه

    لأنه هناك مذاهب أخرى ؛ فهذا يجب أن يُمسك عن الفتوى فإن أفتى فهو آثم بدليل هذا الحديث.

    المُستفتي أدى واجبه حينما قال له ربه: {فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون}

    جاء الذي لايعلم إلى مَنْ يظنه من أهل الذكر فسأله فأفتاه فإثمه على هذا المفتي.

    قال أبو حنيفة:" لايحل لرجلٍ أن يُفتي بقولي مالم يعلم من أين أخذتُ دليلي"

    هذا النص يُفسر لنا هذا الحديث.

    حصيلة هذا الحديث:هو وجوب دراسة الكتاب والسُنَّة لكي يتمكن المفتي من الإفتاء

    بالكتاب والسُنة فلا يلحقه إثم حتى ينجو لو أخطأ في الفتوى ؛ لأنه ليس معنى

    مَنْ أفتى معتمداً على الكتاب والسُنة أنه معصوم ولكن إذا اجتهد فأفتى بما فهم من الكتاب

    والسُنة فله حالتان :

    - إما أن يكون أصاب فله أجران

    - وإما أن يكون اخطأ فله أجرٌ واحدٌ.

    لكن هذا للذي يُفتي إعتماداً على الكتاب والسُنة.

    أما الذي يُقلد - والتقليد جهل باتفاق العلماء - ولا يتبصر فى الفتوى ، فهذا ليس له أجر

    حتى ولا أجر واحد بل عليه وزر لأنه أفتى بغير ثبت.

    من هنا ننتهي إلى مسألة خطيرة جداً وهي ما وقع في كثير من البلدان الإسلامية اليوم

    مثل مصر وسوريا وفي طريق هذا الوقوع السعودية : حيث أنهم ألزموا القضاة والحكام

    في مصر وسوريا بأن يقضوا ويُفتوا بناءً على مذهب معين إما على المجلة سابقا

    وإما على القوانين التي وُضعت حديثاً بشيء من التعديل لأحكام المجلة سابقا هذا بالنسبة للقضاة.


    ويتبع .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •