و أحب أن اشارككم في المذاكرة بتأملين اثنين فيما ظاهره الاختلاف بين الاخوة و لكن عند التامل يبدو أن الجميع على اتفاق
التأمل الأول ما ذكره ابو الفداء انه غاب عن تقعيد ابي محمد في تفسير آي الصفات - و هو منطبق على تفسير غيرها ايضا من آي الأحكام و غيرها- حيث قال إن المرجع الكتاب والسنة والإجماع..و انه يجب ان يضاف اليه فهم السلف الصالح و قرائن هذا الفهم..مع انه ان تأمل المرء وجد ان هذا داخل في دليل الاجماع ان لم يكن هو عينه..خاصة عند من لا يعتبر غير اجماع الصحابة او القرون المفضلة و من اعتبر اجماع غيرهم فيقر باستحالة مخالفة الاجماع الحديث للاجماع القديم فعاد الأمر الى فهم السلف الصالح و ان اختلفوا لم يكن لأحد الخروج عن اقوالهم في شيء وجد المقتضى للقول بغير ما قالوه...فان تأملنا المسألة في باب الصفات تبين انها تعامل بمثل ما تعامل به المسائل الفقهية من مراتب الأدلة..
و التأمل الثاني هو في التهيب المتنازع عليه بين ابي محمد و ابي عمر ..و الذي يبدو ولله أعلم انه ايضا مما نتفق عليه جميعنا اذ قد استفاض عن السلف التهيب عن الخوض في هذا المجال و البحث في دقائقه و الاشتغال بما تحته عمل ونعلم هذا جميعا من معنى النهي عن الخوض في المتشابه بشتى مستوياته النسبية سواء المشتبه على مستوى الجماعة الكبيرة و المدة الزمنية الطويلة كالحروف المقطعة او كيفيات الصفات الالهية او التعمق في معانيها او حقائق الجنة والنار او موضع الدجال او مكان هاروت و ماروت...الخ او على مستوى الفرد و المدة الزمنية القليلة كاشتباه الأب على الفرد من الصحابة...و كل مستويات المتشابه التي يتهيب منها يجمع بينها ان لا عمل تحتها فينهى عن الخوض فيها لانعدام القرائن المادية التي تخول للادراك البشري الوصول الى نتائج واقعية و بالتالي عدم جدوى طلب اليقين فيه....فأما المتشابه النسبي الذي تحته عمل فيطلب معرفته و البحث عن اليقين فيه كمتشابه الربا و الكلالة مما خفي على فرد من افراد الصحابة و لم يزل يطلبه ..و في المغيبات ومنها ابواب الصفات تشترك فيها منطقتين..منطقة صغيرة مما تحته عمل و هي المعاني الظاهرة و منطقة كبيرة ليس تحتها عمل و ليس فيها الا التألي على الله.. و بينهما منطقة متوسطة هي فقه هذه المعاني مما مثاله سؤال اختنا الكريمة ...فأما المنطقة الأولى فظاهر تصريح السلف بها و نشرها و بثها بين الناس لكونها مما يحتاجونه في صلاح اعمال قلوبهم و ضبط بوصلة الرجاء و الخوف و الحب لخالقهم على معانيها و كان ذلك غالبا بالاكتفاء بقراءة الآيات و الأحاديث ولهذا استفاض عنهم انكار التهيب على هذا المستوى مما كان يبديه البعض من ورع بارد او تشنج او انقباض او نفور مما يقتضيه المعنى الظاهر حين رواية مثل هذه الآثار .. أما المنطقة الثانية فظاهر انكارهم الشديد على الخائض فيها و التهيب التام عن الكلام فيها...اما المنطقة المتوسطة و فيها يقع سؤال الأخت فهو مما صح عنهم و استفاض عنهم الأمران المعمول بهما في المنطقتين المذكورتين...أي الاشتغال بها مع التهيب..فالاشتغا ل بها لأنه احيانا قد تدعو الحاجة الى بيان أصول المعاني الظاهرة و لوازمها القريبة ككلامهم في الذات و الحد والمباينة و التعلق و الحدوث و الفرق بينه و بين الخلق و علاقة الصفات بعضها ببعض و تقسيماتها الخ..فيشتغلون ببيان ذلك للحاجة الى مزيد ايضاح للمعاني الظاهرة من خلال بيان اصولها ..اما للرد على من ردها الى غير اصلها و اما لزيادة بيان للقلب المتعبد المتعطش لمزيد من الاطمئنان في القصد و الطلب و اما لغير ذلك من العوارض...ثم انهم في نفس الوقت يتهيبون من الكلام في هذه المنطقة كثيرا لمجاورة حدودها لحدود المنطقة المنكرة..فلكون الخوض الكثير فيها مظنة للانزلاق للمنطقة المحظورة استفاض عنهم الكثير في هذا المعنى من الاقتصار فقظ على الحاجة و تقديرها بقدرها و توجيه الهمم و القوى الى الاشتغال في المنطقة الأولى الصافية النقية تماما ..و اشهرو أفضل من بين ثمرة هذا الامام الشافعي في قوله العظيم ...سلني عن شيء إذا أخطأت فيه قلت أخطأت ولا تسألني عن شيء إذا أخطأت فيه قلت كفرت...