آداب المتعلم

( أما آدابه في نفسه ودرسه فكآداب المعلم ، وقد أوضحناها . وينبغي ان يطهر قلبه من الادناس ليصلح بقبول العلم وحفظه واستثماره ، ففي ((الصحيحين)) عن رسول الله r : ((ان في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)) . وقالوا : تطبيب القلب للعلم كتطبيب الأرض للزراعة . وينبغي ان يقطع العلائق الشاغلة عن كمال الاجتهاد في التحصيل ، ويرضى باليسير من القوت ، ويصبر على ضيق العيش . قال الشافعي رحمه الله تعالى : لا يطلب أحد هذا العلم بالملك وعز النفس فيفلح ، ولكن من طلبه بذل النفس ، وضيق العيش ، وخدمة العلماء افلح . وقال أيضا : لا يدرك العلم إلا بالصبر على الذل . وقال أيضا : لا يصلح طلب العلم إلا لمفلس ، فقيل : ولا الغني المكفي ؟ فقال : ولا الغني المكفي . وقال مالك بن انس رحمه الله : لا يبلغ أحد هذا العلم ما يريد حتى يضربه الفقر ، ويؤثره على كل شيء . وقال ابو حنيفة رحمه الله : يستعان على الفقه بجمع الهمم ويستعان على حذف العلائق بأخذ اليسير عند الحاجة ولا يزد .
وقال ابراهيم الآجري : من طلب العلم بالفاقة ورث الفهم . وقال الخطيب البغدادي في كتابه " در الجامع لآداب الراوي والسامع" : يستحب للطالب ان يكون عزبا ما أمكنه ، لئلا يقطعه الاشتغال بحقوق الزوجة ، والاهتمام بالمعيشة عن اكمال طلب العلم )
( فلابد لطالب العلم من الانتباه إلى أسباب التوفيق ، لان المسلم مازال متعلما حتى اذا صار عالما فهو متعلم في غير ما علم ، والمتتبع لقوله عز وجل : [وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا {27} وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {28} وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا {29}]الكهف ، يجد في دراسة النص القرآني ، ان طالب العلم ، والمسلم الحريص النابه ، لابد من ان يحرص على أسباب التوفيق في هذه الحياة الدنيا بوصفه أحد اثنين عالما أو متعلما ، وهذه الأسباب من دراسة النص هي :
( 1. شد العناية بما جاء وحيا من عند الله عز وجل ، فلا يفتر عن تحسس قضاياه والتفكر فيها والاعتبار منها ، فيعيش في واقعها الفكري بحسه وشعوره وفكره وفي وجودها الإيماني .
2. ملازمة أهل العلم والصلاح من المعلمين ذوي النصيحة ، والحذر من العلماء الفاسدين فالقضية في المعلم كونه عالما من أهل العرفان والسلوك ، الذين يتقصدون وجه الله وكان أمرهم منضبطا بأوامر الله ونواهيه .
3. وقطعا يحتاج المتعلم في شدة العناية الصبر مع أهل العلم والنصيحة ويحتاج ذكاء الفطرة فيستعمل ما وهبه الله من نعمة العقل في ربط الإحساس بالعلم الشرعي من أهل الأهواء الذين يلبسون ثياب التقوى وهم عراة منها .
4. يحتاج المتعلم إلى استواء الطبيعة ، أي خلوها من الميل إلى غير أوامر الله ونواهيه ، فتمارس دورها فيه بالحق فلا تحيد عنه ، بدافع التقوى وقوة الإيمان بالإسلام ، فالثقة بدين توجد الإرادة الواعية والثقة بالنفس ، فتنسجم الفطرة مع الفكرة ، قال الله تعالى [فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ] الروم:{30} وقال عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به).
ولقد خص بعض علماء المسلمين هذه الناحية بالعناية ، فيعنوا ان على طالب العلم الأخذ من العلماء بالإجازة سماعا أو قراءة على الشيخ المعلم ، أو من هو أهل لاعطاء العلم من العالمين به ، وعلى المتعلم بالسماع أو القراءة ، ان يحسن إدراك علوم الشريعة بان يتمثل واقعها في ذهنه بالحكم عليه بإثبات مفيد التصديق أو التسليم حسب باب العلم من العقائد أو أصول الدين أو الفروع . وبعد ان يعرف المطلوب منه ، وكيف يطلبه تعلما وعملا ، وكيف يحصله أسلوبا ووسيلة ، ليمارسه عمليا في الحياة ، هذا في حال الاجازة .أما في حال الوَجادة ، فيقرأ النافع ، ويركز الفكر في ذهنه ، ويأخذه ممن هم أهل العلم المعروفين ، لا من المجهولين ، ولا سيما في زماننا الذي كثرت فيه الأقاويل من غير تحقيق ولا تدقيق ، والإجازة افضل )
(وقد كان بعض المتقدمين إذا ذهب إلى معلمه تصدق بشيء ، وقال : اللهم استر عيب معلمي عني ، ولا تذهب بركة علمه مني ، وقال الشافعي رحمه الله : كنت اصفح الورقة بين يدي مالك رحمه الله صفحا رفيقا هيبة له ، لئلا يسمع وقعها . وقال الربيع : والله ما اجترئت ان اشرب الماء والشافعي ينظر اليَّ هيبة له . وقال حمدان بن الاصفهاني : كنت عند شريك رحمه الله فأتاه بعض أولاد المهدي ، فاستند إلى الحائط وسأله عن حديث فلم يلتفت إليه ، واقبل علينا ثم عاد فعاد لمثل ذلك ، فقال : أتستخف بأولاد الخلفاء ؟ فقال شريك : لا ، ولكن العلم اجلّ عند الله تعالى من ان أضعه ، فجثا على ركبتيه ، فقال شريك : هكذا يطلب العلم).