قال الإمام البخاري:ترك بعض الشعر
قال الإمام العيني:( باب القزع )
أي هذا باب في بيان حكم القزع - بفتح القاف والزاي وبالعين المهملة - وهو جمع قزعة ، وهي القطعة من السحاب ، وسمي شعر الرأس إذا حلق بعضه وترك بعضه قزعا ؛ تشبيها بالسحاب المتفرق .
( 131 - حدثني محمد قال : أخبرني مخلد قال : أخبرني ابن جريج قال : أخبرني عبيد الله بن حفص أن عمر بن نافع أخبره ، عن نافع مولى عبد الله أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يقول : سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ينهى عن القزع ، قال عبيد الله : قلت : وما القزع ؟ فأشار لنا عبيد الله ، قال : إذا حلق الصبي وترك هاهنا شعرة ، وهاهنا ، وهاهنا - فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته وجانبي رأسه - قيل لعبيد الله : فالجارية والغلام ؟ قال : لا أدري ، هكذا قال : الصبي ، قال عبيد الله : وعاودته ، فقال : أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما ، ولكن القزع أن يترك بناصيته شعر ، وليس في رأسه غيره ، وكذلك شق رأسه هذا وهذا ) .
مطابقته للترجمة ظاهرة . ومحمد هو ابن سلام ، ومخلد - بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح اللام - ابن يزيد - بالزاي - الحراني ، وابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، وعبيد الله بن حفص هو عبيد الله بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، نسبه ابن جريج إلى جده . وعمر بن نافع روى عن أبيه نافع مولى عبد الله بن عمر .
والحديث أخرجه مسلم في اللباس أيضا عن زهير بن حرب وآخرين . وأخرجه أبو داود في الترجل ، عن أحمد بن حنبل . وأخرجه النسائي في الزينة ، عن عمران بن يزيد وغيره . وأخرجه ابن ماجه في اللباس ، عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره .
قوله : " أن عمر بن نافع أخبره عن نافع " وسقط ذكر عمر بن نافع في رواية النسائي وفي رواية ابن عوانة أيضا ، وقد صرح الدارقطني في العلل بأن حجاج بن محمد وافق مخلد بن يزيد على ذكر عمر بن نافع . وأخرجه النسائي من رواية سفيان الثوري على الاختلاف عليه في إسقاط عمر بن نافع وإثباته . وأخرج مسلم وابن ماجه وابن حبان وغيرهم من طرق متعددة ، عن عبيد الله بن عمر بإثبات عمر بن نافع . ورواه سفيان بن عيينة ومعتمر بن سليمان ومحمد بن عبيد ، عن عبيد الله بن عمر بإسقاطه ، والعمدة على من زاد .
قوله : " قال عبيد الله " هو موصول بالإسناد المذكور ، وهو عبيد الله بن حفص المذكور .
قوله : " وما القزع " يعني قال عبيد الله لعمر بن نافع الذي روى عنه : ما القزع ؟ يعني ما كيفية القزع ، فظاهر الكلام أن المسؤول عنه هو عمر بن نافع ، وقال بعضهم : بين مسلم أن عبيد الله إنما سأل نافعا ؛ لأنه أخرجه عن زهير بن حرب ، حدثنا يحيى - يعني ابن سعيد - عن عبيد الله ، أخبرنا عمر بن نافع ، عن أبيه ، عن ابن عمر أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن القزع . قلت لنافع : وما القزع ؟ قال : يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعضا . قلت : نعم ، هذا صريح أن المسؤول عنه هو نافع ، ولكن رواية البخاري لا تصريح فيها بالمسؤول عنه ، ولكن ظاهر الكلام أن المسؤول عنه هو عمر بن نافع ، ويحتمل أن يكون روى الحديث عن عمر بن نافع ، وسأل عن نافع : ما القزع .
قوله : " فأشار لنا عبيد الله : إذا حلق الصبي " إلى آخره ، فقوله : " إذا حلق الصبي " إلى قوله : " فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته " كلام عمر بن نافع الذي سأل عنه عبيد الله .
وذكر لفظ " فأشار لنا عبيد الله " مرتين : الأول : فيه حذف تقديره فأشار لنا عبيد الله ناقلا من كلام عمر بن نافع أنه قال : القزع إذا حلق الصبي ، وترك هاهنا شعرة وهاهنا وهاهنا . الثاني : وهو قوله : " فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته وجانبي رأسه " من كلام عبيد الله نفسه . وفي التركيب قلاقة ؛ فلهذا قال الكرماني : فإن قلت : ما حاصل هذا الكلام ؟ قلت : حاصله أن عبيد الله قال : قلت لشيخي عمر بن نافع : ما معنى القزع ؟ فقال : إنه إذا حلق رأس الصبي يترك ، هاهنا شعر ، وهاهنا شعر ، فأشار عبيد الله إلى ناصيته وطرفي رأسه ، يعني فسر لفظ هاهنا الأول بالناصية ، ولفظتيه الثانية والثالثة بجانبيها .
قوله : " قيل لعبيد الله " لم يدر القائل من هو ، ويحتمل أن يكون ابن جريج الراوي عنه .
قوله : " فالجارية والغلام " يعني قيل لعبيد الله : فالجارية والغلام في ذلك سواء ؟ قال : لا أدري ذلك ، هكذا قال : الصبي ، يعني لكن الذي قاله هو لفظ الصبي ، قال الكرماني : ولا شك أنه ظاهر في الغلام ، ويحتمل أن يقال : إنه فعيل يستوي فيه المذكر والمؤنث ، أو هو للذات الذي له الصبا .
قوله : " وعاودته " أي عمر بن نافع ، فقال : أما القصة ، أي أما حلق القصة وشعر القفا للغلام خاصة فلا بأس بهما ، ولكن القزع غير ذلك ، وبينه بقوله أن يُترك بناصيته شعر إلى آخره . والقصة بضم القاف وتشديد الصاد المهملة ، وقال ابن التين : هي بفتح القاف . وقيل : الضم هو الصواب ، والمراد به هنا شعر الصدغين ، والمراد بالقفا شعر القفا ، وهو مقصور يكتب بالألف وربما مد .
فإن قلت : ما الحكمة في النهي عن القزع ؟ قلت : تشويه الخلقة . وقيل زي اليهود . وقيل : زي أهل الشر والدعارة ، وقال النووي في شرح مسلم : أجمع العلماء على كراهة القزع إذا كان في مواضع متفرقة ، إلا أن يكون لمداواة ونحوها ، وهي كراهة تنـزيه . وقال الغزالي في الإحياء : لا بأس بحلق جميع الرأس لمن أراد التنظيف ، ولا بأس بتركه لمن أراد أن يدهن ويترجل . وادعى ابن عبد البر الإجماع على إباحة حلق الجميع ، وهو رواية عن أحمد ، وروي عنه أنه مكروه ؛ لما روي عنه أنه من وصف الخوارج .