بسم الله الرحمن الرحيم
هذه قصيدة في رثاء الشيخ الفاضل/عبدالله بن صالح السديس رحمه الله
كتبها شيخنا الفاضل الدكتور/أحمد بن صالح السديس حفظه الله أخو الفقيد حيث قال:
(اللقاء الأخير)
كان لقائي مع أخي الحبيب أبي عاصم ـ على غير العادة ـ لقاءً صامتًا، وأخيرًا!
دُنْيَايَ زِيدِي عَلَى الأحزَانِ أحْزَانَا
وَاسْتَقْبِلِي الكَونَ بِالآهَاتِ ألْوَانَا
قَد كَانَ لِي فِي ظَلاَمِ اللّيلِ مُسْتَتَرٌ
فَخَانَنِي اللّيلُ إشْهَارًا وَإعْلانَا
يَا لَيْلُ حَسْبُكَ مَا أنْصَفْتَ فِي رَجُلٍ
لَو قُدَّ مِن حَجَرٍ مِن حُرْقَةٍ لاَنَا!
يَا لَيْلَةً حَلَكَتْ والفَجْرُ نَرْقُبُهُ
لكِنَّ لَيلاً ـ بِلا فَجْرٍ ـ تَغَشَّانَا
يَا لَيْلَةً فُصِمَتْ فِيهَا مَبَاهِجُنَا
مَا أقصَرَ العُمْرَ أعْوَامًا وَشُطْآنَا!
يَا لَحْظَةَ البَيْنِ مَا أَبْقَيْتِ لِيْ جَلَدًا
لَو كُنتُ مَوْجًا فَقَدْ لاقَيتُ طُوفَانَا!
مَاتَ الشَّقِيقُ فَشُقَّ القَلبُ مِن كَمَدٍ
وَالقَلْبُ يَقْسُو عَلَى الأحْجَارِ أحْيَانَا
¯¯
¯
¯¯
يَا لَيْلَةً عَادَتِ الذِّكْرَى مُؤَجِّجَةً
فِي القَلْبِ حُمًّى وَفِي الأَضْلاعِ نِيْرَانَا
ذَكَرْتُ مَا كَانَ مِن إِلْفٍ يُظَلِّلُنَا
كَأنّهُ الدَّوْحُ صَارَ اليومَ عَطْشَانَا
كَمْ قَدْ بَثَثْنَا تَبَارِيْحًا وَعَاطِفَةً
فِيْ مَسْمَعِ اللَّيْلِ حَتَّى طَابَ قَلْبَانَا
أُفْضِي وَيُفْضِي وَمَا فِي الليلِ مُتَّسَعٌ
فَنُودِعُ الفَجْرَ وَحْيًا طِيْبَ نَجْوَانَا
كُنَّا وَكُنَّا فَمَا زِلْنَا وَمَا بِنَّا
حَتَّى مَضَيْتَ أخِي حَيًّا وَرَيَّانَا
نَزِيفُ جُرحِكَ نَزْفٌ فِي حَشَاشَتِنَا
وَجُرْحُ فَقْدِكَ يُنْسِينَا شَكَاوَانَا!
¯¯
¯
¯¯
يَا شَاطِئًا طَالَمَا كَلَّتْ سَوَاعِدُنَا
سَعْيًا لِنَبْلُغَهُ حُبًّا وأَحْضَانَا
يَا رَوضَةً قُصِدَتْ وَالأَيْكُ مُجْتَمِعٌ
حَتَّى رَأَيْنَا الدُّنَا حَقلاً وَبُسْتَانَا
يَا وَاحَةً طَرِبَتْ فِيهَا بَلاَبِلُنَا
حِينًا مِنَ الدَّهْرِ، هَلْ يَرْتَدُّ مَا كَانَا؟
كَمْ صَاحِبٍ يَا أخِي قَاسَى مُصِيبَتَنَا
وَلَم يَزَلْ مِن جَلِيلِ الهَمِّ سَهْرَانَا
تَبكِيكَ أرْمَلَةٌ فِي لَوعَةٍ نَشَجَتْ
تَقُولُ: مَا مِتَّ بَلْ حَانَتْ مَنَايَانَا
يَبكِيكَ طِفْلٌ رَأى فِيكَ الأُبُوَّةَ فِي
أسْمَى مَظَاهِرِهَا جُودًا وإحْسَانَا
قَد عاشَ تَكْفُلُهُ دَهْرًا وَتُكْرِمُهُ
شَكَا بِفَقْدِكُمُ يُتْمًا وَحِرْمَانَا
تَبْكِيكَ أُمُّكَ تَبكِي الفَقْدَ كُنْتَ لَهَا
أخًا وَإبْنًا وَبِرًّا زَادَ رُجْحَانَا
تَبْكي عَلَى طَلَلٍ، هَلْ فِي البُكَا فَرَجٌ؟
أوَّاهُ لو لُبِّـثُوا أو أُمهِلُوا آنَا!
تَبْكِيكَ زَوجُكَ قَدْ ضَاقَتْ مَدَامِعُهَا
حَتّى بَرَاهَا الأسَى هَمًّا وأضْنَانَا
تُخْفِي أسَاهَا لِتُرْضِيْ قَلْبَ طِفْلَتِهَا
وَيَأكُلُ الجَمْرُ أحشَاءً وَشِرْيَانَا
يَبكِيكَ إبْنُكَ قَد أودَعْتَهُ دُرَرًا
مِنَ المَعَانِي التي فِي حُسْنِهَا ازْدَانَا
يَبُثُّ خَلْوَتَهُ ذِكْرَى تُمَازِجُهُ
شَوقًا ونَجْوَى وَأسْمَارًا وأشْجَانَا
جُمَانُ تَبْكِي أبًا مَوْشِيُّ رَفْرَفِهِ
تَأوِيْ إلَيْهِ إذَا مَا الجَدْبُ قَد بَانَا
رَزَانُ تَبْكِي فَتَبْكِي الوُرْقُ فِي فَنَنٍ
والطَّيرُ وَاجِمَةٌ دَهْرًا وَإبَّانَا
تَبْكِيكَ رَنْدٌ وَهَل يُخْفِي فَجِيعَتَهَا
قَلْبٌ تَفَطَّرَ حَتَّى آبَ حَيْرَانَا؟
تَبْكِي عَلَى وَلَهٍ رِيمٌ وَقَد شُغِلَتْ
عَنِ الصِّغَارِ بِدَمْعٍ كَانَ هَتَّانَا
نَادَيْتُ لا تَبْأسُوا رُوحِي لَكُم وَطَنٌ
وَقَدْ بَنَيتُ لَكُم فِي القَلْبِ إيوَانَا
تَاللهِ يَا وَلَدِي قَد زِدْتُمُ عَدَدًا
عَهْدًا أُوَثِّقُهُ مَا كُنتُ خَوَّانَا
¯¯
¯
¯¯
يَا حَامِلِيهِ حَمَلْتُمْ فَوقَ أرْؤُسِكُم
لِلْمَجْدِ دَارًا وَلِلْعَلْيَاءِ جُثْمَانَا!
يَا أَطْيَبَ النَّاسِ أخْلاقًا وأَصْدَقَهُم
قَولاً وفِعْلاً وَإخْبَاتًا وَتَحْنَانَا
يَا أَبْطَأ النَّاسِ فِي حِرْصٍ وَفِي لَجَجٍ
وأسْرَعَ النَاسِ إنْ خَطْبٌ تَوَلاّنَا
مَضَيْتَ وَحْدَكَ لَم تَشْغَلْكَ فَانِيَةٌ
وتَبْتَغِي عِوَضًا رَوْحًا وَرَيحَانَا
يَا غَادِيًا وَجِنَانُ الخُلْدِ غَايَتُهُ
يَجْزِيكَ رَبُّكَ غُفرًانًا وَرِضْوَانَا
¯¯
¯
¯¯
رَبَّاهُ رَبَّاهُ كَمْ أسْدَيتَ مِن مِنَنٍ
الحَمْدُ لِلهِ إذْعَانًا وعِرفَانَا
كَمْ مِحْنَةٍ مَنَحَتْ لِلخَلْقِ مَكْرُمَةً
وَالفَضْلُ لِلهِ لا يَحْتَاجُ تِبيَانَا
ربَّاهُ إني وَإنْ قَاسَيْتُ مِن ألَمِي
آوِي إلَيْكَ بِقَلبٍ فَاضَ إيمانَا
بَرْدُ اليَقِينِ يُدَاوِي كُلَّ جَارِحَةٍ
تَدْمَى وَيُحْيِي بُعَيْدَ اليُبْسِ أغْصَانَا
مَاتَتْ عَلَى شَفَتِي البَسْمَاتُ أحيَانَا
لَكِنْ إذا نَهَضَ الإيمَانُ أحيَانَا
¯¯
د.أحمد بن صالح السديس
الرياض