بسم الله الرحمن الرحيمعونك يا رب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ ثم أما بعد..
فهذه دراسة وتخريج لحديث: (طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ مِنْ غَيْرِ مَنْقَصَةٍ، وَذَلَّ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ مَسْكَنَةٍ، وَأَنْفَقَ مَالا جَمَعَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، وَرَحِمَ أَهْلَ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ ، وَخَالَطَ أَهْلَ الْفِقْهِ وَالْحِكْمَةِ، طُوبَى لِمَنْ ذَلَّ فِي نَفْسِهِ، وَطَابَ كَسْبُهُ، وَصَلُحَتْ سَرِيرَتُهُ، وَحَسُنَتْ عَلانِيَتُهُ، وَعَزَلَ عَنِ النَّاسِ شَرَّهُ، طُوبَى لِمَنْ عَمِلَ بِعِلْمِهِ، وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ، وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ) وذكر أوجهه وطرقه.. فأقول مستعيناً بالله سبحانه:
هذا الحديث قد روي من غير ما وجه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقد روي من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بأسانيد تالفةٍ ساقطة من أربعة طرق:
الطريق الأول: طريق عبد العزيز بن عبد الصمد العمي، عن أبان بن أبي عياش عنه به؛ أخرجه:
-ابن عدي في (الكامل 1/384) ومن طريقه: البيهقي في (الشعب رقم 10563) وابن الجوزي في (الموضوعات رقم 1593)، والقضاعي في (الشهاب رقم 614)، وابن الجوزي في (العلل المتناهية 2/828) من رواية: محمد بن أبي السري المتوكل.
-ابن عساكر في (تاريخ دمشق 54/240) من رواية: حسنويه بن الفرج الخياط.
-المعافى في (الجليس الصالح رقم 337) من رواية: محمد بن عيسى.
قال ابن حبان: (هذا مما سمعه أبان من الحسن وجعله عن أنس).
قال ابن الجوزي: (هذَا ليس من كلام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؛ قال ابن حبان: سمعه أبان من الْحَسَن فجعله عن أَنَس وهو يعلم، قال يَحْيَى: أبان ليس بشيء، وقال شُعْبَة: يكذب على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، لأن أزني أحب إلي من أن أحدث عَنْهُ).
· دراسة رجال هذا الطريق:
[أبان بن أبي عياش]: مجمع على تركه، وقد أتهم بالكذب.
[محمد بن أبي السري المتوكل]: على أنه قد وثق إلا أنه كثير الخطأ والوهم، وفي حديثه لين.
[حسنويه بن الفرج الخياط]: مجهولٌ لا يعرف.
-أما طريق المعافى؛ فهو وحده آفة:
[إبراهيم بن سليمان بن حمدويه الدهان]: مجهولٌ لا يعرف.
[أحمد بن علي بن سليمان]: وضّاع.
[محمد بن ثميلة]: مجهولٌ لا يعرف، ولا أظنه محمد بن عبد ربه.
[محمد بن عيسى]: مجهولٌ لا يعرف.
الطريق الثاني: طريق النضر بن محرز، عن محمد بن المنكدر عنه به؛ أخرجه:
-الكامل في (الضعفاء 7/81)، وابن حبان في (المجروحين 3/50)، والدارقطني في (الغرائب والأفراد كما في أطرافه رقم 1243)، والبزار في (المسند رقم 6237) ومن طريقه: الذهبي في (السير 13/557) من رواية: أحمد [عند البزار والذهبي (محمد)] بن عبد الرحمن بن المفضل الحراني، عن الوليد بن المهلب.
قال الذهبي: (هَذَا حَدِيثٌ وَاهِي الإِسْنَادِ، فَالنَّضْرُ، قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ. وَالْوَلِيدُ: لا يُعْرَفُ، وَلا يَصِحُّ لِهَذَا الْمَتْنِ إِسْنَادٌ).
وقال ابن حبان لما أورده بسنده: (إنما روى هذا أبان بن أبي عياش عن أنس).
· دراسة رجال هذا الطريق:
[النضر بن محرز]: قال أبو حاتم: (مجهول) وقال أبن حبان: (منكر الحديث جداً؛ لا يجوز الاحتجاج به) وقال العقيلي: (لا يتابع على حديثه) وقال ابن عدي: (أحاديثه غير محفوظة) وقال الدارقطني وابن هبة الله: (منكر الحديث) وقال عبد الغني بن سعيد: (ضعيف).
[الوليد بن المهلب الأزدي]: قال ابن عدي: (أحاديثه فيها بعض النكرة) وقال الذهبي: (لا يعرف) تفرد بتوثيقه كعادته ابن حبان؛ وليس كما قال.
[أحمد بن عبد الرحمن بن المفضل]: لم يذكر بجرح ولا تعديل.
الطريق الثالث: طريق زكريا بن حازم الشيباني، عن قتادة عنه به؛ أخرجه:
-الحكيم في (نوادر الأصول رقم 273).
· دراسة رجال هذا الطريق:
[زكريا بن حازم]: مجهول لا يعرف.. وهو آفة هذا الطريق.
الطريق الرابع: طريق أبي سلمة المنقري، عن ثابت عنه به؛ أخرجه:
-الودعاني ومن طريقه الذهبي في (الميزان 6/269).
وحال راوي هذا الطريق يغني عن دراسته؛ فهو طريق موضوع مفترى.
وعليه: فهذا الوجه لهذا الحديث عن أنسٍ لا يصح ولا يثبت؛ بل هو وجه موضوع.
يتبع إن شاء الله...