[justify]
مع حبنا للشيخ العلامة البراك وجلالة قدره وسابقة فضله وعلمه فما نحن إلا من أبنائه وطلابه ، إلا أن في النفس مما ذكره الشيخ ما يطول إيراده
لكن ألا يرد على ماذكره الشيخ ، التالي لكلام الله بنية الرقية الشرعية ، فمع أنه عمل مشروع بل مندوب إليه فهو يندرج تحت تعميم الشيخ ، فالمتصدق إنما يسأل الله وينظر إلى رحمته ويتوسل إليه بعمل يحبه الله ، فلا يمكن تنزيل هذه الآيات على من تقرب إلى الله بعمل صالح يرجو به كشف بلاء ، فالباذل ماله تقربا إلى الله وتوسلا إليه لجلب نفع أو دفع ضر إنما هو المسلم الذي علم أن الأمور كلها بيد الله ، فهو يطلبها من القادر عليها ، ويتوسل إليه بما شرع ، وينشد الأسباب الشرعية لجلب نفع أو دفع ضر ، وكذلك الدعاء فإنه يرد عليه ما أورده الشيخ بل كل عمل صالح يتوجه فيه العبد إلى الله ، وكل ذكر مشروع رتب عليه نفع دنيوي عاجل وما أكثرها ، وهل توجه العبد إلى سيده ومولاه ببذل ماله لدفع نقمة أو جلب منفعة إلا عين العبودية ، قل إن صلاتي ونسكي ومحيياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ، فإن سدت هذه الأبواب العظيمة النفع على ناشد العافية فممن يطلبها ويرجوها ، أمن توسل لقبر أو تمحل لشجرة أو خضوع لساحر أو عراف أو كاهن...
وفي الحقيقة إن كلام الشيخ أشكل علي ، فمثل هؤلاء لا يريدون بعملهم في الأصل الحياة الدنيا ، وإنما يتقربون إلى الله تعالى الذي استقر في علمهم أنه الحي القيوم الذي بيده النفع والضر ، فهم يتوسلون إليه بما يحب عبادة خالصة يصرفونها لله ، بل يرجون عليها الثواب مضاعفا لتوجههم للأسباب الشرعية ، وأخذهم بأعظم أسباب العافية حين توجهوا لمن هي بيده ، والمسلم حين يبذل مايحب ويصرفه لله فهو في عبادة ، فإن أمل بعمله نفعا عاجلا من كشف بلاء أو جلب مصلحة ، فإنما نهج نهج الشريعة وركب ثبج الفلاح .
وبالله ما أنت قائل لمن يقرأ القرآن قد عظم أمله واشتد رجاؤه حين سمع حديث اللديغ أو حديث أبي امامة الباهلي في مسلم في فضل سورة البقرة وهو مسحور أو به حمة أو عين ، هل تستطيع أن تقول له : إنما ترجو بعملك الحياة الدنيا فأنت ممن قال الله فيهم ( كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة ).
في رأيي أن المسألة تحتاج إلى تخليص ـ من خلص ـ لكلام الشيخ أكثر من رد ، فأنا أرى أن في كلام شيخنا توسع اضطره له السائل لتنزيل هذه الآيات على من لا ينطوي تحتها ، وإن كان في كلامه حق كثير ، يخشى المسلم معه ولا يسعه إلا أن يتذكر قوله سبحانه ( وبدى لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون ) .
ولو صح حديث المسألة لانتفى النزاع من أصله ، لكن له من أصول الشريعة ما يعضد معناه ، وكذلك الاستغفار المذكور فالحديث المشهور في ذلك ، من لازم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ... الحديث ، مختلف في ثبوته بين محسن له و مضعف ، إلا أن الآيات من كتاب الله التي تعضد معناه وتقويه وافرة ظاهرة لطالب العلم ، ففضل الاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله بركة وخير يراه المسلم في عاجل أمره قبل آخرته ، ولو أناب الناس إلى ربهم واستغفروه لظهرت بركات الأرض وتنزلت عليهم بركات السماء .
اللهم إنا نعوذ بك من التقول عليك أو الإساءة إلى أوليائك كما نعوذ بك من قصد غيرك أو الصمود في حاجة إلى سواك ، سبحانك وبحمدك نرجوا رحمتك ونخشى عذابك .
ليس من الأدب أن نتقدم بين يدي علمائنا فضلا عن نقد أقوالهم ، إلا أنها لما بعدت الشقة عن الشيخ ، وعظمت الحاجة للمسألة نفست قليلا من كثير ، وإلا فهي تحتاج إلى نقاش طويل لحساسية المسألة فهي من تجريد التوحيد ، فمن كان على اتصال بالشيخ فليورد مثل هذه الاعتراضات التي قد تنقدح عند البعض ، وليفدنا مشكورا بجواب الشيخ .
خاصة وأن صيغة السؤال التي وجهت للشيخ كانت ضيقة النظر ، إلا أني كنت أتمنى أن شيخنا فسح لها من فكره الواسع ما يمهد للناس الأخذ بالأسباب الشرعية ، خاصة فيما وردت به النصوص نصا أو استظهارا والله أعلم .
[/justify]