بالنسبة لرسم التَّنوين المنصوب في الرَّسم العُثْمانِي.
فإنَّ علماء الرَّسم قَسَّموا التَّنوين المنصوب إلى قسمَيْنِ رئيسَيْنِ:
1- قِسْم دَلَّ عليه منطوق الكلام: وهو الذي يُوقَف عليه بالأَلِف، وإنما أُبْدِل أَلِفًا؛ لِخِفَّتِه؛ ولِكَوْنه كُتِبَ بها على مُراد الوَقْف، وكذلك جاء مَرْسُومًا في الكِتَابَة، دلالةً على ذلك، نحو قوله - تعالى -: {عَلِيمًا حَكِيمًا}، {غَفُورًا رَحِيمًا}.
2- قِسْم دَلَّ عليه مفهوم الكلام: وهو ما لا يُوقَف عليه بالأَلِف؛ لِكَوْنِه لَمْ يُكْتَبْ بها، وهو ما كان منصوبًا مُنَوَّنًا مِنْ تاء التأنيثِ اللاَّحِقَة للأسْماء، نحو قولِه - تعالى -: {أمَّةً واحِدَةً}، {من لدنك رحمةً}.
أما الوجه الأول وهو الذي عليه الحديث:
الأول: وهو أن تجعلَ الحَرَكتينِ معًا على الألف، التي يُوقَف عليه بها، نحو: عَلِيماً، حَكِيماً، غَفُوراً، رَحِيماً...
الثاني: وهو أن تجعلَ الحَرَكتينِ على الحرف المُحَرَّك، الذي قبل موضع التنوين، نحو: عَلِيمًا، حَكِيمًا، غَفُورًا، رَحِيمًا...
أما بالنِّسبة للوَجْه الأول - وهو أن الحركتين تجعلان معًا على الألف، التي يوقف عليه بها - ومثاله: عَلِيماً، حَكِيماً... فهو اختيار العَلاَّمة الدَّاني في "المحكم في نقط المصاحف"، واختيار الخَرَّاز في "مَتْنِه" - رحمهما الله تعالى - وهو الرَّاجح، وأشار إليه "الخَرَّاز" بقوله:
وَإِنْ تَقِفْ بِأَلِفٍ فِي النَّصْبِ = هُمَا عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الكُتْبِ
وكذلك اختيار أبي داود في "أصول الضَّبْط"، قال: "والذي أَسْتَحْسِن منها وأختاره، أن تُجعل النقطتان - أي التنوين - معًا على الألف"، واختاره كذلك أبو محمد اليَزِيدِيّ - رَحِمه الله تعالى - وفيه قال: "ولكنني أنقط على الألف؛ لأنِّي إذا وقفتُ، قُلْت: عَلِيما، فصار ألفًا على الكتاب"؛ أي الكتابة، وسار على هذا الوجه تنقيط أهل الكوفة والبصرة، والمغاربة.
أما بالنِّسبة للحرف المُشَدَّد، فإن التَّشديد يُرْسَم على الحرف المُشَدَّد نفسِه عاريًا منَ التنوين، وصورته هكذا: نَبِيّاً، عَلِيّاً.
توجيه هذا الرَّسم:
وَوَجْهُه أنَّه لَمَّا تَقَرَّرتْ مُلازَمة التنوين للحركة، بحيث لا يفترقان، وكان الأَلِف عَلامة التنوين في الوقف، استدعى كون علامة التنوين منَ الحَرَكَتينِ عليه، إذ هي علامَة الوَصْل، وهو علامة الوَقْف، والحَرْف يستدعِي كَوْن حركته فوقه، والفرض أنَّ الحركة والتنوين متلازمان، فلم يكن بدٌّ مِن تَعْرية أحدهما، وجَعْل الحَرَكتينِ على الآخر، فاختير جعلهما على الأَلِف؛ محافظةً عليه؛ ولئلاَّ يتوهم فيه الزِّيادة، إذ لا وجود له في الوصل، وتعرية الحرف المُحَرَّك لا يتوهم معها سوى احتمال كونه ساكنًا، وذلك يندفع بالتَّنوين، إذِ الجمع بين الساكنين مُمْتَنعٌ.
قال الدَّاني - رحمه الله تعالى - في "المحكم": "والألف المرسومة بعد الحرف المنفرد بالنُّقْطَتَيْن - أي التنوين - تخلو منَ المعنى الذي لأجل تأديته رُسِمَت، فيبطل الرَّسم بذلك".
* * * * *
أما بالنِّسبة لما كُتِب في الخط ياءً، ووقف عليه بالتنوين: مثل: هُدى، مُفْتَرى، أَذى، مُصَفى، فإن التنوين يكون على الياء، كما جعلناها على الألف في الرسم السابق، ولا تلحق هنا ألف؛ لكون النقط مَبْنيًّا على الوصل، ولا وجود لها فيه لوجود التنوين، إذ جمع الساكنين ممتنع، ومثاله كما قدمنا: هدى، مفترى، أذى، وصورته في الرسم هكذا: هُدَىً، مُفْتَرَىً، أَذَىً، مُصَفّىً، وقد سار على هذا الرسم أهل البصرة والكوفة، والمغاربة.
وقد حَصَر علماء الرَّسم هذه الكلمات في خمسة عشر لَفْظًا، وجُمِعَت في قول القائل:
أَذًى هُدًى غُزًّى ضُحًى مُصَلَّى = فَتًى سُوًى عَمًى قُرًى وَمَوْلَى
مَثْوًى وَمُفْتَرًى مُصَفًّى وَسُدَى = كَذَا مُسَمًّى كَمَّلَتْ ذَا العَدَدَا
أمَّا الوجه الثاني في الضَّبط:
وهو أن تجعلَ الحَرَكتينِ على الحرف المُحَرَّك، الذي قبل موضع التنوين، ومثاله: عَلِيمًا، حَكِيمًا، سواء أكان ذلك في موضع التنوين الذي آخره ألف ثابتة - أي ما دَلَّ عليه منطوق الكلام - نحو: عَلِيمًا، حَكِيمًا، غَفُورًا، رَحِيمًا، أم في الاسم المنتهي بِيَاء، نحو: هُدًى، مُفْتَرًى، أَذًى.
وقد أشار العَلاَّمَة الخَرَّاز إلى هذا الوجه في "متنه" قائلاً:
وَقِيلَ فِي الحَرْفِ الَّذِي مِنْ قَبْلُ = حَسْبَمَا اليَوْمَ عَلَيْهِ الشَّكْلُ
أما بالنِّسبة للحرف المُشَدَّد، فإنَّ التَّشديد يُرْسَم على الحرف المُشَدد نفسه وفوقه التنوين، وصورته هكذا: نَبِيًّا، عَلِيًّا، مُصَفًّى.
وهذا مذهب الخليل بن أحمد، وسِيبويه - رحمهما الله تعالى - وأشار الدَّاني في "المحكم" إلى أنَّ هذا القَوْل يُنْسَب كذلك إلى النُّحاة، وحكاه ابن المنادي عنِ الخليل، قال: "عَلِيمًا، حَكِيمًا، بِنُقْطَتَيْن فوق الميم...، وقال: لا أنقط على الألف؛ لأنَّ التنوينَ يقعُ على الميمِ نفسها".
توجيه هذا الرسم:
ووجهه أنَّ الحرفَ المُحَرَّك يَسْتدعي حركته لِمُلازمتها له، فَلَزِمَ تبعيَّة علامة التَّنوين لها، إذ لا يفترقان، ورجح عندهم الحرف المُحَرَّك جَرْيًا على الأصل، وهو بناء النقط - التنوين - على الوَصْل، والتمسك بالأصل ما أولى، وهو ما أشار إليه الناظم "الخراز" - رحمه الله تعالى - بقوله: "حَسْبَمَا اليَوْمَ عَلَيْهِ الشَّكْلُ".