تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: الأصول الستة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    443

    Lightbulb الأصول الستة

    الأصول الستة لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -
    بسم الله الرحمن الرحيم
    قال الشيخ - رحمه الله - : من أعجب العجاب وأكبر الآيات الدالة على قدرة الملك الغلاب ؛ ستة أصول بيَّنَها الله تعالى بياناً واضحاً للعوام فوق ما يظن الظانون ، ثم بعد هذا غلط فيها كثير من أذكياء العالم وعقلاء بني آدم إلا أقل القليل .
    الأصل الأول
    إخلاص الدين لله وحده لا شريك له ، وبيان ضده الذي هو الشرك بالله ، وكون أكثر القرآن في بيان هذا الأصل من وجوه شتى ، بكلام يفهمه أبلد العامة ، ثم لما صار على أكثر الأمة ما صار ، أظهر لهم الشيطان الإخلاص في صورة تنقص الصالحين ، والتقصير في حقهم ، وأظهر لهم الشرك بالله في صورة محبة الصالحين واتِّباعهم .
    الأصل الثاني
    أمر الله بالاجتماع في الدين ونهى عن التفرق فيه ، فبين الله هذا بياناً شافيا تفهمه العوام ، ونهانا أن نكون كالذين تفرقوا واختلفوا قبلنا فهلكوا ، وذكر أنه أمر المرسلين بالاجتماع في الدين ونهاهم عن التفرق فيه . ويزيده وضوحاً ما وردت به السنة من العجب العجاب في ذلك ، ثم صار الأمر إلى أن الافتراق في أصول الدين وفروعه هو العلم والفقه في الدين ، وصار الأمر بالاجتماع في الدين لا يقول به إلا زنديق أو مجنون !
    الأصل الثالث
    أن من تمام الاجتماع : السمع والطاعة لمن تأمر علينا ، ولو كان عبدا حبشيا ، فبـيَّن الله(1) هذا بياناً شافياً كافياً بوجوه من أنواع البيان شرعاً وقدراً ، ثم صار هذا الأصل لا يُعرف عند أكثر ممن يدعي العلم فكيف العمل به ؟!
    الأصل الرابع
    بيان العام والعلماء ، والفقه والفقهاء ، وبيان من تشبه بهم وليس منهم . وقد بين الله هذا الأصل في أول سورة البقرة من قوله : يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُم (البقرة: من الآية40) ، إلى قوله قبل ذكر إبراهيم - عليه السلام - : يَا بَنِي إِسْرائيلَ اذْكُرُوا (البقرة: من الآية122) كالآية الأولى ، ويزيده وضوحاً : ما صرَّحتْ به السنة في هذا من الكلام الكثير البيِّن الواضح للعامي البليد ، ثم صار هذا أغرب الأشياء ! وصار العلم والفقه هو البدع والضلالات ، وخيار ما عندهم :لبس الحق بالباطل ! وصار العلم الذي فرضه الله على الخلق ومدحه ، لا يتفوه به إلا زنديق أو مجنون ! ، وصار من أنكره وعاداه وجدَّ في التحذير عنه ، والنهي عنه ؛ هو الفقيه العالم !! .
    الأصل الخامس
    بيان الله سبحانه للأولياء ، وتفريقه بينهم وبين المتشبهين بهم من أعدائه المنافقين والفجار . ويكفي في هذا آية ( آل عمران ) ، وهي قوله تعالى : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (آل عمران:31) ، والآية التي في المائدة وهي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ (المائدة: من الآية54) ، وآية في سورة يونس وهي قوله : أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (يونس:62-63) ، ثم صار الأمر عند أكثر من يدعي العلم وأنه من هُداة الخلق ، وحفاظ الشرع ، إلى أن الأولياء لا بد فيهم من ترك اتباع الرسول ، ومن اتبعه فليس منهم ! ولا بد من ترك الجهاد ، فمن جاهد فليس منهم ! ولا بد من ترك الإيمان والتقوى ! فمن تقيد بالإيمان والتقوى ، فليس منهم ! يا ربنا إن نسألك العفو والعافية ، إنك سميع الدعاء .
    الأصل السادس
    ردُّ الشبهة التي وضعها الشيطان ، في ترك القرآن والسنة ، واتباع الآراء والأهواء المتفرقة المختلفة ، وهي : أن القرآن والسنة لا يعرفهما إلا المجتهد المطلق ؛ والمجتهد هو : الموصوف بكذا و كذا ، أوصافاً لعلها لا توجد تامة في أبي بكر وعمر ! فإن لم يكن الإنسان كذلك ؛ فلْيُعرِضْ عنهما فرضاً حتماً لا شك ولا إشكال فيه ، ومن طلب الهدى منهما ؛ فهو إما زنديق ، وإما مجنون ، لأجل صعوبة فهمهما !! فسبحان الله وبحمده : كم بيَّن الله سبحانه شرعاً وقَدَرَاً ، خلقاً وأمراً في رد هذه الشبهة الملعونة من وجوه شتى ، بلغت إلى حدِّ الضروريات العامة وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (الأعراف: من الآية187)، لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ، إلى قوله : فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (يّـس:7-11) .
    (1) كذا في الدرر السنية ( 1/172) ، وفي بقية النسخ المطبوعة : ( فبين رسول الله ... ) .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    749

    افتراضي رد: الأصول الستة

    بارك الله فيك ورحم الله شيخنا محمد بن عبد الوهاب على بيان هذه الأصول
    ولكن قد أشكل الفهم عندي للأصل السادس فهل من شارح بارك الله فيك وفي مشايخنا الفضلاء

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    443

    افتراضي رد: الأصول الستة

    الأصل السادس
    قال الشيخ رحمه الله: [ رد الشبهة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة واتباع الآراء والأهواء المتفرقة المختلفة ، وهي : أن الشبهة التي وضعها هي أن القرآن والسنة لا يعرفهما إلا المجتهد المطلق ، والمجتهد هو الموصوف بكذا و كذا أوصافاً لعلها لا توجد تامة في أبي بكر وعمر . فإن لم يكن الإنسان كذلك فليعرض عنهما فرضاً حتماً لا شك ولا إشكال فيه ومن طلب الهدى منهما فهو إما زنديق وإما مجنون لأجل صعوبتهما ، سبحان الله وبحمده . والأمر برد هذه الشبهة الملعونة من وجوه شتى بلغت إلى أمر الضروريات العامة ) وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)(لأع راف: من الآية187)، [(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (يّـس:7) )إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) (يّـس:8) )وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُ مْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) (يّـس:9) )وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُم ْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (يّـس:10) )إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) (يّـس:11) ]
    الشرح : يعتقد أهل السنة والجماعة أن مصدر التشريع في الإسلام هو كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن أخذ بأحدهما وردَّ الآخر فلا شك في كفره وزيغه وضلاله وعداوته للإسلام .
    وجملة شبه من رد السنة كالخوارج والشيعة وعلماء الكلام والعقلانيين ما يلي:
    الشبهة الأولى : قولهم : حسبنا كتاب الله لأنه تكفل بذكر الأمور الدينية كلها شرحاً وتفصيلاً تبياناً لكل شيء .
    الرد على هذه الشبهة : نقول وبالله التوفيق : لا نزاع أن القرآن شمل أصول الشريعة كلها ونص على بعض جزئياتها اليسيرة ، وأما ما ادعاه هؤلاء من تنصيصه على كل صغيرة وكبيرة فهو بهتان لا يقره واقع القرآن . فلو كان الأمر كما يقولون فأين عدد الصلوات الخمس المفروضة في اليوم والليلة فضلاً عن عدد الركعات لكل فريضة وأين نصاب زكاة الإبل والبقر والغنم والذهب والفضة وأين أنواع الربا وما يدخل الربا فيه وما لا يدخل فيه ، بل خول هذه الجزئيات إلى النبي صلى الله عليه وسلم . فلو اشتمل القرآن على كل التفاصيل والجزئيات التي يحتاج إليها في الدين كما يزعمه هؤلاء لما أمر الله رسوله عليه الصلاة والسلام بتبيينه للناس ولما أمر المسلمين بطاعة الرسول وامتثال ما يأمرهم به واجتناب ما ينهاهم عنه . وإنما بين القرآن أصول الشريعة ومصادرها وقواعدها ومبادئها العامة . ومن الأصول التي بينها القرآن العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(الح شر: من الآية7). ولعل الذي أوقعهم في هذا اللبس إن كانوا صادقين هو فهمهم الخاطئ لقوله تعالى : ( وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ )(يوسف: من الآية111) فظنوا أن معنى التفصيل هو تعيين الجزئيات وليس الأمر كذلك لأن التفصيل ضد الإجمال . قال الراغب في المفردات : ( الفصل إبانة أحد الشيئين عن الآخر ) ، وقال الشوكاني : ( قيل وليس المراد به ما يقتضيه من العموم بل المراد به الأصول والقواعد ) .
    الشبهة الثانية : أن السنة لم تكن شرعاً عند النبي صلى الله عليه وسلم وفهمها الصحابة على هذا المنوال ولذا نهوا عن كتابتها ولو كانت السنة جزءاً من الدين لوضع لها الرسول صلى الله عليه وسلم منهجاً كمنهج القرآن من الكتابة والمذاكرة .
    الرد على هذه الشبهة : أن شبهتهم هذه لا تنبني على علم ومعرفة وإنما على العناد والمكابرة ونكران الجميل وأنها حيلة المنقطع . فهلا سمح هؤلاء بإلقاء نظرة عابرة في رياض كتب السنة وتاريخ الإسلام ومدى حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم الصحابة وإفهامهم أمور دينهم بالقول والعمل . فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرشد أصحابه فيما يسألون عنه ويتخولهم بالموعظة من حين إلى آخر في الجمع والأعياد والطوارئ والمناسبات . كما أن حياته العائلية سجل آخر لنقل السنة عن حياته المنزلية فلو لم تكن السنة عنده صلى الله عليه وسلم شرعاً وديناً لما اعتنى بها هذا الاعتناء ولما سلك لإشاعتها ونشرها كل الوسائل الممكنة آنذاك . فقد روى البخاري ومسلم في حديث وفد بن عبد القيس أن الرسول صلى الله عليه وسلم علمهم بعض أمور الدين وقال لهم : احفظوها وأخبروا بها من وراءكم . فلو لم تكن حياته ديناً وأقوله شرعاً لما أمرهم بالحفظ والتبليغ ولما صدرت منه أوامر الاتباع له عليه الصلاة والسلام . كقوله : " صلوا كما رأيتموني أصلي " ، وكقوله : " خذوا عني مناسككم ) . ولما تصور منه الغضب لأدنى بادرة بالإعراض عن سنته عليه الصلاة والسلام .
    وكان الصحابة رضي الله عنهم أحرص الناس على الأخذ بالسنة . يقول أنس رضي الله عنه :( كنا نكون عند النبي صلى الله عليه وسلم فنسمع منه الحديث فإذا قمنا نتذاكره فيما بيننا حتى نحفظه ). وكان عمر رضي الله عنه وجار له من الأنصار يتناوبان النزول من عوالي المدينة على النبي صلى الله عليه وسلم لأخذ العلم . وهذا أبو هريرة رضي الله عنه يقول : ( إني لأجزأ الليل ثلاثة أجزاء فثلث أنام وثلث أقوم وثلث أتذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . رواه الدارمي .فلو لم تكن السنة مصدراً للدين عند الصحابة رضي الله عنهم ما حرصوا عليها هذا الحرص ولما تكلفوا المشاق من السفر وغيره في سبيلها . فقد قال البخاري في كتاب العلم تعليقاً : رحل جابر بن عبد الله إلى مصر لأخذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال تعالى : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة)(الأحزاب : من الآية21).
    وأما قولهم : ( إن الرسول والصحابة نهوا عن كتابة السنة فهذا دليل على أنها ليست شرع ) . قيل : لأن الرسول صلى الله عليه وسلم خشي لبسها بالقرآن ثم أذن في كتابتها كما في الصحيح لما قال : " اكتبوا لأبي شاه " ، وأيضاً السنة محفوظة في الصدور كما أن القرآن محفوظ في الصدور ولم يجمع إلا بعد النبي صلى الله عليه وسلم . ولا يخفى على المطلع أن ما ورد من النهي إنما كان عن كتابة الحديث وتدوينه رسمياً كالقرآن . وأما ما يكتبه الكاتب لنفسه فقد ثبت وقوعه . فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : ( كنت أكتب كل شيْ أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنهاني قريش ، وقالوا : تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم في الرضا والغضب فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال : " اكتب فوالذي نفسي بيده لا يخرج منه إلا الحق " . وفي الصحيح عن أبي هريرة : ( أن عبد الله بن عمرو كان يكتب ) .
    فنجمل الأسباب لعدم كتابة السنة رسمياً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كالآتي :
    1- تشكيل مجتمع الصحابة على السنة العملية كفيل ببقائها ونقلها جيلاً بعد جيل .
    2- شغف المسلمين بتدوين الكتاب العزيز وحفظه لقوة بيانه وبقائه معجزاً على مر الدهر بينما السنة شرح عملي للقرآن وتدوينه أكثر من حفظ السنة وتدوينها .
    3- عدم وجود فراغ كافٍ لتسجيل السنة في مجتمع الصحابة إذ كان الأعداء يحيطون بهذا المجتمع من كل جانب فالكفاح لإثبات وجودهم كان عاملاً مهماً في قلة تدوين السنة .
    الشبهة الثالثة : أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يرشد الصحابة رضي الله عنهم المشاهدين له وفق أحوالهم الخاصة مما نتج عنه تكيف الحديث بالظروف الموجودة في عصره ولا وجود لمثل تلك الظروف في الآونة المعاصرة .
    الردُّ على هذه الشبهة : ذكر القرآن الكريم أن دعوته عامة شاملة لا تنتهي بانتهاء نزوله ولا بوفاة من أنزل عليه بل إنه خطاب للمكلفين عامة وللناس كافة يشمل العرب والعجم . وهناك العديد من آيات القرآن فيها خطاب خاص لمشركي العرب الذين أقاموا الحواجز في طريق الدعوة إلى الله فأصدر القرآن أحكاماً في أولئك الصادِّين حسب مسلكهم الخاص . ولا تنحصر الأحكام بالإجماع في أولئك الأفراد بل تتجاوزهم في من يماثلهم في تصرفاتهم ، فإذا كان حكم الآيات القرآنية لا يختص بزمن ولا بأشخاص معدودين فكذلك السنة إذ لا فرق بين أحكام الكتاب والسنة لصدورهم من مصدر واحد كما تقدم . لذا كان الإيمان محمد صلى الله عليه وسلم هو الحد الفاصل بين الإيمان والكفر فلو كانت سنته خاصة بأولئك الأفراد ففيم يكون تصديقه بعد وفاته ؟! أفي القول دون العمل ؟! أو في الإدعاء دون التطبيق ؟! وفيم يكون اتباعه لجلب المحبة الربانية التي نص عليها القرآن : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ)(آل عمران: من الآية31) واتفق المسلمون أن خطاب القرآن والسنة وأحكامهما عامان شاملان لا يختصان بأمة لأن عموم خطاب القرآن مستلزم لعموم خطاب السنة . قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً)(سـبأ : من الآية28). فإن كانت هداية القرآن والسنة مؤقتتين محدودتين فهما معاً . وإن كانتا دائمتين عالميتين فهما معاً .
    الشبهة الرابعة : تتضمن دعواهم في هذه الشبهة أن السنة قد انتقدت متناً وإسناداً وأن المحدثين تكلموا في رجالها ومتونها وما كان كذلك ودخله النقد وآراء الرجال فلا يصلح ديناً .
    الرد على هذه الشبهة : أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا ممن يجهل تاريخ الإسلام في مقاومة الكذب والوضع في السنة فقد كان الصحابة رضي الله عنهم على نقاء من السيرة والسريرة فنقلوا الدين بأمانة وإخلاص وتفانٍ في حب الخير وإشراك الناس فيه . والصحابة أسمى بكثير من أن يخوضوا في الكذب والوضع وهم الذين سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة يقول : " من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " وهم الذين كان أحدهم يتورع عن رواية الحديث خشية ألا يأتي به على وجهه ، وفي آخر زمن عثمان رضي الله عنه خرج إلى حيِّز الوجود جماعة يتكلمون باسم الإسلام ويدسون فيه ما ليس منه ثم مع مرور الزمن ازداد عدد هؤلاء وكثر خداعهم وكانت الخلافات السياسية حينئذٍ من العوامل الرئيسية في وضع الحديث . فأخذ بعض أصحاب معاوية رضي الله عنه يضعون الأحاديث في مثالب علي ومناقب معاوية وينشرونها بين الناس ، وقد قابلهم بمثلها بعض أصحاب على رضي الله عنه , وكلهم جهلة ، وكل ذلك دون علمٍ من علي ومعاوية. كما أن ظهور أرباب الكلام من القدرية والمرجئة والجهمية هيأت الأجواء المناسبة للوضع بذم بعضهم بعضاً . وقبلهم الشيعة ثم الزنادقة والقصاصون لنيل الشهرة من أقرب الطرق . كما انضم إليهم المتعصبون للجنس والبلد لرفع مكانه ورفع ذويهم فاستحلوا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأخيراً انضم إليهم جهلة الصالحين فوضعوا الحديث حسبة وتقرباً إلى الله متأولين أن الكذب له لا عليه وتقدم الرد عليهم في أول الرسالة .
    وقد قاوم العلماء هذه الحركة الوضعية ووضعوا الأسس العلمية لفحص الحديث وتبيينه ومعرفة الصحيح م السقيم ، فمن تتبعها واستعان بالله عز وجل انكشف له أمر تلك الأحاديث الوضعية .
    قال محمد بن سيرين : ( لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالنا فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم ). أ. هـ .
    وهيأ الله عز وجل علماء جهابذة ليس همهم إلا التنقيب عن أحوال الرجال ومعرفة عدلهم من فسقهم وضبطهم من غفلتهم حتى ظهر في الإسلام علم مستقل يسمى علم الجرح والتعديل . فهل يزعم بعد هذا أن الأحاديث قد انتقدت لا يسعنا إقحامه في الدين وإقامة الشعائر على مقتضاه .
    أمثلة على ضرورة السنة في فهم القرآن ومنزلتها وأنه لا يستغنى عنها بالقرآن :
    الأول : قوله تعالى : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة:38) . فإن لفظ السارق فيه مطلق ، واليد فيه مطلقة فبينت السنة القولية الأول منهما وقيدته بالسارق الذي يسرق ربع دينار فما فوق . قال عليه الصلاة والسلام : " لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً " أخرجه الشيخان . كما بينت السنة الفعلية أن يد السارق تقطع من مفصل الكف .
    الثاني : قال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82) . فقد فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوله : ( بظلم ) على عمومه الذي يشمل كل ظلم ولو كان صغيراً . ولذلك استشكلوا الآية فقالوا : ( يا رسول الله ! أينا لم يظلم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " ليس بذاك إنما هو الشرك . ألم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه : { إن الشرك لظلم عظيم } . أخرجه البخاري ومسلم .
    الثالث : قال تعالى : (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا)(النساء : من الآية101) . فظاهر الآية يقتضي أن قصر الصلاة في السفر مشروط له الخوف ، ولذلك سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( ما بالنا نقصر وقد أمنا ؟ ) . فقال عليه الصلاة والسلام : " صدقة تصدَّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " .
    الرابع : قال تعالى : )قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ )(الأنعام: من الآية145). بينت السنة القولية : أن ميتة الجراد والسمك والكبد والطحال من الدم حلال . فقال عليه الصلاة والسلام : " أحلت لنا ميتتان ودمان . أما الميتتان : فالجراد والحوت ، وأما الدمان : فالكبد والطحال" . أخرجه البيهقي وغيره موقوفاً ومرفوعاً . والموقوف أصح إلا أن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي .
    ختام البحث
    من المؤسف أنه قد وجد من بعض الكتاب المعاصرين من ذهب إلى جواز أكل السباع مع ثبوت تحريمه في السنة الصحيحة ، وإلى جواز لبس الذهب والحرير اعتماداً على القرآن فقط . بل وجد في الوقت الحاضر طائفة يتسمون بالقرآنيين يفسرون القرآن بأهوائهم وعقولهم دون الاستعانة على ذلك بالسنة الصحيحة بل السنة عندهم تبع لأهوائهم فما وافقهم منها تشبثوا به ما لم يوافقهم نبذوه وراءهم ظهرياً وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم : " لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكتة يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه " رواه الترمذي . وفي رواية لغيره : " ما وجدنا فيه حراماً حرمنا ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه " . وفي رواية : " ألا إنما حرم رسول الله مثل ما حرم الله " . فهذا الحديث الصحيح يدل دلالة قاطعة على أن الشريعة الإسلامية ليست قرآناً فقط وإنما هي قرآن وسنة فمن تمسك بأحدهما دون الآخر لم يتمسك بأحدهم . لأن كل واحد منهما أمر بالتمسك بالآخر . قال تعالى : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (النساء:80) . وقال تعالى : )فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65) . وقال تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(الأح زاب: من الآية36) . ومما سبق يبدوا واضحاً جلياً أنه لا مجال لأحد مهما كان عالماً باللغة العربية وآدابها أن يفهم القرآن الكريم دون الاستعانة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم القولية والفعلية فإنه لن يكون أعلم باللغة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين نزل القرآن بلغتهم ولم تكن قد شابتها لوثة العجمة واللحن ومع ذلك فإنهم غلطوا في فهم الآيات السابقة حين اعتمدوا على لغتهم فقط . فمن البدهي أن المرء كلما كان عالماً بالسنة كان أحرى بفهم القرآن واستنباط الأحكام ممن هو جاهلها بها . فكيف بمن هو غير معتد بها ولا يلتفت لها أصلا ً .
    والـحمد لله رب العـالــمين .


    من شرح الشيخ: عبد الله بن صالح العبيلان حفظه الله

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    749

    افتراضي رد: الأصول الستة

    بارك الله فيك أخي تاور ونفع بعلمك على هذا الشرح الوافي وأجزل لك المثوبة على سرعة الرد

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    443

    افتراضي رد: الأصول الستة

    وفيك بارك أخي الحبيب في الله (لامية العرب)
    وأعتذر على تأخري في الرد

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    المشاركات
    75

    افتراضي رد: الأصول الستة

    أخي الكريم أين أجد شرح الشيخ العبيلان وغيره
    نحتاجه وغيره لنضعه
    هنا
    في
    مدونة الأصول الستة للشيخ المجدد
    محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

    http://osool6.blogspot.com/

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •