تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: أجمع القوم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    75

    Exclamation أجمع القوم

    أجمع القوم

    كنا ثلاثة ، وبصحبتنا شَيْبة رابع أربعة ...
    أما هو فقد جاوز الستين وأدرك من الملوك ما نقرأ عنهم في السطور ...
    فبينا نحن نتعشى عند -معزِّبنا - وقد أفضنا بالحديث ومُيز الشيبة عنا بطعام يخصه ، ونحن عنه بطعام يخصنا ..إذ جاء ذِكر البَر وحليب النوق .. فقال أحدنا غدا نغدو إليه فحيهلا بكم .. قرر الشيبة الانصراف معنا .. وعلى أثره آثرت على البقاء المسيرَ معهم ، فقلت : أنا معكم إن ذهب الشيخ ، وجاءتني أريحية طائية البَرُّ والأنس والحديث والنوق والنجوم والسماء ..
    وقبل أن أبدأ معك في القصة تعال معي أعلمك عن القوم بما يعود عليك بالنفع ..
    أما الشيبة فهو أعجوبة الدهر وفريدة العصر بدوي قح قد جمع بين العلم والزهد أو هو البخل لا أدري..
    إلا أنه كثير الاستغفار جيد المعلوم صاحب سنة قد تتلمذ على كبار علماء نجد كابن باز وابن حميد .. ولا يخلو من شطحات ..
    وكان لا يتعشى لأنه لا يتغدى ، ولا يتغدى لأنه لا يفطر .. وإنما زاده كأس من الشاي نصفه سكر، كلما أحس بدوار تناوله ، وربما كانت له وجبة واحدة بُر ولبن ..
    أما رصيده المالي فحدثني صاحبه أن فيه ستة أصفار على اليمين وعلى الشمال أرقام تترواح بين الطول والقصر والرَّبْعة .. فهو صاحب ملايين .. وأنت ابن أمك إن أخذت منه قطميرا- شيئا قليلا- .. أما ثيابه التي عليه فلا تساوي خمسين ريالا وحذائه لا يُثمَّن بريالين ..
    وكان من بلد يُعرف بالبخل .. بل كان يحدث أنه ربما اجتمعت أسرته من أجل شراء بساط ، وربما انفض المجلس بالفشل ..
    أما الثاني - وعليه رحى الحرب تدور- فقد ملأه الله شحما ولحما وعظما ويُخيل لي أنه يبعث يوم القيامة وحده لما في بطنه من التيوس والخرفان .. ومزارع الفراخ إلا أنه صاحب مرجلة .
    والثالث جسد من عجائب الدهر ما نظرت إليه في المرآة إلا رأيت صورتي ولا شعرت بشعور إلا وكان فيه ، ولا تألمت إلا تألم ولا فرحت إلا فرح .. فهل رأيتم أعجب مني ومنه .. إنه أنا.. وأنا هو. (صورة مقتبسة من علي الطنطاوي)
    والرابع ما شأنك وشأنه ؟
    في مساء اليوم التالي حملنا العشاء للبَر وانطلقنا بسيارة (جيمس) .. وهي من هي ولا نزكي أحدا في البر والطعوس .. بل إني اشتهيت أن أعرف علاقة (الفور باي فور) بالصحراء ..
    وبعد أن أوغلنا في الطريق واستوحش الأنيس عدلنا عن الطريق المعبَّد إلى أرض مليئة بالأحجار والحفر والأوكار ..
    تراءت لنا الإبل بدلِّها ودلالها والخَيم التي يَسْمُر فيها سامروها، إلا أن نُجعتنا بعيدة وطُلبتنا عسيرة .. تمايلت بنا السيارة يمنة ويسرة وترواحت ذات اليمين والشمال في السهل والغائط ، والمرتفع والمنحدر ، إلا أنها رابطة الجأش ثابتة البيان تفتت الصخر تحتها تفتيتا ، وتألف الحصى بعدها قاعا صفصفا، تلتف حول التلال كأفعى قد عَصرت جسد ضحيتها فهي ما تزال تخصِّرفي جسده حتى تصل رأسه ..
    إنها الجمس ولله در الشاعر إذ يقول :
    أنا اشهد ان الجمس سيارة .
    لقد أخذنا يمين الجبل وهم في نهايته فما زلنا نزاول المسير حتى وصلنا ..
    جاء الراعي فهلل ورحب وجلسنا حلقة كالسوار وأوقدنا نارا حَيِيَّة ..
    هنا خلعنا عذار المُدن وامتطينا لباس الصحراء .. وانطلقنا في رحب الأرض الواسعة وفضاء السماء المتلألئة وراح الفكر وجال وصمت اللسان ونطق الجَنان
    وقد أحاطت بنا جبال كأنها أم رؤوم حضنت أبناءها ..
    لم يَحْلُ الجلوس والحديث حتى لبِست السماءُ السوادَ وأرسلت نجومَها ، وصدق الله إذ يقول "وعلامات وبالنجم هم يهتدون" " إنا زينا السماء الدنيا بزينةٍ الكواكبَ"
    كان الجو زمهريرا إلا أنها أحطنا بالنار إحاطة السوار بالمعصم وأرسلت يدي إلى النار لتأخذ الدفئ منها فتوصله إلى جسدي وهكذا توازن الأمر .
    وأصلحنا الشاي بالحطب ودُق بالمعول الهيلُ وتقهوينا وطال بنا السمر ..
    فأرسلنا فضاءات الكَلِم وأطلقنا صيحات القصيد وجمعنا ما تناثر من حياتنا لنلقيه في هذه الصحراء على مرئ منا ومسمع .
    أطلت عليك الطريق ولم آتك بقصة أجمع القوم
    كان عمدتنا في الحديث ذا الشيبةِ الكهلَ فأصبح يخبرنا عن ماضيه ، عن الناس كيف كانوا وصارا .. وما حل به وعليه ،، ومن قابل وما ذا شاهد ..
    فأخبرنا عن قوم اشتهروا بالغفلة مع سيادتهم وسؤددهم .. فبينا ذا القوم مجتمعون وفي الحديث يخوضون ، جرى ذكر العسل ومن أين يخرج وكيف يأتي ؟ ..
    فجادت قرائح القوم .. وأذكت نارهم .. وجادوا بعلوم لم يسمعها الأوَّلون .. وأخرجوا كنائزهم المدفونة .. وعقولهم المكنونة ..
    فقال قائلهم – وكان مِقْداماً- إنما يخرج من غُصن الشجر .. فتعاوة القومُ وتذائبوا ولم يعجبهم قوله ولم يفهمهم مراده ..
    وأُرسلت الناقة الشرود ..
    فقال آخر : إنما يخرج من ثمار الأرض .. فصمّتوه وسفّهوه وبالعِيِّ رموه .. فقال ثالثهم -وكان صاحب فقه وذكاء- : ياقوم عندي الخبر اليقين ، قالوا : قل فأنت سيدنا وابن سيدنا.
    قال إنما يخرج من الأرض وينبت منها كما ينبت البَقْل .. فصمت القوم وأحجموا إلا أنه عرف إنكارهم له واستهجانهم عليه ..
    فطال الجدل .. وارتفعت الأصوات .. وأبطلت البراهين .. وأقيمت الحجج .. وكل يدعي وصلا بليلى .. وليلى لا تقر لهم بذاكا
    فبينا هم كذاك إذ خرج الضب من جحره . والثلعب من وكره وكان هذا الولد ابن سيد القوم فقال يا أبت -ولا يهون الحاضرون- فقالوا : لا هنتَ لا هنتَ
    وحالهم لا ينطق الفتى إلا بالحق ،، فقال إنما العسل يخرج من البصل ، فسبح أبوه وكبر وصلى على النبي وسلم وقال يشهد الله ما أعلمته بذاك ولا أمه أعلمته ، وإنما جاد بها لسانه ، ونطق بما لم ينطق به عيسى في المهد ..
    قال الشيبة : فأذعن القوم وسلموا وقالوا
    إذا نطقت حذام فصدقوها .. فإن القول ما قالت حذامِ
    فأجمع القوم انتهت قصتهم .
    فتوقد جمرنا وأضرمَ ويكأنه ضحك أضحوكة لم يفهمها أحد خشية أن يعلم الناس أنه يفهم كلامهم وأنا مرسل يدي في لهيبه أتوقى الزمهرير .. ففاحت ريح الحطب المشتعل ومازجت الجسد والملبس .. إلا أن حطب البادية غيرُ ؛ فرائحة الشجر المُذْكى كان أطيب من المسك وأشهى من ريح الخزامى .
    فلما أن توسط الليل وصار الوقت عند الخاصرة شربنا حليب النوق ، إنها لا تعتلف وإنما سائمة في البادية لذا كل شيء هنا يرجعك للماضي ويذكرك القوم الأُوَل .
    وقالوا إن من يشربه لأول مرة يَطلُق بطنُه ويسهل ، فخشيت أن يهتك الله ستري ويفضح أمري فعزفت عنه عزوف الفحل عن الغانية .. شهوته في وصلها وكرامته في قطعها .
    وكان الجو في غاية الصفاء حتى إذا أشعلت المصباح في جو السماء وصل النجم الذي تريده ، فاستغل الشيبة هذا وناداني وأعلمني شيئا عن النجوم ,, وقال أتدري ما هذا النجم المنفرد إنه يدعى : القطب ، وحوله سبعة من النجوم ، وهي تدور حوله مع ثباته ، فلو قدر الله وصار القطب فوق رأسك تماما فأنت على أرض روسيا
    فزممنا الركاب وقمنا قومة رجل واحد وصعدنا دابتنا وجعلنا الجبل عن يميننا وتم الأمر بحمد الله .


    عبدالإله الشافعي

    (والنقد مُرحب به!)

  2. #2

    افتراضي رد: أجمع القوم

    ما شاء الله
    أحسنت أحسن الله إليك

    تَصْفُو الحَياةُ لجَاهِلٍ أوْ غافِلٍ ... عَمّا مَضَى فيها وَمَا يُتَوَقّعُ

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    المشاركات
    75

    افتراضي رد: أجمع القوم

    وإليكم أحسن الله

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •