لأن عقلك يستوعب أكثر
عايدة عبد الملكبعد الزواج بسنوات قليلة تمتلئ بالحب وإعادة اكتشاف كل طرف للآخر، وبعد مشاحنات وشد وجذب وخصام يعقبه عتاب وصلح ومودة، يبدأ الصمت بالانسحاب على حياة الزوجين، فتتحول الحياة بينهما إلى غربة في الروح ووحشة في النفس ووجع في القلب، فينطوي كل منهما على ذاته مؤثراً الصمت والابتعاد والانزواء والانسحاب من حياة الآخر وإن ظل يجمعهما بيت واحد، فلا كلام إلا على قدر، ويضيع دفء الحياة بينهما مع برودة في المشاعر وفراغ في الروح التي لا تجد أنيساً يخفف عنها عناء الحياة وصعوبتها، فقد تحولت الحياة بينهما إلى جدار عازل من الصمت المطبق.
الصمت بين الأزواج :
وقد أكدت الأبحاث أن تسعا من كل عشر سيدات يعانين صمت الأزواج وانعدام المشاعر من جانبهم، كما أشارت الاحصاءات أيضاً إلى أن 79% من حالات الانفصال تعود إلى عدم تعبير الزوج عن عواطفه للزوجة وعدم وجود حوار يربط بينهما.
الاختيار الخاطئ :
قد يرجع هذا الصمت إلى الاختيار الخاطئ أو السريع وعدم فهم الطرفين بعضهما لبعض بشكل جيد، فيحدث الانسحاب بعد الزواج، وقد يرجع أيضا إلى تركيز كل منهما على ذاته والاهتمام برغباته الشخصية من دون مراعاة للطرف الاخر. كما قد تؤثر الهموم المادية في نفسية الزوجين أو في أحدهما، فينطوي وينشغل بها عن علاقته بالطرف الآخر، ويظن بعضهم ومعظمهم من الرجال أن الافعال تغني عن الأقوال، ولكن المرأة دائماً تحتاج الى الكلام، واحيانا يصل الحب بين الأزواج إلى درجة الإحساس بالملكية ومحاولة الاستحواذ الكامل على شريك الحياة، متناسين أن الحب يرتوي ويترعرع بالكلمات الجميلة وتبادل الآراء والمشاركة الوجدانية والأخذ والعطاء.
المرأة الأفضل تواصلاً :
وفي حين أن المرأة أكثر تعبيرا عن مشاعرها على خلاف الرجل، فإن الرجل يكون أكثر صمتاً، وهذا ما يؤكده حيث يرى الدكتور هاشم عبدالرؤوف، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر أن المرأة أفضل من الرجل في السرد والتواصل باللغة، وهذا ليس بالشيء الجديد فالدراسات أثبتت ذلك، بل وأثبتت قدرتها على إتقان اللغات وحفظ أكبر قدر من المفردات والمترادفات منه، ليس بحكم أنها تحب الكلام أو الثرثرة، كما يدعي بعضهم، ولكن نتيجة لتكوين عقلها الذي يستوعب الأحاديث ومفردات الكلام بصورة أسرع. ولهذا يقع عليها عبء تجنب الخرس الزوجي الذي تصاب به معظم الزيجات.
كما يضيف : على المرأة التعامل مع زوجها وكأنه طفل كبير تسحبه لمشاركتها الحديث والبوح بما في صدره دون إجبار، ومن ثم ستصبح عادته أن يتكلم معها ويشاطرها الحديث. ويؤكد الدكتور " عبدالرؤوف" أن الصمت، أو الخرس، الزوجي ليس كل المشكلة، فهناك بعض النساء اللاتي يتحدثن مع أزواجهن في محاولة لجذب أزواجهن إلى دائرة الحديث دون أن تنجح محاولاتهن، لأن الزوج يظل على حاله رافعا فيها شعار "الصمت التام أو الموت الزؤام".
صمتهم يصنع طفلاً انطوائياً :
لن تؤثر حالة الصمت الرهيب هذه في الزوج والزوجة فقط، فتهدد حياتهما معا، لكنها تلقي بظلالها الكئيبة على الأبناء أيضاً، فقد أكدت أكثر من دراسة أن الطفل الذي ينشأ في اسرة تفتقد التواصل الكلامي - فن الحوار - لن يستطيع ان يحسن التعبير عن نفسه، وقد يصبح انطوائيا لا يمكنه اقامة علاقات ببساطة مع الآخرين.
كما أن كثرة الصدام بين الزوجين بعد انعدام الحوار بينهما تؤدي إلى نشوء أطفال فاقدي الحس الأسري، وقيمة الحياة الأسرية، فيهرب الكثير منهم خارج المنزل للتخلص من مشكلات الأبوين، ولكن حين يكون هدف الزوجين واحدا وهو تربية الأبناء ومناقشة أفضل السبل لضمان تعليمهم وصحتهم وكل ما يتعلق بهم مهما كان صغيرا فهذا يزيد من التقارب والحب.
طبيعتها عاطفية أكثر :
ربما يرجع السبب في الصمت بين الزوجين الى اختلاف طبيعة الاهتمامات، فمثلاً المرأة لكونها عاطفية أكثر والرجل عملياً أكثر فاهتماماتهما تختلف، ولذا فقد كشفت العديد من الدراسات أن الموضوعات التي يحب الرجل الحديث عنها تختلف عما تحب المرأة فنجد أن 60% من الرجال يتحدثون عن الرياضة والسياسة والقضايا المطروحة على الساحة بينما 18% منهم فقط يتحدثون عن أنفسهم وحياتهم الخاصة، أما النساء فتفضل 41% منهن الحديث عن المشاعر والعلاقات الإنسانية.
وقد ثبت أيضا أن كلا من المرأة والرجل لديه لغة مختلفة وربما كان ذلك من الأسباب الرئيسة للتباعد بينهما، فالمرأة ذات طبيعة عاطفية تفضل استرجاع المواقف الرومانسية الحالمة وتحب التحدث عنها مع الرجل، بعكس الزوج الذي يجد صعوبة في تذكر التفاصيل التي تشكل الصورة في حياة المرأة مثل شكل الأثاث أو ألوان المفروشات ونوع الزهور الذي كان يزين المائدة.
من أجل حوار أفضل :
ونصيحة لكل زوجين بتجاوز مرحلة الصمت، وبدء مرحلة جديدة من التحاور والتواصل حتى لو باختلاف في الرؤى ووجهات النظر، ينصحكما الخبراء والمختصون باتباع الخطوات التالية من أجل حوار أفضل :-
1- تحاورا في كل ما يخص كلاً منكما ثم أعلني عن راحتك الشديدة وبالرضا والأمان بعد أن تنتهي من الحديث والفضفضة، وحاولي أن تمارسي معه هواية تكون سبباً في تبادل حوار مشترك بينكما ولتكن القراءة او أية هواية اخرى ذات فائدة.
2- الخروج عن الروتين أو المعتاد اليومي الذى تقومين به، فمثلاً للسفر والتنزه داخل البلاد وخارجها التأثير، كما يمكن استثمار القصص النادرة التي تكون البطولة فيها للأولاد أثناء براءة الطفولة أو شقاوة المراهقة فهي حقل جذاب للحوار على أن يبدأ الحديث بكلمات رقيقة جميلة ظاهرها مفردات قصيرة وباطنها حنان وحب ورغبة في التواصل .
3-هيئي جواً من المرح داخل المنزل، بعيداً عن الأمور الاقتصادية وضغوط الحياة، - وفى النهاية حتى يكون منطلق الكلام من قلب محب متفهم ملؤه العواطف والثقة في الشريك يجب أن تشعري زوجك بقبولك له كما هو من دون تغيير، ومنحه الإحساس برضاك عنه بدلاً من اشعاره بالفشل في علاقتك معه.
وابتعدا عن الغيرة المدمرة والتعامل الغاضب، و اجعلا الاحترام المتبادل السلوك السائد بينكما، فلا مكان للكلمات اللاذعة والنابية مهما بلغت الخلافات.
4- يجب المحافظة على خصوصية كل طرف مع تجنب الاستحواذ على أي شيء من دون الطرف الآخر.
5- تفهمي مشاعر زوجك ولا تقللي من أهميتها لديك، حيث يظهر ذلك في اختيارك للألفاظ، ولا تلوميه من قريب أو بعيد على عدم سعادتك، وبأنه لم يعد فارس أحلامك، ولا تذكريه دائما بما تقومين به من مسؤوليات وأعباء وكأنه لا يقدر ما تقدمينه للأسرة، وأجعليه يشعر بأنك تفهمين كل كلمة يقولها وكل تصرف يفعله