تعليل الأستاذ أسعد تيّم لحديثٍ في صحيح مسلم وهو ليس بمعلول! وبيان أنه وقع خطأ في إسناد مسلم وغفل عنه، وكذلك الإمام أحمد والترمذي وغيرهم.

بقلم: خالد الحايك.

بيّن الأستاذ أسعد في كتابه ((علم طبقات المحدّثين)) فوائد مستفادة من علم الطبقات، ومنها: الكشف عن بطلان السماع الذي لا يصح، وذكر من أمثلة هذا (ص87) قال: "أخرج مسلم (8/158) عن الحكم بن موسى، عن يحيى بن حمزة، عن عبدالرحمن بن يزيدَ بن جابر، عن سليم بن عامر، قال: سمعت المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم مقدار ميل...)) الحديث.
قلت: قوله: ((سمعت المقداد)) خطأٌ شنيعٌ من بعض الرواة، فإن المقداد مات في زمن عثمان، وأما سُليم بن عامر فسمع من أبي أمامة الباهلي (-86)، وجبير بن نفير (-80)، وهذه الطبقة؛ فبينه وبين المقداد طبقتان". انتهى كلامه.

قلت: أصاب الأستاذ في نفيه السماع بين سليم بن عامر وبين المقداد بن الأسود، فسليم لم يدركه، وبناءً عليه فإن حديث مسلم هذا منقطع! ولكن هناك مشكلة في إسناد الحديث لم يتنبه لها الأستاذ، والحديث صحيحٌ، والسماع الوارد فيه ليس خطأً شنيعاً كما قال!
وإنما الخطأ في الحديث هو ما جاء فيه: "سمعت المقداد بن الأسود"، والصواب: "سمعت المقدام"، وهو المقدام بن معدي كرب، وقد سمع منه سليم بن عامر، والحديث صحيح، ولا مدخل للمقداد بن الأسود فيه.
وقد خَفي ذلك على الإمام مسلم، بل وعلى الإمام أحمد من قبله، فإنه ذكر هذا الحديث في مسند المقداد بن الأسود، وذكره المزي في التحفة في مسنده كذلك، وكلّ ذلك وهم.
قال ابن أبي حاتم في ((علل الحديث)) (2/218): سألت أبي عن حديث رواه الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر عن سليم بن عامر قال: حدثني المقداد بن الاسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل؟ قال أبي: "هذا خطأ! إنما هو مقدام بن معدي كرب، وسليم بن عامر لم يدرك المقداد بن الأسود".
قلت: روى هذا الحديث عن عبدالرحمن بن يزيد يحيى بن حمزة وعبدالله بن المبارك، ورواه عن يحيى الحكم بن موسى فجاء فيه المقداد منسوباً كما أخرجه الإمام مسلم في ((صحيحه)) (4/2196) قال: حدثنا الحكم بن موسى أبو صالح، قال: حدثنا يحيى بن حمزة، عن عبدالرحمن بن جابر، قال: حدثني سليم بن عامر، قال: حدثني المقداد بن الأسود، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل. -قال سليم بن عامر: فوالله ما أدري ما يعني بالميل: أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين- قال: فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً. قال: وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى فِيه)).
وأما ابن المبارك فإنه لم ينسبه وجاء في ((مسنده)) (ص58) المطبوع عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر: حدثني سليم بن عامر: حدثني المقداد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه أحمد في ((المسند)) (6/3) عن إبراهيم بن إسحاق عن ابن المبارك مثله، ولكن الإمام أحمد جعله في (( مسند المقداد بن الأسود))!
ورواه الترمذي في ((الجامع)) (4/614) عن سويد بن نصر عن ابن المبارك قال: أخبرنا عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثني سليم بن عامر قال: حدثنا المقداد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عيسى الترمذي: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وفي الباب عن أبي سعيد وابن عمر".
ورواه ابن حبان في ((صحيحه)) (16/325) من طريق عبدالوارث بن عبيدالله عن ابن المبارك نحوه.
قلت: لم يُنسَب المقداد في رواية ابن المبارك، والذي أراه أنه كان في كتاب عبدالرحمن بن يزيد ابن جابر: "حدثنا المقدام" فتحرّفت إلى "حدثنا المقداد"، وحرف الميم وحرف الدال متقاربان في الرسم، فلما قرئت "المقداد" نسبه يحيى بن حمزة أو الحكم بن موسى: "المقداد بن الأسود".
وعلى هذا مشى أهل العلم، فجمع الطبراني بين رواية يحيى بن حمزة ورواية ابن المبارك، فقال في ((المعجم الكبير)) (20/255): حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا الحكم بن موسى، قال: حدثنا يحيى بن حمزة [ح].
وحدثنا يحيى بن عثمان بن صالح، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا ابن المبارك، كلاهما عن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثني سليم بن عامر، قال: حدثني المقداد بن الأسود، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث.
قلت: ومما يؤكد أنه حصل تحريف في إسناد ابن جابر ما رواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (20/281) قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرق الحمصي، قال: حدثنا عمرو بن عثمان، قال: حدثنا بقية بن الوليد، قال: حدثنا عمر بن خثعم، قال: حدثني سليم بن عامر، عن المقدام: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تدنو الشمس من الناس يوم القيامة حتى تكون من الناس على قدر ميلين، ويزداد في حرها فتصحرهم فيكونوا في العرق بقدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه العرق إلى كعبيه، ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً. قال: ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيديه إلى فيه)).
قال إبراهيم بن عرق: "هكذا رواه عمر بن خثعم عن سليم عن المقدام".
قلت: استغرب الحديث عن المقدام؛ لأن المشهور عندهم أنه عن المقداد! ولكن هذه الرواية تؤكد أن الحديث عن المقدام بن معدي كرب، وهو حديثٌ صحيحٌ لا علة فيه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

ثُم وجدت – ولله الحمد – الإمام الحافظ ابن رجب ينبّه إلى خطأ الشاميين في الخلط بين المقداد بن الأسود والمقدام بن معدي كرب.
قال – رحمه الله – في ((شرح البخاري)) (2/647): "والشاميّون كانوا يسمون المقدامَ بن معد كرب: (المقداد)، ولا ينسبونَهُ أحياناً، فيظنُّ من سمعه غيرَ منسوبٍ أنه (ابن الأسود)، وإنما هو (ابن معد يكرب)، وقد وقع هذا الاختلاف لهم في غير حديثٍ من رواياتهم".



وكتب خالد الحايك.
18 ربيع الثاني 1429هـ
24 نيسان 2008م.