بسم الله الرحمن الرحيم
رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري

سُئل الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي عن كيفية تطهير الأشياء المتنجسة فأجاب فضيلته بالقول:

النجاسات ثلاثة أنواع

1 ـ خفيف 2 ـ وثقيل 3 ـ ومتوسط.


(1) فأما الخفيف من النجاسات، فمثل: بول الغلام الصغير الذي لم يأكل الطعام لشهوة، فهذا يكفي فيه غمره بالماء مرة واحدة؛ قولاً واحدًا في المذهب، كما في حديث أبي السمح رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((يُغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام)) أخرجه أبو داود (376) والنسائي (1/158) والحاكم (1/ 166) وابن خزيمة (1/143) بإسناد حسن وقد صححه لشواهده الألباني في "صحيح أبي داود" وراجع "التلخيص" (1/ 38).
وقيؤه أخف حكمًا من بوله.

وكذلك على الصحيح المذي، فإنه يكفي فيه النضح، كما ثبت به الحديث الذي رواه أبو داود (207) عن المقداد بن الأسود أن علي بن أبي طالب أمره أن يسأل له رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل إذا دنا من أهله فخرج منه المذي ماذا عليه؟ فإن عندي ابنته، وأنا أستحي أن أسأله، قال المقداد: فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: ((إذا وجد أحدكم ذلك فلينضح فرجه وليتوضأ وضوءَه للصلاة)).
وهو الموافق لحكمة المشقة.

ومثله النجاسة على أسفل الخف والحذاء ونحوه فيكفي مسحها بالأرض والتراب، كما صحت به الأحاديث، وهو الموافق للحكمة الشرعية.

ومثل هذا مسح السيف الصقيل وسكين الجزار ونحوها.

ولكن المشهور من المذهب في هذه الصور: لا بد من غسلها.

وقد تقدم مما هو خفيف: النجاسة الخارجة من السبيلين عليهما أنه يكفي فيها الاستجمار بالاتفاق.

فكلما شق واشتدت الحاجة إليه سهل فيه الشارع.

وكذلك النجاسة إذا كانت على الأرض فيكفي فيها غسلة واحدة تذهب بعين النجاسة، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في غسل بول الأعرابي، أن يصب عليه ذنوب من ماء.

لما رواه البخاري (221) ومسلم (284) (99) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد، فزجره الناس، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء، فأهريق عليه.


ومثله ما اتصل بالأرض من الأحواض والأحجار ونحوها، يكفي فيها مرة واحدة؛ قولاً واحدًا في هذا كله.

وكذلك على الصحيح النجاسة التي في ذيل المرأة، كما ثبت به الحديث. الذي رواه مالك (16) وأحمد (6/290) وأبو داود (383) والترمذي (143) وابن ماجه (531) أن امرأة سألت أم سلمة رضي الله عنها فقالت: إني أطيل ذيلي، وأمشي في المكان القذر، فقالت أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يطهرُه ما بعده)).
والمذهب: لا بد من غسله.

وكل هذه المسائل تعلل بالمشقة، بل قد تكون المشقة موجبة لعدم إيجاب غسل المتنجس،

كقول الأصحاب رحمهم الله: ولا يجب غسل جوانب بئر نزحت للمشقة، وكذلك الإناء الذي تخمر فيه العصير ثم تخلل: لا يجب غسله، وكذلك الحفيرة التي فيها ماءٌ نجس إذا طهر. وكل هذا قول واحد في المذهب.

وكذلك على الصحيح لا يجب غسل ما أصابه فم كلب الصيد من الصيد لعدم أمر الشارع بغسل محل ذلك.

والمذهب: لا بد من غسله وهو ضعيف.

وكذلك النجاسة والجنابة في داخل العين لا يجب غسلها.

وكل هذه يحكم لها بالطهارة مع وجود سبب التنجس للحكمة المذكورة.

وأما الاضطرار على بقاء النجاسة في بدن أو ثوب أو بقعة وصحة الصلاة مع ذلك فتلك مسألة أخرى ترجع إلى أصل صحة العبادة مع فقد شرطها المعجوز عنه كما يأتي.

(2) وأما الثقيل من النجاسات فنجاسة الكلب، وما ألحق به من الخنزير، فإنه لا بد فيها من سبع غسلاتٍ، وأن يكون إحداها بتراب ونحوه، كما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في نجاسة الكلب. في الحديث الذي رواه مسلم (279) (91) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب)).

وألحق العلماء فيه الخنزير؛ لأنه شرٌ منه.


(3) والنوع الثالث متوسط: ما سوى ذلك من النجاسات على البدن، أو الثوب، أو الأواني ونحوها، فلا بد فيها من زوال عينها قولاً واحدًا.

وهل يشترط مع هذا غيره أم لا؟

والصحيح: أن النجاسة متى زالت على أي وجه كان بأي مزيل كان فإن المحل يطهر، من غير اشتراط عدد ولا ماء، وهو ظاهر النصوص؛ حيث أمر الشارع بإزالة النجاسة، وأزالها تارة بالماء، وتارة بالمسح، وتارة بالاستجمار، وتارة بغير ذلك. ولم يأمر بغسل النجاسات سبعًا، سوى نجاسة الكلب.

وكما أنه مقتضى النصوص الشرعية فإنه مناسب غاية المناسبة؛ لأن إزالة النجاسة من باب إزالة الأشياء المحسوسة، ولذلك قال الفقهاء: إنها من باب التروك التي القصد إزالة ذاتها بقطع النظر عن المزيل لها. ولهذا لم يشترطوا فيها نية ولا فعل آدمي، فلو غسلها من غير نية أو غسلها غير عاقل أو جاءها الماء فانصب عليها طهرت، بخلاف طهارة الحدث التي هي عبادة لا بد من نيتها، واشترط لها الشارع من الترتيب، والموالاة، والكيفيات، والنية ما يوجب أن تكون عبادة مقصودة. ولهذا شرع في هذا النوع العدد والتثليث في الوضوء، وفي الغسل كله؛ على المذهب.

وعلى الصحيح لا يشرع إلا تثليث إفاضة الماء على الرأس، كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله، فيغسل فرجه، ثم يتوضأ، ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه. رواه البخاري (248) ومسلم (316) (35) واللفظ له.

وأما المشهور من المذهب في هذا النوع فلا بد من غسله بالماء سبع مرات؛ قياسًا على نجاسة الكلب، ولكنه قول في غاية الضعف، والقياس لا بد فيه من مساواة الأصل بالفرع وأن يحكم على الأمرين بحكم واحد، فالمساواة منتفية بعدما خص الشارع الكلب بذلك، والحكم مختلف، فعند القائلين بهذا القياس: لا يوجبون التراب.

وحيث تبين كيفية إزالة النجاسة باختلاف أحوالها، فكل نجاسة يجب إزالتها، فإزالتها من البدن والبقعة والثوب شرط صحة الصلاة لأمر الشارع بتطهير البدن والثياب، وذلك لا يجب لغير الصلاة، فتعين وجوبه للصلاة.

وقولنا: "كل نجاسة يجب إزالتها" احتراز من أمرين:

أحدهما: إذا اضطر الإنسان إلى بقائها بأن عجز عن الماء الذي يزيلها وغيره، أو كان تضره إزالتها، أو لم يجد إلا ثوبًا نجسًا يصلي به، أو حبس ببقعة نجسة لا يستطيع الخروج منها، فهذا مضطر، والمضطر معذور اتفاقًا، وعليه أن يصلي في هذه الحال ولا يعيد فيها كلها على القول الصحيح الذي تدل عليه الأصول الشرعية.

وأما المشهور من المذهب فيها فإنه أيضًا لا يعيد إذا حبس ببقعة نجسة، ولا إذا صلى وعلى بدنه نجاسة يعجز أو يتضرر بإزالتها، لكن يتيمم عنها إذا كانت على البدن، قياسًا على التيمم للحدث.

وأما نجاسة الثوب والبقعة فلا يتيمم لهما قولاً واحد.

والصحيح أيضًا: ولا نجاسة البدن؛ لأن القياس على الحدث غير صحيح، ولو كان صحيحًا لوجب أن يعم الذي على البدن والثوب والبقعة والشارع إنما شرع التيمم للأحداث فقط.

وأما إذا صلى في ثوب نجس فعليه الإعادة على المذهب، وليس لهذا القول حجة أصلاً، والصواب كما تقدم: أنه يصلي ولا يعيد، فإن الله لم يوجب على أحد أن يصلي الفرض مرتين إلا إذا أخل بما يقدر عليه من واجباتها الشرعية.

الأمر الثاني: احتراز من النجاسات التي يُعفى عنها، أو يعفى عن يسيرها، كالدم والقيء ونحوهما، فإذا صلى مع وجودها حيث عُفِي عنها فإن صلاته صحيحة اتفاقًا وهذا معنى العفو عنها والله وحده أعلم بغيبه.

ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــ
مصدر الفتوى: إرشاد أولي البصائر والألباب لنيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر