الحمد لله ...
لقد درس الفقه الإسلامي إمكانية تزويج المجنون ذكرا كان أو أنثى وانتهوا من تلك الدراسة إلى تقرير أحكام موضوعية راعوا فيها انعدام الاختيار لدى الشخص المصاب بالجنون تبعا لانعدام إدراكه كما راعوا حاجته إلى رعاية اجتماعية قد يوفرها له الزواجوإذا كان جائزا على المستوى النظري التساؤل عن جدوى تزويج شخص فاقد للعقل الذي هو مظنة تحمل مسؤوليات الزواج، وتربية الأبناء فإن الجواب عن هذا السؤال يعتبر موضوعيا على المستوى النظري لكن الواقع العملي قد يفرز أوضاعا واقعية تستدعي حلولا مناسبة، ويمكن الإشارة من تلك الأوضاع إلى ما يلي.
إذا وقع اختيار رجل أو امرأة على شخص مصاب بالجنون ورضي به زوجا أو زوجة على ما هو عليه من جنون وقبل بتحمل تبعات الارتباط به، فلأي سبب يتدخل القانون بالمنع وبمصادرة اختيار من قبل الزواج بالمجنون؟وإذا كان هذا الافتراض قد يبدو غريبا فإنه مع ذلك لا يبتعد كثيرا عن الواقع لأننا نراه ماثلا ومشخصا في الحالات التي يعتري الجنون أحد الزوجين أثناء قيام الحياة الزوجية ومع ذلك قد تظل علاقة الزوجية قائمة إبقاء لما كان على ما كان، وقد تلد المرأة من زوجها المجنون، وتتحمل تربية الأبناء إذا ما كان جنون الزوج أو الزوجة غير عدواني.يمثل وجود فتاة فاقدة للعقل في أسرة ما مشكلة حقيقية ومصدر خوف دائم من أن يتعرض لها أحد الرجال باعتداء جنسي مستغلا عجزها عن الإدراك، فينشأ عن ذلك الاعتداء حمل تتحمل الأسرة تبعاته وقد يتكرر مثل ذلك الاعتداء وذلك الحمل مرات عديدة فيتفاقم المشكل، فإذا وجدت هذه الأسرة من يقبل بهذه المرأة زوجة مدفوعا إلى ذلك باعتبار يقدره من يرضى بذلك الزواج فإن من التحكم أن يمنع القانون مثل هذا الزواج وحينذاك يجب أن تتاح له فرصة عقد هذا الزواج.الأحكام الفقهية الخاصة بزواج المجنونمن الأبواب الفقهية التي تعرض فيها الفقه لزواج المجنون فإن باب ولاية الإجبار التي يمارسها الأب أو وصيه، ومن مقررات الفقه في الموضوع مايلي:- إن للأب إجبار ابنته المجنونة ثيبا كانت أو بكرا على الزواج من غير استئذان لها إن كانت لا تفيق من جنونها، أما إذا كانت تفيق فإنه يتعين عليه انتظار إفاقتها لاستئمارها وأخذ رأيها في الزواج إن كانت ثيبا.- إذا كانت المجنونة ثيبا لا تفيق فإن أباها يجبرها ولا كلام لولدها ولا مدخل له في تزويجها وإن كان الولد عادة مقدما على الأب في ولاية النكاح -1. - إذا لم يكن للمجنونة أب ولا وصي فأمرها بيد القاضي ليزوجها.من الأبواب التي درس فيها الفقهاء زواج المجنون باب العيوب الذي يثبت بها خيار الرد للأزواج وخلاصة المقرر هناك.إن الجنون من العيوب التي نوجب الخيار للزوج والزوجة إن أخفي الجنون قبل العقد ولم يطلع عليه إلا بعد الدخول وينوي في ذلك أن يكون الجنون مطبقا أو متقطعا أو نادر الوقوع ولو مرة واحدة في السنة كما يستوي أن يكون مرضا عقليا أو صرعا أو مجرد وسواس.- إذا اطلع أحد الزوجين على العيب بعد الدخول ولم يرض به وثبت أنه لم يكن مطلعا عليه قبل العقد فإن له الخيار بين الإبقاء على الزواج أو فسخه، فإن فسخ الزواج بالأمر يختلف بين أن يتم الفسخ قبل البناء أو يقع بعده -2فإن وقع الرد بالعيب قبل البناء فليس لها أن تطالب بنصف الصداق إن كان الزوج هو المعيب لأن الزوج لم يصبها بشيء أما إذا كانت هي المعيبة فإنها أيضا لا تأخذ نصف الصداق لأنها قد غرته بإخفاء العيب.أما إذا وقع رد الزواج بعد البناء بأن كان هو المعيب فإنها تأخذ المسمى لها من الصداق،فإن كانت هي المعيبة فإن الزوج يرجع على الولي الذي كان مطلعا على العيب كالأب والأخ والإبن ولا ترجع الزوجة الصداق للولي إن هي غابت عن مجلس العقد ولم تحضره ولم تسمع ما راج فيه - 3وإذا حضرت الزوجة مجلس العقد وشاركت في إخفاء العيب فإن الزوج بالخيار بين أن يطالب الولي أو يطالب الزوجة وبإمكان الولي أن يرجع على الزوجة مطالبا لها بالصداق الذي أرجعه للزوج - 4طروء الجنون خلال الزواج.إذا طرأ الجنون على أحد الزوجين فالأمر يختلف بين أن تكون المرأة هي المصابة أن يكون الزوج هو المصابفإذا جنت المرأة خلال مدة الزواج فليس للزوج رد الزواج بدعوى جنونها، وإنما تعتبر إصابتها مصيبة حلت به، فإن صبر عليها كان ذلك أفضل وإن لم يتحمل ذلك فإن له أن يطلقها كما تطلق النساء أما إذا أصيب الزوج بالجنون فإن لها أن تصبر عليه إن شاءت ولم يكن جنونه يشكل خطرا عليها وعلى أبنائها كما أن لها أن تدعو إلى فسخ النكاح.والواجب في كل الحالات إمهال المصاب سنة كاملة ليطلب خلالها العلاج ولعله يشفى ويزول مرضه الذي هو داعي المطالبة بالفسخ .وإعمالا لكل هذه الأحكام الفقهية التي دارت مع كثير من حالات الجنون وعرضت أحكاما متصفة راعت خصوصية الرجل والمرأة في التخلص من الجنون إذا كانت العشرة معه متعذرة ، فإنه يتعين ترك فرصة زواج المجنون قائمة، وإسناد تقرير ذلك لمن يختار الزواج بمن هو مصاب بالجنون - 5كما يتعين ترك الجنون ضمن العيوب التي رتب لها الفقه آثارها وخير الأزواج بين المطالبة برفعها والقبول بها.
1 الشرح الصغير للدردير 2/355 - منح الجليل 3/2722 مواهب الجليل 3/493.3حاشية الدسوقي على الشرح الكبير2/2824 الشرح الصغير 477.5 الشرح الصغير 2/270 - منح الجليل لعليش 3/382 .
كتبه: شيخنا العلامة سيدي مصطفى بنحمزة المغربي/مدينة وجدة.