ادعوهم لآبائــــهم هو أقسط عند الله

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد :

اتصل قائلا بعصبية : بأي حق، وكيف تقولين للأخوات في محاضرتك : أن الناس يُدْعَوْنَ بأسماء آبائهم يوم القيامة، لا بأسماء أمهاتهم ؟؟.

قلت : هوّن عليك يا أخي، إنك وإن كنتَ على خِلافٍ معي بهذه المسألة، فإن هذا لا يَسوغُ لك أن تكلمني في حكم شرعي، بهذه الحدّة وهذه العصبية، فإما أن تتكلم بعلم، أو تصمت بحلم. فإن أردتَ بيانَ حقِِ أو تصويبه، فليكن مما صح من دليلٍ في كتاب الله - تبارك وتعالى - أو سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - وجزاك الله خيرا.

فأجاب : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (يُدعى الناس يوم القيامة بأمهاتهم ستراًعليهم) .

قلت : إن هذا الحديث الذي تفضلتم به حديث موضوع، لا تقوم به الحجة للإستشهاد به على هذه المسألة. تجد تخريجه وبيان سنده ومتنه إن شئت في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة .

ثمّ عَرَضتُ عليه أن أرسلَ له الرَدّ على كلامِهِ مكتوباً مثبتاً بالأدلة، مع زوجه، فكان هذا الجهد المتواضع. راجية المولى – جلّ وعلا - أن ينفعني به وإياكم في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم .

1 : ــ إن حديث : ( يدعى الناس يوم القيامة بأمهاتهم سترا من الله عزّ وجلّ عليهم ) (حديث موضوع) انظر : [سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة . 1/430 رقم 433 ] .
وفي رواية أخرى : ( إن الله - تعالى - يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم سترا منه على عباده، وأما عند الصراط فإن الله عزّ يُعطى كل مؤمن نورا، وكل مؤمنة نورا، وكل منافق نورا فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات، فقال المنافقون : { انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ } [الحديد 13]. وقال المؤمنون {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} [التحريم 8]، فلا يذكر عند ذلك أحد أحدا ) (حديث موضوع) انظر : [سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة 1/432 رقم 434].

إن الله – تبارك وتعالى – ربط رُكنَيْ الحياة الزوجية " الزوج والزوجة " بميثاق غليظ، وجعل بينهم مودةً ورحمة، وجعل لكلٍ منهما حقوقاً وعليه واجبات، كرّم النساء بأن جعلهنّ سكناً للأزواج، وحث على طهرهنّ وحفظهن درراً مكنونة مصونة، فأمرهن بالقرار في البيوت، والتستر، وغض البصر، وعدم الخروج، وعدم التحدث مع غير المحارم من الرجال إلاّ بإذن الزوج. وأخذ عليهنّ العهد والميثاق ألاّ يوطِئنَ فرشهنّ أحداً إلاّ بإذن أزواجهنّ ومَن يرضَوْنَه، درءاً للمفاسد ومقدّمات الزنا.

وما قيمة هذا الميثاق الرباني، الميثاق الغليظ عند من يتكئ على مثل هذه الأدلة الواهية، ويستسلم لها ؟ .
سبحان الله !! أين الغيرة على النساء ؟؟، أين الغيرة على الأعراض ؟؟ بل على الأنساب والأرحام ؟؟.

2 : ــ إن الله – تعالى - شدد النكير على الزناة، وأمر بإقامة الحدود عليهم، وعدم الرأفة بهم إن ثبت بحقهم فاحشة الزنا : قال الله - تعالى - : {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور 2 ــ 3] .

وأمر بالشهود، وبيّن أحكام الزنا، والقذف والملاعنة في حال عدم وجود الشهود، فهل يليق بمؤمنٍ الظنّ بعدم نزاهة النسب والإطمئنان إليه، والسكوت عليه، وتمييع القضية، وما يتبعه من فوضى بهيمية، لأجل أحاديث مكذوبة وموضوعة لا يُعتدّ بها عند علماء الحديث – رحمهم الله تعالى –، صارت وللأسف من المُسَلّمات التي يعتقد بها الكثيرون ؟؟ .
فعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال : (ثلاث أحلف عليهن : لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له ، وأسهم الإسلام ثلاثة : الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، ولا يَتوَلى الله عبدا في الدنيا فيُوَليه غيره يوم القيامة، ولا يحب رجل قوما إلا جعله الله معهم، والرابعة لو حلفت عليها رجوت أن لا آثم ، لا يستر الله عبدا في الدنيا إلا ستره يوم القيامة) (صحيح لغيره) رواه (أحمد بإسناد جيد) انظر : [صحيح الترغيب جـ1 رقم 374] و[السلسلة الصحيحة 1387] .

وهل يتولّى الله - تبارك وتعالى - العصاة الزناة، بعد أن حذر من عاقبة الزنا، وبيّن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ما يلحق بهم من خزي وعار في الدنيا، وما ينتظرهم من عذاب في القبر، وعذاب في الآخرة إن لم يتوبوا قبل موتهم .

وهل يرضى الله - عز وجل - بالستر على أم زانية، عصت الله – تعالى - وفعلت الفاحشة فكان من ثمارها اختلاط أنساب، أو أبناء أدعياء غير شرعيين مجهولي النسب، مجهولي الآباء، منبوذين عالة على المجتمع ؟؟ .

3 : ــ نسخَ الله - تعالى - حكم جواز انتساب الأبناء الأدعياء لغير آباءهم، الذي كان في صدر الإسلام حيث كان الأدعياء يُعامَلون مُعاملة الأبناء من كل وجه في الخلوة بالمحارم وغير ذلك.[ تفسير ابن كثير 3/616]
وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قد تبنـّـى زيد بن حارثة – رضي الله عنه - قبل النبُوّة، فكان يقال له : زيد بن محمد، فقطَعَ الله هذه البُنوّة لمّا نزل قوله - تعالى - :{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب 4].
وفي الصحيحين عن عبدالله بن عمر قال : (إن زيد بن حارثة – رضي الله عنه – مولى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما كنا ندعوهُ إلا زيد بن محمد حتى نزل القرآن : {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ}.

4 : ــ أنكر الله - تعالى - على أهل الجاهلية إطلاق صفة الأبناء على الأدعياء، لأنهم ليسوا أبناءً على الحقيقة . وَرَدََّ قولهم عليهم لأنه قولٌ باطل، وأمر برَدّ نَسَبِ الأبناء إلى آباءهم في الحقيقة إن عُرفوا، فإن لم يُعرَف آباؤهم، فهم أخوةٌ في الدين وَمَوالي، عِوَضاً لهم عَمّا فاتهم من النسب، قال – تعالى - : {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب 5].
وعن البراء بن عازب – رضي الله عنه - قال : صالـَحَ النبيّ – صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية على ثلاثة أشياء : (على أن من أتاه من المشركين ردّهُ إليهم، ومن أتاهم من المسلمين لم يَرُدّوه، وعلى أن يَدخلها من قابل ويُقيم بها ثلاثة أيام ، فلما دخلها ومضى الأجل، خرج فتبعته ابنة حمزة تنادي : يا عم ! يا عم ! فتناولها عليّ، فأخذ بيدها، فاختصم فيها عليّ وزيد وجعفر، قال عليّ : أنا أخذتـُها وهي بنت عمي . وقال جعفر بنت عمي وخالتها تحتي، وقال زيد : بنت أخي. فقضى بها النبي – صلى الله عليه وسلم - لخالتها، وقال الخالة بمنزلة الأم. وقال لعليّ : أنت مني وأنا منك، وقال لجعفر : أشبهت خَلقي وخُلـُقي. وقال لزيد : أنت أخونا ومولانا ) (متفق عليه).
ففي الحديث أحكام كثيرة من أحسنها أنه – صلى الله عليه وسلم – حَكَمَ بالحق وأرضى كلا المتنازعين، وقال لزيد – رضي الله عنه – (أنت أخونا ومولانا) كما قال – تعالى – : {فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ}.
عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه قال : قال أبو بكرة – رضي الله عنه – قال الله – عز وجلّ – : {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} فأنا ممن لا يُعرَفُ أبوه، فأنا من إخوانكم في الدين، قال أبي : " والله إني لأظنه لو عَـلِمَ أن أباه كان حِماراً لانتمى إليه ". [تفسير ابن كثير 3/ 616 – 617].

وعن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة – رضي الله عنهما - قالا : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه، فالجنة عليه حرام) (متفق عليه) .

وذلك حفظاً لحقوق الآباء، وبراً بهم، وتكريماً لهم، وتعظيماً لشأنهم، وترهيباً من مغبة الإنتماء لغيرهم.

5 : ــ حَث الله – تبارك وتعالى - على نقاء النسب وتحديده وبيانه - وهو أعلم - فسارع الصحابة الكرام - رضوان الله تعالى عليهم – إلى العمل بقول الله – تعالى - : {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} وَرَدّوا الأدعياء إلى آبائهم، ومن لم يُعلم له أباً كان مَوْلىً وأخاً في الدين . لعلمهم بأنه خطاب عامٌ موجهٌ لكافة المسلمين، وإن كانت المناسبة في هذه الآية خاصة في شأن إبطال بُنوّة رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لزيد – رضي الله عنه -. لا كما يظن الكثيرون بأن هذه الآية الكريمة {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} خاصة في نبيّ الله محمد – صلى الله عليه وسلم - ، وفيمن تبناه وزوْجُه زينب - رضي الله عنهما -.
فعن عروة بن الزبير عن عائشة وأم سلمة – رضي الله عنهم أجمعين : " أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس كان تبنّى سالما وأنكحه ابنة أخيه هند بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، وهو مَولى لامرأة من الأنصار كما تبنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيداً – رضي الله عنه - وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه، وورث ميراثه، حتى أنزل الله - سبحانه وتعالى- في ذلك : {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ . إلى قوله – تعالى - : فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} فرُدّوا إلى آبائهم، فمن لم يُعلم له أب كان مولى وأخا في الدين، فجاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري وهى امرأة أبي حذيفة فقالت يا رسول الله ! إنا كنا نرى سالما ولدا، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة في بيت واحد، ويراني فضلا، وقد أنزل الله - عز وجل - فيهم ما قد علمت، فكيف ترى فيه ؟. فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم – أرضعيه، فأرضعته خمس رضعات، فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة، فبذلك كانت عائشة - رضي الله عنها - تأمر بنات أخواتها، وبنات إخوتها أن يُرضعن من أحبت عائشة أن يَراها ويَدخل عليها، وإن كان كبيرا خمس رضعات ثم يدخل عليها، وأبت أم سلمة وسائر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُدْخلن عليهن بتلك الرضاعة أحدا من الناس حتى يرضع في المهد، وقلن لعائشة : والله ما ندري لعلها كانت رخصة من النبي - صلى الله عليه وسلم - لسالم دون الناس) (صحيح) انظر : [سنن أبي داود 2 / 223 رقم 2601] .

6 : ــ وأباح الله - تبارك وتعالى - الزواج بزَوْجَة الإبن الدّعيّ المُطلّقة، وذلك لإبطال عادة التبنِّى التي كانت في الجاهلية ، وصدْرِ الإسلام والتأكيد على ذلك بقوله - تعالى - : {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب 37] .
فكان زواج رسول الله – صلى الله عليه وسلم - من السيدة زينب بنت جحش - رضي الله عنها - بعد طلاقها من زيد – رضي الله عنه وعنها - وانقضاء عِدّتها ، في ذي القعدة من السنة الخامسة من الهجرة، وصارت أماً للمؤمنين، وزوجة لسيد المرسلين محمد – صلى الله عليه وسلم - في الدنيا، وفي الآخرة زوجه في الجنة. وذلك زيادة في البيان والتوكيد على قطع هذه النسبة، وتحريم بُنوّة الأبناء الأدعياء.
قال الله - تعالى - في المحرمات من النساء : {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [ النساء 23]. احترازاً عن زوجة الإبن الدّعيّ، فإنه ليس من الصلب، فأما الإبن من الرضاعة فمُنزّلٌ بمنزلة ابن الصلب شرعاً لقوله – صلى الله عليه وسلم - : (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) [ متفق عليه] . *

7 : ــ ويجوز للرجل أن يقول لابن غيره " يا بني" وذلك مجازاً على سبيل التكريم لا على سبيل ادّعاء البـُنُوة : قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - في تفسيره [3/616] : [فأما دعوة الغير : ابناً على سبيل التكريم والتحبيب، فليس مما نهى عنه في هذه الآية بدليل ما رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا الترمذي من حديث سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن الحسن العُرني عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قدمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة المزدلفة أغيلمة بني عبد المطلب على حمرات، فجعل يلطخُ أفخاذنا ويقول أُبَيْنِيّّ لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) رواه الإمام أحمد ( 1 / 234، 311، 343)]. وصححه الألباني – رحمه الله تعالى -. قال أبو داود : (اللطخ : الضربُ الليّن)
وعن أنس - رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم - أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها، وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها ، لم يبلغ رأسها، فلما رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ما تلقى، قال : (إنه ليس عليك بأس، إنما هو أبوك وغلامك) (صحيح) . رواه أبو داود . انظر : [مشكاة المصابيح جـ 2 رقم 3120] .
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : (أن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال له : يا بُنَيّ) صححه الألباني – رحمه الله -. انظر: [سنن أبي داود 4/291 رقم 4964].

ولقد سَألتُ شيخنا الألباني - رحمه الله تعالى - قائلةً : " شيخنا الفاضل : بما لكم علينا من حق وفضل، وما لكم عندنا من توقير واحترام، هل ممكن أن نناديكم : يا والـــــدنا ؟ " [قال : نعم مجازا] .رحمه الله - تعالى – ووالدينا رحمة واسعة، وجعل الفردوس الأعلى مأواهم أجمعين.

8 : ــ قال الشيخ مشهور حسن سلمان – حفظه الله تعالى - : [ ومن المفيد هنا التنبيه على خظأ يقع فيه كثير من العوامّ ، وهو الإعتقاد بأن الناس ينادون يوم القيامة بأسماء أمهاتهم ! .
وبعضهم يتعلق بقوله – تعالى - : { يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ }[ الإسراء 71 ] .
قال الزمخشري : ( من بدع التفاسير قول من قال : " إن الإمام في الآية جمع أم، وإن الناس يدعون بأمهاتهم دون آبائهم" قال : وهذا غلط أوجبه جهله بالتصريف، فإن أمّاً لا تجمع على إمام). انظر : [ الكشاف ( 2/379) و ( الإتقان 2/181) ] .
وبعضهم يتعلق بحديثٍ باطلٍ وهو : ( إن الناس يوم القيامة يدعون بأمهاتهم لا بآبائهم ) انظر : [الأسرار المرفوعة ص473].
وبعضهم يتعلق بما عند الطبراني من حديث أبي أمامة ، وهو طويل في التلقين ، وفيه : " فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل: " يا فلان ابن فلانه ! " وهوضعيف جدا كما بينته في تحقيقي " تذكرة القرطبي".
وبعضهم يزيد حكماً لذلك مثل : [ من أجل عيسى عليه السلام] أو [لشرف الحسن والحسين] أو [لئلا يفتضح أولاد الزنا]، وهذا كله باطل يرده ما في الصحيحين من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما مرفوعا : ( إن الغادر يرفع له لواء يوم القيامة يقال : غدرة فلان ابن فلان.
قال ابن بطال - رحمه الله تعالى – في هذا الحديث رد لقول من زعم أنهم لا يدعون يوم القيامة إلا بأمهاتهم ستراً على آبائهم ].
انتهى كلام الشيخ مشهور حسن حفظه الله - تعالى - وبارك في علمه وعمله ونفع به المسلمين. انظر : [كتاب عناية النساء بالحديث النبوي ص (76)] .

9 : ــ إضافة إلى ما تقدم أعلاه، ورد في عدة أدلــّـة قول فلان ابن فلان، يُخبَر عنه، ويُنادى به العبد في الدنيا والاخرة، لا فلان ابن فلانة، ومنها :

1/9 : ــ قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في الغادر : هذه غدرة فلان ابن فلان : فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة فيقال : هذه غدرة فلان بن فلان ) ( متفق عليه ).
وفي رواية أخرى عن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء فقيل هذه غدرة فلان ابن فلان ) ( حديث صحيح رواه مسلم ) انظر : [صحيح الجامع رقم : 483*] .

2/9 : قول الملك الموكل بإبلاغ السلام لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - : فلان بن فلان : فعن أبي بكر الصديق – رضي الله عنه - قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( أكثروا الصلاة عليّ فإن الله وكّل بي ملكا عند قبري ، فإذا صلى عليّ رجل من أمتي ، قال لي ذلك الملك ، يا محمد ! إن فلان بن فلان صلى عليك الساعة ) [ السلسلة الصحيحة 1530 ] .

3/9 : ــ قول الملائكة الذين يصعدون بروح الميت إلى بارئها عندما يستفتحون أبواب السماء : ( روح فلان بن فلان ) في الحديث الطويل الذي رواه البراء – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول : أيتها النفس الطيبة ! اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان، فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من فيّ السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الطيب ؟ فيقولون : فلان بن فلان ، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمّونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا به إلى سماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح له، فيشيّعه من كل سماء مقرّبوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهي إلى السماء السابعة، فيقول الله - عز وجل - : اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوا عبدي إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، فتعاد روحه، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له : من ربك؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول ديني الإسلام، فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعث فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. فيقولان له وما علمك فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت . فينادي مناد من السماء أن : صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول : أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد . فيقول له : من أنت فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول : أنا عملك الصالح . فيقول : رب أقم الساعة، رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي .
وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول : أيتها النفس الخبيثة ! اخرجي إلى سخط من الله وغضب، فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون : فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، فيستفتح له، فلا يفتح له، ثم قرأ :{ لا تفتح لهم أبواب السماء } .....) (حديث صحيح رواه : أحمد ، وأبو داود ، وابن خزيمة ، والحاكم ، والبيهقي ، والضياء) انظر: [صحيح الجامع حديث رقم : 1676] .*

10 : ــ وأما حديث أبي أمامة – رضي الله عنه - : ( إذا مات الرجل منكم فدفنتموه، فليقم أحدكم عند رأسه، فليقل : يا فلان ابن فلانة ! فإنه سيسمع، فليقل يا فلان ابن فلانة، فإنه يستوي قاعدا، فليقل : يا فلان ابن فلانة، فإنه سيقول : أرشدني أرشدني رحمك الله، فليقل : اذكر ما خرجت عليه من دار الدنيا : شهادة أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، فإن منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه ويقول له : ما نصنع عند رجل قد لُقن حجته، فيكون الله حجيجهما دونه ) فهو (حديث منكر) لا تقوم الحجة به . انظر : [السلسلة الضعيفة 2/64 رقم 599] .

11 : ــ كما أن التلقين بعد الدفن من بدع الجنائز . لأن الميت انقطع من التكليف، وانقطع عن العمل، فينبغي أن يُلقــّـنَ قبل وفاته، فإن أراد الله به خيرا يُختم له بعمل صالح يتوفاهُ الله عليه ويُكتب له في صحيفة أعماله ثم تطوى الصحيفة .
وقد أعلمنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أن الميت يَسمَعَ قرع نعال أصحابه إذا ولوا عنه. ولم يثبت عنه – صلى الله عليه وسلم - أن الميت يَسمع صوتَ أصحابه فضلاً عن تلقينهم.

ولم يرد دليل صحيح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولا عن صحبه الكرام وهم خير الناس أنهم لقنوا ميتا بعد وفاته، ولا نادوه باسمه، ولا باسم أمه، ولا باسم أبيه، ولكن من السنة الجلوس حول القبر قدر ذبح جزور وتفريق لحمه، والدعاء للميت بالتثبيت. لا التلقين.

إن الميت مقبل على امتحان عظيم ... مقبل على فتنة القبر ... ولن ينفعه إلاّ ما قدّم من قول أو عمل ، والسعيد من ثبتهُ الله – تعالى - وهداه ولقنهُ حجته . روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى عن البراء – رضي الله عنه - أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا أقعد المؤمن في قبره أُتِيَ ثم شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، فذلك قوله : {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} .

12 : ــ والقول والدعاء بالأسم واسم الأم متعارف عليه بين العوام والجهلة بهذه الأدلة، ويعمل بها أيضا العرافون والمشعوذون، إذ أن طلب الإسم واسم الأم إحدى علاماتهم. وينبغي البيان للناس، والتحذير منهم.

وبناءً على ما تقدّم من أدلة، فلا حجة لمن يقول : بأن الناس يُدْعَوْنَ يوم القيامة بأسماء أمهاتهم لا بأسماء آبائهم ، إلاّ أن يكون جاهلاً مقلدا، أو معانداً مستخفا بالنصوص مستهينا بمعصية الزنا وقبحها، وشؤمها بحجة الستر يوم القيامة !!.

ولا حجة أيضا لمن يشكك بالرسالة المحمدية فقد جاءت شافية كافية، صالحة ومصلحة لكل زمان ومكان، ولا حجة لمن يشكك في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقولهم أنه تزوّج زوجة ابنه لإقصاء الناس عنه وتنفيرهم منه.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يُرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ، وأن يُرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

وكتبته : أم عبد الله نجلاء الصالح