بسم الله والحمد لله.
هذا عرْض يسيرٌ لحركة التصنيف في علم القراءات، بحسب ما ذكره ابن الجزري - رحمه الله - قال:
"فلمَّا كانَتِ المِائةُ الثَّالِثةُ، واتَّسعَ الخَرْقُ وقَلَّ الضَّبْطُ، وكانَ عِلْمُ الكِتابِ والسُّنَّةِ أوْفرَ ما كان في ذَلِكَ العَصْر، تَصَدَّى بَعْضُ الأئِمَّة لِضَبْطِ ما رَواهُ مِنَ القِراءاتِ، فكان أوَّلَ إمامٍ مُعْتَبَرٍ جَمعَ [ص 34] القِراءاتِ في كِتابٍ: أبُو عُبَيْدٍ القاسِمُ بْنُ سَلاَّمٍ، وجعلَهُم - فيما أحْسَبُ - خَمْسةً وعِشْرينَ قارِئًا[1] مع هَؤُلاءِ السَّبْعة[2]، وتُوُفِّيَ سَنةَ أرْبَعٍ وعِشْرينَ ومِائَتَيْن.
وكانَ بَعْدَهُ أحمدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الكُوفيُّ نَزيلُ أنْطاكية، جَمَعَ كِتابًا في قِراءاتِ[3] الخمْسة مِنْ كُلِّ مِصْرٍ واحِدٌ، وتُوُفِّيَ سَنةَ ثَمانٍ وخَمْسينَ ومِائَتَيْنِ[4].
وكان بَعْدَهُ القاضي إسْماعيلُ بْنُ إسْحاقَ المالِكيُّ صاحِبُ قالُونَ[5]، ألَّفَ كِتابًا في القِراءاتِ جَمَعَ فيه قِراءةَ عِشْرينَ إمامًا، مِنهُمْ هَؤلاءِ السَّبْعةُ، تُوُفِّيَ سَنةَ اثْنَتَيْنِ وثمانينَ ومِائَتَيْنِ[6].
وكان بَعْدَهُ الإمامُ أبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَريرٍ الطَّبَريُّ، جَمَعَ كِتابًا حافِلاً سَمَّاهُ "الجامِع"، فيهِ نَيِّفٌ وعِشْرونَ قِراءةً، تُوُفِّيَ سَنةَ عَشْرٍ وثَلاثِمِائةٍ.
وكانَ بُعيْدَهُ أبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أحمدَ بْنِ عُمَرَ الدَّاجُونيُّ، جَمعَ كِتابًا في القِراءاتِ وأدْخَلَ مَعَهُمْ أبا جَعْفَرٍ أحَدَ العَشَرةِ، وتُوُفِّيَ سَنةَ أرْبَعٍ وعِشْرينَ وثَلاثِمِائةٍ.
وكانَ في إثْرِه أبُو بَكْرٍ أحمدُ بْنُ مُوسَى بْنِ العَبَّاسِ بْنِ مُجاهدٍ، أوَّلُ مَنِ اقْتَصرَ على قِراءاتِ هَؤُلاءِ السَّبْعةِ فَقَطْ، وروَى فيه عَنْ هذا الدَّاجُونيِّ وعَنِ ابْنِ جَريرٍ[7] أيْضًا، وتُوُفِّيَ سَنةَ أرْبَعٍ وعِشْرينَ وثَلاثِمِائةٍ.
[1]- قال الدكتور السالم الجكني - في تحقيقه لكتاب النشر -: "لعلَّ صوابه خمسة عشر قارئًا، كما حقَّق ذلك بعض الباحثين".
[2]وهم الأئمة: نافع المدني، وابن كثير المكي، وأبو عمرو البصري، وابن عامر الشامي، وعاصم وحمزة والكسائي الثلاثة كوفيون.
[3]- كذا، وهو الصواب، وفي تحقيق الدكتور السالم: في القراءات الخمسة، ولا أحسبه إلا تصحيفًا.
[4] يوم التروية ودفن يوم عرفة بعد الظهر.
[5]-قالون، هو أبو موسى عيسى بن مينا بن ورْدان الزُّرقي، قارئ المدينة ونحويُّها، يقال: إنَّه ربيب الإمام نافع، وقد اختصَّ به كثيرًا، قيل: كان أصمَّ لا يسمع البوق وكان إذا قَرَأ عليْه قارئٌ فإنَّه يسمعه، وقيل: كان يفْهَم خطأهم ولحنَهم بالشفة، وُلِد سنة عشرين ومائة، وتوفِّي سنة عشرين ومائتين أو قبلها، يَروي قراءة نافع عنْه، وقراءة أبي جعفر المدني عن عيسى بن ورْدان عنه.
[6]في غاية النهاية: "سئل - رحمه الله - لِمَ جاز التَّبديل على أهل التورة ولم يَجز على أهل القرآن؟ فأجاب: قال الله - عزَّ وجلَّ - في أهل التَّوراة: ((بما استُحْفِظوا من كتاب الله))، فوكل الحِفْظ إليهم؛ فجاز التبديل عليهم، وقال في القرآن: ((إنَّا نحن نزَّلنا الذِّكْر وإنَّا له لحافظون))؛ فلم يجز التبديل عليه".
[7]قال في "غاية النهاية": ودلَّسه فقال فيه محمد بن عبد الله.
[[يتبع]]