قواعد لمعرفة الحق
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فهذه قواعد عامة لمعرفة الحق وهي مأخوذة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح أسأل الله أن ينفع بها.
1. اعلم أن حسن النية ليس دليلاً على صواب الطريق ولا يعفي عن دخول النار,فحسن النية لا يغني عن الاستقامة والإتباع ولا يكفي للتوفيق والنجاح ، قال تعالى: ((قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم فيالحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا)). وقال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه:((..وكم من مريد للخير لن يصيبه ..)).أخرجه الدار مي وحسنه الألباني.
2.التمسك بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم ووزن الأمور المختلف عليها في هذا الميزان من أقوال وأعمال واعتقادات وعبادات ومناهج ..الخ فما وفقه قبل وما خالفه رد قال تعالى:((فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق..)) ومعناها : فإن آمنوا من بعدكم يا أصحاب محمد r بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا وخالفوا سبيلكم فإنما هم في شقاق أي سيضلون في شقاق واختلاف وتفرقوقال تعالى : }وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{سورة التوبة : الآية 100. فهذا نص صريح في إيجاب إتباعهم وأنهم الطائفة المنصورة المرضي عنها ، وقال تعالى : ) ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنيـن نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً( ، إذا كانت الآية السابقة زكت المتبعين للصحابة وأنهم الناجين يوم القيامة فإن هذه الآية بينت ضلال كل من خالف سبيلهم ؛ لأنهم هم المؤمنون ساعة نزول الآية بلا شك ، وعند ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية قال: ((ما أنا عليه وأصحابي))صحيح سنن الترمذي: للألباني.
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
((فإنهمنيعشمنكمبعديفسيرى اختلافا كثيرا؛ فعليكم بسنتي وسنةالخلفاء
الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة))رواه أحمد وأبو داود والترمذي أنظر صحيح سنن أبي داود: للألباني .
وفي هذا الحديث فوائد عظيمة منها: أن داء الأمة ومرضها هو الاختلاف " فإنهمنيعشمنكمبعديفسيرى اختلافا كثيرا" وأن علاجها ودواءها في التمسك بالسنة والآثار " فعليكم بسنتي وسنةالخلفاء الراشدين المهديين " وأن سبب الداء أو الاختلاف هو الإحداث في الدين والبدع حيث قال " وإياكم ومحدثات الأمور.." وفي هذا رد على من يزعم أن الرجوع إلى الدين الصحيح والعقيدة السلفية يؤدي إلى تفرقة للمسلمين وأن ترك المسلمين مع بدعهم ومناهجهم المختلفة هو سبيل الوحدة الإسلامية ، والصحيح أن التمسك بالسنة والآثار هو السبيل الوحيد لوحدة الأمة وذهاب الاختلاف بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأمل ، وفي الحديث دليل على بقاء سنة الصحابة وحفظها في وقت الاختلاف وإلا كان أمره محال صلى الله عليه وسلم وحاشاه وهذا باطل لأن قوله صلى الله عليه وسلم من الوحي الذي لايحتمل الخطأ والظن.
3. الاهتمام في الدعوة بالتوحيد ، فالجماعة التي لا تهتم في دعوتها بالتوحيد بل تقول أن هذه الدعوة اليوم تفرق ولا تجمع فهذه جماعة منحرفة خالفت سبيل السابقين الأولين.
فالتوحيد : هو دين الأنبياء جميعهم ، ومحور دعوتهم ، وما أُرسلت الرسل ، ولا أُنزلت الكتب إلا لأجله ، وهو لب الإسلام وروحه ، وأُسُّ الطائفة المنصورة ومنهجها ، وهو قبل كل شيء، قبل العبادة وقبل الشريعة ، وقبل الأخلاق .
قال تعالى )ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت([النحل آية: (36)]
والتوحيد : يعمّ توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات على منهج سلف هذه الأمة
ويجب الاهتمام به جميعاً ، ولا ينبغي أن يهمل جانب دون آخر ، فالكـل من التوحيد.
ويجب أن يُبدأ بالدعوة إلى التوحيد قبل كل شيء؟ فقد قال رسول اللهr لمعاذ رضي الله عنه: (( إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله تعالى..))[رواه البخاري: (6937) ].
ويجب أن يعرض التوحيد جلياً واضحاً ، لا لبس في الدعوة إليه ولا غموض ، ولا مداهنة فيه ولا مصلحة مقدمة عليه أبداً ، كدعوى تجميع المسلمين أولى من تفريقهم على التوحيد ، وما شابه هذه الدعوات المبنية على المصالح الظاهرة ، وفسادها معلوم عند العقلاء بالضرورة .
4.من الصفات التي تتميز بها الطائفة المنصورة والفرقة الناجية عن الطوائف الأخرى صفة الاستمرارية ، ومعناه : أن الفرقة الناجية مستمرة بوجودها ، ومقوماتها ، وأصولها ، ودعوتها ، ومنهجها ، ورجالها ، من لدن رسول اللهr إلى يوم القيامة ودليل هذا قوله تعالى : }وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{سورة التوبةففي قوله تعالى : }وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ{ إشارة إلى تاريخ بدء هذه الجماعة وفي قوله تعالى : } وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ{ إشارة إلى استمرارية هذا الوجود وعموميته وعدم انقطاعه ، وأن ثمة رجالاً مستمرون على هذا الطريق وأن قوام هذا الاستمرار هو الإتباع " اتَّبَعُوهُمْ" فإذا فُقد حملة المنهج أو انعدم شرط الإتباع فقد فقدت الجماعة هذه الصفة وبالتالي فليست هي الفرقة الناجية ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم :" لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين…" أخرجه مسلم عن ثوبان ونحوه في الصحيحين عن معاوية والمغيرة بن شعبة ، وبناء على هذا فأي جماعة نشأت بعد رسول اللهr بمنهج جيد أو فكر أو تحزب أو خرجت عن الجماعة الأم بعقيدة أو فكر أ منهج فهي جماعة مقطوعة السند غير ناجية المآل ، وبهذا يدرك العاقل بهذه الصفة-الاستمرارية- الفرقة الناجية من غيرها فهو يدرك أن الطائفة التي تقر أنها تأسست منذ كذا وأن مؤسسها فلان هي طائفة حكمت على نفسها أنها لا تتصف بصفة الاستمرارية التي هي من أهم صفات الطائفة المنصورة .
5.الأخذ بأقوال العلماء المعتدلين السلفيين الراسخين في العلم ،فنحن أمرنا بالأخذ عنهم ولاسيما في المسائل الكبار قال ابن عمر –رضي الله عنهما-(من كانمستنا فليستن بمن قد مات أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا أبر قلوباوأعمقها علما وأقلها تكلفا ، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونقل دينه فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الهدى المستقيم ورب الكعبة)الحلية(1-306) فذكر من الصفات التي جعلتهم أهلاً للأخذ عنهم والتشبه بهم.
فكلما كان العالم أشد تمسك بالأحاديث النبوية والآثارالسلفية عاض عليها بالنواجذ ولا يخرج عنها إلى أقوال محدثة في الأصول والفروع كانتمسكنا بعلمه وفتاوه أكثر
ولهذا حث الشرع للرجوع إلى الراسخين في العلم عندحدوث النوازل والأحداث العظيمة قال تعالى :]وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَه ُ مِنْهُمْ ولولا فضل الله ورحمته لتبعتم الشيطان إلا قليلاً[ فدلت هذه الآية العظيمة على أنهعند حدوث النوازل العظيمة التي تتعلق بالأمن و الخوف يجب أن يرد أمرها إلى أهلالاستنباط الراسخين في العلم وليس إلى كل من اتصف بالعلم وإنما إلى فئة خاصة منهموهم أهل الاستنباط "لعلمه الذين يستنبطونه منهم" فليس كل أحد يعلمه وفيه دليل على أنهليس كل أمر يذاع أو يشاع ويرجع في ذلك إلى الراسخين في العلم ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغاليين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين)) صححه أحمد فهم أهل عدل ليسوا متشددين ولا متساهلين
6.س) كيف نعرف أن فلاناً متساهلاً أو متشدداً في الجرح والتعديل وتحرير المسائل؟
ج) الناقد من النقاد والمفتي يعرف هل هو متساهل أو متشدد أو معتدل إما بنص العلماء الراسخين العدول بأنه متشدد أو متساهل أو معتدل وإما بالاستقراء والاستقراء عبارة عن جمع أقوال هذا الشيخ وفتاويه ونقارن هذه الأقوال والفتاوى بأقوال غيره من الأئمة الراسخين المعتدلين الذين ثبتت شهرتهم وعدالتهم في هذا الشأن وينظر هل يوافقهم أو يخالفهم ، فإما أن تكثر منه الموافقة وإما أن تكثر منه المخالفة ، فإذا كان يكثر منه الموافقة للعلماء المعتدلين حكموا فيما تفرد به [انه معتدل فيه وإذا كان تكثر منه المخالفة سواء مخالفة بالتساهل أو بالتشدد حكموا على ما انفرد فيه بحسب نوع المخالفة وأيضاً يعرف هذا الأمر بتصريح الشيخ بالتزامه قاعدة معينة فإذا نظرنا إلى القاعدة بميزان النقد العلمي علمنا أن فيها تساهلاً أو تشدداً ، وطريقة الاستقراء تطبق أيضاً فيمن تعارض فيه الجرح والتعديل من قبل العلماء المعتدلين هل هذا الرجل سلفي أم ليس بسلفي؟ مع التنبيه على أن الخلاف بين العلماء المعتبرين المعتدلين غالباً ما يكون اجتهادي لا إنكار فيه.
7. إذا أردت أن تعرف نوع الخلاف في مسألة ما ، هل هو خلاف سائغ اجتهادي أم لا؟ أنظر إلى تعامل هؤلاء العلماء المعتبرين الراسخين المعتدلين مع من خالفهم في المسألة هل قالوا أن خلافه ضلالة، أو هل عنفوا في الرد والإنكار وحكموا بموجبه على القائل بالبدعة والانحراف أم لا؟ فإذا أقر الصحابة أو السلف أو العلماء بعضهم بعضاً على العمل باجتهاده في المسألة فلا يصح لمن اتبع سبيلهم أن ينكر على من خالفه في أمر وقع الخلاف فيه بين الصحابة أو السلف أو العلماء ويجعل شيئاً منها محل محنة وولاء أو منازعة ولا يحل إدخالها في المنكرات التي يجب تغييرها لأن ذلك المنكر إنما ينكر على الصحابة أو السلف أو العلماء الذين عملوا أو رأوا وسكتوا قبل أن ينكر على معاصره وسبيل هذه المسائل الاجتهادية التناصح وعرض الأدلة مع تمام الحب والود والله أعلم.
فهذه قواعد عامة وإلا من تعلم العلم الشرعي الصحيح من أهله وعرف التأصيل وما يجوز وما لا يجوز من الخلاف يعرف هذه المسائل بأدلتها والله أعلم .