هذا الأثر رواه البيهقي في السنن الكبرى بإسناده عن ابن عمر، أنه كان إذا اشترى جارية كشف عن ساقها، ووضع يده بين ثدييها، وعلى عجزها.
وبوَّب عليه البيهقي بعنوان: (باب: الرجل يريد شراء جارية، فينظر إلى ما ليس منها بعورة) وقال بعده: "وكأنه كان يضعها عليها من وراء الثوب".
ففهم من هذا الأثر: أن النظر إنما جاز في حال الشراء لمحل الحاجة إليه، وأن وضع اليد يكون بلا مباشرة، أي من وراء الثياب. وبهذا قيده بعض أهل العلم، قال ابن مفلح في (الفروع): نقل حنبل: لا بأس أن يقلبها إذا أراد الشراء، من فوق الثوب؛ لأنها لا حرمة لها. قال القاضي: أجاز تقليب الصدر والظهر بمعنى لمسه من فوق الثياب. اهـ.


ومن أهل العلم من قيَّد ذلك بأمن الفتنة والشهوة على المشتري، وعلى الجارية معا، جاء في (الفتاوى الهندية): كل ما يباح النظر إليه من إماء الغير، يباح مسه إذا أمن الشهوة على نفسه وعليها. اهـ. وفيها أيضا: لا يباح المس إذا اشتهى أو كان أكبر رأيه ذلك؛ لأنه نوع استمتاع، كذا في الهداية. اهـ. وقال البغوي في (شرح السنة): القصد إلى النظر لا يجوز لغير غرض، وهو أن يريد نكاح امرأة، أو شراء جارية، أو تحمل شهادة عليها، فيتأملها. اهـ.


ومن أهل العلم من منع من ذلك أصلًا، ولم يبح إلا النظر إلى الكفين؛ فقد سئل الإمام مالك (كما في البيان والتحصيل 7/296) عن الرجل يشتري الجارية، أترى أن ينظر إلى كفيها؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس. فقيل له: فمعصميها وساقيها؟ قال: لا أرى ذلك له، ولا يعجبني ذلك، ولكن أرى أن يخبر عنها كما يخبر عن المرأة التي يتزوجها. اهـ.


فيبقى أثر ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ محل نظر واجتهاد في ثبوته بألفاظ مشكلة, وفي دلالته الشرعية.


وعلى أية حال؛ فلا بد من التنبيه هنا على أن هناك فرقا في الأحكام بين الحرة والأمة، ومن جملتها: حكم النظر إليهما، وحدود عورتهما، وقد سبق لنا بيان ذلك وعلته في عدة فتاوى، منها: الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 114264، 117967، 46973.
وإذا عُرف هذا؛ وأدرك الإنسان طبيعة وجود العبيد قديما في المجتعات الإنسانية كلها، وأن الإماء كن يبعن ويشترين، أدرك العلة من إباحة النظر إليها، وتقليبها ممن أراد شراءها، لما فيها من معنى المالية، قال السرخسي في (المبسوط): إذا أراد أن يشتري جارية فلا بأس بأن ينظر إلى شعرها, وصدرها, وساقها, وإن اشتهى؛ لأن المالية مطلوبة بالشراء، فلا يصير مقداره معلوما إلا بالنظر إلى هذه المواضع، فللحاجة جاز النظر. ولا يحل له أن يمس إن اشتهى, أو كان ذلك أكبر رأيه؛ لأنه لا حاجة به إلى المس, فمقدار المالية يصير معلوما بدونه، ولأن حكم المس أغلظ من النظر كما قررنا. اهـ.


وتبقى ميزة الإسلام في تقييد ذلك بحدود العورة, وأمن الفتنة, وغير ذلك من الضوابط، على خلاف ما كان معمولًا به في الدنيا بأسرها من إطلاق ذلك تمامًا. ومن وراء هذا كله يأتي حث الشريعة وترغيبها في عتق الرقيق, والإحسان إليهم.


وهذا في مجمله فيه جواب لأصل إشكالات السائل، ويبقى أن نعيد التنبيه على الخطأ الشائع اليوم من قياس أحوال الناس في الماضي بأحوالهم المعاصرة، مع تغير الواقع, وبعده كثيرًا عن الماضي! وكذلك قياس مشاعر وأحاسيس الرقيق في الماضي على نظيرها من الأحرار اليوم. فهذا القياس لا يصح, ولا يوصل إلى الحقيقة.


والله أعلم.
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/inde...waId&Id=272938