التسويق الشبكي كسب حلال.. أم بيع للوهم ونصب واحتيال؟!
د.رضا عبد السلام: التسويق الشبكي يعد كارثة على الاقتصاد الوطني لأنه استنزاف لأموال المجتمع لصالح هذه الشركات
د.نايف العجمي: معظم الأساتذة والفقهاء المتخصصين في المعاملات المالية المعاصرة ذهبوا إلى تحريم التسويق الشبكي
د.علي السالوس: المنتج هنا مجرد ستار وذريعة للحصول على العمولات والأرباح، ولما كانت هذه هي حقيقة هذه المعاملة فهي محرمة شرعًا
مع تسارع إيقاع الحياة، ونمو التطور التقني في مجالي الحاسوب والاتصالات، وما ترتب على ذلك من تلاشٍ للفواصل بين بلدان العالم، وتيسيرٍ للمعاملات المصرفية عبر شبكة الإنترنت، برزت ظاهرة الكسب السريع للنقود، واختزال المراحل الطبيعية في جمع المال وتكوين الثروات، واستبدلت حكاياتُ الناجحين بسواعد الكفاح وعرق الجبين، بتلك الحكايات التي اقتنص أصحابها طائر الحظ ليبلغوا قمة الثراء في بضع سنين.
فظهرت في بلاد الغرب مئات الشركات التي تتعامل بما يسمى بالتسويق الشبكي - باختلاف صوره وأشكاله – متخذةً إياه أسلوبًا لها في تسويق منتجاتها، وهو أسلوب يمكن من خلاله للمشتري الحصول على عمولات ومكاسب مقابل إقناع غيره بالشراء عبر منظومة متسلسلة.
وأمام هــذه النازلة الاقتصادية تباينت آراء أهل العلم بين مجيــز ومحــرم للاشتراك فــي نظــام التسويق الشبكي، وصدرت بذلك فتاوى عدة، وكُتِبت فيه بضعةُ أبحاث، وبالرغم مما كتب في هذه المسألة إلا أنه بقيت هنالك جوانب بحاجة إلى مزيد إيضاح، ومواضع تفتقر إلى تحرير، وأسئلة تبحث عن إجابات.
حقيقة التسويق الشبكي
يتركز عمل شركات التسويق الشبكي على دعوة الجمهور للقيام بتسويق منتجاته مقابل الحصول على عمولات مغرية، فقد ألغت هذه الشركات دور الدعاية والوكلاء والموزعين والتجار في وصول المنتج إلى المستهلك، ومن المعلوم أن هذه الأطراف الأربعة تزيد تكلفتها على 80% من قيمة المنتج الحقيقية، فشركات التسويق الشبكي تلغي دور هؤلاء ليصل المنتج إلى المستهلك مباشرة بقيمته الحقيقية.
والمنتجات التي يقوم أعضاء الشبكة بتسويقها هي في الغالب منتجات الشركة، فمثلاً الشركة التي تقدم هذا البرنامج في آسيا وانتشرت مؤخرًا في الكويت يقوم برنامجها على تسويق منتجاتها، وهي عبارة عن: ساعات سويسرية، ومجوهرات، ومسكوكات معدنية نادرة، وأجهزة جوالات وهواتف مرتبطة بالأقمار الصناعية لتخفيض المكالمات الدولية، وقرص حيوي (البايو دسك) ويزعمون أنه مفيد من الناحية الصحية، يعمل على زيادة الطاقة في الجسم ورفع معدل الأكسجين في الدم.
أعضاء التسويق الشبكي
لا يكتسب الشخص العضوية في التسويق الشبكي لدى الشركة إلا بعد شراء أحد منتجات الشركة عن طريق الإنترنت ولابد أن يكون هذا الشراء عن طريق أحد أعضاء التسويق السابقين.
فإذا أراد شخص أن ينضم إلى الشركة ويكون أحد أعضائها والمسوقين فيها فإنه يتعين عليه أن يشتري أحد منتجات الشركة، ولن يتمكن من الشراء إلا إذا كان لديه الرقم التعريفي للشخص الذي دله على الشركة؛ لأن دعاية الشركة تنحصر في الأعضاء المسوقين لمنتجاتها، وقد التزمت بتقديم العمولات لهم مقابل تسويقهم لمنتجاتها، فإذا لم يكن لدى الشخص أي رقم تعريفي لأحد أعضاء الشركة فإن الشركة تعتذر عن البيع له.
فإذا أدخل الشخص الرقم التعريفي للمسوق الذي دله على الشركة واشترى المنتج الذي يرغب فيه وتمت العملية فإن الشركة ستمنحه صفة وكيل أو عضو أو مسوق في الشركة، وتمنحه الرقم التعريفي الخاص به، فإذا نجح بعد ذلك في إقناع اثنين فاشتريا من الشركة عن طريقه، ونجح هذان الشخصان في إقناع اثنين آخرين بالشراء من الشركة أي كلما توافر ثلاثة أشخاص عن يمين المسوق الأول وثلاثة أشخاص عن يساره فإنه سيحصل على عمولة تقدر بـ250 دولارًا، فضلاً عن العمولة التي يستحقها عن كل عملية بيع، وهي تختلف باختلاف المنتجات، وكلما نمت الشبكة التي تحت هذا المسوق استحق حصة من تلك العمولات، فكل مسوق من شبكته ينجح في توفير ثلاثة أشخاص عن يمينه وثلاثة أشخاص عن يساره فإنه يستحق قسطًا من تلك العمولات مع أنه لم يبذل أي جهد في التسويق اللاحق.
انقلاب وظيفة التسويق
ومن العجب أن ينقلب التسويق في هذا الأسلوب إلى غاية للمنتجين والعملاء، بدل أن يكون وسيلة لبيع المنتجات، وبهذا أصبح التسويق مخدومًا بعد أن كان خادمًا، وإن الناظر في واقع الإقبال على هذا الأسلوب من التسويق يدرك بوضوح غياب الرغبة الحقيقية في السلعة، والانصراف إلى العمولات الموعودة عند الأغلبية العظمى من المشترين، ويمكن ملاحظة ذلك في الإجابة الصريحة من قبل كثير من المشترين عن الدافع الحقيقي للشراء، هل من أجل الانتفاع بالمنتج أم من أجل العمولة؟
موقف الدول الغربية وخبراؤها من التسويق الشبكي
على الرغم من وجود التسويق الشبكي في بلاد الغرب، فإن بعض الدول ما زالت منه في توجّس، بل تحذر المستهلكين من عواقب التعامل به، وبعضها الآخر يصنفه ضمن معاملات الغش التجاري فيحظره، ومنذ ظهور هذا النوع من التسويق في أمريكا وأوربا والصيحات تتزايد مطالبة بسن القوانين التي تحظره، والدعاوى ترفع في المحاكم ضد مروجيه، من قبل جماعة من خبراء الاقتصاد الغربيين.
التسويق الشبكي كارثة اقتصادية
كما يؤكد الدكتور رضا عبد السلام الأستاذ بكلية الحقوق في جامعة المنصورة أن التسويق الشبكي يعد كارثة على الاقتصاد الوطني؛ لأنه استنزاف لأموال المجتمع لصالح هذه الشركات، دون أن يكون هناك عائد وفائدة حقيقية، خصوصًا أن هذه السلع في الأصل تُباع بأضعاف ما تستحقه، كما أنها ستشغل كثيرًا من الشباب عن التركيز في الأعمال التي تعود عليهم وعلى مجتمعهم، إلى عمل يستنزف أموال أبناء بلدهم، كما أن انشغال بعضهم بمثل هذا النشاط وعدم البحث عن عمل، سيؤدي به في النهاية إلى خسارة ماله ووقته وجهده دون أن يحقق ذلك الحلم الموعود، كما أن الأشخاص الذين فطنوا إلى هذه التجارة الرخيصة، تحولوا إلى عبيد للمال وتركوا وظائفهم المنتجة سواء في المصنع أم في الشركة وتفرغوا لعملية التسويق الشبكي.
ولك أن تتخيل أن نسبة كبيرة من المواطنين تركوا وظائفهم وتفرغوا للعمل بهذه التجارة المظلمة، فما انعكاسات هذا التحول على الناتج المحلى؟! ما انعكاسات اعتماد الناس على منتجات أجنبية يتبارى شبابنا لترويجها على إنتاجنا من السلع المختلفة؟!.
ثم تساءل قائلاً: أين المؤسسات والهيئات الرقابية مما يجرى، وهي تلاحق صاحب محل الفول أو الورشة، ولكنها تترك هؤلاء - رغم نشاطهم المعلن والجلي لكل ذي بصيرة – فهل يحركون ساكناً وينقذون البلاد والعباد من تلك الأنشطة الهدامة؟! أم إنهم غير قادرين على التخلص من روث الماضي، حيث أثقلتهم البيروقراطية والفساد الإداري؟!
الرأي الفقهي والشرعي في التسويق الشبكي
في البداية يؤكد الدكتور نايف العجمي أن معظم الأساتذة والفقهاء المتخصصين في المعاملات المالية المعاصرة ذهبوا إلى تحريم التسويق الشبكي، منهم: الأستاذ الدكتور علي السالوس، والأستاذ الدكتور علي محب الدين القره داغي، والأستاذ الدكتور أحمد الحجي الكردي، والأستاذ الدكتور حسن شحاتة، والدكتور سامي السويلم، والدكتور يوسف الشبيلي وغيرهم.
وممن أفتى بهذا القول من اللجان والمجامع: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، والمجمع الفقهي السوداني، فقد صدر عن هاتين الجهتين فتوى محررة تفيد بتحريم التسويق الشبكي تحريما قاطعًا.
ويتأيد القول بتحريم التسويق الشبكي بعدد من المؤيدات منها:
(1) أنه في حقيقته أكل لأموال الناس بالباطل؛ لأن برنامج التسويق الشبكي لا ينمو إلا في وجود من يخسر لمصلحة من يربح، ودون الخسارة اللازمة للمستويات الأخيرة لا يمكن تحقيق العمولات الخيالية للمستويات العليا التي هي مقصود البرنامج.
(2) أنه من الميسر والقمار، فمقصود أعضاء التسويق الشبكي هو الاشتراك في التسويق وليس المنتجات، فالذي يدخل في برنامج التسويق الشبكي يدفع مبلغًا من المال في منتج غير مقصود في الحقيقة مقابل الحصول على عمولات الراجح عدم تحققها، ذلك أن نجاح العضو المسوق في توفير ستة مشترين ثلاثة عن يمينه وثلاثة عن يساره أمر مشكوك فيه.
ثم إن قيمة العمولات التي يحصل عليها المسوق نظير تسويقه وفق نظام الشركة أضعاف أضعاف قيمة المنتج الذي يشتريه المشترك، وهذا ما لا يمكن أن يقبل به البائع إلا إذا كانت العمولات قد تحصل وقد لا تحصل، ومن يحصل عليها يكون على حساب من جاء بعده ممن سوق لهم منتجات الشركة.
(3) أنه من الربا؛ لأن حقيقة البرنامج مبادلة نقد بنقد، والمنتج تابع غير مقصود أصالة، فالعضو في التسويق لم يشتر المنتج إلا من أجل الحصول على العمولات التي تزيد قيمتها على قيمة المنتج بأضعاف مضاعفة، فتكون المعاملة عبارة عن نقد مبذول من قبل العضو مقابل عمولات تزيد عادة على ما دفعه، وقد وسط منتج الشركة في هذه المعاملة غطاء لتلك المبادلة، وهذا وجه كونها من الربا.
ولو سلمنا أن المنتج مقصود في البرنامج، وأن العضو له غرض صحيح في المنتج، فإن الشراء من خلال هذا البرنامج لا يخرجه عن كونه ربا، فقد اتفق الفقهاء من المذاهب الفقهية الأربعة وغيرهم على تحريم المبادلة إذا تضمنت نقدا في أحد البدلين وسلعة معها نقد في البدل الآخر، وكان النقد المفرد أقل من النقد المضموم للسلعة أو مساويه، وهذا متحقق في برنامج التسويق الشبكي.
(4) أنه يعد من صور الغش والاحتيال التجاري، وهو لا يختلف كثيرًا عن التسويق الهرمي الذي منعت منه القوانين والأنظمة، فالتسويق الشبكي كالهرمي يجعل أتباعه يحلمون بالثراء السريع، لكنهم في الواقع لا يحصلون على شيء؛ لأنهم يقصدون سرابا، بينما تذهب معظم المبالغ التي تم جمعها من خلالهم إلى أصحاب الشركة والمستويات العليا في الشبكة.
(5) وأما القول بأن هذا التعامل من السمسرة، فهذا غير صحيح؛ إذ السمسرة عقد يحصل السمسار بموجبه على أجر لقاء بيع السلعة، أما التسويق الشبكي فإن المشترك هو الذي يدفع الأجر لتسويق المنتج، كما أن السمسرة مقصودها السلعة حقيقة، بخلاف التسويق الشبكي فإن المقصود الحقيقي منه هو تسويق العمولات وليس المنتج، ولهذا فإن المشترك يُسوّق لمن يُسوِّق، هكذا، بخلاف السمسرة التي يُسوق فيها السمسار لمن يريد السلعة حقيقة، فالفرق بين الأمرين ظاهر.
والخلاصة أن التسويق الشبكي محرم شرعًا؛ لاشتماله على عدد من المحاذير الشرعية، فيجب على المسلمين الحذر منه، والحرص على الأنشطة الاقتصادية المباحة، وهي كثيرة بحمد الله.
التسويق الشبكي بيع للوهم
أما الشيخ الدكتور يوسف الشبيلي فقد حذر من طريقة التسويق الشبكي, وقال إنه صدرت فتوى من اللجنة الدائمة للإفتاء في المملكة بتحريم التسويق الشبكي؛ لأن العقد مشتمل على الغرر, لكون الشخص يشتري السلعة بقصد العمولة, وقد يُحصِّل العمولة وقد لا يُحصِّلها, كما أن فيها ربا الفضل لأن الشخص يدفع النقود لشراء السلعة, وليس بقصد السلعة وإنما العمولات النقدية, التي ستأتي من شراء هذه السلع, فهي مبادلة نقد بنقد مع عدم التساوي.
وأضاف الشيخ الشبيلي قائلاً: إن هذه الشركات تبيع للناس الوهم, من ناحية أنه ليس فيها إنتاج, وليس فيها فائدة حقيقية تعود على البلد, وأن هناك شروطا تفرضها الشركة, بحيث إذا لم يسوق من سوقت له بمثل مهارتك فإنك لا تجد فائدة.
وقال: إن هذه العملية في التسويق مبنية على أمور متوقعة موهومة تصرف فيها الأموال, وليس فيها إنتاج ومصلحة, وإن الشريعة الإسلامية تحرص دائمًا على الأعمال, وصرف الأموال على ما فيه حفظ المقاصد الشرعية, والضروريات وحفظ النفس والمال والعرض, وإن فتوى اللجنة الدائمة موافقة للمقصد الشرعي للحد من هذه التعاملات
لعبة قذرة يستفيد منها كثير من الشركات
أما الدكتور علي السالوس فذهب أيضًا إلى حرمة هذه اللعبة القذرة -على حد وصفه لها- وقال: إن المنتج الذي تسوقه هذه الشركات مجرد ستار وذريعة للحصول على العمولات والأرباح، ولما كانت هذه هي حقيقة هذه المعاملة فهي محرمة شرعًا لأمور:
أولا: أنها تضمنت الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسيئة، فالمشترك يدفع مبلغًا قليلاً من المال ليحصل على مبلغ كبير منه فهي نقود بنقود مع التفاضل والتأخير، وهذا هو الربا المحرم بالنظر والإجماع، والمنتج الذي تبيعه الشركة للعميل ما هو إلا ستار للمبادلة، وهو غير مقصود للمشترك، فلا تأثير له في الحكم.
ثانيًا: أنها من الغرر المحرم شرعًا؛ لأن المشترك لا يدري هل ينجح في تحصيل العدد المطلوب من المشتركين أم لا؟
وهكذا يتضح أن عمل هذه الشركات محرم شرعًا لاشتماله على الربا والميسر، والغرر، وهو هنا يمثل 55% من الأموال المدفوعة للشراء، والهدف العمولات، أي إن هذا المبلغ هو الذي يدخل في عمليات الربا، ثم القمار كما بينت.
بيع للوهم ونصب واحتيال
قدمت إحدى الدوريات المتخصصة وهي دورية: «بورصات وأسواق» إحصاء تناول الموضوع من جهة أخرى على أساس الرابحين والخاسرين فكان:
-75% من المشتركين لا يربحون شيئًا وهم طبعًا المستوى الأخير وما قبل الأخير.
-12.5% من المشتركين يحصلون على 250 دولارًا وبالتالي يخسرون 350 دولاراً وهم المستوى الثالث قبل الأخير.
-6.25% من المشتركين يحصلون على 500 دولار وبالتالي يخسرون 100 دولار وهم المستوى الرابع قبل الأخير.
- أما الرابحون فإن نسبتهم هي 6.25% ولكن أرباحهم تتفاوت من أرباح بسيطة في المستويات المتأخرة إلى أرباح خيالية عند المستويات الأولى.
نخلص من ذلك إلى أننا أمام نازلة اقتصادية، ومافيا عالمية تستهدف المواطن العربي الفقير والبسيط الذي يحلم بالشجرة التي تثمر ذهبًا، ففي الوقت الذي تكون فيه الشركة قد تضاعفت أرباحها الخيالية من جيوب هؤلاء الضعفاء، يكون الحلم عند الفقير مستمرًا بلا صحوة، وتستمر عمليات بيع الوهم والنصب والاحتيال للمواطن العربي تحت مسمى التسويق الشبكي.
اعداد: وائل رمضان