بسم الله الرحمن الرحيم

نجاحنا و قوتنا في و حدتنا على عقيدتنا و منهجنا


الحمد لله رب العالمين , و الصلاة والسلام على نبينا محمد , و على آله و صحبه أجمعين .
إنّ مما تعاني منه الأمة الإسلامية , التفرق و الاختلاف في عقيدتها و منهجها الذي أدّى إلى الضعف و التعـصـب و التقليد و اتباع العوائد السيئة التي كانت سبباً في تمزيق الأمة شيعاً و أحزاباً, و كلُّذلك أثّر في وحـدة الأمـة , و ساهم في تمزيقها و تشتيتها و تفريقها و إضعافها , وزوال مكانتها و هيبتها بين الأمم .
إنّ هذه المنهجية الخاطئة أدت إلىظهور الفرق , و اختلاف المناهج و العقائد و التصورات و القيم ,لأنّ أصحاب هذاالمنهج الفاسد قدّموا أهواءهم على الشرع , ثم حاولوا جاهدين أنْ يستدلوا علىأهوائهم و تفرقهم بتحريفهم للنصوص و الأدلة الشرعية لتوافق ما هم عليه من البدع والأهواء , و اعتمدوا على آرائهم و عقولهم في تقرير ما هم عليه من الباطل .
إنّ اتباعالأهواء شتت جهوداً ضخمة , و أمرض قلوباً كانت حية , و نتج عن تفشيه نتائج و خيمة وأمور جسيمة.
و إذا كانت هذه الفرقة هي طريق الانحطاط التي كان لها الأثر المباشرفي تمزيق الأمة و تفريقها و اختلافها , ففي اتحاد الأمة و اتفاقها على أسس متينة مندينها و اعتصامها بكتاب ربها , و سنة نبيها و تحقيق الأخوّة الإيمانية فيما بينها , قال تعالى :"وَاعْتَصِمُو ْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ "


(103 سورة آلعمران)

و قال تعالى :"إِنَّمَاالْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"

(10 سورةالحجرات)

فهذا الإسلام بعقيدتهالصحيحة و منهجه السليم , جعل الأمم و الشعوب التي دخلت فيه أمة واحدة مترابطةترابط الجسد الواحد , لا فرق بين العربي و العجمي ,إلا بالتقوى , قال تعالى:" {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْشُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ"

(13سورة الحجرات)

و قال – صلى الله عليه و سلم- :"ألا فضللعربي على أعجمي و لا لعجمي على عربي و لا لأحمر على أسود و لا لأسود على أحمر إلابالتقوى" ( رواه الإمام أحمد و إسناده صحيح )
و قال- صلى الله عليه و سلم - :"المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً"


( متفق عليه )

و قال – صلى الله عليه و سلم – لاتباغضوا و لا تقاطعوا و لا تدابروا و لا تحاسدوا و كونوا عباد الله إخوانا كماأمركم الله , و لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام "

( متفق عليه )

قال الشيخ ابن عثيمين– رحمه اللهفي شرح الحديث :" لا تسعوا بأسباب البغضاء , و إذا وقع في قلوبكم بغض لإخوانكمفاحرصوا على إزالته و قلعه من القلوب "

( شرح الأربعين النووية ص 484 )

و قال الإمام ابن دقيق العيد – رحمه الله - :"أي تعاملوا و تعاشروامعاملة الإخوة و معاشرتهم في المودة و الرفق و الشفقة و الملاطفة و التعاون فيالخير مع صفاء القلوب و النصيحة بكل حال "

( المصدر نفسه ص 498 )

و قال العلاّمة السعدي – رحمه الله - :" فعلى المؤمنين أن يكونوامتحابين متصافين غير متباغضين و لا متعادين , يسعون جميعاً لمصالحهم الكلية التيبها قوام دينهم و دنياهم , و لا يتكبر شريف على وضيع , و لا يحتقر أحدٌ فيهم أحداً" ( المصدر نفسه ص 499 )
و قال – صلى الله عليه و سلم - :" لا تختلفوا فإنّ مَنْ كان قبلكم اختلفوا فهلكوا "


( رواه البخاري )

إنّ المنهج النبوي هو طريق الوحدة والتعاون و التآخي بين المسلمين , و الاجتماع على البِر و التقوى طريق أهل السنة والجماعة , الذين التزموا في كافة أمورهم بما كان عليه النبي – صلى الله عليه وسلمو أصحابه مِنْ بعده , عقيدةً و منهجاً و علماً و سلوكاً و أخلاقاً و آداباً و عبادةو معاملة .
و الكتاب و السنة بفهم سلف الأمة, هما الميزان على الأقوال و الأعمالو المعتقدات و المناهج , و لا يتم اللقاء إلا بالإيمان بهما و تطبيقهما .
قال شيخالإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :" إنّ ما وافق كتاب الله و سنة رسوله الثابتة عنه , و ما كان عليه أصحابه فهو حق , و ما خالف ذلك فهو باطل "


( الفتاوى 11 / 582 )

و لا يمكن أن تتحقق وحدة المسلمين وقوتهم ما لم تجمعهم عقيدة و منهج الأنبياء و الرسل , فهذا السبيل هو الذي يصلح لجمعشتات المسلمين , و القضاء على الفرقة و المناهج الحادثة , و هذا يتطلب من كل مسلمنبذ المذاهـب و العقائد المخالفة لما كان عليه سلف الأمة , لأن العقيدة تشكل أساساًمهماً في بنا الفرد و المجتمع , فإذا كانت العقيدة فاسدة مشوهة , فإنّ البناء لايستقيم و لا يستطيع أن يواجه الأعاصير و الفتن حتى ينهار .
فبهذه العقيدة, و هذا المنهجالرباني يتحقق التعاون و الإيثار و الرحمة و العفو و التسامح و التـكافـل و التـآزرو التزاور و التناصح بين الإخوة و الأحباب .
فإذا أخلص الإنسان , و تجرد لله- تبارك و تعالى- , و تدبر كتاب اللهو سنة رسولهصـلى الله عـليه و سـلمو اتبع سبيل السلفالصالح , و اختار الرفقة الصالحة التي تعينه على طاعة الله , تحققت الأخوّة بينأفراد المسلمين , و قويت شوكتهم , و توارثوا الصدق و المودة و الاحترام و الثقةالمتبادلة .
فإذا اختلفنا في العقيدة و المنهج , والكل منا يؤمن بما هو عليه , فلا يمكن أن يسود الإخاء و التعاون و التناصر والتناصح و التزاور , و أصبح الكل منا ضحية لأنانيته و أهوائه, من أجل ذلك جعلالرسولصلى الله عليه و سلمالعقيدة هي أساس الأخوة التيجمع عليها أفئدة الصحابة – رضي الله عنهم – دون الاعتبار لأي فارق إلا فارق التقوىو العمل الصالح .
وهذه العقيدة كانت حقيقة عملية تتصل بواقع الحياة و العلاقات القائمة بين الأنصار والمهاجرين , فكانت من أسباب قوتهم و نصرة الله لهم .
فصحة العقيدة و سلامة المنهج هما سرقوة الأمة , ومفتاح نجاحها و سعادتها , و هما الدواء الشافي لمن ابتُليَ بشيء منالهوى و حب الظهور و الشهرة .
فتربية النفس على التقوى و الخشيةمن الله – تعالى - ,و محاسبتها دائماً فيما يصدر منها , و الإكثار من استشارة أهلالعلم , و استنصاح الآخرين من طلاب العلم الثقات , أصحاب الآراء الصحية الصائبة , وعدم الاستعجال في إصدار الأحكام , و الحذر من ردود الأفعال التي قد يكون فيها إفراطو تفريط و غـلو أو تقـصير , و جهل و بغي و عدوان و ظلم , فبهذه التربية يتجنبالمسلم أسباب الفرقة و الاختلاف و مضلات الفتن .
و حتى لا تضعف شوكتنا , و تفشلدعوتنا , لابد أن نجتمع بعقيدتنا و منهجنا على دين الله متحابين , متعاونين علىالخير , و ما سوى شرع الله موزون و ليس بميزان , و محكوم و ليس بحاكم , و العصمةحينئذٍ في التمسك بالسنة و عدم التنازع فيما بيننا .
قال تعالى :"وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْفَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"


(46سورة الأنفال)

وأنّ ما عليه أهل الأهواء و البدع , و الغلاة من المتنطعين , مِن الأسباب التي ساهمت في نشأة كثير مِن الفرق الضالة والطوائف المنحرفة , لأنّ أصحابها قدّموا أهواءهم على الشرع , و اعتمدوا على آرائهمو عقولهم القاصرة,لأجل ذلك كان علماء السلف يطلقون عليهم أهل الأهواء و البدع , وما كان مِنْ أهل السنة و الجماعة إلا التمايز عنهم و الاجتماع على الدليل الصحيحالذي يجمِّع و لا يفرِّق , و أنّ أي شيء لم يقم عليه دليل و لا برهان , فإنّه باطلمرفوض .
فعلينا جميعاً أنْ نسعى جاهدين إلىوحدة الكلمة , و جمع القلوب , وأنْ نتلطف بالمسلمين لنأخذ بأيديهم إلى بر الأمان , فنكون بذلك قد حققنا قول الله – عزّ و جلّ - :"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌفَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ" (10سورة الحجرات)


و آخردعوانا أن الحمد لله رب العالمين

كتبه

سميرالمبحوح

16 / ربيع الآخر / 1431 هـ