جزاكم الله خيرا وبارك فيكم .
لكن لِم لَمْ تنقلوا ذلك عن أبي عبيد القاسم بن سلام الهروي ( ت 224 هـ ) رحمه الله ؟ ( ولعل خلفا البزار نقلها عنه - والله أعلم - وقد عاصره ، ولاحظ تطابق الأسلوب ) إذ قال في كتابه النفيس ( فضائل القرآن ) :
" حروف القرآن التي اختلفت فيها مصاحف أهل الحجاز وأهل العراق ، وهي اثنا عشر حرفا :
حدثنا إسماعيل بن جعفر المدينيّ أن أهل الحجاز وأهل العراق اختلفت مصاحفهم في هذه الحروف ؛ قال : كتب أهل المدينة :
- في سورة البقرة : ( وأوصى بها إبراهيم بنيه ) بالألف ، وكتب أهل العراق ( ووصى ) بغير ألف .
- وفي آل عمران : كتب أهل المدينة ( سارعوا إلى مغفرة من ربكم ) بغير واو ، وأهل العراق ( وسارعوا ) بالواو .
- وفي المائدة : ( يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم ) بغير واو ، وأهل العراق : ( ويقول ) بالواو .
- وفيها أيضا : أهل المدينة ( يا أيها الذين آمنوا من يرتَدِد منكم عن دينه ... ) بدالين ، وأهل العراق ( من يرتد ) بدال واحدة .
- وفي سورة براءة : أهل المدينة ( الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا ) بغير واو ، وأهل العراق ( والذين اتخذوا ) بالواو .
- وفي الكهف : أهل المدينة ( لأجدن خيرا منهما منقلبا ) على اثنين ، وأهل العراق ( خيرا منها منقلبا ) على واحدة .
- وفي الشعراء : أهل المدينة ( فتوكل على العزيز الرحيم ) بالفاء ، وأهل العراق ( وتوكل ) بالواو .
- وفي المؤمن : أهل المدينة ( وأن يظهر في الأرض الفساد ) بغير ألف ، وأهل العراق ( أو أن ) بألف .
- وفي عسق : أهل المدينة ( بما كسبت أيديكم ) بغير فاء ، وأهل العراق ( فبما كسبت ) بالفاء .
- وفي الزخرف : أهل المدينة ( تشتهيه الأنفس ) بالهاء ، وأهل العراق ( تشتهي الأنفس ) بغير هاء .
- وفي الحديد : أهل المدينة ( إن الله الغني الحميد ) بغير ( هو ) ، وأهل العراق ( هو الغني الحميد ) .
وفي الشمس وضحاها : أهل المدينة ( فلا يخاف عقباها ) بالفاء ، وأهل العراق ( ولا يخاف عقباها ) بالواو .
باب : وهذه الحروف التي اختلفت فيها مصاحف أهل الشام وأهل العراق ، وقد وافقت أهل الحجاز في بعض وفارقت بعضا :
حدثنا هشام بن عمّار ، عن أيوب بن تميم ، عن يحيى بن الحارث الذماري ، عن عبد الله بن عامر اليَحْصَبيّ ، قال هشام : وحدثناه سويد بن عبد العزيز أيضا ، عن الحسن بن عمران ، عن عطية بن قيس ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ررر أن هذه الحروف في مصاحف الشام ، وقد دخل حديث أحدهما في حديث الآخر ، وهي ثمان وعشرون حرفا في مصاحف أهل الشام :
- في سورة البقرة : ( قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه ) بغير واو .
- وفي سورة آل عمران : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) بغير واو .
- وفيها أيضا : ( جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب ) كلهن بالباء .
- وفي النساء : ( وما فعلوه إلا قليلا منهم ) بالنصب .
- وفي المائدة : ( ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا ) بغير واو .
- وفيها أيضا : ( يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم ) بدالين .
- وفي الأنعام : ( ولدار الآخرة خير ) بلام واحدة .
- وفيها أيضا : ( وكذلك زُيِّن لكثير من المشركين قتل أولادَهم شركائهم ) بنصب الأولاد وخفض الشركاء ، ويتأولونه قتل شركائهم أولادهم .
- وفي الأعراف : ( قليلا ما تتذكرون ) بتاءين .
- وفيها أيضا : ( الحمد لله الذي هدانا لهذا ما كنا لنهتدي ) بغير واو .
- وفيها أيضا في قصة صالح : ( قال الملأ الذين استكبروا ) بغير واو .
- وفيها أيضا في قصة شعيب : ( وقال الملأ ) بالواو .
- وفيها أيضا : ( وإذا أنجاكم من آل فرعون ) بغير نون .
- وفي براءة : ( الذين اتخذوا مسجدا ضرارا ) بغير واو .
- وفي يونس : ( هو الذي ينشركم في البر والبحر ) بالنون والشين .
- وفيها : ( إن الذين حقت عليهم كلمات ربك ) على الجماع .
- وفي بني إسرائيل : ( قال سبحان ربي هل كنت ) بالألف على الخبر .
- وفي الكهف : ( خيرا منهما منقلبا ) على اثنين .
- وفي سورة المؤمنين : ( سيقولون لله .. لله .. لله ) ثلاثتهن بغير ألف .
- وفي الشعراء : ( فتوكل على العزيز الرحيم ) بالفاء .
- وفي النمل : ( إننا لمُخْرَجون ) على نونين بغير استفهام .
- وفي المؤمن : ( كانوا هم أشد منكم قوة ) بالكاف .
- وفيها أيضا : ( وأن يُظهر في الأرض الفساد ) بغير ألف .
- وفي عسق : ( وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم ) بغير فاء .
- وفي الرحمن : ( والحبَّ ذا العصف والريحان ) بالنصب .
- وفيها أيضا : ( تبارك اسم ربك ذو الجلال والإكرام ) بالرفع .
- وفي الحديد : ( إن الله الغني الحميد ) بغير ( هو ) .
- وفي الشمس وضحاها : ( فلا يخاف عقباها ) بالفاء .
قد ذكرنا ما خالف فيه مصاحف أهل الحجاز وأهل الشام مصاحف أهل العراق .
فأما العراق نفسها فلم تختلف مصاحفها فيما بينها إلا في خمسة أحرف بين مصاحف الكوفة والبصرة :
كتب الكوفيون :
- في سورة الأنعام : ( لئن أنجانا من هذه لنكونَنَّ من الشاكرين ) بغير تاء .
- وفي سورة الأنبياء : ( قال ربي يعلم القول ) بالألف على الخبر .
- وفي سورة المؤمنين : ( قل كم لبثتم في الأرض ) على الأمر بغير ألف .
- وكذلك التي تليها ( قل إن لبثتم إلا قليلا ) مثل الأولى .
- وفي الأحقاف : ( ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا ) .
وكتبها البصريون :
- ( لئن أنجيتنا ) بالتاء .
- وكتبوا ( قل ربي يعلم القول ) على الأمر ، بغير ألف .
- وكتبوا ( قال كم لبثتم في الأرض ) بالألف على الخبر .
- وكذلك التي تليها ( قال إن لبثتم ) مثل الأولى .
- وكتبوا ( بوالديه حُسنا ) بغير ألف .
هذه الحروف التي اختلفت في مصاحف الأمصار ، ليست كتلك الزوائد التي ذكرناها في البابَين الأوّلَين ؛ لأن هذه مثبتة بين اللوحين ، وهي كلها منسوخة من الإمام الذي كتبه عثمان ررر ثم بعث إلى كل أفق مما نسخ بمصحف ، ومع هذا إنها لم تختلف في كلمة تامة ، ولا في شطرها ، إنما كان اختلافها في الحرف الواحد من حروف المعَجم كالواو والفاء وما أشبه ذلك ، إلا الحرف الذي في الحديد وحده : قوله ( فإن الله الغني الحميد ) ؛ فإن أهل العراق زادوا على ذينك المصرَين ( هو ) ، وأما سائرها فعلى ما أعلمتك ليس لأحد إنكار شيء منها ولا جحده ، وهي كلها عندنا كلام الله ، والصلاة بها تامة إذ كانت هذه حالها " .
اهـ .
[ أبو عبيد القاسم بن سلام ( 157 - 224 هـ ) : فضائل القرآن ، ص 328 - 333 ، حققه وشرحه وعلق عليه : مروان العطية ، ومحسن خرابة ، ووفاء تقي الدين ، دار ابن كثير - دمشق / بيروت ] .
وفقكم الله وبارك فيكم .