بسم الله الرحمن الرحيم
جوازُ إقامة الصلَوات عَبر مُكبِّر الأصوات

أولاً: كلامُ أهلِ العِلمِ في المسألة


قال ابن عُثيمين رحمه الله : (
إذا أقيمت الصلاةُ بِمُكبِّر الصَّوت مِن أعلى المنارة فأرجو أن لا يكون في هذا شيء، على أن بعضَ الناس اعترَضَ وقال: إنَّ رفع الإقامةِ مِن على المنارة فيه أيضاً سببٌ للكَسَل؛ لأن الإنسانَ إذا سَمِع الأذانَ انتظر، وقال: أبقَى حتى تُقام الصلاة، ولكن الذي أرى أنه لا بأس به) [فتاوى: نورٌ على الدرب].

وقال شيخُنا الدكتور حُسام الدِّين عفانة حفظه الله : (إقامةُ الصلاة بواسطة مكبِّر الصَّوت إنَّما هي استعمالٌ لوسيلةٍ مَشروعةٍ في الدَّعوة للصلاة، وتنبيهٌ للمُصَلِّين، ولا حرج فِي ذلك شرعاً، ولا أرى فرقاً مُعتبَراً بين الأذان باستعمال مكبِّر الصوت وبين الإقامة باستعماله، والأمرُ ليس له علاقةٌ بالبِدعة، لا من قريبٍ ولا من بعيد).
[يسألونك 6/16].

الأدلة:
1- عن أبي هريرة ، عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا سَمِعتُمُ الإقامةَ فامشوا إلى الصلاة، وعليكُم بالسَّكينة والوَقار، ولا تُسرِعُوا، فما أدركتُم فصلُّوا، وما فاتكُم فأتِمُّوا).[أخرجه البخاري، (ح/610)؛ ومسلم، (ح/602)].قال ابنُ عُثيمين رحمه الله (وهذا دليلٌ على أنَّ الإقامةَ في عهد النبِيِّ عليه الصلاة والسلام تُسمع من خارج المسجد) [فتاوى نُورٌ على الدَّرب].

2- عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ بِالأُولَى مِنْ صَلاةِ الْفَجْرِ، قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ صَلاةِ الْفَجْرِ، بَعْدَ أَنْ يَسْتَبِينَ الفَجْرُ ، ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأيْمَنِ، حَتَّى يَأتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلإقَامَةِ).
[رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأذان، باب مَن انتظر الصلاة، (ح/600)].

قال ابن بطّال رحمه الله : (في هذا الحديث دليل على أن ما جاء في الحضِّ على التهجير والترغيب في الاستباق إلى المساجد، إنَّما كان لِمَن هو على مسافة من المسجد لا يَسمعُ فيها الإقامةَ من بيته، ويَخشى إن لَم يبكِّر أن يَفوتَهُ فَضلُ انتظار الصلاة. وأما مَن كان مُجاوِرَ المسجِدِ حيثُ يَسمعُ الإقامة ولا تَخفى عليه، فانتظارُها في داره كانتظاره لَها في المسجد، له أجْرُ مُنتظِرِ الصلاة؛ لأنه لا يَجوزُ أن يَترُكَ الرَّسول الأفضلَ من الأعمالِ فِي خاصَّتِه، ويَحُضُّ عليها أمَّتَه، بل كان يلتزمُ التشديدَ في نفسه، ويُحبُّ التخفيفَ على أُمَّتِه، ولو لَم يكن له في بيته فضلُ الانتظار لَخَرج إلى المسجد قبل الإقامة، ليأخذ بِحظٍّ من الفضل، واللهُ أعلم).
[شرح صحيح البخاري (2/253)، مكتبة الرشد، ط2].

3- عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: (إذا وُضع العَشاءُ، وأُقيمَتِ الصلاةُ، فابدَؤوا بالعَشاء).
[رواه البخاري في صحيحه، (ح/642)؛ ومسلم في صحيحه، (ح/560)].

4- عن ابن عُمر
t قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أحدُكُم على الطعام فلا يَعجَل حتّى يقضيَ حاجَتَه منه، وإنْ أقيمت الصلاة).[أخرجه البخاري في صحيحه،(ح/642)؛ ومُسلم في صحيحه، (ح/559)].

5- عَنِ ابْنِ عُمَرَ
tقال: (إِنَّمَا كَانَ الأَذَانُ عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلَّم مَرَّتَينِ مَرَّتَينِ، وَالإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً، غَيرَ أَنَّهُ يَقُولُ: قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ، قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ، فَإِذَا سَمِعْنَا الإِقَامَةَ تَوَضَّأْنَا ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الصَّلاَةِ). [أخرجه أبو داود، (ح/510)، وحسَّنه الألبانِي، والنَّسائي، (ح/668)، وصحَّحه الألبانِي].

قال ابن رجب رحمه الله : (وفيه دليلٌ على أنَّ الصحابةَ كانوا يَنتظرون الإقامةَ فِي عهد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم).
[فتح الباري لابن رجب، (3/533)، دار ابن الجوزي، ط2].

6- عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
قَالَ: لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمرِ، قَالَ عُمَرُ: اللَّهُمَّ بَيِّن لَنَا فِي الْخَمرِ بَيَانًا شِفَاءً، فَنَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي البَقَرَةِ: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾. الآيَةَ. قَالَ فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، قَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّن لَنَا فِي الْخَمرِ بَيَانًا شِفَاءً، فَنَزَلَتِ الآيَةُ الَّتِي فِي النِّسَاءِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾. فَكَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلَّى الله عليه وسلَّم إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ يُنَادِي: أَلاَ لاَ يَقْرَبَنَّ الصَّلاَةَ سَكْرَانُ، فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شِفَاءً، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ. قَالَ عُمَرُ: انتَهَينَا). [أخرجه أبو داود في سُـنَنِه، كتابُ الأشربة، باب [فِي] تَحريم الخَمر، (ح/3670)، وأحمدُ في مُسنَده، (1/443)، (ح/378)، طبعة الرسالة، قال الألبانِي والأرناؤوط: صحيح].

آثارُ الصحابة والتابعين


1- كان ابنُ عُمَر يُوضَعُ له الطَّعام، وتُقامُ الصلاةُ فلا يأتيها حتى يَفرُغ، وإنه ليَسمَعُ قراءةَ الإمام.

[رواه البخاري في صحيحه، (ح/642)؛ ومسلم في صحيحه، (ح/559)].

2- عَنِ الأَسْوَدِ بنِ يَزِيدَ قَالَ: (أُقِيمَت الصَّلاةُ فِي المَسجِدِ، فَجِئنَا نَمشِي مَعَ عَبدِ اللَّهِ بنِ مَسعُودٍ ...).
[أخرجه أحمدُ فِي مُسنَده، (ح/3664)، طبعة الرسالة. صحَّحه الألبانِيُّ في السِّلسِلة الصَحيحة، (ح/648)، وحسَّنهُ الأرناؤوط في هامش المُسنَد، (6/179)].

3- عَنِ ابْنِ عُمَرَ
t، أَنَّهُ سَمِعَ الإِقَامَةَ بِالبَقِيعِ، فَأَسْرَعَ الْمَشيَ. [مصنَّف ابن أبِي شيبة، (ح7473)، دار القِبلة].

4- عَنْ بُهَيَّةَ حَاضِنَةِ بَنِي عَبْدِ اللهِ – أي: ابن عُمَر-، قَالَتْ : سَمِعْتُ الإِقَامَةَ فَأَسْرَعْتُ، فَمَرَرْتُ بِعَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَأَنَا مُسْرِعَةٌ، فَجَذَبَ ثَوْبِي، وَقَالَ: امْشيْ عَلَى رِسْلِك.
[مصنَّف ابنُ أبِي شَيبة، (ح/7486)].

5- عن أَبِي الطُّفَيلِ أَنَّهُ تَسَحَّرَ فِي أَهلِهِ فِي الْجَبَّانَةِ، ثُمَّ جَاءَ إلَى حُذَيفَةَ وَهُوَ فِي دَارِ الحَارِثِ بنِ أَبِي رَبِيعَةَ فَوَجَدَهُ، فَحَلَبَ لَهُ نَاقَةً فَنَاوَلَهُ، فَقَالَ: إنِّي أُرِيدُ الصَّوْمَ، فَقَالَ: وَأَنَا أُرِيدُ الصَّوْمَ، فَشَرِبَ حُذَيْفَةُ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَدَفَعَ إلَى الْمَسْجِدِ حِينَ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ).
[مصنَّف ابنُ أبِي شَيبة، (ح/9028)].

قيل
: إن الإقامة عبر مُكبِّر الصوت مَدعاة للكَسَل.

قال الدكتور عبد الله الفقيه حفظه الله :
(ولا ينبغي تركُ استعمال مكبِّر الصَّوت بدعوى أن المصلِّين يجب أن يَسعَوا إلى المسجد مبكِّرين عَقِبَ الأذانِ؛ لأن في ذلك تفويتاً لِمَصلحةٍ شرعية، وهي التذكير بوقتِ إقامةِ الصلاةِ، إلا أنه من السنة أن تكون الإقامةُ أخفَضَ من الأذان؛ لأن الإقامة للحاضرين، والأذانَ للغائبين).[فتاوي الشبكة الإسلامية، رقم: (48975)، بتاريخ: (4/4/1425هـ].

فليتَّق الله أُناسٌ يدَّعُون سَبْقَهم فِي الوَرَعِ والتقوى والتبكيرِ إلى الصلاة سيِّدَ النبيين، والصحابةَ الْمُعدَّلينَ بتعديلِ رَبِّ العالَمين، والتابعينَ لَهم بإحسان الذين شهد لَهم خاتمُ النبيين.


في انتظار التعليق والإفادة، علما بأن هذا المقال مختصرُ مقالٍ أوسع، أنشره لاحقاً إن شاء الله.