تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: وتلك الأيام: ذكريات غالية بكلية الشريعة أكادير(الحلقة الثانية)

  1. #1

    افتراضي وتلك الأيام: ذكريات غالية بكلية الشريعة أكادير(الحلقة الثانية)

    مع الأستاذ المفضال: محمد الوثيق
    هذا الرجل من أحب الأساتذة إلى قلبي، ولست أعلم له نظيرا في تواضعه وحلمه، وحبه لطلبته إلا شيخنا الجليل مصطفى سليمي بالمركز التربوي الجهوي بأسفي.
    فحصته حفظه الله تمر علي كالبرق، وكم وددت لو كانت كل الساعات من تأطيره، ذلك أن منهجه فريد في التدريس، فهو يطرح المسألة ويؤصلها ثم يترك النقاش للطلبة، فيتبادلون الفوائد والمعلومات ...وهو نفس صنيع شيخنا سليمي بأسفي، لذلك قلت إن بينهما تشابها كبيرا في القلب والقالب.
    والذي يعجبني في الأستاذ طول سكوته مع علم وقاد، فقد يسكت الحصة كاملة تاركا وقتها الكامل لتدخلات الطلبة...
    النقاشات عنده محتدمة، خصوصا في بعض المواضيع الحساسة، التي يقع الخلاف فيها بين الطلبة عادة.
    ومن أشد النقاشات التي عشتها ما وقع لنا مع بعض الطلبة من دعاة الشغب والنشاز، الذين عناهم الإمام الطرطوشي رحمه الله في قوله: "إذا رأيت الرجل جبل على الخلاف، إن قال الناس نعم قال لا، وإن قال الناس لا قال نعم، فألحقه بعالم الحمير، فإن دأب الحمار إن أقربته بعد، وإن أبعدته قرب"
    هذا الطالب الصحراوي، كان يشن كل غاراته على السنة وأهلها وأعلامها، فلما أراد الله أن يكشف أمره، وقع في الصحابة ونفى أن يكونوا عدولا، كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة، فلما تكلم بخباله هذا، قال لنا الأستاذ الفاضل: من يرد عليه؟
    فرفع كثير من الطلبة أصابعهم، ومنهم أخونا أبو جعفر، ثم تقدمت إلى الإمام وأخذت مكبر الصوت ورددت عليه بكلام أهل العلم موثقا من مصادره وبينت خطورة كلامه، فكانت هذه المداخلة حزا لغلاصمه، ومنذ ذلك الوقت، وهو يكن لي من البغض ما الله به عليم، وحيثما حل وارتحل يشغب علي، وأنا أحمد الله عز وجل أن هذا البغض مصدره دفاعي عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إنه مرة حضر في نقاش لنا مع أشعري محترق نسقه بعض إخواننا، وكان غرضه من الحضور أن يستبشر بانهزامي في المناظرة تشفيا وانتقاما، لكن الله رد كيده في نحره، وخرج مع شيخه الأشعري وهو يجر أذيال الخيبة والهزيمة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
    قصدي أن الأستاذ لما أنهيت مداخلتي قال لي بصوت خافت لما ممرت بجانبه: "جزاك الله خيرا"
    وبعد صدور نتائج الامتحانات وجدت أن الأستاذ قد منحني في مادته نقطة :17 وهي أعلى نقطة في مادته.
    والكلام عن أستاذنا الدكتور محمد الوثيق يطول أكتفي بهذا القدر منه والحمد لله وحده.


    مع العلامة محمد جميل مبارك
    شيخنا العلامة محمد جميل مبارك حفظه الله جمع الله فيه صفات قل أن تجدها مجتمعة في عالم خصوصا في هذه العصور، فهو شيخ متقن للقراءات العشر، وأصولي ضليع، وفقيه نوازلي متمكن مع بصيرة بعلم الحديث والآثار، أما اللغة العربية فهو ابن بجدتها كما يقال...
    درس في أول أمره بالمدارس العلمية العتيقة، وفيه حفظ المتون الشرعية واللغوية، وحسب علمي أن دراسته كانت بمدرسة إداومنو، ثم سافر إلى أرض الكنانة وفيها أخذ القراءات عن شيوخ البلد، ليرجع بعد ذلك إلى المغرب شيخا مدرسا، ومشروعه في المقرأة التي أنشأها بمدينة أكادير مشروع فريد أصيل بلغ صيته أقاصي البلاد.
    درسنا عنده مادة القراءات ومادة القواعد الفقهية، وفيهما استفدنا علما غزيرا من فيض علمه حفظه الله.
    والرجل سني أثري جمع بين مقومات السمت والصناعة، وتلك أخلاق العلماء.
    ومن عجيب أمره تواضعه الجم وصبره عن تساؤلات الطلبة بعد نهاية الحصة وخروجه من الكلية
    ووالله كم من مرة رغبت في سؤاله عن مسائل كثيرة، ويمنعني من ذلك ما أراه من كثيرة توقيف الطلبة له تحت حر الشمس وهو صابر محتسب يجيب بأريحية عجيبة عن أسئلتهم ولا يكاد يدعهم حتى يدعوه.
    إذا شارك في ندوة من الندوات كانت كلمته كالدر الثمين، في أسلوبها ودقة أدلتها، وسلامتها من اللغو وحشو الكلام، وهو فخر للكلية، إن خرج منها أكاد أجزم أن أحدا لا يستطيع أن يسد مسده.
    مرة أطلعته على النادي ومشروعه وأهدافه، وكان ذلك قبل التأسيس، فأعجبته الفكرة وفرح بها، وأخبرني أنه يسعد بالإشراف عليه، ولكن يمنعه من ذلك كثرة أشغاله.
    حفظه الله وأمد في عمره.
    مع العلامة محمد الحسن شرحبيلي
    الذي يعجبني في شيخنا الفاضل هو تمسكه بالمذهب المالكي عقيدة وفروعا، فهو سلفي العقيدة خلافا لجدودنا الذين جعلوا دينهم ـ منذ عهد الدولة الموحدية ـ مبنيا على أصول ثلاثة: العقيدة الأشعرية والفقه المالكي والتصوف السني، فاخترعوا لأنفسهم هذا التمذهب المبعض كما قال ابن عاشر في المرشد المعين:
    في عقد الأشعري وفقه مالك......وفي طريقة الجنيد السالك
    وقد درسنا على شيخنا عقيدة الإمام مالك السلفية، وكان حفظه الله يقول لنا بصريح العبارة" أنا أقول العقيدة السلفية ولا أقول عقيدة أهل السنة، حتى نخرج الأشاعرة الذين يتسمون بهذا الاسم".
    وهو شيخ وقور له هيبة في النفس وكلام نفيس، وصاحب طرفة في غالب مجالسه حفظه الله.
    ومن نبذ كلامه التي لا زلت أحفظها منه:
    ـ قوله بالمعنى: "بعض السوسيين وفقهائهم يصلون صلاة لو نظرت فيها وجدتها باطلة عند جميع المذاهب الأربعة، ذلك أن المالكية جعلوا الاطمئنان والاعتدال من الفرائض فترك واحد منهما يبطل الصلاة، والمذهب المتساهل في هذا الجانب هو المذهب الحنفي حيث جعل الاعتدال فرضا دون الاطمئنان. أما بعض أهل سوس فلا يأتون بالاعتدال ولا بالاطمئنان ولذلك قلت: إن صلاتهم باطلة عند جميع المذاهب".
    قلت: وهذا من عمق فقهه ونظره حفظه الله.
    ـ قوله: "التقيت مع الشيخ الألباني رحمه الله في مأدبة لما زار المغرب، فشرب أحد الحاضرين من كأس الماء، فأخذه الألباني وشرب ما تبقى فيه ثم قال ـ يعني الألباني ـ : لم أشرب بقية الماء لأني أصحح حديث" سؤر المؤمن شفاء" ولكن شربت تواضعا"
    قلت: وهذا من عجائب حرص الشيخ الألباني على تنبيه الناس إلى التمحيص في الاستدلال بالأحاديث.
    ـ ومن جميل أقواله: "التمسك بالسنة مع بعض التشدد يساوي مذهب الخوارج".
    وكان يردد كثيرا في دروسه قولة الإمام مالك الذهبية: "كان أهل بلدنا لا يحبون الكلام إلا فيما تحته عمل"
    ومن طريف ما وقع لي مع فضيلته أنه مرة أمسك بيدي وقال بصوته الوقور: "إن كنتم لا تستفيدون منا شيئا فأخبرونا حتى لا نضيع أوقاتكم" أو كما قال، وهذا من تواضعه حفظه الله.
    ومرة أخرى رآني في الساحة بعد انقضاء ندوة المناهج التي سبق أن تحدثت عنها، وكان حاضرا فيها واستمع إلى تدخلي وتعقيبي على الدكتور حيمود، وأعجبته الخاتمة التي ختمت بها حين قلت: " وأعتذر لأستاذي الكريم على هذه الملاحظات، فلست بها مدعيا علما ليس عنده، وإنما حالي كما قال ابن القيم حين سئل: لم تخالف شيخك ابن تيمية؟ فقال: مثلي ومثل ابن تيمية كمثل الهدهد مع سليمان قال له:"أحط بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبإ يقين""
    فقال لي مناديا بصوت مرتفع: وا الهدهد وا الهدهد" ـ كذا باللفظ الدارج ـ فلما جئته وسلمت عليه قال لي بصوت هادئ: "ها الهدهد كاين أوخصنا سليمان" بمعنى: أن الهدهد موجود لكننا نفتقد سليمان، ففرحت كثيرا لكلامه، وعلمت منه إعجابه بتدخلي، والحمد لله وحده.
    مع العلامة مولاي الحسين ألحيان
    أما شيخنا العلامة مولاي الحسين ألحيان فالكلام عنه ذو شجون، فهو أصولي متمكن، وصاحب أخلاق عالية جدا، مع جد في العمل قل نظيره.
    وكان أشد ما يبغضه ويغضبه أن يرى طالبا يتكلم مع جليسه، أو لا يبالي بالدرس.
    درسنا مادة الأصول، في شقها المتعلق بالدلالات، وقبلها مادة تاريخ التشريع، وكانت دروسه من أرسخ الدروس في ذهني وأكثره إفادة.
    ومن مواقفه التي تسجل له حفظه الله أن أحد الطلبة من الذين جبلوا على الخلاف والتشنيع على العلماء والرفع من شأن السفهاء، طلب مداخلة ـ وكنا نتحدث عن الإجماع ـ فقال: " هناك بعد العلماء يدعي استحالة وقوع الإجماع ومنهم الناطق الرسمي باسم السلفية ـ كذا قال حرفيا ـ الألباني..." ثم بدأ يطعن في الشيخ بأسلوب سخيف
    فقاطعه الأستاذ ورد عليه طعنه ودافع عن العلامة الألباني فكان مما قال: "من قال لك إن الشيخ الألباني هو الناطق الرسمي باسم السلفية....الألبا ني خدم الحديث خدمة جليلة وبين الضعيف من الصحيح، وتصحيحه وتضعيفه ليس من عنده حتى يلام، فهو يذكر بعد كل حديث من خرجه وعلته..." أو كما قال حفظه الله.
    وهو الذي أشرف على إجازتي التي سجلتها تحت عنوان: "تحفة القضاة في بعض مسائل الرعاة لأبي العباس الملوي التازي نسخ وتقديم وتعليق"
    ورأيت منه طيلة مدة الإشراف عجبا، فقد كان الطلبة الذين أشرف على بحوثهم يتابعهم في كل مرة، وكنت أنا كلما جئته قال لي: اعمل على بركة الله، ولم ير بحثي إلا بعد أن سلمته إلى الإدارة.
    وهذا من ثقته في، جعلنا الله عند حسن ظنه وظن شيوخنا آمين.
    مع الأستاذ عبد العزيز بلاوي
    أستاذنا الكبير عبد العزيز بلاوي حفظه الله هو الذي تفضل بقبول الإشراف على النادي العلمي، وهذه مفخرة كبيرة في نظري، تكفيه لوحدها.
    والرجل عجيب في أخلاقه وتواضعه وحبه لطلبته ودفاعه عنهم في كل المحافل الإدارية والتربوية والمجالس الخاصة.
    أذكر أنني ألقيت عنده عرضا تحت عنوان: "منزلة السنة في الإسلام" بمعية أخي أبي الوليد والأخ الفاضل أبي فراس مصطفى عفيف والأخ الفاضل محمد باكين، فلما أنهينا العرض أعجب إعجابا كبيرا به، وبالغ في الثناء عليه، ولما انتهت الحصة قال لنا: "نقطة 14 فما فوق مضمونة لكم جميعا مهما كانت نتائج الفروض" أو كما قال، فقلت في نفسي: هذا الكلام من باب قول النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بدر: "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"
    وفضل الأستاذ علينا وعلى طلبة النادي العلمي كبير وكبير جدا، وقديما قال الشافعي المطلبي في شيخه مالك بن أنس: "ليس أحد أمن علي في دين الله من مالك بن أنس"
    وأنا أقول تشبها به: ليس أحد أمن علي في الدعوة إلى الله من شيخي عبد العزيز بلاوي....
    فإشرافه حفظه الله على النادي مستبشرا فرحا، بعد طول تعب ونصب ليس بالأمر الهين.
    ولهذا أقول لأستاذنا: جزاك الله خيرا.
    مع الأستاذ عبد المنعم حميتي
    شيخنا عبد المنعم حميتي آية في التواضع مع العلم الرصين، فهو العلامة الفرضي كما يعرف به بين طلبة الكلية، يدرس مادة الميراث، ويضفي عليها رونقا خاصا بأسلوبه الجميل، مع كونها مادة مملة في أصلها بسبب اعتمادها على القواعد والحسابات.
    وهو حفظه الله صاحب طرفة ولطائف، خصوصا في مناقشاته لرسائل السلك الثالث، مع دقة نادرة في تتبع كل صغيرة وكبيرة في البحث.
    وقد حضرت بحثا ناقشه فكانت أول ملاحظة ذكرها في صفحة الإهداء حيث كتب فيها صاحب البحث: " إلى أبي وأمي الذين ربياني صغيرا وعلماني كبيرا" فقال له الأستاذ: صحح هذه العبارة فالذي ذكرته يفيد أن والديك ربوك صغيرا ولم يعلموك، وعلموك كبيرا ولم يربوك، والصواب أن تقول: إلى أبي وأمي الذين ربياني وعلماني صغيرا وكبيرا".
    وهذا من دقة ملاحظته وتتبعه فلله دره.
    ومن طرائفه في المناقشة قوله مرة بعد أن ذكر رقم الصفحة والفقرة: "هنا قوس أغلق الله أعلم أين فتح" فضجت القاعة ضحكا.
    ومن المواقف التي وقعت لي معه والتي أثرت في كثيرا، أني ذهبت إليه مرة رفقة بعض إخواننا في قاعته التي يدرس فيها، وكان ذلك بعد تأسيس النادي قصد إعلامه ببعض المسائل المتعلقة به، ولم أكن أعرفه من ذي قبل معرفة خاصة أو شخصية، فسلم عليه الأخ الذي معي مصافحة، فلما مددت يدي لأصافحه بادر بعناقي عناقا حارا مستفسرا عن أحوالي، فدهشت للموقف...وكأنه يعرفني مسبقا. ثم علمت فيما بعد أنه عرفني من مشاركاتي في الندوات، وسؤاله الأساتذة عني.
    لجنة الطالبة
    عندما أسسنا النادي المبارك ارتأينا تكوين لجنة داخله تعنى بتسيير شؤونه، والعمل على إنجاح مشاريعه بين صفوف الطالبات، وعيا منا بأهمية المرأة المسلمة العفيفة الصالحة في الرقي بالعمل الإسلامي عموما، والتعليمي الدعوي منه على وجه الخصوص.
    ولا أخفيكم أن بعض الطلبة رفضوا تأسيس هذه اللجنة من باب سد الذرائع، والغيرة الشديدة على النادي أن ينزلق في مسالك لا تحمد عقباها، غير أن نظرنا في مجموع أعضاء النادي انصب على ضرورة تأسيسها، مع الحرص على جعلها منضبطة بأحكام الشرع الحنيف المبنية على الوسطية والاعتدال من غير إفراط ولا تفريط.
    وكنت أقول لبعض إخواننا غير المقتنعين بالفكرة: "هب أننا قبلنا رأيك ولم نؤسس هذه اللجنة، فمن المستفيد ومن الخاسر؟ لا شك أن الخاسر هو النادي الذي سيسر على شق واحد، وسيعمل على جبهة واحدة...والمسلم الغيور هو الذي ينظر في العواقب، ويوازن بين المصالح والمفاسد".
    وكان بعض إخواننا الظرفاء يقول لي: "هل نعاني من خصاص في الرجال حتى تقوم الطالبات بالدعوة، نحن نقوم بالدعوة وهن يستفدن ويحضرن إن شئن" فقلت له: " بارك الله فيك وزادك حرصا على العمل بالسنة، ولكن أسألك بالله وأجبني بصدق كم كان عدد الصحابة؟ فقال لي: ألوفا مؤلفة فقلت: ولماذا كانت عائشة رضي الله عنها فقيهة الصحابة، وروت من الأحاديث ما فاق الألف، واستدركت عليهم علما كثيرا...فغيرتك هذه لا محل لها، لأن الصحابة كانوا أكثر غيرة وإيمانا" فاقتنع بكلامي، واقتنع به غالب من كان يرفض تأسيسها ولله الحمد.
    وبسبب هذه الاعتراضات من بعض الإخوة الفضلاء جمعت رسالة طيبة أسميتها: "الإعلام بتراجم أربعين عالمة من عالمات الإسلام" نشرت في أول معرض للنادي بعد التأسيس.
    قلت في مقدمتها: "فهذه باقة طيبة لطيفة من التراجم لثلة من عالمات الإسلام، اللواتي أسهمن في نشر العلم الصحيح بين المسلمين على مر العصور. جمعتها وانتقيتها من كتب السير والتراجم والتاريخ ، وأردت من وراء جمعها تقديم القدوة الصالحة، وتنبيه المرأة العفيفة المسلمة الغيورة على دين الله إلى سلفها الصالح، وإبطال دعوى طالما رددها العلمانيون والمنافقون وأذنابهم ـ لا كثرهم الله ـ وهي أن المسلمين طيلة تاريخهم ضيقوا على المرأة ومنعوها من طلب العلم، وجعلوها حبيسة البيت والطبخ والكنس ...فهذه الدعوى الكاذبة المكذوبة أوسع من الغبراء، وأكبر من أن تظلها الخضراء، يغني بطلانها عن إبطالها ويغني فسادها عن إفسادها ... دعوى يعلم تهافتها وتفاهتها من فتح كتابا واحدا من كتب التراجم والسير لما يجد مئات ـ بل ألوفا ـ من النماذج النسائية في طلب العلم والفقه والإفتاء ..."
    عودا على بدء أقول: إن لجنة الطالبة بالنادي الكريم، أعطت مثالا في العطاء والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وثمراتها الطيبة لا تزال تصل إلينا وتتناهى إلى أسماعنا، وكان لها الفضل بعد فضل الله عز وجل في توجيه الطالبات ونشر الفكر الأصيل، ومحاربة الفكر الدخيل، حتى عم الحجاب ساحة الكلية، وأصبح البرقع رمزا للحشمة والحياء، بعد أن كان في ظن الكثير رمزا للتخلف والانطواء ...
    فطوبى لمن حملن هم تسيير اللجنة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم".
    وأذكر أن أول عمل دعوي للجنة بعد التأسيس كان هو الندوة المنظمة ضمن فعاليات الأسبوع العلمي الأول تحت عنوان: "دور المرأة المسلمة في تنشئة العلماء أم الإمام مالك نموذجا"
    والكلام عن أم الإمام مالك العاليةبنتشريك الأزدية ـ نسبة لقبيلة الأزد المشهورة ـ له من الدلالات الشيء الكثير، فهي أمية لا تكتب ولا تقرأ، ومع ذلك كانت خير معين للإمام مالك على طلب العلم، يحكي ذلك بنفسه رحمه الله فيقول: " قلت لأمي أذهب فأكتب العلم؟ فقالت تعال فالبس ثياب العلم، فألبستني ثياباً مشمرة ووضعت الطويلة على رأسي وعممتني فوقها، ثم قالت: اذهب فاكتب الآن".
    وقال رحمه الله: "كانت أمي تعممني وتقول لي اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه" ترتيب المدارك 1/130
    قلت: وهذا الكلام مني في حق لجنة الطالبة قليل في حقها، ولست أعهد لذكرها ومدحها بما ليس فيها، فإن المادح لها قبلي أعمالها الدعوية الكثيرة التي أضحت شامة في جبين كل سنية أثرية صالحة، وصدق الشاعر حين قال:
    إذا المرء لم تمدحه حسن فعاله......فمادحه يهذي وإن كان مفصحا
    فضل كلية الشريعة على سائر الكليات
    إن كلية الشريعة بأيت ملول، لا نظير لها ولا مثيل من حيث الجو الملائم لطلب العلم، ومن زار بعض الكليات الأخرى بان له هذا الأمر جليا جلاء الشمس في رابعة ورائعة النهار.
    أذكر مرة أني ذهبت رفقة الأخ الفاضل إبراهيم بوعدي حفظه الله إلى جامعة ابن زهر بأكادير لحضور ندوة علمية، حاضر فيها جمع من الأساتذة الفضلاء من مختلف أنحاء المغرب منهم الشيخ زين العابدين بلافريج والشيخ عبد الله البخاري، وشيخنا محمد الوثيق وغيرهم...
    فلما دخلت من باب الجامعة رأيت سيلا من البشر، في بحر من الاختلاط والعري الفاضح فحمدت الله عز وجل على نعمة كلية الشريعة، وعلمت يقينا صدق من قال: "لا يعرف قدر النعمة إلا من حرمها"
    مررنا بأجنحة الكلية فإذا بنا نلحظ بها عجبا من كثرة التحزبات والإنتماءات، تارة نجدها إسلامية، وتارة أمازيغية، وأخرى اشتراكية وأخرى ثورية...حتى أحسست بدوار وإعياء شديدين.
    ومن لطيف كلام أخينا أبي عبد الله بوعدي لي قوله: "إننا هنا نمر بالكفار والمسلمين والزنادقة فاحذر..."
    ولما صلينا العصر وخرجنا متوجهين إلى مدرج الندوة إذا بالأمن قد هجم كالسيل الجارف على الطلبة المتظاهرين، دخلنا إلى الندوة بسرعة، فإذا ببعض المتبرجات الكاسيات العاريات يدخلن إلى المدرج مكان الندوة، لا حبا في موضوعها، ولا رغبة في الاستفادة منها، وإنما هربا من رجال الأمن وضرباتهم...فقلت في نفسي صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال مشيرا إلى اختلاف الناس في نياتهم: "من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه"
    قلت: فقضينا يوما صاخبا، ولما عدت إلى الكلية في اليوم الموالي وجدتها عروسا تفرح بكل من استأذنها لطلب العلم، وإذنها صماتها، فعلمت حينها الفرق بين الجامعتين...إنه الفرق بين الصمت والصخب...والعري والحشمة...
    هذا فيما يتعلق بالجو المناسب لطلب العلم، ولا أتحدث هنا عن التميز في التحصيل، أو المستوى العلمي للطلبة والأساتذة لأنني أعلم يقينا أن بكلية ابن زهر أساتذة في المستوى الرفيع، أرى من الظلم الجلي أن نفضل عليهم بعض أساتذة كليتنا بأيت ملول.
    بل إني أقولها بصراحة واضحة لا غموض فيها ولا تملق: إن بعض الأساتذة بكلية الشريعة لا علاقة لهم بالعلم الشرعي، ولا بأخلاق أهل العلم الشرعي، يصدق عليهم قول الشاعر:
    ألقاب مملكة في غير موضعها.....كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد
    أقول هذا الكلام وأدين الله به، متحملا كامل المسؤولية فيه، ولم أكن قبل ولن أكون بعد أبدا ممن يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، صموتا عن قول الحق الأبلج، وبيان الباطل الواضح اللجلج.
    وأستغفر الله من كل كلمة تسخطه وتغضبه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    توديع الكلية بعد سنوات ثلاث
    إنها لحظات عصيبة في حياتي، وحياة الثلة التي ودعت كلية الشريعة ولما تشبع بعد من النظر إلى مولودها "نادي الإمام مالك العلمي" ولكنها الضرورة قبحها الله تورد المرء هذه الموارد، وصدق من قال:
    ولو نعطى الخيار لما افترقنا....ولكن لا خيار مع الزمان
    وإن المتأمل في تعاقب الأيام، والناظر في أحداث التاريخ وسنن الله في الكون يجد أن لكل أجل كتاب، وكل اجتماع يعقبه فراق... وكلما تأملت في حقيقة الوداع علمت حقارة هذه الدنيا وأنها لا تساوي جناح بعوضة كما صح في الحديث.
    إيه ورب الكعبة، لقد مرت أيام الكلية وذكرياتها كلمح السراب، وبقيت أطيافها تمر من عيني من حين لآخر ولسان حالي يقول:
    تذكرت أياما مضت ولياليا......خلت فجرت من ذكرهن دموع
    ألا هل لها يوما من الدهر عودة.....وهل لي إلى وقت الوصال رجوع
    وهل بعد إعراض الحبيب تواصل........وهل لبدور قد أفلن طلوع
    لازلت أتذكر اللقاء التواصلي لسنة 2008/2009 الذي نظمه النادي في مطلع السنة الدراسية الجديدة تعريفا بمنهاج النادي، وفيه سلمت الرئاسة للرئيس الجديد إبراهيم بوزرع حفظه الله، يومها كنت أنظر إلى إخواني أبي البركات وأبي جعفر وأنا معهم وهم يتكلمون بكلام موثر عليه أثر الحزن والفراق...
    لكنا مع ذلك كنا نستبشر خيرا بإخواننا من الخلف الصالح، فهم أهل لتولي القيادة بعدنا، حفظهم الله ووفقهم لكل خير.
    سافرت بعدها إلى مدينة آسفي للتكوين بالمركز التربوي الجهوي، فوجدت ذكر النادي وسمعته قد سبقتني إليه، فكانت هذه السنة التكوينية منعطفا آخر في حياتي، فيه من الذكريات العلمية والدعوية الشيء الكثير، فعلمت بعدها أن فراقي للنادي لم يذهب سدى بل فتح لي أبوابا من الخير والدعوة ما كنت أحسبها ولا خطرت على بالي في يوم من الأيام.
    فالمسلم الغيور على دينه كالغيث حيثما حل نفع بإذن الله، فقد نظمنا طيلة العام التكويني مجموعة من الأنشطة العلمية على غرار ما ينظمه النادي العلمي، منها أيام علمية في آخر السنة تحت شعار: "التعليم بين شرف الرسالة وثقل المسؤولية"، ومن فقرات هذه الأيام:
    ـ ندوة علمية تحت عنوان: "مقومات الأستاذ الناجح" من تأطير أساتذة شعبة التربية الإسلامية.
    ـ معرض للكتاب وإبداعات الطلبة والأساتذة، وفيه عرضت بعض المكتبات العلمية التي أنتجها النادي العلمي كمكتبة السادة المالكية ومكتبة الأصول، ومكتبة الشيخ الألباني، ووزعنا بعضها مجانا، ولقيت قبولا واستحسانا من قبل الطلبة والأساتذة.
    ـ عروض قصيرة بالعاكس: وفيه عرضت الإصدار المرئي الذي أشرفت عليه لجنة الطالبة بالنادي تحت عنوان صححي حجابك، وناولته لبعض الأستاذات قصد نشره وتوزيعه.
    وهكذا لو تتبعت خيرات النادي، ونعم الله عز وجل علينا بسببه، لاحتجت إلى صفحات كثيرات، ولعل ما ذكرناه فيه كفاية، فالغيض ينوب عن الفيض كما يقال.
    والحمد لله رب العالمين.




    وختاما...

    في ختام هذه الجولة الموجزة المنجزة، أعتقد جازما أن الذي ذكرته ليس إلا نزرا يسيرا من ذكرياتنا بالكلية، وما لم أذكره أكثر، وعذري في عدم الاستفاضة أمور أهمها:
    ـ أن القصد من هذه الحلقات هو الإشارة والتذكير، لا التأليف والتسطير...
    ـ أن بعض المسائل من هذه الذكريات منعتني من ذكرها أسباب وجيهة معروفة عند من جرب الكلام في مثل هذه الأمور، أهمها استغلال بعض ضعاف الإيمان لما ورد به السرد بأي نوع من الاستغلال، ومنها كون بعض الحيثيات لو ذكرت فقد تثير بعض الحزازات والانتقادات عن قصد أو عن غير قصد...ومنها كون بعض المسائل هي من قبيل الأسرار والمسائل الشخصية، وذكر الإنسان لها عن نفسه ليس يفيد في شيء، ولا ثمرة ترجى من ورائه...
    ومنها أمور أخرى ضربت عن ذكرها صفحا... والفاهم يفهم.
    ـ أن الذكريات كل واحد يحدث بما رأى وسمع، ومن علم حجة على من لم يعلم، فلو تفضل بعض إخواننا كأبي عبد الله وأبي الوليد وغيرهما بتسطير بعض هذه الذكريات لكان عملا رائعا يشكرون عليه، فعندهم الكثير، لا أرى أن يضنوا به على الإخوة بالتحرير...
    وهنا وقف اليراع عن لم الحروف، فبعض الحروف تجر الحتوف...سائلا الله عز وجل أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه إنه ولي ذلك والقادر عليه والحمد لله رب العالمين.

    وكتبه ـ حامدا شاكرا ـ الفقير إلى عفو مولاه، الراجي خاتمة "لا إله إلا الله" أبو عبد الرحمن عبد السلام بن الحسين بن أحمد أيت باخة السكسيوي مولدا الإويري نشأة الأثري السلفي منهجا.
    مساء يوم عاشوراء لعام 1431 هـ
    دوار أيت علي ايزم ـ ادويران ـ إمنتانوت
    هذا الكلمات والخواطر نشرتها قبل أيام بموقع نادي الإمام مالك العلمي

  2. #2

    افتراضي رد: وتلك الأيام: ذكريات غالية بكلية الشريعة أكادير(الحلقة الثانية)

    آآآآآآه يا أبا عبد الرحمن.
    وكأنه ليس لنا فيها موضع، أم أننا على حاشية المُجريات والذكريات. (إبتسامة)
    قال العلامة محمد المختار السوسي في كتابه " رجالات العلم " :" وَ المُعَاصَرَة ُتَنْفِي المُنَاصَرَة "
    alhasaniy@hotmail.fr
    مولاي أحمد بن محمد أمناي الحسني

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Aug 2009
    الدولة
    الاسكندرية - مصر
    المشاركات
    1,050

    افتراضي رد: وتلك الأيام: ذكريات غالية بكلية الشريعة أكادير(الحلقة الثانية)

    جزاك الله خيرا ، و حفظ مشايخك و أساتذك ، و أغبطك عليهم .

  4. #4

    افتراضي رد: وتلك الأيام: ذكريات غالية بكلية الشريعة أكادير(الحلقة الثانية)

    أخي أبا عسل والله ما أنسانيك فيها إلا الشيطان الرجيم، ولما كتبت هذا التعليق ذهلت لعظم الغفلة التي أصابتني، فأنستني ذكر أعز أصدقائنا بكلية الشريعة.
    ومما زاد من عجبي أني ذكرت أخانا أبا البركات ونسيتك مع أن المجالس الأدبية والعلمية التي نعقدها كنت نجما من نجومها ـ ولا أزكيك على الله ـ وكم استفدنا من فوائدك الفرائد التي تقتنصها من مختلف الموائد.
    ولهذا أقول استدراكا لما سبق آنفا: ومن الإخوة الأجلاء الذين عرفتهم بكلية الشريعة الأخ الأثري مولاي أحمد أمناي الحسني، فقد كان حفظه الله على صغر سنه مفيدا لنا في كثير من المسائل العلمية، وكم قضينا معه من الليالي الأدبية الماتعة نتبادل أطراف الحديث... ويده على النادي بيضاء نقية، لست أملك شيئا أكافئه بها إلا أن أقول: جزاك الله خيرا.
    والجميل في أخينا أنه على تواصل دائم معنا حتى بعد مغادرتنا للكلية، فله منا جزيل الشكر والعرفان.

  5. #5

    افتراضي رد: وتلك الأيام: ذكريات غالية بكلية الشريعة أكادير(الحلقة الثانية)

    وجزاك ربي يا أخي أحمد السكندري على تفاعلك
    زادك الله علما ونورا

  6. #6

    افتراضي رد: وتلك الأيام: ذكريات غالية بكلية الشريعة أكادير(الحلقة الثانية)

    بارك الله في عمرك وفي جميع طلبة العلم الشرعي (الكتاب والسنة)
    اوصيك بتقوى الله واتباع محمداخي ادعي الله ان يشفيني ويتوب علي اسأل الله ان يدخلك الجنةغيرحسابhttp://www.livequran.org/
    مفيد جدا لطالب علمhttp://majles.alukah.net/showthread....755#post324755

  7. #7

    افتراضي رد: وتلك الأيام: ذكريات غالية بكلية الشريعة أكادير(الحلقة الثانية)

    ذكريات فعلا غالية, و المغرب فيه علماء و طلبة علم مميزين و لكن لا يعرفهم أحد و الله المستعان.
    كتبت وقد أيقنت يوم كتابتـي *** بأن يدي تفنى ويبقى كتابها
    فإن كتبت خيراً ستجزى بمثلها *** وإن كتبت شراً عليَ حسابها

  8. #8

    افتراضي رد: وتلك الأيام: ذكريات غالية بكلية الشريعة أكادير(الحلقة الثانية)

    وفيك بارك أخي القزلان زادك الله من فضله
    وبارك الله في أخينا أبي عبد الله عادل السلفي وجزاكم الله خيرا.

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    الدولة
    سياتل..ولاية واشنطن ..
    المشاركات
    977

    افتراضي رد: وتلك الأيام: ذكريات غالية بكلية الشريعة أكادير(الحلقة الثانية)

    اللهم بارك..كانت أياما جميلة جدا..
    تذكر هذا البيت؟..
    صديق بالمعالي قد عرفته...
    -ابتسامة-
    أنا الشمس في جو العلوم منيرة**ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
    إمام الأندلس المصمودي الظاهري

  10. #10

    افتراضي رد: وتلك الأيام: ذكريات غالية بكلية الشريعة أكادير(الحلقة الثانية)

    صدقت أخي إمام الأندلس بارك الله فيك
    والله إنها ذكريات غالية وددت لو عادت إلينا وعدنا إليها... ولكن ما شاء الله
    لكل أجل كتاب.

  11. #11

    افتراضي رد: وتلك الأيام: ذكريات غالية بكلية الشريعة أكادير(الحلقة الثانية)

    جزاك الله خيرا أخي الحبيب عبد السلام أيت باخا على هذا التنوير فعلا أخي ما ذكرته عن جامعة ابن زهر لم تحد عنه قيد أنملة وأنا من خريجيها منذ سنة 1998 فحدث انذاك عن الصراعات الفصائلية الدموية أحيانا كثيرة والله المستعان ويستثنى منها طبعا طلبة وأساتذة شعبة الدراسات الإسلامية حفظهم الله بأخلاقهم وسمتهم وتفوقهم العلمي فأول دكتوراه تحصلت للجامعة كانت من نصيب شعبة الدراسات الإسلامية منذ الثمانينات لشيخي الفاضل الدكتور إبراهيم الوافي

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •