تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 12 من 12

الموضوع: حكم تشريع القوانين الوضعية ورأي الشيخ ابن عثيمين في ذلك

  1. #1

    افتراضي حكم تشريع القوانين الوضعية ورأي الشيخ ابن عثيمين في ذلك

    حكم تشريع القوانين الوضعية ورأي الشيخ ابن عثيمين في ذلك
    هل تشريع الأحكام الوضعية ، ووضع دستور للحكم به بدلا من شرع الله أمر مختلف فيه بين أهل العلم ، وكلا القولين من أقوال أهل السنة ؟ حيث دار نقاش بين إخوة في : هل هذا العمل كفر مخرج من الملة أم هو معصية ؟ نرجو البيان والتوضيح . وهل يحق للمقلد أخذ أي القولين أم لا ؟ وهل للعلامة ابن العثيمين قول في آخر حياته يقول إن التشريع معصية خلافا لقوله الأول أنه كفر أكبر ؟ .



    الحمد الله
    أولا :
    تشريع الأحكام الوضعية المخالفة لحكم الله ورسوله في الدماء والأعراض والأموال ، كفر أكبر مخرج عن ملة الإسلام ، لا شك في ذلك ولا ريب ، ولا خلاف فيه بين علماء الإسلام ، فإن هذا التشريع منازعة لله تعالى في حكمه ، ومضادة له في شرعه ، وقد قال تعالى : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) الشورى/21 .
    وقال سبحانه في طاعة من أباح الميتة: ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُم ْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) الأنعام/121 .
    وقال سبحانه : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ) النساء/60، 61 .
    وإذا كان هذا حكم الله فيمن أراد التحاكم إلى الطاغوت ، فكيف بالطاغوت نفسه الذي يشرع من دون الله .
    وكيف لا يكون التشريع المخالف لشرع الله كفرا ، وهو لابد يتضمن تحليل الحرام ، وتحريم الحلال ، أو إعطاء المشرعين الحق في ذلك ، فلهم أن يحلوا ما شاءوا ، وأن يحرموا ما أرادوا ، وما اتفق عليه أغلبيتهم كان واجب التنفيذ ، يعاقب ويجرّم من يخالفه ، وهذا غاية الكفر .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه ، أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه ، كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء " انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/267).

    وقال ابن كثير رحمه الله : " فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء ، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين " انتهى من "البداية والنهاية" (13/139).
    و(الياسا) ويقال : (الياسق) هي قوانين جنكيز خان التتاري الذي ألزم الناس بالتحاكم إليها .
    ولاشك أن من باشر التشريع بنفسه كان أعظم كفرا وضلالا ممن تحاكم إليه .

    وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : " ويفهم من هذه الآيات كقوله: (ولا يشرك في حكمه أحدا) ، أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله. وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر. كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم. وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى ـ هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) ، وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا) ، وقوله تعالى: (إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) أي ما يعبدون إلا شيطانا، أي وذلك باتباع تشريعه. ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء في قوله تعالى: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم...) الآية. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله...) الآية ، فبين له أنهم أحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم في ذلك، وأن ذلك هو اتخاذهم إياهم أربابا.
    ومن أصرح الأدلة في هذا: أن الله جل وعلا في سورة النساء بين أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب. وذلك في قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) .
    وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم" .
    إلى أن قال : " وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السموات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السموات والأرض. كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف، وأنهما يلزم استواؤهما في الميراث. وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم، وأن الطلاق ظلم للمرأة، وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان، ونحو ذلك.
    فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم ـ كفر بخالق السموات والأرض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرع آخر علوا كبيرا (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) ،(قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) " انتهى من "أضواء البيان" في تفسير قوله تعالى : (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) الكهف/26.
    وينظر جواب السؤال رقم (
    11309) و (974) .
    ثانيا :
    المستفيض عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هو تصريحه بأن تشريع القوانين المخالفة لما أنزل الله كفر أكبر ، وقد ذكر هذا في مواضع من كتبه ، كشرح كتاب التوحيد ، وشرح الأصول الثلاثة ، وشرح السياسة الشرعية ، وفتاواه المطبوعة في العقيدة ، ولقاءات الباب المفتوح ، وكلامه في هذه المواضع متفق يجري على قاعدة واحدة ، وهي أن التشريع ووضع القوانين المخالفة لشريعة الله من الكفر الأكبر ، وأما الحاكم بغير ما أنزل الله فهو الذي قد يكون كافراً أو ظالماً أو فاسقاً حسب الجرم الذي ارتكبه ، ولا نعلم للشيخ رحمه الله قولا آخر يجعل هذا التشريع من الكفر الأصغر ، ولو كان للشيخ قول آخر لذاع وانتشر ، ولصرح الشيخ برجوعه عن قوله الأول ، وسعى في منع نشره ، ومن ظن أن أحدا من أهل العلم يرجع عن أمر يتبين له خطؤه ، ثم يستمر في نشر القول الخطأ حتى يموت دون إنكار له ، أو وصية بحذفه ، فقد أساء به الظن ، وقدح في دينه وأمانته ، فإن القول الباطل لا يجوز نشره ولا السكوت عليه ، لا سيما إذا كان متعلقا بمسألة كبيرة كهذه .
    ومن كلامه رحمه الله في هذه المسألة : ما جاء في "شرح الأصول الثلاثة" : " من لم يحكم بما أَنزل الله استخفافا به، أو احتقارا له، أو اعتقادا أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق أو مثله فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجا يسير الناس عليه ، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق ، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية ، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه " انتهى من "مجمع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (6/161).

    والله أعلم .
    الإسلام سؤال وجواب
    http://www.islam-qa.com/ar/ref/118135/ابن%20عثيمين

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2009
    المشاركات
    45

    افتراضي رد: حكم تشريع القوانين الوضعية ورأي الشيخ ابن عثيمين في ذلك

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبوالبراء الجزائري مشاهدة المشاركة
    وقال سبحانه : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ) النساء/60، 61 .
    وإذا كان هذا حكم الله فيمن أراد التحاكم إلى الطاغوت ، فكيف بالطاغوت نفسه الذي يشرع من دون الله .


    جزاك الله خيرا أخي على هذا النقل الطيب.

  3. #3

    افتراضي رد: حكم تشريع القوانين الوضعية ورأي الشيخ ابن عثيمين في ذلك

    جزاك الله خيرا
    وللأسف مازال بعض اهل البدعة يكذب على الشيخ ويدعى أنه لايخرج المبدل من الملة

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الدولة
    أينما رحلتُ فإنما أسيرُ في أرضي
    المشاركات
    414

    افتراضي رد: حكم تشريع القوانين الوضعية ورأي الشيخ ابن عثيمين في ذلك

    كم كنت أبحث عن هذا
    بوركت
    (ومعرفة الحق بالرّجال عادة ضعفاء العقول)
    الإمام الغزالي

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2009
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    1,091

    افتراضي رد: حكم تشريع القوانين الوضعية ورأي الشيخ ابن عثيمين في ذلك

    ومع الأسف بعض أهل الجهل مازالوا لا يفرقون بين التبديل والاستبدال..!
    ولا يفرقون بين كفر العين وكفر النوع...!
    فتراهم يأتون بما لم يأتِ به الأوائلُ..!

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    49

    افتراضي رد: حكم تشريع القوانين الوضعية ورأي الشيخ ابن عثيمين في ذلك

    جزاكم الله خيرا.

    ولكن أنبه أن الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- لا يكفر مجرد الحكم بغير ما أنزل الله بغير استحلال, و التفصيل بصوت الشيخ هنا:

    http://www.sohari.com/nawader_v/fata...min-5awareg.rm

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    الدولة
    أينما رحلتُ فإنما أسيرُ في أرضي
    المشاركات
    414

    افتراضي رد: حكم تشريع القوانين الوضعية ورأي الشيخ ابن عثيمين في ذلك

    هذا كلامه آخر عمره رحمه الله
    وواضح الذي نقله الفاضل
    (ومعرفة الحق بالرّجال عادة ضعفاء العقول)
    الإمام الغزالي

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2010
    المشاركات
    49

    افتراضي رد: حكم تشريع القوانين الوضعية ورأي الشيخ ابن عثيمين في ذلك

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حارث البديع مشاهدة المشاركة
    هذا كلامه آخر عمره رحمه الله
    وواضح الذي نقله الفاضل
    أيهما الذي كان في آخر عمره ؟

  9. #9

    افتراضي رد: حكم تشريع القوانين الوضعية ورأي الشيخ ابن عثيمين في ذلك

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو هند العنزي مشاهدة المشاركة
    جزاكم الله خيرا.


    ولكن أنبه أن الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- لا يكفر مجرد الحكم بغير ما أنزل الله بغير استحلال, و التفصيل بصوت الشيخ هنا:

    يوجد فرق بين الحكم بغير ما أنزل الله وبين تبديل حكم الله
    فالأول قد يحكم لرشزة زلكنه لم يبدل فهذا يُشترط فى تكفيره الاستحلال أما الثانى المبدل فهو مستحل أصلا فكيف نشترط لاستحلاله استحلال !! فان اشترطنا ذلك أتانا أخر وقال ونحن نشترط لاستحلال استحلاله استحلال ! وهلم جرا ويلزم القائل بذلك أنلا يُكفر ابليس !!!
    وكلام العثيمين هنا واضح فى أن المبدل مستحل بمجرد أن بدل . يعنى أنه يستحيل عقلا أن يبدل أحد شرع الله دون أن يكون استحل قلبه ! كما يقول العثيمين فى فتاواه هنا
    ومن هاولاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الاسلامية لتكون منهاجا يسير الناس عليه فانهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الاسلامية الا وهو يعتقدون انها اصلح وانفع للخلق اذ من المعلوم بالضرورة العقلية والجبلة الفطرية ان الانسان لا يعدل عن منهاج الى منهاج يخالفه الا وهو يعتقد فضل ما عدل اليه ونقص ما عدل منه ))
    المرجع : المجموع الثمين ( 1 / 36 ) طبعة دار الوطن

  10. افتراضي رد: حكم تشريع القوانين الوضعية ورأي الشيخ ابن عثيمين في ذلك

    http://www.islamqa.com/ar/ref/118135
    حكم تشريع القوانين الوضعية ورأي الشيخ ابن عثيمين في ذلك
    هل تشريع الأحكام الوضعية ، ووضع دستور للحكم به بدلا من شرع الله أمر مختلف فيه بين أهل العلم ، وكلا القولين من أقوال أهل السنة ؟ حيث دار نقاش بين إخوة في : هل هذا العمل كفر مخرج من الملة أم هو معصية ؟ نرجو البيان والتوضيح . وهل يحق للمقلد أخذ أي القولين أم لا ؟ وهل للعلامة ابن العثيمين قول في آخر حياته يقول إن التشريع معصية خلافا لقوله الأول أنه كفر أكبر ؟ .


    الحمد الله
    أولا :
    تشريع الأحكام الوضعية المخالفة لحكم الله ورسوله في الدماء والأعراض والأموال ، كفر أكبر مخرج عن ملة الإسلام ، لا شك في ذلك ولا ريب ، ولا خلاف فيه بين علماء الإسلام ، فإن هذا التشريع منازعة لله تعالى في حكمه ، ومضادة له في شرعه ، وقد قال تعالى : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) الشورى/21 .
    وقال سبحانه في طاعة من أباح الميتة: ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُم ْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ) الأنعام/121 .
    وقال سبحانه : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ) النساء/60، 61 .
    وإذا كان هذا حكم الله فيمن أراد التحاكم إلى الطاغوت ، فكيف بالطاغوت نفسه الذي يشرع من دون الله .
    وكيف لا يكون التشريع المخالف لشرع الله كفرا ، وهو لابد يتضمن تحليل الحرام ، وتحريم الحلال ، أو إعطاء المشرعين الحق في ذلك ، فلهم أن يحلوا ما شاءوا ، وأن يحرموا ما أرادوا ، وما اتفق عليه أغلبيتهم كان واجب التنفيذ ، يعاقب ويجرّم من يخالفه ، وهذا غاية الكفر .

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه ، أو حرم الحلال المجمع عليه ، أو بدل الشرع المجمع عليه ، كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء " انتهى من "مجموع الفتاوى" (3/267).

    وقال ابن كثير رحمه الله : " فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء ، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر ، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه ؟! من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين " انتهى من "البداية والنهاية" (13/139).
    و(الياسا) ويقال : (الياسق) هي قوانين جنكيز خان التتاري الذي ألزم الناس بالتحاكم إليها .
    ولاشك أن من باشر التشريع بنفسه كان أعظم كفرا وضلالا ممن تحاكم إليه .

    وقال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : " ويفهم من هذه الآيات كقوله: (ولا يشرك في حكمه أحدا) ، أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله. وهذا المفهوم جاء مبينا في آيات أخر. كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه
    وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم. وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى ـ هو المراد بعبادة الشيطان في قوله تعالى: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) ، وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم: (يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا) ، وقوله تعالى: (إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا) أي ما يعبدون إلا شيطانا، أي وذلك باتباع تشريعه. ولذا سمى الله تعالى الذين يطاعون فيما زينوا من المعاصي شركاء في قوله تعالى: (وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم...) الآية. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا لعدي بن حاتم رضي الله عنه لما سأله عن قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله...) الآية ، فبين له أنهم أحلوا لهم ما حرم الله، وحرموا عليهم ما أحل الله فاتبعوهم في ذلك، وأن ذلك هو اتخاذهم إياهم أربابا.
    ومن أصرح الأدلة في هذا: أن الله جل وعلا في سورة النساء بين أن من يريدون أن يتحاكموا إلى غير ما شرعه الله يتعجب من زعمهم أنهم مؤمنون، وما ذلك إلا لأن دعواهم الإيمان مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت بالغة من الكذب ما يحصل منه العجب. وذلك في قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) .
    وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور: أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته، وأعماه عن نور الوحي مثلهم" .
    إلى أن قال : " وأما النظام الشرعي المخالف لتشريع خالق السموات والأرض فتحكيمه كفر بخالق السموات والأرض. كدعوى أن تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث ليس بإنصاف، وأنهما يلزم استواؤهما في الميراث. وكدعوى أن تعدد الزوجات ظلم، وأن الطلاق ظلم للمرأة، وأن الرجم والقطع ونحوهما أعمال وحشية لا يسوغ فعلها بالإنسان، ونحو ذلك.
    فتحكيم هذا النوع من النظام في أنفس المجتمع وأموالهم وأعراضهم وأنسابهم وعقولهم وأديانهم ـ كفر بخالق السموات والأرض، وتمرد على نظام السماء الذي وضعه من خلق الخلائق كلها وهو أعلم بمصالحها سبحانه وتعالى عن أن يكون معه مشرع آخر علوا كبيرا (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) ،(قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) " انتهى من "أضواء البيان" في تفسير قوله تعالى : (وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا) الكهف/26.
    وينظر جواب السؤال رقم (11309) و (974) .
    ثانيا :
    المستفيض عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هو تصريحه بأن تشريع القوانين المخالفة لما أنزل الله كفر أكبر ، وقد ذكر هذا في مواضع من كتبه ، كشرح كتاب التوحيد ، وشرح الأصول الثلاثة ، وشرح السياسة الشرعية ، وفتاواه المطبوعة في العقيدة ، ولقاءات الباب المفتوح ، وكلامه في هذه المواضع متفق يجري على قاعدة واحدة ، وهي أن التشريع ووضع القوانين المخالفة لشريعة الله من الكفر الأكبر ، وأما الحاكم بغير ما أنزل الله فهو الذي قد يكون كافراً أو ظالماً أو فاسقاً حسب الجرم الذي ارتكبه ، ولا نعلم للشيخ رحمه الله قولا آخر يجعل هذا التشريع من الكفر الأصغر ، ولو كان للشيخ قول آخر لذاع وانتشر ، ولصرح الشيخ برجوعه عن قوله الأول ، وسعى في منع نشره ، ومن ظن أن أحدا من أهل العلم يرجع عن أمر يتبين له خطؤه ، ثم يستمر في نشر القول الخطأ حتى يموت دون إنكار له ، أو وصية بحذفه ، فقد أساء به الظن ، وقدح في دينه وأمانته ، فإن القول الباطل لا يجوز نشره ولا السكوت عليه ، لا سيما إذا كان متعلقا بمسألة كبيرة كهذه .
    ومن كلامه رحمه الله في هذه المسألة : ما جاء في "شرح الأصول الثلاثة" : " من لم يحكم بما أَنزل الله استخفافا به، أو احتقارا له، أو اعتقادا أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق أو مثله فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجا يسير الناس عليه ، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق ، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية ، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه " انتهى من "مجمع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين" (6/161).

    والله أعلم .</B></I>

  11. #11

    افتراضي رد: حكم تشريع القوانين الوضعية ورأي الشيخ ابن عثيمين في ذلك

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو هند العنزي مشاهدة المشاركة
    جزاكم الله خيرا.


    ولكن أنبه أن الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- لا يكفر مجرد الحكم بغير ما أنزل الله بغير استحلال, و التفصيل بصوت الشيخ هنا:

    http://www.sohari.com/nawader_v/fata...min-5awareg.rm


    قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعليقا على شريط للشيخ الألباني رحمه الله قرر فيه أنه لا يحكم بكفر الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله إلا إذا اعتقد حل ذلك ، قال : ( … ولكننا قد نخالفه في مسألة أنه لا يحكم بكفرهم إلا إذا اعتقدوا حل ذلك ، هذه المسألة تحتاج إلى نظر لأننا نقول من اعتقد حل ذلك ، حتى لو حكم بحكم الله ـ وهو يعتقد أن حكم غير الله أولى ـ فهو كافر كفر عقيدة ، لكن كلامنا على العمل ، وفي ظني أنه لا يمكن لأحد أن يطبق قانونا مخالفا للشرع يحكم فيه بعباد الله إلا وهو يستحله ويعتقد أنه خير من قانون الشرع هذا هو الظاهر ن وإلا فما الذي حمله على ذلك ؟ قد يكون الذي يحمله على ذلك خوف من أناس آخرين أقوى منه إذا لم يطبقه ، فيكون هنا مداهنا لهم ، فحينئذ نقول هذا كافر كالمداهن في بقية المعاصي )) . [ من كتاب فتنة التكفير للعلامة الألباني مع تعليقات للشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين هامش ص 28 ]

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Nov 2007
    الدولة
    مصر - محافظة الشرقية - مدينة الإبراهيمية
    المشاركات
    1,463

    افتراضي رد: حكم تشريع القوانين الوضعية ورأي الشيخ ابن عثيمين في ذلك

    شبهةوجوابها

    الشبهة:
    يقولون ورد سؤال في موقع (الإسلام سؤال و جواب) إلى الشيخ محمد -والذي هو من تلاميذ الشيخ ابن عثيمين- عن قول الشيخ ابن عثيمين؛ وفيه: (هل للعلامة ابن العثيمين قول في آخر حياته يقول إن التشريع معصية خلافا لقوله الأول أنه كفر أكبر ؟).
    فأجاب الشيخ -حفظه الله-:
    «1- المستفيض عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هو تصريحه بأن تشريع القوانين المخالفة لما أنزل الله كفر أكبر ، وقد ذكر هذا في مواضع من كتبه ، كشرح كتاب التوحيد ، وشرح الأصول الثلاثة ، وشرح السياسة الشرعية ، وفتاواه المطبوعة في العقيدة ، ولقاءات الباب المفتوح ، وكلامه في هذه المواضع متفق يجري على قاعدة واحدة ، وهي أن التشريع ووضع القوانين المخالفة لشريعة الله من الكفر الأكبر ، وأما الحاكم بغير ما أنزل الله فهو الذي قد يكون كافراً أو ظالماً أو فاسقاً حسب الجرم الذي ارتكبه،
    2- ولا نعلم للشيخ رحمه الله قولا آخر يجعل هذا التشريع من الكفر الأصغر،
    3- ولو كان للشيخ قول آخر لذاع وانتشر،
    4- ولصرح الشيخ برجوعه عن قوله الأول،
    5- وسعى في منع نشره،
    6- ومن ظن أن أحدا من أهل العلم يرجع عن أمر يتبين له خطؤه ، ثم يستمر في نشر القول الخطأ حتى يموت دون إنكار له، أو وصية بحذفه؛ فقد أساء به الظن، وقدح في دينه وأمانته، فإن القول الباطل لا يجوز نشره ولا السكوت عليه ، لا سيما إذا كان متعلقا بمسألة كبيرة كهذه» اهـ.

    والجواب عن ذلك كالتالي:

    أولاً: ما ورد في حيثيات هذه الفتوى؛ قد رددنا عليه بفضل الله في المشاركة السابقة؛ وبيان ذلك كالتالي:

    أما بالنسبة لقوله: (المستفيض عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هو تصريحه بأن تشريع القوانين المخالفة لما أنزل الله كفر أكبر)؛ فهذا مما لا خلاف عليه؛ ولكنه لا يمنع من تراجع الشيخ عن ذلك. وفي الأمثلة السابقة عن تراجع العلماء كفاية إن شاء الله لتقرير هذا الأمر.

    وبالنسبة لقوله: (ولو كان للشيخ قول آخر؛ لذاع وانتشر)؛ فنقول: ليس بالضرورة أن يذيع وينتشر عند الجميع؛ لاسيما وأن ذلك كان في آخر حياة الشيخ رحمه الله تعالى. ولذلك لم تأخذ هذه الفتوى حقها في الانتشار في حياة الشيخ. أما بعد مماته؛ فهي أشهر من نار على علم؛ فقد علم بها القاصي والداني؛ لدرجة أن المدعو أبا بصير!! قد أفرد ردًا عليها؛ وذلك قبل ظهور كتاب بندر العتيبي أصلاً. فهذا يدل انتشارها في الأوساط السلفية. والذي يظهر لي بوضوح من كلام الشيخ محمد -حفظه الله-؛ أنه لم يكن وقف عليها وقت إصداره لهذه الفتوى؛ بدليل قوله: (ولا نعلم للشيخ رحمه الله قولا آخر يجعل هذا التشريع من الكفر الأصغر)؛ فهذا من ورعه -حفظه الله-. ومعلوم أن عدم العلم العلم ليس دليلاً على العدم؛ فنفي العلم ليس بعلم!.

    وبالنسبة لقوله: (ولو كان للشيخ قول آخر.....لصرح الشيخ برجوعه عن قوله الأول)؛ فهذا أيضًا لا يجب ولا يلزم. وقد بينا هذا الأمر مسبقًا، وأن العلماء اختلفوا في هذه المسألة. ثم أثبتنا مذهب الشيخ ابن عثيمين في ذلك؛ وأنه لا يرى لزوم التصريح عند رجوع المفتي عن رأيه الأول؛ وذلك في قوله رحمه الله -كما في كتاب العلم-: «يسوغ له نقض حكمه الأول ولا يلزمه إخبار المستفتي بالرجوع»اهـ.

    بالنسبة لقوله: (ولو كان للشيخ قول آخر....لسعى في منع نشره. ومن ظن أن أحدا من أهل العلم يرجع عن أمر يتبين له خطؤه ، ثم يستمر في نشر القول الخطأ حتى يموت دون إنكار له، أو وصية بحذفه؛ فقد أساء به الظن، وقدح في دينه وأمانته، فإن القول الباطل لا يجوز نشره ولا السكوت عليه ، لا سيما إذا كان متعلقا بمسألة كبيرة كهذه)؛ فنقول: ليس في ذلك إساءة للظن بالشيخ؛ فأهل العلم يكتفون أحيانًا بفعل العالم فقط دون تنبيهه عن خطإه السابق؛ وما سبق من أمثلة عن العلماء -كالشافعي ومالك وغيرهم- في رجوعهم؛ يتبين له خطأ هذا الكلام. وقد بين الشيخ ابن عثيمين وجهة لهذا الأمر -كما جاء في كتاب العلم-؛ قال: «متى تبين للإنسان ضعف رأيه الأول؛ وجب عليه الرجوع عنه ولكن يسوغ له نقض حكمه الأول، ولا يلزمه إخبار المستفتي بالرجوع؛ لأن كلا من الرأيين الأول والثاني صادر عن اجتهاد، والاجتهاد لا ينقض بمثله وظهور خطأ اجتهاده الأول لا يمنع احتمال خطئه في الثاني، فقد يكون الاجتهاد الأول هو الصواب في الواقع، وإن ظهر له خلافه؛ لأن الإنسان غير معصوم في اجتهاده لا الثاني ولا الأول»اهـ. فهذه وجهة معتبرة عند الشيخ؛ وقد يكون له وجهة أخرى والله أعلم. المهم أننا على كل حال؛ لا ينبغي أن نسيء الظن بالعلماء؛ بل يجب أن نتلمس لهم من المعاذير ما لا نلتمسه لغيرهم. والله أعلم.

    ثانيًا: في إثبات صحة الفتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

    قال الشيخ محمد -حفظه الله-: «ولا نعلم للشيخ رحمه الله قولا آخر يجعل هذا التشريع من الكفر الأصغر)»اهـ.
    وقد سبق وقلنا أن هذا الكلام من ورع الشيخ محمد -حفظه الله-؛ إذ لم ينف مطلق وجود قول آخر للشيخ ابن عثيمين؛ وإنما نفى علمه بذلك فقط؛ فهكذا فليكن الفقه.
    ومن الجدير بالذكر أن قول الشيخ هذا ليس فيه طعن في ثبوت الفتوى عن الشيخ ابن عثيمين؛ وهذا للأسباب الآتية:
    1- أن الشيخ محمد نفى العلم -بوجود هذه الفتوى- عن نفسه؛ بينما أثبت غيره ذلك. وكما هو معلوم ومقرر عند أهل العلم: أن المُثْبِتَ مُقَدَّمٌ على النافي!؛ فمع المثبت زيادة علم لم يحصلها النافي؛ فكيف نرد العلم لمجرد جهل النافي به ؟!.
    2- أن تفرد الشيخ أبي الحسن برواية خبر هذه الفتوى؛ تفرد مقبول بلا أدنى ريب؛ فهو كتفرد الثقة بالحديث المستقل. وهذا الخبر مقبول بكل المقاييس الشرعية؛ فالشيخ أبو الحسن من الثقات إن شاء الله؛ غير أنه من جملة تلاميذ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
    3- أن الشيخ أبا الحسن لم ينقل لنا الفتوى كنقل سائر الأخبار؛ وإنما نقلها لنا بالسند العالي جدًا؛ ألا وهو صوت الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. فهل بعد هذا السند كلام؟!
    4- أن أحد أعضاء اللجنة الدائمة وهيئة كبار العلماء؛ قد صدق عليها بتقديمه لكتاب بندر العتيبي؛ ألا وهو الشيخ محمد بن حسن آل الشيخ.

    فهل بعد كل هذه الأسباب يشكك في ثبوت الفتوى؟!.

    أظن أن الجواب قد علمه كل منصف؛ فلا مزيد.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •