خلاف الفقهاء في مسألة الرجوع عن الإقرار
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده . أما بعد :
فهذا جزء في الكلام عن مسألة الرجوع عن الإقرار ، وهي من المسائل التي وقع فيها الخلاف قديماً وحديثاً ، ودرئت بها كثيرٌ من الحدود ، ولم أجد – حسب اطلاعي [1] – من حرَّرَ أقوال العلماء في هذه المسألة ، وخرَّج الأحاديث الواردة في الباب مما دفعني إلى جَمْعِ هذا الجزء ، واللهَ أسأل أن يوفقني فيه إلى الصواب .[/font]
الرجوع عن الإقرار فيه عِدَّةُ مسائل :
المسألة الأولى : الرجوع عن الإقرار في الحدود .
المسألة الثانية : الرجوع عن الإقرار في التعازير .
المسألة الثالثة : الرجوع عن الإقرار في حقوق الآدميين .
فأما المسألة الأولى وهي : الرجوع عن الإقرار في الحدود .
صورة المسألة : إذا أقرَّ إنسان بالتهمة الموجهة إليه بعد أن قبض عليه إما تلبساً بها تامة أو غير تامة ، دون أن يثبت ذلك ببينةٍ ( الشهود ) ، أو يأتي تائباً يريد التطهير . [2]
فقد اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال :
القول الأول : أن رجوع المُقِرِّ عن إقراره غير مقبولٍ في الحدود مطلقاً ، ويقام عليه الحدُّ بناءً على إقراره الأول ، وهذا هو المروي عن ابن أبي ليلى [3] ، وسعيد بن جبير[4] ، والحسن البصري [5] ، وهو قولٌ للإمام أحمد [6] ،
واختار هذا القول : داود بن علي[7] ، وابن حزمٍ [8] ، وشيخ الإسلام ابن تيمية[9] ، وتلميذه ابن القيم [10] ، وسماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز [11] ، والعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين [12] – رحمهم الله – .
أدلتهم :
الدليل الأول : أنَّه وردَ في حديث ماعزٍ – رضي الله عنه – في الصحيحين وغيرهما أنه هرب عندما رُجِمَ ومع ذلك تَبِعَهُ الصحابة – رضوان الله عليهم – ورجموه حتى مات ؛ فلم يُنْكِر عليهم النبي – صلى الله عليه وسلم – [13] .
يرد عليه :
أنه قد ورد في بعض الروايات : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال للصحابة : " هلا تركتموه يتوب ، فيتوب الله عليه " [14] .
يجاب عن إيرادهم :
1 – بأنَّ هذه الزيادة : لا تصح ، وسيأتي تفصيل ذلك في الملحق الخاص بطرق هذه الزيادة والحكم عليها .
2 – على التسليم بصحة هذه الزيادة : فإنَّ هروب ماعزٍ – رضي الله عنه – لا يدلُّ على رجوعه عن إقراره ؛ بل قد يكون رجع عن طلبه إقامة الحد ويكتفي بتوبته ، ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – " هلا تركتموه يتوب ، فيتوب الله عليه " ولم يقل : هلا تركتموه يرجع عن إقراره .
3 – أنَّ قولكم : ( يتوب ) دليلٌ على أنه ارتكب ما أقرَّ به ؛ لأن التوبة لا تكون إلا من ذنب – وهو هنا : الزنا – فلا نترك إقامة حدٍّ لاحتمالات قد تثبت أو لا تثبت ، و " إقامة حدٍّ من حدود الله خير من مطر أربعين ليلة في بلاد الله " [15] .
4 – أنه جاء في بعض روايات الحديث ما يوضح المعنى من فوله " هلا تركتموه ... " ففي حديث جابر قال في آخره : " فهلا تركتموه ، وجئتموني به " ليستثبتَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – منه ؛ فأما لترك الحدِّ فلا [16] .
وهذا فهمُ صحابيٍ ممن حضر الحادثة ، وفهمه مقدمٌ على فَهْمِ غيره !
5 – أنه لو قُبِلَ رجوعه للزم قاتله من الصحابة ديته ، كونه قُتِلَ بغيرِ حقٍّ ، أو لوداه النبي – صلى الله عليه وسلم – من عند نفسه .
يرد على الجواب الأخير : أنه إنما لم يجب دية ماعز على الذين قتلوه بعد هربه لأمور منها : أن هربه ليس صريحاً في رجوعه عن إقراره ، أو أنَّ هذا الحكم لم ينزل بَعْدُ .
يجاب عنه : بأنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يمكن أن يترك دمه يضيع هَدْرَاً ؛ فلو كان الصحابة معذورين لوداه النبي – صلى الله عليه وسلم – من عنده ؛ كما في حديث القسامة .
الدليل الثاني : أنَّ الله – سبحانه وتعالى – قال في كتابه : " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم " [ النساء : 135 ] فإذا شَهِدَ على نفسه بالزنا فقد صدق عليه وصف الزاني ، وقد قال تعالى : " الزانية والزاني فاجلدوا كلَّ واحدٍ منهما مائة جلدة " [ النور : 2 ] فكيف نرفع هذا الحكم الذي أمرَ اللهُ به معلقاً على وصفٍ ثبتَ بإقرار من اتصف به ؟! فإذا ثبت الوصف ثبت الحدُّ .
يرد عليه :
أنَّ هذا الدليل والاستدلال عامٌ ، والذي تفيده بعض روايات حديث ماعز خاصٌ في المسألة ، والخاص مقدم على العام .
يجاب عن إيرادهم :
بما تقدمت الإجابة به في الدليل الأول ،
ويضاف هنا : أنَّ دلالة العام هنا صحيحة غير مدخولة بخلاف دلالة ما ذكرتموه من الخاص ؛ فيبقى العام على عمومه حتى يتبين خلافه .
الدليل الثالث : أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لأنيس – رضي الله عنه – : " واغد يا أنيس إلى امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها " ولم يقل له : ما لم ترجع ، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة .
يرد عليه :
أنَّ احتمال رجوعها عن إقرارها ضعيف ، كما أنَّه قد يكون هذا الحكم مما استقر علمه عند الصحابة فلا حاجة إلى تكراره .
يجاب عن إيرادهم :
1 – رجوع المقر عن إقراره عندما يرى شدة الألم واردٌ جداً ؛ بل كثيرٌ من الناس يرجع عن إقراره بعد علمه بالحكم المترتب على جريمته التي قام بها ؛ فضلاً عن إحساسه بالألم = فالرجوع عن الإقرار احتمال كبير وارد على كلِّ قضية ثبتت بإقرار .
2 – أنَّ ادعاء أنَّ هذا الحكم مما استقر علمه عند الصحابة يحتاج إلى إثبات أمورٍ كثيرة : إثبات أنَّ هذا هو حكم الرسول – صلى الله عليه وسلم – في مثل هذه الحادثة ، ثم إثبات تقدم هذا الحكم على حديث أنيس ، ثم إثبات أنَّ هذا الحكم مما قد شاع واشتهر بين الصحابة . ودون ذلك خرط القتاد !
الدليل الرابع : أننا لو قبلنا مجرد رجوع المقرِّ عن إقراره لَمَا أُقيم حدٌّ في الدنيا ، لأن كلَّ من يعرف أنه سيحد سيرجع عن إقراره إلا مَنْ صَدَقَ في توبته وأراد تطهير نفسه من الذنب .
يرد عليه :
أنَّ هذا أثرٌ للقول الثاني ، وهذا الأثر المترتب على القول الثاني في مقابلِ نصٍّ ؛ وحكم الله ورسوله مقدم على هذه التعليلات والأقيسة العقلية المضنونة .
يجاب عن إيرادهم :
1 – بما تقدمت الإجابة به في الدليل الأول ,
2 – أنَّ هذا أثرٌ للقول الذي تقولون به – بعد أن تبين لنا ضعف الدليل الذي تستدلون به – وإذا كان القول يؤدي إلى باطل أو يؤدي إلى ما يخالف المقاصد الشرعية = فهو مردودٌ ، دالٌّ على ضعف هذا القول .
الدليل الخامس : أنَّ الحدَّ حقٌ وجبَ بإقراره ؛ فلم يُقبل منه الرجوع كسائر الحقوق .
يرد عليه :
أنَّ حقوق العباد مبنيةٌ على المشاحة والضيق ؛ بخلاف حقوق الله فهي مبنية على المسامحة .
يجاب عن إيرادهم :
أنَّ هذا يوقع القائل به في تناقضٍ – تُنَزَّهُ عنه الشريعة – وذلك : بما لو أُدُّعِيَ على شخصٍ بالسرقة ؛ فأقر السارق ثم أنكر – وليس هناك دليل سوى إقراره – أوجبتم عليه دفع المال المسروق إلى صاحبه لإقراره الأول ، وأسقطتم عنه الحدَّ لإنكاره الأخير ؛ وهذا تناقض ! فإما أن يُثْبَتَ الحد مع المال المسروق أو يسقطان !
القول الثاني : أنَّ رجوع المقر عن إقراره في الحدود مقبولٌ مطلقاً سواء قبل الحكم أو بعده أو عند تنفيذه ، وهذا هو قول الحنفية [17]، والمالكية في المشهور عنهم [18] ، والشافعية [19] ، والحنابلة [20] ، وهو اختيار الشيخ محمد بن إبراهيم [21].
أدلتهم :
الدليل الأول : ما ورد في بعض روايات حديث ماعزٍ – رضي الله عنه – أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – قال للصحابة – رضوان الله عليهم – لمَّا تبعوا ماعزاً : " هلا تركتموه يتوب ، فيتوب الله عليه " ، وقد قال ابن عبد البر في التمهيد ( 12 / 113 ) : ثبت من حديث أبي هريرة ، وجابر ، ونعيم بن هزال ، ونصر بن دهر وغيرهم .
وجه الاستدلال : أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – جعل الهرب الدال على الرجوع مسقطاً للحدِّ ؛ فسقوطه بالرجوع الصريح أولى .
يرد عليه :
1 – بأنَّ هذه الزيادة الصواب أنها : لا تصح ، وسيأتي تفصيل ذلك في الملحق الخاص بطرق هذه الزيادة والحكم عليها .
2 – على التسليم بصحة هذه الزيادة : فإنَّ هروب ماعزٍ – رضي الله عنه – لا يدلُّ على رجوعه عن إقراره ؛ بل قد يكون رجع عن طلبه إقامة الحد ويكتفي بتوبته ، ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – " هلا تركتموه يتوب ، فيتوب الله عليه " ولم يقل : هلا تركتموه يرجع عن إقراره .
3 – أنَّ قولكم : ( يتوب ) دليلٌ على أنه ارتكب ما أقرَّ به ؛ لأن التوبة لا تكون إلا من ذنب – وهو هنا : الزنا – فلا نترك إقامة حدٍّ لاحتمالات قد تثبت أو لا تثبت ، وإقامة الحدود في الأرض أمرها عظيم .
4 – أنه لو قُبِلَ رجوعه للزم قاتله من الصحابة ديته ، كونه قُتِلَ بغيرِ حقٍّ ، أو لوداه النبي – صلى الله عليه وسلم – من عند نفسه .
يرد على الجواب الأخير : أنه إنما لم يجب دية ماعز على الذين قتلوه بعد هربه لأمور منها : أن هربه ليس صريحاً في رجوعه عن إقراره ، أو أنَّ هذا الحكم لم ينزل بَعْدُ .
يجاب عنه : بأنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يمكن أن يترك دمه يضيع هَدْرَاً ؛ فلو كان الصحابة معذورين لوداه النبي – صلى الله عليه وسلم – من عنده ؛ كما في حديث القسامة .
الدليل الثاني : ما ورد عن بُريدة – رضي الله عنه – أنه قال : كنَّا – أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – نتحدث أنَّ الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا عن اعترفهما . أو قال : لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما ، وإنما رجمهما عند الرابعة [22] .
يرد عليه :
1 – أنَّ هذا الحديث ضعيف لا يصح .
2 – أنَّ هذا الحديث لو صحَّ : فهو خاصٌ بمن أقبل تائباً ويريد أن يعرف ما يجب عليه ، لا فيمن يقبض عليه متلبساً بجرمه أو دلت على ارتكابه لهذا الجريمة قرائن أَدَّت إلى اعترافه .
3 – أنَّ الرسول – صلى الله عليه وسلم – له مقامات ؛ كمقام النبوة ، ومقام الحاكم ، ومقام المفتي ... فلعله لم يُرِد أنْ يجعل نفسه في مقام الحاكم في ذلك الوقت ، وإنما في مقام المفتي والمُعَلِّم .
الدليل الثالث : أنَّ أبا أمية المخزومي ذكر : أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أُتِيَ بلصٍّ ، فاعترف اعترافاً ، ولم يوجد معه المتاع . فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " ما إخالك سرقت " . قال : بلى . ثم قال : " ما أخالك سرقت " . قال : بلى . فأمر به فقطع . فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : " قل : أستغفر الله ، وأتوب إليه " . قال : أستغفر الله ، وأتوب إليه . قال : " اللهم تب عليه " مرتين [23] .
يرد عليه :
1 – أنَّ هذا الحديث لا يصح .
2 – يحتمل أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – شكَّ في كونه سارقاً حقيقةً ، وخاصةً أنه لم يظهر هناك أي قرينة تدل على سرقته من وجود المتاع ونحو ذلك .
الدليل الرابع : أنَّ هذا القول هو ما كان يقضي به الخلفاء الراشدون ، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي " [24] ، وقد ورد عنهم ما يلي :
أ – ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ( 18919 ) : عن ابن جريج قال : سمعت عطاء يقول : كان من مضى يؤتى أحدهم بالسارق فيقول : أسرقت ؟ قل : لا ! أسرقت قل : لا ! علمي أنه سمى أبا بكر وعمر .
وأخبرني : أن علياً أُتِيَ بسارقين معهما سرقتهما ، فخرج فضرب الناس بالدِّرَّة حتى تفرقوا عنهما ولم يدع بهما ، ولم يسأل عنهما . [25]
يرد عليه :
1 – أنَّ هذا الأثر لا يصح .
2 – على فرض التسليم بصحته : فليس فيه أنَّ هذا السارق أقرَّ بسرقته ، وإنما الذي يظهر أنَّ هذا قبض عليه متلبساً بالجريمة أو اشتبه في كونه سارقاً ؛ فهذا دليل على جواز تلقين المتهم الحجة لا على جواز الرجوع عن الإقرار .
ب – ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( 28579 ) قال : حدثنا محمد بن بكر ، عن ابن جريج ، عن عكرمة بن خالد قال : أُتِيَ عمر بسارق قد اعترف . فقال عمر : إني لأرى يدَ رجلٍ ما هي بيد سارق . قال الرجل : والله ما أنا بسارق ! فأرسله عمر ولم يقطعه . [26]
يرد عليه :
1 – أنَّ هذا الأثر لا يصح .
2 – على التسليم بصحته : فهذا المتهم لم يُقرَّ أمام الحاكم بالسرقة .
3 – ثم ثانياً : هذا دليل على أنَّ الحاكم إذا شكَّ في صحة إقرار المتهم – بفراسته أو قرينة – فعليه أن يتأكد من صحة هذا الإقرار ، فإذا تبيَّن له عدم صحته اعتبر هذا الإقرار لاغياً ، وهذا لا نخالفكم فيه ؛ لكنه ليس موطن النزاع بيننا .
ج – ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( 28830 ) : قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن حجاج ، عن الحسن بن سعد ، عن عبد الله بن شداد : أنَّ امرأة رًفعت إلى عمر أقرَّت بالزنا أربع مرات ، فقال : إنْ رجعت لم نُقم عليها الحد ، فقالت : لا يجتمع عليَّ أمران : آتي الفاحشة ولا يُقام عليَّ الحد ! قال : فأقامه عليها [27] .
يرد عليه :
1 – أنَّ هذا الأثر لا يصح .
د – ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( 28831 ) قال : حدثنا حفص ، عن حجاج ، عن نافع ، عن سليمان بن يسار : أنَّ أبا واقدٍ بعثه عمر إليها ، فذكر مثله [28] .
يرد عليه :
1 – أنَّ هذا الأثر لا يصح .
هـ - ما أخرجه أبو يعلى في مسنده ( 328 ) قال : حدثنا عبيد الله : حدثنا عثمان بن عمر : حدثنا هذا الشيخ أيضا أبو المحياة التيمي قال : قال أبو مطر : رأيت علياً أتي برجل فقالوا : إنه قد سرق جَمَلاً فقال : ما أُرَاكَ سرقت ! قال : بلى ! قال : فلعله شُبِّهَ لك ؟ قال : بلى قد سرقت ! قال : اذهب به يا قُنْبُر فشد أصبعه وأوقد النار وادع الجزار يقطعه ، ثم انتظر حتى أجيء ، فلما جاء قال له : سرقت ؟ قال : لا ! فتركه . قالوا : يا أمير المؤمنين لم تركته وقد أقر لك ؟ قال : أخذته بقوله وأتركه بقوله ، ثم قال علي : أتي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – برجلٍ قد سرق فأمر بقطعه ثم بكى . فقيل : يا رسول الله لم تبكي ؟ فقال : وكيف لا أبكي وأمتي تقطع بين أظهركم ؟ قالوا : يا رسول الله أفلا عفوت عنه ؟ قال : " ذاك سلطان سوء الذي يعفو عن الحدود ، ولكن تعافوا بينكم " . [29]
يرد عليه :
1 – أنَّ هذا الأثر لا يصح .
2 – على التسليم بصحة هذا الأثر : أنَّ استدلال علي – رضي الله عنه – بحديث النبي – صلى الله عليه وسلم – في غير مَحَلِّهِ ، وذلك لأنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – أَمَرَ بقطعه ولم يلقنه الرجوع ، ولا طَلَبَ ممن سيقطع يده أن يخيف المتهم قبل إقامة الحدِّ عليه لعله يرجع ؛ بل قصارى حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – يدل على مشروعية العفو عن العقوبة فيما فيه حقٌّ خاص وعام ، قبل بلوغ الإمام .
3 – أنّ َ هذا اجتهاد من صحابي مخالفٌ لفعل النبي – صلى الله عليه وسلم – وإقرارهِ لصحابته – رضوان الله عليهم – ، والله سبحانه يقول : " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول " فلم نؤمر بطاعة من خالفهما .
و – ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ( 28832 ) : قال : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن عامر وعطاء قالا : إذا أقرَّ بحدٍّ زنا أو سرقة ، ثم جحد دُرِئَ عنه .
يرد عليه :
1 – أنَّ عامراً وعطاءً من التابعين ، وقولهم يحتجُّ له ولا يُحْتَجُّ بِهِ .
2 – أننا نجد في القول الآخر : قول الحسن – وهو من أئمة التابعين – يقول في الرجل يُقِرُّ عند الناس ثم يجحد . قال : يؤخذ به . [30]
الدليل الخامس : أنَّ رجوع المقرِّ عن إقراره شبهة ، والحدود تدرأ بالشبهات ، والشبهة هنا : احتمال كذبه على نفسه .
يرد عليه :
1 – أنَّ مجرد الرجوع ليس شبهةً [31] ، وذلك بدليل ما ذكرتموه في سبب عدم دفع دية ماعز – رضي الله عنه – .
2 – ومما يؤكد ذلك أيضاً : أنَّه لا يكاد شخص سيعرض على السيف أو الحجارة أو يعلم مصيره بسبب إقراره إلا ويرجع عن اعترافه ليدرءَ عن نفسه الحد ؛ وهذا في حقيقته تعطيلٌ لحدود الله ! ومثل هذه الشبهات السامجة لو درئت بها الحدود لضاعت حقوق العباد وخاصةً أن المجرم لا يرتكب جريمته علناً أمام الناس من أجل أن نَجِدَ من يشهد عليه ؛ فإذا لم يوجد الشاهد ولم نأخذ بإقراره الأول ضاعت الحقوق والحدود .
3 – أنَّ احتمال كَذِبِ الإنسان على نفسه ضعيفٌ جداً ؛ فمن ذا الذي يرضى أن يُدَنِّسَ سمعته وشرفه كذباً وزوراً منه على نفسه ؟! إلا اللهم مَنْ فقد أهليته المعتبرة شرعاً !
4 – أنه على افتراض إمكانية أن يكذب الإنسان على نفسه ؛ فهل سيؤدي هذا الرجوع عن الإقرار إلى تعزيره تعزيراً بليغاً على كذبه ومحبته لإشاعة الفاحشة بين المسلمين ؟! بل هل سيقام عليه حد القذف لقذفه تلك المرأة التي ادَّعى زناه بها ؟! [32] وهذا مما يُنَازعُ فيه بعض القائلين بالقول الثاني .
5 – أنَّ كون المتهم يكذب في رجوعه عن إقراره أقرب من كونه يكذب في إقراره ؛ لأنه بعيدٌ أن يقر الإنسان على نفسه أنه زنا وهو لم يَزْنِ ، لكنه قريبٌ أن يرجع عن إقراره إذا رأى أنه سيقام عليه الحد .
الدليل السادس : أن الإقرار إحدى بينتي الحد ، فيسقط بالرجوع عنه ؛ كالبينة إذا رجعت قبل إقامة الحد .
يرد عليه :
أنَّ هذا قياسٌ مع الفارق ؛ وذلك : أنَّ الحدَّ الذي يثبت عن طريق الشهادة يحتمل فيه الصدق والكذب من الشهود إمَّا خطأً أو عداوةً ؛ بخلاف إقرار الإنسان على نفسه .
القول الثالث : أن رجوع المقر عن إقراره في الحدود إذا كان لِشُبْهَةٍ قُبِلَ رجوعه [33] ، وإذا كان لغير شبهة لم يقبل ، وهذا هو قول مالكٍ في روايةٍ [34] واختاره بعض المالكية [35] ، وذكره بعض الشافعية [36] .
أدلتهم :
أن الرجوع عن الإقرار إذا كان لشبهةٍ قُبِلَ لقوله – صلى الله عليه وسلم – : " ادرؤوا الحدود بالشبهات " [37] ، وأمَّا إذا كان لغير شبهة فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : " يا أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله ، من أصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله ، فإنه من يُبْدِ لنا صفحته نقم عليه كتاب الله " [38] .
تعقيب : بالتأمل في هذا القول ظهر لي أنه في حقيقته راجعٌ إلى القول الأول ، وذلك : أنَّ الفقهاء الذين نَصَّوا على عدم قبول رجوع المقرِّ عن إقراره لم أجد فيهم من يُخَالف في كون المقر لو أَقَرَّ عن إكراهٍ [39] – مثلاً – وهو شبهة = أنه يقيم عليه الحد بناءً على هذا الإقرار ؛ بل يعتبر إقراره ذلك لاغياً غير معتبر .
وتقدير كون هذه شبهة مقبولة من عدمها راجعٌ إلى اجتهاد الحاكم ونظره ؛ والله أعلم .
المسألة الثانية : الرجوع عن الإقرار في التعازير ، ويدخل في ذلك حقوق الله التي لا تدرأ بالشبهات :
المسألة الثالثة : الرجوع عن الإقرار في حقوق الآدميين .
قال ابن قدامة في المغني ( 5 / 96 ) : فأما حقوق الآدميين ، وحقوق الله التي لا تدرأ بالشبهات – كالزكاة والكفارات – فلا يقبل رجوعه عنها ، ولا نعلم في هذا خلافاً .
حرر في يوم الثلاثاء الموافق 12 / 5 / 1428هـ
والحمد لله أولاً وآخراً .
اضغط هنا للذهاب إلى تخريج زيادة : " هلا تركتموه .... " .
______________________________ __________
[1]كتبت هذا قبل أن أطلع على بحث نُشِرَ في مجلة العدل في عددها ( 11 ) لعام 1422 هـ ، للشيخ راشد بن فهد آل حفيظ .
[2]قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في التعليق على السياسة الشرعية ( ص 206 ) :
فصار عندنا ثلاث مسائل :
الأولى : ما ثبت ببينة ؛ فإنه لا تقبل توبته بعد القدرة عليه ، أما قبل القدرة عليه فتقبل .
الثانية : ما ثبت بإقرار بأن جاء هو بنفسه مقراً ، ولكنه تائب ؛ فلإمام الخيار بين أن يقيم الحد عليه ، أو لا يقيمه ؛ إلا إذا اختار الفاعل الذي فعل ما يوجب الحد إقامة الحد ... فهنا نقيم الحد عليه ...
الثالثة : إذا أقرَّ ثم رجع عن الإقرار ؛ ففيه للعلماء ثلاثة أقوال :
قبول الرجوع مطلقاً ،
وعدم قبول الرجوع مطلقاً ،
والثالث التفصيل .
وعدم قبول توبته إنما هو في الظاهر أمامنا ، أما عند الله فتقبل ما لم تكن توبةَ مكرهٍ . اهـ
[3] نقله صاحب الشرح الكبير في ( 26 / 313 ) .
[4] نقله صاحب الشرح الكبير في ( 26 / 313 ) .
[5]نقله صاحب الشرح الكبير في ( 26 / 313 ) .
[6] قال شيخ الإسلام في الصارم المسلول ( 3 / 949 ) : وظاهر طريقة أبي بكر – غلام الخلال – أنه يُفَرِّقُ بين التوبة قبل أنْ يُقِرَّ – بأن يجيء تائباً – وبين أن يُقِرَّ ثم يتوب ؛ لأن أحمد – رضي الله عنه – إنما أسقط الحدَّ عمن جاء تائباً ، فأما إذا أقرَّ ثم تاب فقد رجع أحمد عن القول بسقوط الحد .
[7] نقله عنه صاحب الشرح الكبير في ( 26 / 560 ) في باب حد السرقة .
[8] المحلى ( 7 / 100 ) .
[9] قال في الاختيارات ( 532 ) : ... وسر المسألة أن الرجوع عن الدعوى مقبول ، والرجوع عن الإقرار غير مقبول ، والإقرار الذي لم يتعلق به حق لله ولا حق للآدمي = هو من باب الدعاوى فيصح الرجوع عنه اهـ . ويرى أنَّ التائب المقر لا يقام عليه الحد إذا كانت توبته قبل إقراره إلا إذا طلبه كما في مجموع الفتاوى ( 16 / 31 ) ، ( 28 / 301 ) .
وقال في الصارم المسلول ( 3 / 690 ) : فثبت بهذه الآية – أي آية الحرابة – أنَّ من تاب بعدَ أنْ قُدِرَ عليه لم تسقط عنه العقوبة ... ولهذا لم نعلم خلافاً يُعْتَمَدُ في أنَّ السارق أو الزاني لو أظهر التوبة بعد ثبوت الحد عليه عند السلطان لم يسقط الحد عنه ، وقد رجم النبي – صلى الله عليه وسلم - ماعزاً والغامدية ، وأخبر بحُسْنِ توبتهما ، وحُسْنِ مصيرهما . اهـ
[10] قال ابن القيم – رحمه الله – في إعلام الموقعين ( 2 / 60 ) حيث قال : وَسَأَلْت شَيْخَنَا عَنْ ذَلِكَ ; فَأَجَابَ بِمَا مَضْمُونُهُ : بِأَنَّ الْحَدَّ مُطَهِّرٌ , وَأَنَّ التَّوْبَةَ مُطَهِّرَةٌ , وَهُمَا اخْتَارَا التَّطْهِيرَ بِالْحَدِّ عَلَى التَّطْهِيرِ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ , وَأَبَيَا إلَّا أَنْ يُطَهَّرَا بِالْحَدِّ , فَأَجَابَهُمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلَى ذَلِكَ وَأَرْشَدَ إلَى اخْتِيَارِ التَّطْهِيرِ بِالتَّوْبَةِ عَلَى التَّطْهِيرِ بِالْحَدِّ ، فَقَالَ فِي حَقِّ مَاعِزٍ : " هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ " وَلَوْ تَعَيَّنَ الْحَدُّ بَعْدَ التَّوْبَةِ لَمَا جَازَ تَرْكُهُ , بَلْ الْإِمَامُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ كَمَا قَالَ لِصَاحِبِ الْحَدِّ الَّذِي اعْتَرَفَ بِهِ : " اذْهَبْ فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك " وَبَيْنَ أَنْ يُقِيمَ كَمَا أَقَامَهُ عَلَى مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّ ةِ لَمَّا اخْتَارَا إقَامَتَهُ وَأَبَيَا إلَّا التَّطْهِيرَ بِهِ , وَلِذَلِكَ رَدَّهُمَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِرَارًا وَهُمَا يَأْبَيَانِ إلَّا إقَامَتَهُ عَلَيْهِمَا , وَهَذَا الْمَسْلَكُ وَسَطٌ بَيْنَ مَسْلَكِ مَنْ يَقُولُ : لَا تَجُوزُ إقَامَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَلْبَتَّةَ , وَبَيْنَ مَسْلَكِ مَنْ يَقُولُ : لَا أَثَرَ لِلتَّوْبَةِ فِي إسْقَاطِهِ أَلْبَتَّةَ , وَإِذَا تَأَمَّلْت السُّنَّةَ رَأَيْتهَا لَا تَدُلُّ إلَّا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْوَسَطِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
وقال في زاد المعاد ( 5 / 30 ط الرسالة الجديدة ) في فصل في قضائه – صلى الله عليه وسلم – على مَنْ أَقَرَّ بالزنا : ... وأنَّ المقر إذا استقال في أثناء الحد ، وَفَرَّ = تُرِكَ ولم يتمم عليه الحد . فقيل : لأنه رجوع . وقيل : لأنه توبة قبل تكميل الحد ، فلا يقام عليه ؛ كما لو تاب قبل الشروع فيه ، وهذا اختيار شيخنا .
[11] الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري ( 4 / 315 ، 317 ) حيث قال في الموضع الأخير : المرجوم إذا هَرَبَ فإن صحت " هلا تركتموه " يترك ، ثم قيده بمن جاء تائباً نادماً ، وإلا فلا .
[12] الشرح الممتع ( 14 / 267 ) قال – رحمه الله – : أما من حيث النظر بالدلة فلا شك أنَّ الراجح هو قول الظاهرية لا سيما إذا وجد قرائن ... والمهم – على كل حال – أنّض درء الحدود بمثل هذه الشبهات البعيدة بعيدٌ عن الصواب .
وقال في التعليق على السيائة الشرعية ( 205 ) : أما إذا كان مجرد إقرار ، كأن أُمْسِكَ بِهِ ، وقيل : أنت سارق فأقر ، ولم يصف ما يوجب الحد ؛ فإنه يقبل رجوعه للشبهة .
وهذا القول أدنى ما نقول في قبول رجوع المقر إذا رَجضعَ عن إقراره ، وإلا فلو قيل : إنه لا يقبل مطلقاً لكان له وجهٌ ، لأنه جاء وأقر ، إلا أن يكون هناك ملابسات أنه اكره على أنْ يُقِر .
وقال أيضاً ( 291 ) : وإذا أقر ثم رجع ... والصحيح : انه لا يسقط ، لا سيما إذا وصف الجريمة ...
[13] أخرجه البخاري ( 5271 ) ، ومسلم ( 1691 ) عن أبي هريرة – رضي الله عنه – .
[14] سيأتي الكلام مفصلاً عن هذه الزيادة في ملحق هذا البحث ، والمتعلق بتخريجها .
[15] جاء من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أخرجه النسائي ( 4905 ) وقال النسائي عن الرواية الموقوفة في سننه الكبرى ( 7392 ) : وهذا الصواب . وكذلك رجح الدارفطني وقفه في العلل ( 11 / 212 ) ، وحسنه الألباني موقوفاً في حكم المرفوع .
وأخرجه ابن ماجه ( 2537 ) عن ابن عمر – رضي الله عنهما – وقال البوصيري في الزوائد : في إسناده سعيد بن سنان ضعفه ابن معين وغيره . وقال الدار قطني : يضع الحديث . وحسنه الألباني !
[16] أخرجه أبو داود ( 4420 ) وحسنه الألباني ، وسيأتي الكلام عليه في الملحق ، وبيان الصواب في هذا الحديث .
[17] بدائع الصنائع للكاساني( 7 / 61 ) ، والبحر الرائق لابن نجيم ( 5 /8 ) ، والعناية شرح الهداية ( 5 / 233 ) ، وفتح القدير ( 5 / 223 ) .
[18] وهو نصُّ قولِ مالك – كما في المدونة 4 / 482 – ، وانظر : الفواكه الدواني للنفراوي ( 2 / 228 ) ، وشرح مختصر خليل ( 8 / 81 ) .
[19] المهذب للشيرازي ( 2 / 346 ) ، ومغني المحتاج للنووي ( 4 / 150 ) ، وحاشية قليوبي وعميرة ( 4 / 183 ) ، وفتاوى السبكي ( 2 / 335 ) .
[20] الفروع لابن مفلح ( 6 / 60 ) ، المغني (9 / 119 ) ، الإنصاف ( 26 / 208 ) وقال : هذا المذهب في جميع الحدود ... وقال في عيون المسائل : يقبل رجوعه في الزنا فقط ...
[21] فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن إبراهيم ( 12 / 48 ) وَ ( 12 / 50 ) .
[22] أخرجه أبو داود في سننه ( 4434 ) ، وضعفه الألباني في الإرواء ( ح 2359 ) .
[23] أخرجه أبو داود ( 4380 ) ، وابن ماجه ( 2597 ) ، والبيهقي في شعب الإيمان ( 7062 ) ، وقال الخطابي في المعالم ( 6 / 127 ) : في إسناد هذا الحديث مقال . وقال الزيلعي في نصب الراية ( 4 / 99 ) بعد أن ساق الحديث : وفيه ضعف ، فإن أبا المنذر هذا مجهول لم يرو عنه إلا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ؛ قاله المنذري . وضعفه الألباني .
[24] أخرجه الترمذي ( 2676 ) ، وابن ماجه ( 42 وَ 43 ) وصححه الألباني .
[25] وأخرج الجزء الأول من الأثر : ابن أبي شيبة في مصنفه ( 28580 ) وإسناده منقطع ؛ فإنَّ عطاءً لم يدرك أبا بكر وعمر – رضي الله عنهما – .
[26] وأخرجه عبد الرزاق ( 18793 ) وَ ( 18920 ) . والأثر معلول بعلتين :
الأولى : الانقطاع : فإنَّ عكرمة بن خالد لم يسمع من عمر ؛ قاله الإمام أحمد .
الثانية : تدليس ابن جريج : فابن جريج مدلس وقد عنعن ؛ لكن يجاب عن هذا التعليل بأن ابن طاوس تابع ابن جريج عند عبد الرزاق في المصنف . فتبقى العلة الأولى دليلاً على ضعف هذا الأثر .
قال في التحجيل : إسناده منقطع .
[27] فيه الجاج بن أرطاة وهو قد جمع مع سوء الحفظ تدليساً ، كما أنه هنا روى الحديث من وجهين ، ومثله لا يحتمل من هذا .
[28] فيه الحجاج بن أرطاة ؛ تقدم الكلام عليه في التعليق السابق .
[29] وفي إسناده أبو مطر وهو البصري الجهني . قال أبو حاتم : مجهول لا يعرف . وقال أبو زرعة : لا أعرف اسمه . وقال عمر بن حفص بن غياث : ترك أبي حديثه ؛ فلذا قال الهيثمي في المجمع ( 6 / 397 ) : وأبو مطر لم أعرفه .
[30] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ( 28834 ) ، وأخرج عنه – أيضاً – ( 28835 ) التفريق بين الإقرار قبل بلوغ السلطان وبعده .
[31] قال الشوكاني في السيل الجرار ( 4 / 184 ) : وليست الشبهة التي أمرنا بدرء الحدود عنها إلا ما كانت موجبةً للاشتباه ، موقعةً في اللبس ، وإلا كان ذلك من إهمال الحدود التي ورد الوعيد الشديد على مَنْ لم يقمها .
[32] نقله صاحب الشرح الكبير ( 26 / 208 ) عن الأوزاعي أنه يقول : إنْ رَجَعَ – أي عن إقراره بالزنا – حُدَّ للفرية على نفسه ، وإنْ رجعَ عن السرقة والشرب ضربَ دون الحد .
[33] وهذا لم يختلف فيه قول المالكية ، كما نقل ذلك الباجي ( 7 / 143 ) .
[34] المدونة ( 4 / ) ، كما أنَّ الباجي ذكر ذلك في المنتقى ( 7 / 143 وَ 168 ) وكلامه نفيس ، وانظر أحكام القرآن لابن العربي ( 4 / 301 ) .
[35] المنتقى للباجي ( 7 / 143 ) ، وقوانين الأحكام لابن جزي ( ص 313 ) ، وشرح ميَّاره لتحفة الحُكَّام ( 2 / 267 ) .
[36] تحفة الحبيب للبجيرمي ( 3 / 143 ) .
[37] الصحيح في هذا الحديث : أنه لا يصح مرفوعاً إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – وإن كان الحكم المتضمن له هو محل اتفاق بين الفقهاء ، وق أطال في تخريجه الزيلعي في نصب الراية ( ) ، وابن الملقن في البدر المنير ( ) ، والألباني في إرواء الغليل ( 7 / ) .
[38] أخرجه مالك في الموطأ ( 2 / 825 رواية الليثي ) ، والبيهقي في شعب الإيمان ( 7 / 111 ) .
[39] قال ابن حزمٍ – رحمه الله – في المحلى ( 7 / 100 ) : ... وكان المقر عاقلاً بالغاٌ غير مكرهٍ ، وأقر إقراراً تاماً ، ولم يصله بما يفسده .. .