هل الله في السماء أم في كل مكان؟

الكاتب : حامد بن عبد الله العلي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عندي سؤال: تناقشت في منتدى حول اين الله؟
البعض قال: انه في السماء فقط وان الرافضه يقولون انه في كل مكان.
وانا اقول ان الله في كل مكان، والدليل على ذلك قوله في سورة البقرة - الآية 115 - {فأينما تولوا فثم وجه الله}.
سألت لجنة الافتاء في (...) وقالوا ان ابن تيمية وابن القيم يقولون ان الله في السماء، وبقية الأئمة يقولون ان الله في كل مكان...
وجزاكم الله كل خير.


الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
وبعد:
أجمع العلماء من أهل السنة، من الأئمة الأربعة وغيرهم، وكل من بقي من المسلمين على فطرته لم تلوثها بدع أهل الكلام المذموم، قبل أن يولد شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله، على أن الله تعالى عال على خلقه، ولم يقل إنه في كل مكان إلا الرافضة الخبيثة، والجهمية الضالة.
وحتى الأشعرية فإنهم لايقولون إنه سبحانه في كل مكان، بل هم زعموا أنهم عندما ينفون علوه على خلقه، يريدون تنزيهه عن أن يحصره مكان، فكيف يحصرونه في الأمكنة كلها ؟! بل هم يقولون: الله ليس في العلو، ولا يشار إليه في جهة، ولا هو خارج العالم، كما أنه ليس داخله، كما أنه ليس متصلا بالعالم، ولاهومنفصل عنه، ولا هو في شيء من الجهات، ولا يشار إليه الإشارة الحسية، ولايقال أين هو.
وأذكر أنني في بداية طلب العلم، كان شيخنا محمد المختار بن محمد الأمين الشنقيطي صاحب الأضواء، يدرسنا الرسالة الحموية، وتكلم على مسالة العلو على طريقة السلف، وبعد الدرس جادلني أحد الطلاب من الأشعرية، فذكر لي شبههم المشهورة، فقلت له: دعنا من هذا كله، النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وأمام كل المسلمين في آخر وأكبر مجمع جمعه بأمته، وفيهم الخاصة والعامة، قال: اللهم فاشهد، وأشار إلى السماء، فقال: هذا من خصوصياته، فقلت له: ويحك إنه يخاطب الأمة، يخبرها عن ربه، فقال: هذا من خصوصياته، لم يقدر أن يزيد على ذلك !! وهذا كان من أكثر من عشرين عاما.
وقالت الأشعرية: إن ما ورد من النصوص ظواهر ظنية لاتعارض اليقينيات التي عندهم هي الشبه العقلية المتهافتة التي ظنوها أدلة يقينية.
وهذا كله غلط مخالف لما أجمعت عليه الأمة قبل أن تحدث هذه البدع الكلامية التي ما أنزل الله بها من سلطان.
ونحن عندما نقول إن الله تعالى في العلو، فكما قال في كتابه في آيات كثيرة، وكما تواتر في السنة في نصوص كثيرة لاتحصى إلا بكلفة، وقد ذكر الإمام الذهبي أن ما ورد من الأدلة في ذلك يربو على الألف من النصوص، والواجب على المسلم أن يسلم لنصوص الوحي،ولايعارضه ا بعقله، كما قال تعالى {والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا}.
ولايلزم من إثبات علوه على خلقه، أنه محصور في مكان، أو أنه تحويه جهة، فالله تعالى خالق المكان وهو فوق كل خلقه، والجهة أمر نسبي ليس هو شيء محسوس مجسم، والله تعالى محيط بكل شيء، وأكبر من كل شيء.
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما عرج به إلى السماء، عرج به إلى ربه، وهناك سمع كلام ربه، حيث فرض الله تعالى عليه الصلاة، ولم يزل يتردد بين ربه جل في علاه، وموسى عليه السلام، كما في الصحيحين وغيرهما حتى خفف الله تعالى الصلاة من خمسين إلى خمس، ولما سئل صلى الله عليه وسلم، هل رأيت الله تعالى، قال نور أنى أراه، وقد رأى نور الحجاب، ومعلوم أن الله تعالى احتجب بحجاب النور عن خلقه، كما في صحيح مسلم " حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه ".
وهذا كله يقتضي إثبات علو الله تعالى على خلقه يقينا قاطعا لكل شك، إلا إن تركنا هذه النصوص وضربنا بما دلت عليه من معان عرض الحائط، وقدمنا عليها ما يسمى الادلة العقلية اليقينية، وما هي إلا الشبه كما قال الشاعر:
شبه تهافت كالزجاج تخالهاحقا وكل كاسر مكسور

وهذا أي تقديم شبهات العقول على نصوص الوحي، ليس دين الإسلام، فدين الإسلام قائم على التسليم لنصوص الوحي، وعدم معارضتها بشيء.
ومعلوم أن أهل الجنة يرون ربهم عيانا، كما في القرآن ومتواتر الأحاديث، يرونه كما يرون الشمس ليس دونها سحاب، يرونه من فوقهم، يتجلى لهم فيرونه، فلايكون شيء من نعيم الجنة أحب إليهم من النظر إليه كما في الصحيح.
فليت شعري كيف يفهم هؤلاء المبتدعة الذين غلظ فهمهم، كيف يفهمون هذه الأحاديث، إذا كانوا لايثبتون علوه سبحانه على خلقه ؟!!
وأما قوله تعالى " فأينا تولوا فثم وجه الله " فالمعنى جهة الله تعالى التي أمر أن يستقبلها المصلي في الصلاة، والعرب تقول: أين وجهك، أي أين جهتك، فالوجه والجهة واحد، كمايقال وعد وعدة، ووزن وزنة، فهذه الأية نزلت في شأن القبلة، فليست هي من آيات الصفات أصلا، ثم إن الذين يقولون إن الله في كل مكان لايمكنهم أن يستدلوا بها، لانهم لايقولون إن الأماكن النجسة، والحشوش (المراحيض)، ونار جهنم، وقبور الكفار، مثلا، داخلة في قوله تعالى " أينما تولوا فثم وجه الله " تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، فلا بد لهم من أن يقروا أنها ليست من آيات الصفات.
وفيما يلي بعض النقول التي تدل على أنه إجماع العلماء قبل شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم فليس لهما اختصاص بعقيدة أن الله تعالى عال على خلقه، بل هذه عقيدة المسلمين.
الإمام الأوزاعي [ت 157 هـ] قال: (كنا والتابعون متوافرون نقول:ان الله عز وجل فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته) [انظر:مختصر العلو للذهبي 137 والأسماء والصفات للبيهقي ، وفتح الباري 13/417].
ثانيا: الامام قتيبة بن سعيد [150-240 هـ] قال: (هذا قول الائمة في الإسلام والسنة والجماعة: نعرف ربنا في السماء السابعة على عرشه، كما قال جل جلاله:الرحمن على العرش استوى)، قال الذهبي: (فهذا قتيبة في امامته وصدقه قد نقل الإجماع على المسألة،وقد لقي مالكا والليث وحماد بن زيد، والكبار، وعمر دهرا وازدحم الحفاظ على بابه) [انظر:مختصر العلو 187، درء تعارض العقل والنقل 6/260، بيان تلبيس الجهمية 2/37].
ثالثا: الامام المحدث زكريا الساجي [ت 307 هـ] قال: (القول في السنة التي رأيت عليها أصحابنا أهل الحديث الذين لقيناهم أن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء) انتهى، قال الذهبي: (وكان الساجي شيخ البصرة وحافظها وعنه اخذ أبو الحسن الاشعري علم الحديث ومقالات أهل السنة) [مختصر العلو 223، اجتماع الجيوش الاسلامية لابن القيم 245].
رابعا: الامام ابن بطة العكبري شيخ الحنابلة [304-387 هـ] قال في كتابه "الإبانة عن شريعة الفرقة والناجية": (باب الإيمان بأن الله على عرشه بائن من خلقه وعلمه محيط بخلقه، أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين وجميع أهل العلم من المؤمنين أن الله تبارك وتعالى على عرشه فوق سمواته بائن من خلقه وعلمه محيط بجميع خلقه، ولا يأبى ذلك ولا ينكره إلا من انتحل مذاهب الحلولية وهم قوم زاغت قلوبهم واستهوتهم الشياطين فمرقوا من الدين وقالوا: إن الله ذاته لا يخلو منه مكان) انتهى [انظر الإبانة 3/ 136]، قال الذهبي: (كان ابن بطة من كبار الأئمة ذا زهد وفقه وسنة واتباع) [مختصر العلو 252].
خامسا: الإمام أبو عمر الطلمنكي الأندلسي [339-429 هـ] قال في كتابه "الوصول إلى معرفة الأصول": (أجمع المسلمون من أهل السنة على أن معنى قوله {وهو معكم أينما كنتم}، ونحو ذلك من القرآن: أنه علمه، وأن الله تعالى فوق السموات بذاته مستو على عرشه كيف شاء)، وقال: (قال أهل السنة في قوله {الرحمن على العرش استوى}، إن الاستواء من الله على عرشه على الحقيقة لا على المجاز) انتهى، قال الذهبي: (كان الطلمنكي من كبار الحفاظ وأئمة القراء بالأندلس) [درء التعارض 6/250، الفتاوى 5/189، بيان تلبيس الجهمية 2/38، مختصر العلو 264].
سادسا: شيخ الإسلام أبو عثمان الصابوني [372-449 هـ] قال: (ويعتقد أصحاب الحديث ويشهدون أن الله فوق سبع سمواته على عرشه كما نطق كتابه وعلماء الأمة واعيان الأئمة من السلف، لم يختلفوا أن الله على عرشه وعرشه فوق سمواته) انتهى، قال الذهبي: (كان شيخ الإسلام الصابوني فقيها محدثا وصوفيا واعظا كان شيخ نيسابور في زمانه له تصانيف حسنة).
سابعا: الإمام أبو نصر السجزي [ت 444 هـ] قال في كتابه "الإبانة": (فأئمتنا كسفيان الثوري ومالك وسفيان بن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وعبد الله بن المبارك وفضيل بن عياض واحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي؛ متفقون على أن الله سبحانه بذاته فوق العرش وان علمه بكل مكان، وانه يرى يوم القيامة بالأبصار فوق العرش، وأنه ينزل إلى سماء الدنيا، وأنه يغضب ويرضى ويتكلم بما شاء، فمن خالف شيئا من ذلك فهو منهم بريء وهم منه براء) انتهى [انظر: درء التعارض 6/250 ونقل الذهبي كلامه هذا في السير 17/ 656]، وقال الذهبي عنه: (الإمام العلم الحافظ المجود شيخ السنة أبو نصر... شيخ الحرم ومصنف الإبانة الكبرى).
ثامنا: الحافظ أبو نعيم صاحب الحلية [336-430 هـ] قال في كتاب "الاعتقاد" له: (طريقتنا طريقة السلف المتبعين للكتاب والسنة وإجماع الأمة، ومما اعتقدوه؛ أن الله لم يزل كاملا بجميع صفاته القديمة، لا يزول ولا يحول... وأن القرآن في جميع الجهات مقروءا ومتلوا ومحفوظا ومسموعا ومكتوبا وملفوظا: كلام الله حقيقة لا حكاية ولا ترجمة... وأن الأحاديث التي ثبتت في العرش واستواء الله عليه يقولون بها ويثبتونها من غير تكييف ولا تمثيل، وأن الله بائن من خلقه والخلق بائنون منه لا يحل فيهم ولا يمتزج بهم، وهو مستو على عرشه في سمائه من دون أرضه) انتهى، قال الذهبي: (فقد نقل هذا الإمام الإجماع على هذا القول ولله الحمد، وكان حافظ العجم في زمانه بلا نزاع... ذكره ابن عساكر الحافظ في أصحاب أبى الحسن الاشعري) [درء التعارض 6/261، الفتاوى 5/ 190، بيان تلبيس الجهمية 2/ 40 مختصر العلو 261].
تاسعا: الإمام أبو زرعة الرازي [ت 264 هـ] والإمام أبو حاتم [ت 277 هـ]، قال ابن أبى حاتم: (سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان في ذلك ؟ فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازا وعراقا وشاما ويمنا فكان مذهبهم: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص... وأن الله عز وجل على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بلا كيف أحاط بكل شيء علما {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير})، قال: (وسمعت أبى يقول: علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة: تسميتهم أهل السنة حشوية، يريدون إبطال الأثر، وعلامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشبهة، وعلامة الرافضة: تسميتهم أهل السنة ناصبة) انتهى [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للإمام اللالكائي - ت 418 هـ - ا/ 197-204].
عاشرا: الإمام ابن عبد البر [ت 463 هـ] قال في "التمهيد" بعد ذكر حديث النزول: (وفيه دليل على أن الله عز وجل في السماء على عرشه من فوق سبع سموات، كما قالت الجماعة، وهو من حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم؛ إن الله عز وجل في كل مكان وليس على العرش)، ثم ذكر الأدلة على ذلك، ومنها قوله: (ومن الحجة أيضا في انه عز وجل فوق السموات السبع أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم تبارك وتعالى، وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى اكثر من حكايته لأنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم)، وقال أيضا: (أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة، والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز، إلا انهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة، ويزعمون أن من أقر بها مشبه، وهم عند من أثبتها نافون للمعبود، والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله)، ومما احتج به أيضا حديث الجارية، كما أجاب عن قولهم "استوى ؛ استولى" بتفصيل رائع [انظر فتح البر بترتيب التمهيد 2/ 7 –48].
الحادي عشر: الإمام ابن خزيمة صاحب الصحيح [ت 311 هـ] قال: (من لم يقل بأن الله فوق سمواته وأنه على عرشه بائن من خلقه وجب أن يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ثم القي على مزبلة لئلا يتأذى بنتن ريحه أهل القبلة ولا أهل الذمة) [انظر درء التعارض 6/ 264]، قال عنه الذهبي في السير [14/ 365]: (الحافظ الحجة الفقيه شيخ الإسلام إمام الأئمة)، ونقل عنه قوله: (من لم يقر بأن الله على عرشه قد استوى، فوق سبع سمواته فهو كافر حلال الدم، وكان ماله فيئا) انتهى.
وهذه نقول أخرى:
قال الإمام الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات: (ومعنى قوله في هذه الأخبار "من في السماء" أي فوق السماء على العرش كما نطق به الكتاب والسنة).
وسئل الإمام ابن المبارك: كيف نعرف ربنا ؟ قال: (في السماء السابعة) [رواه البخاري في خلق أفعال العباد ].
قال الإمام الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله: (وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش لا على معنى القعود والمماسة ولا على العلو والرفعة كما قالت الأشعرية، بل إنه في السماء على العرش، كما قال {الرحمن على العرش استوى}) [الغنية لطالبي طريق الحق ص56].
وعن سليمان التميمي أنه قال: (لو سئلت أين الله لقلت في السماء) [البخاري في خلق أفعال العباد].
[25-02-2004]