لولا التوسع في الإثم لأوردت لك أخطاء وفتاوى مهلكة صدرت من الرجال ومنها ما يصل إلى حد دعوة غض الطرف عما يحدث لإخواننا في كثير من البلدان ومنها ما يغرق في الضحك والسخرية ...لا تقيم الناس من خلال خطأ فذاك سمة بشريتهم ولكن انظر مرة أخرى إلى جحافل العلمانيات والكافرات اللواتي يخاطبن الجمهور بشتى الألوان وقدر أن يكون لنا نساء يجتهدن في مزاحمتهن على هذا المنبر ، انطلقت في تعليقك من ازدراء كبير لأن سعاد صالح تخالفك في أن النقاب ليس واجبا ...ذكرت أنك طالب علم ثم انبريت تقيم نساء يجتهدن وتدعو لا للضحك فقط بل للقهقهة أيضا ، لك أن تزور بلدانا شتى لتلحظ أن النقاب بالطريقة التي ترضاها تعيق الوصول إلى الناس ودعوتهم فضلا عن الشهادة عليهم ( لتكونوا شهداء على الناس ) ولك أيضا حتى تكون منصفا ولا تقفو ماليس لك به علم لأن السمع والبصر والفؤاد مسؤول أن ترى كل الحلقات أو جلها فتعلم هل بكت عبلة مع أطفال فلسطين أم لا لتخرج بالنتيجة التي تكون الحكم والفصل ،وقد قرأت موضوعك الهز الإسلامي الذي تناولت فيه قناة الفجر والنشيد الإسلامي وذكرت أسماء محددة وسخرت منهم أيما سخرية وأطلت لسانك وأنت من يعترف أنه طالب علم فعرفت أننا بحاجة دائما إلى مراجعة ما يكتب في صحائفنا ، وأنا شخصيا مع احترامي لك أتمنى أن لا تحكم عليهن من خلال ما تعتبره خطئا فهناك مثل يقول : من لا يعمل لا يخطئ ومثل خطابك هو الذي يجعل النساء يهربن من الدين ويشعرن أنهن يعتنقن دينا يحتقرهن ولك أن تفديهن يوم القيامة وحجتهن معهن انظر قولك :انا اتصور ان المراة يصعب عليها ان تكون فقيهة وان كان فستكون من سقط المتاع لا قيمة لها ولا لشهادتها.. لا أحب أن أطيل فرسولنا الكريم صلوات الله عليه علمنا أن المرأة كتلة من المشاعر الوادعة حتى سماها قارورة كما ترك لنا كنزا خلقيا هائلا في التعامل مع المخالف وإليك هذا الموضوع نفعك الله به وأيدك وسدد خطاك :
المرأة المسلمة ومجال العلم الشرعي
لا نريد أن نتعرض هنا لقضية المرأة بشكل عام أو المجالات التي شاركت فيها على عهد الرسالة، ولا المجالات المشروعة التي يمكن أن تشارك فيها في واقعنا المعاصر، ولكن سنقتصر فقط على مجال العلم الشرعي، علما بأن عمل المرأة في كل هذا يجب أن يكون مضبوطا بالقواعد الشرعية والآداب المرعية في الخروج والملبس والزينة والحديث والمشي ومراعاة الأولويات.
دراسة ماجستير عن دور المرأة في خدمة الحديث
لقد كان للمرأة على مر التاريخ في مجال العلم الشرعي بلاء حسن وسهم طيب على غير ما يتوقع كثيرون، وحسبنا أن دراسة مستقلة (رسالة ماجستير) تحدثت عن «دور المرأة في خدمة الحديث في القرون الثلاثة الأولى» للباحثة آمال قرداش بنت الحسين، مطبوعة ضمن سلسلة كتاب الأمة، العدد رقم (70)، وهي محاولة أكاديمية (1) لإبراز وتأصيل دور المرأة وعطائها في الحياة الإسلامية، حيث كانت في تراثنا الثقافي من ورثـة النبوة راوية للنص الديني الملزم، لعل ذلك يصبح دليل عمل للمرأة المسلمة في كل عصر، حيث يعتبر هذا العطاء من أعلى أنواع الأهلية وأرقى مراتب التكريم والقيمة الإنسانية، فأحكام الدين بكل ما تصوغه من حياة الناس تُتلقى وتنقل من المرأة، كما تنقل من الرجل.
دراسة عن فقيهات النساء في العهد الراشدي
وفي مجال الفقه كان لهن دور بارز، فقد وُجد في عصر الخلفاء الراشدين الكثيرُ من النساء الفقيهات؛ حيث نقل الفقهاء الرجالُ فقهَهن في كتبهم المدونة، ومن هؤلاء النساء الفقيهات: أسماء بنت أبي بكر الصديق، وبَرِيرَة، وجُوَيْرِية، وأم حَبيبة، وحفصة بنت سيرين، وحفصة بنت عمر، وأم الدرداء، والربَيِّع بنت معوِّذ، وزينب بنت جحش، وصفِية أم المؤمنين، وصفية بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وصفية بنت أبي عبيد، وعائشة بنت أبي بكر أم المؤمنين، وعائشة بنت طلحة، وعاتكة بنت زيد، وأم عطية، وعَمرة بنت عبد الرحمن، وفاطمة بنت رسول الله، (وفاطمة بنت الحسين، وفاطمة بنت قيس، وأم كلثوم بنت أبي بكر، وميمونة أم المؤمنين، وأم هانئ، وغيرهن...) (2).
ويلاحظ د.محمد رواس قلعجي أنه لم يُنقل إلينا الكثير من فقه هؤلاء النساء لقلة توجه الرجال إليهن بالسؤال، نظرا لتوفر الرجال الفقهاء؛ ولذلك بقي فقهُهن محصورا في صدورهن أو في المجتمعات النسائية، وقد جمع قلعجي فقه هؤلاء النساء الفقيهات مما نقله الفقهاء في كتبهم، ونَقْلُ الفقهاء لفقه النساء في كتبهم- كما يقول هو- يدل على فقاهة هؤلاء النساء؛ لأن الفقهاء لا ينقلون في كتبهم إلا عن فقيه عُرفت فيه الفقاهة.
وهناك شبهة تقول «لو صار فقه النساء إلى النساء لكان فيه غير هذه الأحكام» ولأن تتبع أحكام المرأة في فقه الفقهاء أمر يطول فقد اقتصر الشيخ في هذا الكتاب على المقارنة بين فقه المرأة وفقه الخلفاء الراشدين الأربعة فقط، فقارن فقههم بفقه فقيهات النساء، وعرضه مرتبا ترتيبا معجميا، وسجل نتائج هذه المقارنة في نهاية بحثه، وحسبنا أن نعرض ما توصل إليه من نتائج مذهلة في هذا المجال.
يقول في خاتمة كتابه: هذا ما جمعناه من فقه المرأة عند فقهاء الرجال (الخلفاء الراشدين) وفقيهات النساء، ومن النظر في الجداول التي صنعناها وجدنا أن الرجال انفردوا بمعالجة قضايا لم يتطرق إليها النساء، وأن النساء انفردن بمعالجة قضايا لم يتطرق إليها الرجال، ووجدنا قضايا اشترك في معالجتها الرجالُ والنساء، ولكن تساهَل فيها النساء وتشدد الرجال، وقضايا اشترك في معالجتها الرجالُ والنساء، ولكن تساهَل فيها النساء وتشدّد فيها الرجال.
إن فقيهات النساء لم يعالجن القضايا التالية، وعالجها الخلفاء الراشدون وهي:
تولية النساء الإمارة، وقتل النساء في الحرب، وما تستحقه المرأة من الغنيمة، وضرب الجزية على النساء، وحجاب المرأة المسلمة من المرأة الكافرة، وزواج المسلم بالكافرة، وتأديب الزوجات، وحق الزوجة في النفقة، والحالات التي يشرع فيها الخُلع، وطلاق ناقص العقل، وحق المرأة في الجماع والولَد، وأقلّ المهر، وتقديم حق الأم في الحضانة، وشهادة المرأة، وتأخيرُ رَجمِ الحامل حتى تضع حملها، ودخول المرأة الحمّام، وتسليم الرجل على النساء، وفساد الصلاة بمحاذاة المرأة.
والمتأمل في هذه القضايا يجد أن مبعث الكثير منها السلطة السياسية والإدارية لرئيس الدولة، ومبعث بعضها النظام العام، وهي بعيدة نسبيا عن اهتمامات المرأة، ومبعث بعضها غيرة الرجل على المرأة وحفاظه عليها.
ووجدنا أن الخلفاء الراشدين لم يعالجوا ما يلي، وعالجه فقيهات النساء:
سن البلوغ للمرأة، وتطهيرُ بولِ الغلام بالرشّ وبولُ الأنثى بالغسل، وطهارة ذيول ثياب النساء التي تمس الأرض، وما تراه المرأة من الحمرة والصفرة أثناء الحيض وأثناء الطهر، وعلامة انتهاء الحيض، وأكثر مدة الحمل، ونقض ضفائر المرأة في الغسل، ورفع المرأة صوتها بالتلبية، والتزين بنتف الشعر ووصله، وحق الرجل في الجماع، وتبرع المرأة بمال زوجها، وزيارة المرأة القبور.
والمتأمل في هذه الموضوعات يجد أكثرها موضوعات تهم المرأة، والمرأة فيها أعلم من الرجل؛ لذلك لم يبحثها الخلفاء الراشدون، وتركوا أمرها لفقيهات النساء، وبعضها الآخر مما يخجل الرجال من الكلام فيه، كحق الرجل في الجماع، وتبرع المرأة من مال زوجها.
ووجدنا في المسائل التي عالجها الرجال والنساء أن المرأة كانت متشدّدة أكثر من الرجل في المسائل التالية:
ما تراه الحامل من الدم، فقد كان النساء يرينه حيضا، ويراه الرجال استحاضة.
وجماع المستحاضة لم يجزه النساءُ وأجازه الرجالُ.
ويرى النساء أن الرجل يملك أن يعيد زوجته المطلقة طلاقا رجعيا وأن له إرجاعها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة.
وزواج الزاني بمن زنى بها منعه النساء وأجازه الرجال.
ونفقة المرأة المعتدة من طلاق بائن أوجبها الرجال ولم يوجبها النساء.
ووجدنا في المسائل التي عالجها الرجال والنساء أن الرجال كانوا متشددين أكثر من النساء في المسائل التالية:
أذان المرأة، وإمامتها للصلاة، وإمامتها النساء في صلاة الجماعة، ولباسها في الصلاة، وتغسيل الزوجة زوجها الميت، وزكاة حليّها، وجهاد المرأة، وتحريم الرجل زوجته على نفسه بقوله «أنت عليّ حرام»، وتزيُّن المرأة للخروج، وكحل الزينة للمحرمة بحج أو عمرة.
واختلف النساء في مسائل هي:
أين تقضي المتوفّى عنها زوجها عدتها، فبعضهن رأى أنها تعتد حيث شاءت، وبعضهن أوجب عليها ألاّ تبيت إلا في بيتها، واختلفن في إجزاء مسح الخمار عن مسح الرأس، فأجازه بعضهن، ومنعه أخريات، واختلفن في الكفاءة بين الزوجين، فاعتبرها بعضهن، ولم يعتبرها البعض الآخر (3). هذه نتائج دراسة قامت على تناول المسائل الفقهية على حروف المعجم، وقارن الباحث فيها فقه النساء بفقه الخلفاء الراشدين فقط، وخرج بهذه النتائج المشرفة.
كبار العلماء يتخرجون على النساء
ومن يطالع كتب التراجم والتأريخ يجد أخبار كثير من النساء في مجال العلم، اللاتي حباهن الله نور العلم والفهم، فتفتحت بصائرهن، وتخرّج في مدارسهن كبار العلماء، ومن هؤلاء، معلمة أمير الحفاظ الحافظ ابن حجر، رحمه الله، كان إذا ذكر أخته ستّ الرَّكب قال «كانت قارئة كاتبة أعجوبة في الذكاء وهي أمي بعد أمي» (4) وهي التي ربته وحدبت عليه وعلمته، وقد ماتت ولم تبلغ الثامنة والعشرين من عمرها، ولكن العلم يرفع صاحبه ويعلي منزلته في الدنيا والآخرة، ويكفيها فخرا أن من تلاميذها الحافظ ابن حجر، رحمه الله، كما أن الحافظ ابن حجر قد تعلم على جماعة من النساء يشار إليهن بالبنان في العلم، حتى إنه قد قرأ على نيف وخمسين امرأة، كلهن شيوخه في العلم، فمنهن، فاطمة الدمشقية أم الحسن، وكذلك في مشايخه فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي المقدسية أم يوسف، قال ابن حجر، رحمه الله «ونعم الشيخة كانت»، وكذلك خديجة بنت إبراهيم، وسارة بنت تقي الدين علي السبكي، كما جاء في معجم شيوخ ابن حجر، وأكثرُ من الحافظِ ابن حجر شيوخا من النساء الحافظُ ابن عساكر، رحمه الله، فقد ذكر شيوخَه من النساء فكنّ بضعا وثمانين شيخة، كما جاء في معجم شيوخ ابن عساكر.
فهل كانت المرأة في أخذها للعلم تأخذه من وراء حجاب؟! وهل كانت تدرِّسه وتلقنه للرجال من وراء حجاب؟! أم أنها كانت جاهلة لا ترتقي لأن يتخرج عليها كبار العلماء؟!
ويكفينا أن عالِم التاريخ والطبقات عمر رضا كحالة حينما رصد أعلام النساء اللائي برزن وتصدرن صفوف الرموز والأعلام في تاريخنا العربي والإسلامي ترجم لثلاثة آلاف من أعلام النساء في موسوعته «أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام» في خمسة مجلدات كبيرة تجاوزت 2000 صفحة.
ونحن في هذا العصر بحاجة ماسة إلى أن نعيد دور المرأة المسلمة الفقيهة بحق، وطالبات العلم اللائي يأخذن العلم الشرعي عن الرجال والنساء، ثم يدرسنه بعد ذلك للرجال والنساء في ضوء الضوابط والآداب الشرعية المعروفة، إننا نريد المرأة التي تفتي عن علم وتقول في دين الله بتبحر وتوسع، وتتبوأ مكانة علمية وفقهية متميزة، عمادها العلم الراسخ والخلق الكريم، وليس مجرد الفراغ النسائي الفقهي الذي يتمدَّدْنَ فيه.
المصدر: مجلة الوعي الإسلامي