تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: تضعييف حديث: ( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة) !

  1. #1

    افتراضي تضعييف حديث: ( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة) !

    قال أبو يعلى في ( مسنده ) [رقم/5698 ]:
    ( حدثنا بشر بن الوليد حدثنا شريك عن عثمان بن أبي زرعة عن المهاجر الشامي عن ابن عمر قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
    من لبس ثوب شهرة ألبسه الله يوم القيامة ثوب مذلة ).
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ
    [5698] - [
    ضعيف
    ]: أخرجه أبو داود [رقم/4029]، وابن ماجه [رقم/ 3606]، وأحمد [92/2، 139]، ومن طريقه ابن الجوزي في التلبيس [3/ 1158/طبعة دار الوطن]،والنسائي في الكبري [رقم/9560]، وأبو القاسم البغوي في ( الجعديات )[رقم/2143]، والبغوي في شرح السنة [46/12]، والبيهقي في الشعب [8/رقم/5817 /طبعة الرشد]، وفي الآداب [رقم/ 484 /طبعة مؤسسة الكتب الثقافية]، والحسن بن إسماعيل الضراب في ذم الرياء [ص/142/رقم/48]، وأبو القاسم الرافعي في تاريخ قزوين [4/81-82/ الطبعة العلمية] - وعنده مُعلَّقًا - وغيرهم من طرق عن شريك بن عبد الله النخعي عن عثمان بن المغيرة الثقفي عن مهاجر الشامي عن ابن عمر به ..وعند أبي داود : (ثوبًا مِثْلَه) بدل: (ثوب مذلة ).
    قلت:
    وفي سنده شريك القاضي الإمام الفقيه العَلَم، لكن في حفظه مقال معروف قد سارتْ به الرُّكْبان، وتناقلتْه الأزمان تِلْوَ الأزمان!
    لكنه لم ينفرد به، بل تابعه أبو عوانة - الثقة الحجة - عن عثمان بن أبي زرعة عن المهاجر الشامي عن ابن عمر مرفوعًا : (
    من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه نارا )
    أخرجه أبو داود [رقم/4029، 4030 ]، وابن ماجه [رقم/3607 ]، من طرق عن أبي عوانة به ...
    ولفظ أبي داود في آخره: (
    ثم تلهب فيه النار ) وفي رواية له قال: ( ألبسه الله يوم القيامة ثَوْبًا مِثْلَهُ)
    بدل: ( ألبسه الله ثوب مذلة).
    وهذا إسناد حسن إن شاء الله، وقد حسَّنه جماعة من أهل العلم في السابق واللاحق.
    فقال: ابن مفلح في الآداب الشرعية [3/513/طبعة الرسالة]: (
    إسْنَادُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ... ). وقال في موضع آخر [3/497]: ( حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ...).
    وقال المنذري في الترغيب [83/3]: ( رواه ابن ماجه بإسناد حسن
    ...).
    وأشار ابن القطان الفاسي إلى تحسينه في بيان الوهم [3/297].
    وتابعه على تحسينه: السخاويُ في المقاصد [ص/ 668/طبعة دار الكتاب العربي].
    وقال ابن طولون في الشذرة في الأحاديث المشتهرة [2/191]: (
    رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن عمر مرفوعًا بسند حسن ...).وقال المناوي في التيسير [2/856/طبعة مكتبة الشافعي]: ( إسناده حسن).وقال الشوكاني في الدراري المضية [ص/ 80]: ( أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عمر)
    . ومثله قال في ( نيل الأوطار ).
    قلت: وليس في رجاله من يُنْظَر في شأنه سوى: (مهاجر الشامي
    ) وحده!! فهو مهاجر بن عمرو النبال الشامي، روى عنه جماعة أكثرهم ثقات مشاهير، وقد ذكره ابن حبان في الثقات [428/5]، ولم يغمزه أحد من المتقدمين فيما أعلم!!
    ثم جاء الحافظ وقال في ترجمته من (التقريب) : (مقبول) يعني إذا توبع؛ وإلا فلَيِّن!! كما نص على ذلك في ديباجة (تقريبه) ولا يُوافق عليه بشأن هذا الرجل!!
    بل التحقيق:
    أنه شيخ صدوق مقبول الرواية إن شاء الله، فالحديث ظاهره الاستقامة لولا أن معلول !
    فقد سئل أبو حاتم الرازي عن هذا الحديث من رواية شريك القاضي عن عثمان بن أبي زرعة عن مهاجر الشامي عن ابن عمر به ...؟! فقال كما في العلل [رقم/ 1471]: (
    هذا الحديث موقوفًا أصح
    !!)
    وهو كما قال،
    وإنما كان الموقوف أصح لأمرين:
    1- أولهما: أن عثمان بن أبي زرعة قد خُولِف في رفعه!! خالفه الليث بن أبي سليم!! فرواه عن مهاجر الشامي قال: قال ابن عمر: (من لبس رداء شهرة أو ثوب شهرة ألبسه الله نارًا يوم القيامة)
    هكذا رواه موقوفًا على ابن عمر قولَه!! أخرجه ابن أبي شيبة [رقم/25266]، من طريق ابن علية عن ليث عن المهاجر به ...
    وهذا إسناد صحيح إلى الليث، وقد تُوبع عليه ابن علية:
    تابعه: حماد بن سلمة عن ليث عن مهاجر عن ابن عمر قال: ( من لبس ثوبًا مشهورا أذلَّه الله يوم القيامة
    ). أخرجه ابن الجوزي في التلبيس [3/1156/طبعة الوطن] من طريق البخاري عن أبي سلمة التبوذكي عن حماد به ...
    وهكذا رواه أبو معاوية الضرير عن مهاجر بن عمرو عن ابن عمر قال: (
    من لبس شهرة من الثياب ألبسه الله مذلة
    ). أخرجه هناد في الزهد [2/رقم/840 ]، ومن طريق ابنُ الجوزي في التلبيس [3/1160/طبعة دار الوطن]، وابن أبي شيبة [رقم/25778/طبعة عوامة]، وغيرهم.
    ووقع عند ابن أبي شيبة ( عَن مُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ ) ! بدل ( مهاجر بن عمرو)
    ومهاجر أبو الحسن هذا: ثقة مشهور من رجال الجماعة إلا ابن ماجه.
    وأنا أخشى أن يكون اسم أبيه جاء محرَّفًا في سند عبد الله بن محمد العبْسي ؟!
    فإني أستبعد أن يكون قد اخْتُلِفَ على ابن خازم في سنده !؟
    ولعلَّ الليث كان ربما أخطأ في اسم شيخه !

    تابع البقية ...

  2. #2

    افتراضي رد: تضعييف حديث: ( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة) !

    وقد رواه الليث مرة أخرى فأبهم شيخه!! وقال: عن رجل عن ابن عمر قال: ( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ذلا يوم القيامة ) أخرجه عبد الرزاق [رقم/19979]، ومن طريقه البيهقي في الشعب [8/رقم/5816 /طبعة الرشد]، من طريق معمر عن الليث به....
    قال البيهقي: هَذَا مَوْقُوفٌ وَمُنْقَطِعٌ.
    قلت: إنما كان منقطعًا لعدم دَرك سماع هذا الرجل المبهم - وهو شيخ الليث - من ابن عمر !
    وهذا الرجل: أراه ( مهاجرًا الشامي ) أبهمه الليث مرة، وسمَّاه مرة أخرى.
    فإن قيل: هذه مخالفة لا قيمة لها!! والليث لم يكن في الحديث بالليث ! بل كان ضعيفًا مختلطًا مضطرب الحديث!! ومتى قدَّمْنا روايته - وهو المجروح- على رواية عثمان بن أبي زرعة - وهو الثقة المأمون- فقد أخسرنا في الميزان!! وأخرَّنا مَنْ حقُّه التقديم!! وقدَّمنا من وجب له التأخير !! وهذا مسلك مهجور!! فأيش هذا ؟!
    قلنا: بل من مَشَى على تقديم رواية المقبول حديثه في الجملة، على المردود حديثه في الجملة دون تقييد! فلم يفقه تصرفات حُذَّاق نُقَّاد الصَّنْعة في هذا الفن!! ولم يخْبر دقيق مسالكهم في نقد الأخبار والأسانيد!!
    بل وجدناهم ربما يُقدِّمون رواية الضعيف على الثقة إذا خالفه في متن حديث أو إسناد خبر!!
    وما ذلك إلا لقرائن تظهر لهم، وتنقدح في صدرهم؛ مما تقضي ذلك دون أن تُوجِب أن يكون ذلك الضعيف- الذي قُدِّمَ قولُه- قد صار ثقة!! أو مقبولَ الرواية!! أو يكون ذلك الثقة - الذي رُدَّ قوله- قد نزل عن رتبته!! أو صار مردود الرواية !!
    بل لا يزال الضعيف ضعيفًا وإن رجَّحْنا روايته على من فوقه، وكذا لا يزال الثقة ثقة وإنْ تركنا روايته التي غلط فيها!!
    وشرح ذلك هنا ليس من شرطنا! وإن كان قد مضى لنا نَظْمُ بعض الأمثلة لِمَا سبق ذكره، مع تقرير هذا الأمر الدقيق : تجدها في تعليقنا على الحديث الماضي [برقم/ 4690].
    والحاصل: أن الليث بن أبي سليم وإن كان ضعيف الحديث قولاً واحدًا عندنا!! إلا أن روايته الموقوفة هنا، مقدمة على رواية عثمان بن أبي زرعة - وهو الثقة الصدوق- المرفوعة!! وذلك لكون الحديث قد رُوي من وجْهٍ آخر عن ابن عمر به موقوفًا عليه قوله...كما يأتي.
    وكأنه لاشتهار وقْفِ الحديث على ابن عمر؛ جزم أبو حاتم بكونه هو الأصح من المرفوع!!
    ولا يعترض على أبي حاتم في هذا الأمر إلا مَنْ جهل مقامه العالي في دقائق علل الأحاديث!! فينبغي التسليم له فيما يقول؛ اللهم إلا أن يأتي المعارض بقول إمام حاذق يُرْجِّح فيه الوجه المرفوع أو يصححه!! وأنَّى يكون هذا في عالم الإمكان؟!
    تابع البقية ....

  3. #3

    افتراضي رد: تضعييف حديث: ( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة) !

    - والأمر الثاني: أن أبا عوانة الوضاح اليشكري: قد روى هذا الحديث عن سليمان بن أبي سليمان الشيباني عن رجل قال: (رأي ابن عمر على ابنه ثوبًا قبيحًا دونًا، فقال: لا تلبس هذا؛ فإن هذا ثوب شهرة) أخرجه ابن أبي الدنيا في التواضع والخمول [رقم/ 67]، وفي إصلاح المال [رقم/ 404]، من طريق ابن المبارك أخبرنا أبو عوانة به ...
    وهذا إسناده رجاله ثقات أئمة،
    سوى ذلك الرجل الذي لم يُسَم!! وربما كان مهاجرًا الشامي!! فإن ثبت هذا؛ تأيَّد وقْفُ الحديث بلا امتراء!! وقد مضى أن الليث بن أبي سليم قد رواه عن رجل عن ابن عمر به ....
    فإن ثبت جزمًا أن ذلك الرجل مهاجر الشامي؛ فقد مضى ما يؤيده من كون الليث قد رواه مرة أخرى وسمَّى هذا المبهم بكونه (
    مهاجرًا!!)
    وإن يكن غيره من مشيخته؛ فقد أفادنا طريقًا آخر عن ابن عمر به موقوفًا!! وأيَّده طريق سليمان الشيباني الماضي، وإنْ كان سياق رواية سليمان أقل منه لفظًا، أشبه بالإشارة مع قصة في أوله!
    فالحاصل:
    أن هذين الأمرين مع تصحيح أبي حاتم الرازي لوقْف الحديث؛ لا نرتاب بعد هذا في ضعف الوجه المرفوع هنا!! ونراه غلطًا من عثمان بن أبي زرعة أو مهاجر الشامي!! فلا مانع من أن يكون مهاجر قد اضطرب في وقفه ورفعه!! ورُوِيَ الوقْف من غير طريقه عن ابن عمر به ... فقدح ذلك في نفس أبي أبي حاتم أن يكون الموقوف أصح من المرفوع!! ولم يخالَف أبو حاتم في حُكْمه من قِبَل أمثاله من حُذَّاق النقاد من متقدمي أئمة هذا الفن ..
    هذا ما عندي ...
    والله المستعان.
    وللحديث شوهد كلها تالفة الأسانيد !! وقد قال البيهقي في الآداب[عقب رقم/ 484]، بعد أن روي الحديث من الطريق الماضي: (
    ورُويَ من أوجه أخري ضعيفة!!) .
    ورأيت العقيلي قد قال في الضعفاء [4/328/ ترجمة وكيع بن محرز السامي]، بعد أن روى بعض شواهده المنكرة إسنادًا!! (والرواية في هذا الباب فيها لين!!)
    يعني: لا يصح في ثوب الشهرة حديث!! وهو قولنا إن شاء الله.

    تابع البقية ....

  4. #4

    افتراضي رد: تضعييف حديث: ( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة) !

    [تنبيه مهم]: زعم البيهقي عقب روايته في (الآداب) أن أبا عوانة الوضاح قد روى هذا الحديث عن عثمان بن أبي زرعة بإسناده به موقوفًا!! هكذا قال!! ولم يذكر برهان ذلك بإسناده إلى أبي عوانة!! ! فأراه وقع في ذلك الوهم الذي وقع فيه أبو الحجاج المزِّي بعده!! فإنه قال في ( تحفة الأشراف ) [رقم/7464 ]: (ولم يرفعه أبو عوانة )!
    وقبله قال المنذري في (مختصر السنن) : (لم يرفعه أبو عوانة)! كما في عون المعبود [11/50].
    ومنشأ دعوتهم في كون أبي عوانة قد روى هذا الحديث عن عثمان بإسناده به موقوفًا!! أنهم وقعوا على قول أبي داود في (سننه) وهو يقول: (حدثنا محمد بن عيسي ثنا أبو عوانة) ثم قال أبو داود: ( وحدثنا محمد بن عيسى عن شريك عن عثمان بن أبي زرعة عن المهاجر الشامي عن ابن عمر قال في حديث شريك يرفعه قال: ...) وساق الحديث!!
    فكأنهم فهموا من قول محمد بن عيسى - وهو ابن الطباع - في روايته عن شريك القاضي: (يرفعه ...) أن أبا عوانة لم يرفعه عن عثمان!! وهذا الفهم فيه نظر!! كما قاله صاحب عون المعبود [11/50]، متعقبًا على المنذري!! وأيَّد ذلك النظر بكون ابن ماجه قد روى هذا الحديث من طريق أبي عوانة به بإسناده مرفوعًا...
    فكأنه يستبعد أن يكون قد اخْتُلِف على أبي عوانة في رفْعِه ووقْفِه!!
    ولم يُجِبْ عما وقع في سياق إسناد أبي داود من إشكال أوجب على من ذكرنا دعوى كون أبي عوانة قد خالف شريكًا في رفْعه!! ووقَفَه عن عثمان عن المهاجر عن ابن عمر به ....!!
    وبيان ذلك عندي: أن أصل رواية أبي داود عن محمد بن عيسى عن أبي عوانة كانت هكذا: (عن عثمان بن أبي زرعة عن المهاجر الشامي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم به ....).
    أما شريك: فلم يذكر فيه : ( النبي صلى الله عليه وسلم ) صريحًا! إنما أشار إليه بنحو قوله عقب روايته عن عثمان عن مهاجر عن ابن عمر: ( يرفعه قال: .... إلخ). وربما كان قوله: (يرفعه) من مقول من فوق شريك!
    وكان محمد بن عيسى بن الطباع من الحفاظ المتقنين الذين كان يتحرُّون الضبط في روايتهم؛ ونَقْلَ الأخبار كما سمعوها سندًا ومتنًا دون زيادة أو نقصان؛ فنقل لأبي داود ما سمعه من أبي عوانة بلفظه، كما نقل له ما سمعه من شريك بلفظه؛ وتصرَّف أبو داود في سياق إسناد أبي عوانة عن شيخه؛ فلم يسقْه كله كما ساق رواية شريك؛ وذلك لاتفاق الروايتين سندًا؛ إلا أنه ذكر ما وقع في سياق رواية شريك من قوله: (يرفعه) توافقًا منه على طريقتهم في الاهتمام بِذِكْرِ العبارات الدالة على رفْعِ الحديث دون صريحها!! [ وأعني بالصريح منها: ما ذُكِرَ فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وأعني بالدال على هذا الصريح : مثل قول الراوي: (يرفعه) أو (ينميه) أو قوله: (رواية) ونحو تلك العبارات ....] لكونها خرجت عن المعتاد في التحديث والإخبار عند النَّقَلَة؛ فَأوْلُوها منهم اهتمامًا ومحافظة على الإتيان بها كما سمعوا، ولا تراهم يفعلون ذلك دائمًا في تلك العبارات الصريحة في رفع الحديث .......
    ولعله لظهور تلك النكتة: جرى عمل كثير من كبار المتأخرين على عزو هذا الحديث إلى أبي داود ( مرفوعًا ) مطلقًا، دون الإشارة إلى أنه موقوف عند أبي داود من طريق أبي عوانة !
    والحاصل: أن دعوى كون أبي عوانة قد وقَفَه! استنادًا إلى ما وقع من الإيهام في سند أبي داود!! فغير ناهض ولا صريح عندي!! والقول ما قلته لك ... وربي أعلم وأجل.
    فإن لم ينفع جميع ما قلتُه في هذا الصدد ! فلا مناص من الاعتراف بكون أبي عوانة قد اخْتُلِفَ عليه في رفْعه ووقْفِه ! والوقف هو المحفوظ عنه. وبه يتأكَّد قولُ أبي حاتم الرازي: ( هذا الحديث موقوفًا أصح ). والله المستعان لا رب سواه.

    تابع البقية ...

  5. #5

    افتراضي رد: تضعييف حديث: ( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة) !

    وإحسان الظن بمن حسَّن هذا الوجه المرفوع أو جوَّده: محملُه يكون على كونه لم يطَّلِع على من وقفه عن ابن عمر قولَه!! ولا وقف على تصحيح أبي حاتم لوقْفِه!!
    هذا ظنُّنا بأهل العلم ممن حسُنَ رأيُه في سند الحديث فقبِلَه.
    ونحن نلتمس الأعذار لأهل العلم ما وسعنا السعي إلى ذلك، ولا نستطيع أن نتجشَّم خَدْشَ أعراضهم بما يرتدُّ إلينا في مَقْتَل !
    وهذا العلم الشريف: مبناه على الاجتهاد وبذلِ الوسْع في بلوغ المراد، فكيف يستقيم التشنيع - فضلا عن التقريع - في حق المجتهد الذي ضلَّ نهْجَ الصواب فيما هو بسبيله؟!
    وإنما يَحْسُنُ إغلاظ العبارة في حق المعاندين والجامدين والدُّخَلاء في هذا الفنِّ بما يوقف المتهجِّم منهم عند رتبته التي ضلَّ سبيل الاهتداء إليها بكلامه بالجُزاف في النقد والتعليل، والجرح والتعليل !
    وإغلاظ العبارة في حق هؤلاء: إنما يكون بحسب جناية أفرادهم واغترابهم عن الحق بعدما تبيَّن لهم كفَلَق الإصباح !
    أما الراسخون في العلم: فليس من الجفاء أن يتعقبهم الحاذق بما زلَّت فيه أقدامهم، وانحرفتْ بهم عن سبيل المحجَّة أشرعتُهم، دون الجناية عليهم بمالم تقترفه ألسنتهم، أو التطوُّل على مقامهم العالي بما يحط من عظيم منزلتهم ! فإن هذا من تمام الإحسان إلى جميعهم، بل هو من كمال التزلُّف بالمعروف إلى الله ثم إليهم.
    نسأل الله كلمة الإنصاف في السخط والرضا، وأن يتقبل منا صالح الأعمال في تلك الحياة الدنيا، وإلا فقد خِبْنا وخسرنا، وضَللْنا طريق الرشاد وما اهتدينا !
    وما فائدة العلم والمعرفة إذا لم يقودا صاحبهما إلى مراقي الفلاح، ويأخذا بيديه حتى يبلغ معاقد الفلاح؟!
    يقول الناس: ( هذا مُحَدِّث !! ) وما ( محدِّث )؟!
    إنما المحدِّث حقًا هو من حدَّث نفسه بحديث أهل القبور بعد أن طوَتْهُم الأرض في بطنها، وغمرَتْهم برهيب ظلامها ! فأمسوا في خوف عظيم يتلمَّسون سُبُل النجاة وهم في مضاجعهم من هول ما يعرفونه عن يوم المطْلَع، نَدَامَى حَزَانَى بما قدّموه من التفريط في جنْبِ الله يوم أن كانوا يطأون الثرى بأعقابهم على ظهر تلك الحياة الزائفة !
    ويقول الناس : ( هذا فقيه ) ! والفقيه حقًا هو مَنْ فَقِهَ حقيقة تلك الدار الغَرُور، فحملتْه الخشية من الجبار على أن يعدَّ الزاد ليوم المعاد، ثم قعد خاليًا يندبُ ويْلاتِ نفسِه، ويبكي حال يومه وأمسِه ! ويقول وهو يتندَّم: ويْلِي ماذا فعلتُ ؟! وعلى مَنْ تجرَّأتُ ؟!
    ويقولون: ( هذا عالم ) ! وما ( عالم ) ؟! وكيف يكون عالمًا من لا يتورَّع عن الخوض في الشبهات ! فضلا عن اقتراف الجرائر برخيص التأويلات !؟
    ويقولون: ( هذا عارف ) ! وما ( عارف ) ؟! إنما العارف من عرف حق الله والناس قبل أن يعرف لنفسها حقها !
    قد والله نادَى العِلْمُ بصاحبه ولو كان مُتَحَشْرِجَ النَّفَس، فإنْ أجابه وإلا ارتكس !
    فأبعد الله علمًا لا يأخذ بأزمَّة صاحبه إلى مرضاة الله والرسول، وأقْصَى الله معرفة تقطع على حاملها حبائلَ الوصول إلى مدارج الأصول !
    وقد أخبرنا الشيخ المعمَّر فوق المئة : محمد فؤاد طه الدمشقي -إجازة - عن البدر الحسَني عن أبيه يوسف بن عبد الرحمن الحسني عن عبد الرحمن الكزبري عن مرتضى الزَّبيدي عن عمر بن عقيل المكي عن حسن بن عليّ العجيمي عن البرهان إبراهيم الميموني عن الشمس الرملي عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري عن الحافظ ابن حجر عن أبي محمد عبد الله بن محمد المقدسي عن أبي العباس الحجار عن جعفر بن علي الهمداني عن أبي طاهر السلفي عن إسماعيل بن عبد الجبار المالكي عن أبي يعلى الخليلي قال: حدثني جدي وعبد الواحد بن محمد قالا: حدثنا علي بن مهرويه حدثنا ابن أبي خيثمة حدثنا عمر بن حفص حدثنا وهب البغدادي حدثني زائدة ابن قدامة قال: ( تَبِعتُ الأعمش يومًا، قال: فأتى المقابر، فدخل في قبر محفور، فاضطجع، ثم خرج منه وهو ينفض التراب عن رأسه ويقول: واضيق مسكناه ).
    رحم الله سليمان بن مهران وغفر له، ما كان أفقهه بالله وأعلمَه !
    هذا والله هو الفقيه والمحدث حقًا، والعالم والعارف بالله حقيقة وصدقًا.
    فيما ويل ابن آدم إن كان يريد بما يسطره أن يصرف وجوه الناس إليه!! ووافضيحته يوم النشور إن كان غايته من طلب العلم هو تحصيل الدرهم والدينار!
    قد والله خاب وخسر إن لم يكن يحتسب تَعَبه وسهره وضعْفَ نور عينيه في تحصيل العلوم عند ربه وخالقه ومولاه!!
    ومَنْ يرضَى عنه إذا كان الذي في السماء عليه ساخط؟!
    وأي شيء يُجْديه إذا كان سيده لا يرضى به؟! فإلى من يذهب؟ وكيف يكون المخرج؟!
    وكم يتجنَّى علي نفسه وهي مُهْلِكتُه؟!
    وإلى متى يتجاوز قدْرَه وهو الضعيف الحقير!!
    فيا طول حسرتِه إنْ لم يكن يُسامَح في الهفوات! ويا طولَ عذابه إن كان ممن يأخذه ربه بمطْلَق الزلات!
    فوالله لقد لُدِغَ حيث لا يستطيع أن يضع الراقي أنفَه!! واسْتُهْدِفَ يوم اسْتُهْدِفَ من لا راعي له إلا الذئب!!
    فاللهم توبةً خالصة نتخلَّص بها من صنوف الأقذار، وإنابةً صادقة تحجبُ بها عنا أبواب النار ! فإنك بكل جميل كفيل، وأنت حسبنا ونعم الوكيل.
    وإنما كان هذا عارضًا من القول جَرَى به القلم جُزافًا؛ علِّي أستيقظَ من عظيم غفلتي؛ وأستفيقَ من عميق غفْوتي!! وأنهض من طول رقْدتي!!
    فقد شهدتُ مصرع الكثير من إخواني!! وأدرجتُ بيدي بعض أقراني!! ولا تزال القلوب باردة!! والأفئدة يابسة!!
    وكأني بي وقد نَسَج الناسج كفني وأنا لا أدري!! وحفر الحافر حُفْرتي وأنا لا أزال سادرًا في إسار خَطَلي ولهْوي!! فالله يغفر لي ويسامحني؛ فقد أبصر مني ما لا يعلمه غيره عني.
    نسأل الله الثبات حين الممات. ومزيدًا من الأعمال الباقيات الصالحات.

    انتهى بحروفه: من ( رحمات الملأ الأعلى بتخريج مسند أبي يعلى ) [رقم/5698 ].


    __________________

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    61

    افتراضي رد: تضعييف حديث: ( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة) !

    بارك الله فيك وجزاك خيرًا.
    كنتُ قد أفردتُ أحاديثَ لباس الشهرة في جزءٍ سميته (أحاديث ذم لباس الشهرة في الميزان) وخلصتُ فيه إلى ضعفها جميعًا.
    لكن؛ لِمَ لَمْ تخرِّجْ شواهدَه؟
    والله أعلم.

  7. #7

    افتراضي رد: تضعييف حديث: ( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة) !

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو المظَفَّر السِّنَّاري مشاهدة المشاركة
    وهكذا رواه أبو معاوية الضرير عن مهاجر بن عمرو ...
    قد سقط - عفوًا - ذكر ( الليث ) بين أبي معاوية والمهاجر !
    وصواب العبارة:
    وهكذا رواه أبو معاوية الضرير عن الليث عن مهاجر بن عمرو....

  8. #8

    افتراضي رد: تضعييف حديث: ( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة) !

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فواز الحر مشاهدة المشاركة
    لكن؛ لِمَ لَمْ تخرِّجْ شواهدَه؟
    والله أعلم.
    ليس هذا بمنهجي في هذا الكتاب دائمًا، وإن كنتُ أكتفي بالإشارة مع وضوح العبارة.
    وجزاك الله خيرًا.

  9. #9

    افتراضي رد: تضعييف حديث: ( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة) !

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    هل يعني ذلك جواز لبس الشهرة بارك الله فيكم .

  10. #10

    افتراضي رد: تضعييف حديث: ( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة) !

    بارك الله فيك اخي الحبيب على الفائدة القيمة فالتخريج

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    845

    افتراضي رد: تضعييف حديث: ( من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة) !

    الشيخ أبو المظفر السِّنَّاري – حفظك الله ورعاه - :
    بارك الله فيك ، وأحسن إليك ..
    حديث ابن عمر : « من لبس ثوب شهرة في الدنيا ، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ، ثم ألهب فيه نارا » والذي حكمتم عليه بالضعف مرفوعاً في بحث لكم جميل ودراسة دقيقة ، ألا يمكن أن نحكم على الحديث بالحسن ، إذا صححنا رواية الوقف ، بأن له حكم الرفع .
    فلفظ الحديث لا مجال للعقل فيه – كما لا يخفاكم - ، فالحكم على من لبس ثوب شهرة في الدنيا ، أن الله يلبسه ثوب مذلة يوم القيامة ، ثم يلهب فيه النار ، وفي رواية : ألبسه الله يوم القيامة ثوباً مثله » لا يمكن أن يقوله ابن عمر برأيه .
    ومتابعة أبي عوانة - الثقة الحجة – لشريك بن عبد الله القاضي ، عن عثمان بن أبي زرعة ، عن المهاجر الشامي ، عن ابن عمر مرفوعًا : « من لبس ثوب شهرة في الدنيا ، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ، ثم ألهب فيه نارا » عند أبي داود ، وابن ماجه .
    وفي رواية لأبي داود : « ألبسه الله يوم القيامة ثَوْبًا مِثْلَهُ » بدل: « ألبسه الله ثوب مذلة » .
    والتي حسَّنها جماعة من أهل العلم – كما ذكرتم – يستأنس بها في هذا .
    وإذا سلمنا لإعلال أبي حاتم الرازي رواية الرفع ، وتصحيح رواية الوقف ، وتأكد ذلك بقولكم : « فالحاصل: أن هذين الأمرين مع تصحيح أبي حاتم الرازي لوقْف الحديث ؛ لا نرتاب بعد هذا في ضعف الوجه المرفوع هنا!! ونراه غلطًا من عثمان بن أبي زرعة أو مهاجر الشامي!! فلا مانع من أن يكون مهاجر قد اضطرب في وقفه ورفعه!! ورُوِيَ الوقْف من غير طريقه عن ابن عمر به ... فقدح ذلك في نفس أبي حاتم أن يكون الموقوف أصح من المرفوع!! ولم يخالَف أبو حاتم في حُكْمه من قِبَل أمثاله من حُذَّاق النقاد من متقدمي أئمة هذا الفن .. » .
    صح ما سبق أن ذكرناه من أن الحديث لم يصح مرفوعاً ، ولكن صح موقوفاً ، وله حكم الرفع .
    هذا ما ظهر لي ، والله تعالى أعلم ..
    أرجو الإفادة ..

    واجعَل لوجهكَ مُقلَتَينِ كِلاَهُما مِن خَشيةِ الرَّحمنِ بَاكِيَتَانِ
    لَو شَاءَ رَبُّكَ كُنتَ أيضاً مِثلَهُم فَالقَلبُ بَينَ أصابِعِ الرَّحمَنِ


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •