بسم الله الرحمن الرحيم
قد باتتِ الشبكةُ أمراً لا مفرَّ منه لكلِّ أطياف الناس وشرائحهم المختلفة، وغدت جسرَ تواصلٍ بين الأمم والشعوب والأعراق وغيرها...
ومع تنوع الموارد العلمية لطالب المعرفة أضحت الشبكةُ أيضاً أحدَ الموارد لكثير من طلاب المعرفة ورافداً لا يستهانُ به في الأخذ المعرفي والتبادل الثقافي...
وحينما أتناولُ الأخذَ المعرفي بالحديث فذلك لخطورة هذا الأمر على الشَّبَيبةِ المسلمةِ لا سيَّما من هم في طور التكوين العلمي ، وعليه فكلامي ليس موجهاً لمن يملكُ الغربلةَ العلمية والفكرية ولديه قدرة المتلقي الناقد وإنما أوجِّه كلامي لمن ليس لديه خلفيةٌ ثقافيةٌ يستندُ عليها في تمحيص المعتقدات والأفكار المطروحة على الشبكة...
وعلى الشَّاب المسلم إدراكُ أنَّ الخلفيةَ الثقافيةَ الصحيحةَ يجبُ أنَّ تتشكَّل بمجموعةٍ من المعتقداتِ الأثريةِ والأفكار السَّوية التي تصنع بدورها حصانةً من ساقط القول وفاسدِه...
وأما إذا غدا الشَّابُ غيرَ حريص على تحصين خلفيته الثقافية فسيتسَلَّلُ إلى مخزونه المعرفي معتقداتٌ خبيثةٌ قد تكون سبباً في إيجاد خلفيةٍ ترى في الإسلام حجرَ عثرةٍ ومصدرَ تخلُّف عن ركبِ الحضارةِ المزعوم...
ومن الضوابط التي تضبط الأخذ المعرفي أنْ يكون مؤطراً في أهل العلم المؤتمنينَ في دينهم وعلمهم حتى إذا اكتملت الحصانةُ العلميةُ للطالب فَلَهُ حينها- إن شاء - أن يطَّلعَ على النتاج العلمي والفكري للآخر، كما أن الأخذ المعرفي يجب أن يندرجَ تحتَ جدول يحدده الآخذُ والتنظير له قد يصعب لاعتبار يدركه الآخذ... فالطالب الذي يعيش في كنَف ِ بلدٍ يحفلُ بالعلماء ويزخَرُ بطلبةِ العلم لا يشكِّلُ له الأخذ المعرفي عبر الشبكة مرتبةً أولى كطالب يعيش في بلدٍ لا يرى فيه أهلَ علمٍ وإن وجدوا فأهل خرافةٍ وزيغٍ وضلال...فالأخذ المعرفي للأول ثانوي، وللثاني أساسي ومهم، كما أنَّ الأخذ يجب أن يتوافقَ مع الكمِّ المعرفي الذي لدى الآخذ حيث يتناسبُ مع قدراته العلمية... فطالب في مرحلة الدكتوراه يبحث في مسألة فقهية دقيقة في الشبكة ويجمع الأبحاث والدراسات فيها يختلف عن طالب يبحث عن حكم المسح على الخفين .. فليس السبيل الصحيح أن يطوِّح طالبُ المعرفةِ في كل فنٍّ ويتعمقَ فيه وهو ما زال في باكورة الطلب.
ولا شكَّ أنَّ للأخذ المعرفي عبرَ الشبكة فوائدُ عديدةٌ منها أنه يُثرِي مخزونَ طالب المعرفة العلمي كونه يطَّلِعُ على المدارس العلمية والفكرية المنضبطة عبر الشبكة..
كما أنه يُسهِمُ في اطلاع طالب المعرفة على الأسفارِ العلمية في مجال تخصُّصه أو في غير تخصصه ممَّا لا يمكنه الحصولُ عليه لقلةِ ذاتِ اليد أو لأمرٍ آخر...
كما أنَّ التبادلَ الثقافي والعلمي مع أهل الاختصاص يديرُ عجلةَ الفكرِ ويقدحُ زنادَ النظرِ والتأمل...
وكذلك يُسهِم الأخذ المعرفي في تصحيح كثير من المفاهيمِ الضَّالة السائدة لدى البعض فيرى الآخذُ الأدلةَ الصحيحةَ التي تنقُضُ ذلك المفهومَ وتصحِّحه...
وتبقى الإشارة إلى مزالق الأخذ المعرفي عبر الشبكة ويحتلُّ المزلقُ العقديُّ الصدارةَ بعد المزلقِ السلوكي الأخلاقي...
وذلك أنَّ زعزعةَ الجانب العقدي بمثابةِ زعزعةِ وجود المرء نفسه فالعقيدة كالروح للجسد ولا شك...
فعلى طالب المعرفة أن يكون حذراً في أخذه المعرفي من هذه الحيثية...فليس كلُّ ما يلمع ذهباً وليس كلُّ من تسمَّى بالسنة أو السلفية يكون كما ادَّعى... وليس كلُّ من ادَّعى التنوير أو دعا إلى إنارةِ النصوص الشرعية في قالب التجديد المزعوم يكون على هدى ورشاد...
وفي نظري أنَّ أخطر مزلقٍ عقدي عبر الشبكة هو المزلقُ الإلحادي - والعياذ بالله - فكم وَقَعَ في شَرَكِ الإلحاد فئامٌ من الشباب لا يعلمهم إلا الله فغدا أحدُهُم ينكر خالقَه فاطرَ السموات والأرض ، فالشبهاتُ التي يلقيها أهلُ الإلحادِ والزندقةِ في مواقعهم النتنة أو مدوَّنات بعضهم - من العابثين والعابثات - قد تجد تُربةً خصبةً عند بعض الشَّبيَبَة لا سيَّما من لديهم هشاشةُ حصانةٍ عَقَدِية فتستحكمُ الشبهةُ وتتمكَّنُ من خافق الشَّاب وتتجذر فتورقُ الكفرَ والزندقة...
فحذارِ ثمَّ حذارِ من المواقع والمدوَّنات الإلحادية الطافحةِ بأنوع الكفر والنفاق...
الإلحادُ مطيةٌ لتحقيق شهوات وملذَّات الملاحدة الجسمية ، فهي قنطرةٌ لنيل ما يصبونَ إليه ليس إلا
فدعوى الملاحدة تصبُّ في مصلحة سيدهم إبليس الذي يديرهم كما يديرُ الطفلُ لعبته بجهازِ التَّحكم عن بعد...
وأخيراً على الطالب أن يقصد وجه الله في كلِّ ما يأخذُ وما يذرُ حتى تتجلى البركةُ على أقواله وأفعاله ، فالإخلاصُ سبيلُ الخلاص ، والله جلَّ في عُلاه يجعلُ للمخلصِ ما لا يجعله لغيرِه والحمد لله رب العالمين.
(أخوكم)