http://33er44ty55f.maktoobblog.com/
تنبيه المتعلمين والعامة إلى ما في الموت من فوائد هامة
أبو يونس العباسي
الحمد لله الذي هدم بالموت مشيد الأعمار , وحكم بالفناء على أهل هذه الدار , فجعلهم أغراضا لسهام الأقدار , ووكل بهم أمراضا تزعجهم عن القرار , ولم يخص بها الفقراء دون ذوي اليسار , أحمده على نعمه وأعوذ به من العتو والإصرار , وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة منجية من النار … وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , أرسله الله بأيمن شعار وأنور منار , اللهم صل عليه وعلى آله وصحبه آناء الليل وأطراف النهار.
[لماذا كان الإكثار من ذكر الموت أمرا مستحبا؟]
إن الإكثار من ذكر الموت أمرا مستحبا للأسباب الآتية:
1ـ لأن الله أكثر من ذكره …
قال الله تعالى:
{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}[آل عمران]
وقال أيضا:
{ فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) }[الواقعة]
وقال أيضا:
{ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78)}[النساء]
2ـ لأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمرنا أن نكثر من ذكره …
أخرج الترمذي في سننه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" أكثروا ذكر هاذم اللذات يعني الموت."
وأخرج البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
"أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ:" كُنْ فِي الدُّنْيَاكَأَن َّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ."
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ:" إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ."
3ـ لأن سلفنا الصالح بعد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه كانوا يكثرون تذكره ويذكرون به …
قال أويس:
"توسدوا الموت إذا نمتم , واجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم."
وكان عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ يجمع الفقهاء ويتذاكرون الموت.
[أحوال الناس في تذكر الموت]
وأحوال الناس في تذكر الموت على صنفين:
1ـ غافل عن الموت …
قال الله تعالى:
{ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3) }[الأنبياء]
وقال أيضا:
{ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (6) يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7)}[الروم]
2ـ متعظ متأثر بالموت والموت يؤثر في سلوكه …
ولقد درج على ألسنة الوعاظ أن يقولوا:
"كفى بالموت واعظا"
ويقولون أيضا:
"من أكبر العظات النظر إلى الأموات."
[من فوائد تذكر الموت تنبيه عبيد الدنيا إلى قبيح صنيعهم]
وقبل الكلام عن هذه الفائدة لا بد أن نعرف ما هو المقصود بعبادة الدنيا …
وعبادة الدنيا تعني:
أن يعيش الإنسان ليأكل وليشرب ولينام وليقضي هواته ويلبي نزواته … عبادة الدنيا أن تعيش للدنيا وحسب دون أن يكون للآخرة أي نصيب في جدول أعمالك الحياتية.
إن للموت رسائل ومن رسائله رسالة إلى عبيد الدنيا يقول فيها:
"لا تعبدوا ما يترككم ويفارقكم واعبدوا الباقي الذي لا يترككم ولا يفارقكم."
قال الله تعالى:
{ كلُُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)}[الرحمن]
ولقد دعا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالتعاسة على من جعل الدنيا هدفه وهمه وغايته دون الدين ….
أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ."
ومن صور عبادة الدنيا أن تقدم حبها وحب ما فيها على حب الله وما يحب منك الله تعالى أن تفعله ….
قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آَبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوه َا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)}[التوبة]
وقال أيضا:
{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)}[آل عمران]
[من فوائد تذكر الموت أن يزهد الإنسان في الدنيا]
وبادئ ذي بدء أود أن نتعرف على مفهوم الزهد في الدنيا …
والزهد في الدنيا يعني:
"أن تستعمل الدنيا في تحصيل الدرجات العلى في الآخرة."
أو هو بمعنى:
أن لا يكون في قلبك إلا الآخرة وما يحبه الله وأن تكون الدنيا في يدك فتخدم بما في يدك ما في قلبك.
أو هو بمعنى:
ترك ما من الممكن أن يضر الإنسان في الآخرة من ملذات الدنيا.
قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ :
"من أكثر ذكر الموت هانت عليه الدنيا."
ولا يمكننا أن نسمي إنسانا بأنه زاهد في الدنيا حتى يقدم نفسه وما معه من مال لله رب العالمين طمعا في رضاه وثوابه وأجره …
قال الله تعالى:
{ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)}[التوبة]
ولا غرابة في ذلك فإن الله ما خلق المال إلا ليستخدمه الصالحون في تعمير الأرض وإصلاحها …
أخرج أحمد في مسنده من حديث عمرو بن العاص يقول:
" بعث إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : خذ عليك ثيابك وسلاحك ثم ائتني فأتيته وهو يتوضأ فصعد في النظر ثم طأطأه فقال إني أريد أن أبعثك على جيش فيسلمك الله ويغنمك وأرغب لك من المال رغبة صالحة قال قلت: يا رسول الله ما أسلمت من أجل المال ولكني أسلمت رغبة في الإسلام وأن أكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو نعم المال الصالح للمرء الصالح."
وأخرج مسلم في صحيحه عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
"أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ قَالَ يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي قَالَ وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ."
[من فوائد تذكر الموت أن يرغب الإنسان في الآخرة]
والرغبة في الآخرة نقصد بها:
ألا يترك الإنسان اعتقادا أو قولا أو عملا يزيد من درجاته في الآخرة إلا وفعله.
أو هو:
ترك كل ما من شأنه أن يضر بدرجات الإنسان في الآخرة.
ولن يكون الإنسان راغبا في الآخرة حتى تستولي على همومه , بل حتى تكون هي الهم الأوحد …
قال الله تعالى:
{ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131)}[طه]
أخرج الترمذي في سننه عن أنس بن مالك أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
{مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ.}
وأخرج البخاري في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
"
َأخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ."
وفي الصحيحين من حديث أنس قال:
{ كَانَتْ الْأَنْصَارُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ تَقُولُ نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا عَلَى الْجِهَادِ مَا حَيِينَا أَبَدَا فَأَجَابَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَهْ فَأَكْرِمْ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرَه ْ}
ولن يكون الإنسان راغبا في الآخرة أيضا حتى تكون الآخرة هي ما ينافس غيره فيه …
قال الله تعالى:
{ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (22) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (23) تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ (25) خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُو نَ (26) وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ (28)}[المطففين]
وقال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ:
"من نافسك في الآخرة فنافسه ومن نافسك في الدنيا فألقها في وجهه."
[السبب الأساس لمآسينا ومصائبنا]
ولعل السبب الأساس لمآسينا ومصائبنا هو أننا رغبنا في الدنيا وزهدنا في الآخرة …
وهذا هو توصيف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وليس توصيفنا نحن …
أخرج أحمد في مسنده من حديث ثوبان أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال
:" يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ قَالَ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ يَنْتَزِعُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ قَالَ قُلْنَا وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ. "
[من فوائد تذكر الموت أنه يؤز الإنسان لمحاسبة نفسه]
ونقصد بمحاسبة النفس:
"أن يقف الإنسان مع نفسه ويساءلها عما قامت به من أقوال وأفعال ومواقف."
وحري بكل عاقل أن يحاسب نفسه ويقوم اعوجاجها فتنفعه محاسبته لنفسه قبل أن يُحاسب حيث يندم ولا ينفع الندم …
قال الله تعالى:
{يا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (8) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا (15)}[الإنشقاق]
أخرج أحمد في مسنده أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال:
"حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم واستعدوا ليوم العرض الأكبر عند من لا تخفى عليه خافية"
[من فوائد تذكر الموت أنه يحث الإنسان على المسارعة لعمل الصالحات]
والمبادرة في الأعمال أو المسارعة فيها تعني:
" التعجل في عمل الصالحات والتوبة من المنكرات قبل أن تفوت الفرصة بمجيء ما يفوتها."
ولقد حثنا الله على المسارعة في الأعمال الصالحة فقال:
{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)}[آل عمران]
وقال أيضا:
{ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ (90)}[الأنبياء]
وقال الرب الجليل على لان موسى ـ عليه السلام ـ:
{ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)}[طه]
أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
" بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا."
وأخرج الحاكم في مستدركه من حديث ابن عباس أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
" اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناءك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ."
قال الفاروق ـ رضي الله عنه ـ
:"العجلة مذمومة في كل شيء إلا في أمور الآخرة"
ولعل شخصا يقول مستفهما:لماذا نسرع في أداء الأعمال الصالحة؟
والجواب: لأن نفسا لا تعرف ماذا تكسب غدا ولا تدري نفس بأي أرض تموت ومتى يكون ذلك …
قال الله تعالى:
" إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (34) "[لقمان]
[أمثلة على الأعمال التي لا بد من المسارعة فيها]
1ـ تحكيم الشريعة 2ـ صلة الأرحام 3ـ أداء الزكاة
4ـ حج بيت الله الحرام 5ـ إرجاع الحقوق إلى أصحابها
6ـ الجهاد في سبيل الله تعالى
[من فوائد تذكر الموت أنه يقود الإنسان إلى تعجيل التوبة]
وتعجيل التوبة يقصد به:
" الإسراع قي التوبة من كل الذنوب الاعتقادية والقولية والعملية والتزام ما يحبه الله ويرضاه."
ولكن يا ترى لماذا نعجل التوبة؟
والجواب:
لأننا لا ندري متى سنموت , فقد نموت على معصية لله ـ سبحانه وتعالى ـ نسأله تعالى أن يتوفانا وهو راض عنا .
قال الله تعالى:
{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)}[المؤمنون]
ولكن مم نتوب؟
والتوبة واجبة على كل مسلم ومسلمة وذلك مما يلي:
1ـ من الذنوب والمعاصي بشكل عام …
قال الله تعالى:{ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآَمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (153)}[الأعراف]
وقال أيضا:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِ مْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)}[التحريم]
2ـ التوبة من ترك الصلاة وترك الزكاة …
قال الله تعالى:
{ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)}[التوبة]
3ـ التوبة من الشرك بأنواعه…
قال الله تعالى:
{ لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُو نَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74)}[المائدة]
4ـ التوبة من إيذاء أهل الإسلام …
قال الله تعالى:
{ إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)}[الأحزاب]
وقال أيضا:
{ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات ِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)}[البروج]
5ـ التوبة من كتم العلم والسكوت عن شهادة الحق …
قال الله تعالى:
{ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)}[البقرة]
وقال أيضا:
{ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)}[البقرة]
6ـ التوبة من موالاة اليهود والنصارى وأهل الشرك والكفر ومن يواليهم …
قال الله تعالى:
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا (144)}[النساء]
7ـ التوبة من النفاق وأفعال المنافقين …
قال الله تعالى:
{ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)}[النساء]
[من فوائد تذكر الموت خلع صفة التكبر والتزام التواضع]
والتكبر هو:
إنكار الحق واحتقار الناس وهذا التعريف هو تعريف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
ومن فوائد الموت أن يعلم الإنسان التواضع فالموت كسر وسيكسر أنف كل متكبر …
قال الله تعالى:
{ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}[آل عمران]
وقال تعالى:
{ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (61) }[النحل]
[الأمور التي تساعد على تذكر الموت]
ومن الأمور التي تساعد على ذكر الموت ما يلي:
1ـ زيارة القبور …
في صحيح الجامع من حديث ابن مسعود أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
" نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن في زيارتها تذكرة "
2ـ زيارة المرضى …
أخرج مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ:
"كُنَّا جُلُوسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَدْبَرَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَخَا الْأَنْصَارِ كَيْفَ أَخِي سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ صَالِحٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَعُودُهُ مِنْكُمْ فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ وَنَحْنُ بِضْعَةَ عَشَرَ مَا عَلَيْنَا نِعَالٌ وَلَا خِفَافٌ وَلَا قَلَانِسُ وَلَا قُمُصٌ نَمْشِي فِي تِلْكَ السِّبَاخِ حَتَّى جِئْنَاهُ فَاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْلِهِ حَتَّى دَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ. "
3ـ اتباع الجنائز …
أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
" حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ. "
4ـ قراءة الكتب المتعلقة بالموت.
5ـ تعليق اليافطات المتعلقة بالموت.
والحمد لله رب العالمين
أبو يونس العباسي
غزة المحاصرة
الثلاثاء
15 جمادى الأولى
1431هـ