المحبة تتبع التصور، وليس العكس، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية: (الحب والإرادة ونحو ذلك يتبع العلم والاعتقاد؛ فهو فرع الشعور؛ فمن اعتقد باطلاً؛ فأحبه؛ كان محبًا لذلك الباطل، وكانت محبته باطلة؛ فلم تنفعه).
هذا في محبة المولد وليس في المحبة الدافعة للمولد ،وبينهما فرق ولا نزاع في بطلان محبة المولد..
ووصف الشيخ عدم التعمد بأنه النية الصالحة المحركة وهذا هو نص كلامنا أم جعل عدم التعمد هو النسيان والجهل(حصراً) فهو تزيد على كلام الشيخ ولا دليل عليه..
طلب الرياسة أو المكاسب سبب تعمد مخالف الشرع، وليس هو تعمد مخالفة الشرع.
تعمد المخالفة هو فعل المعصية من جهة العلم بأنها معصية وإنما ضربنا الرياسة والمكاسب مثلاً للعلل الدافعة..
أما عدم التعمد فمعناه فعل المعصية من جهة اعتبارها طاعة وكلامنا : أن القاضي قد لا يرى عذراً لمن اعتبرها طاعة لكن مجرد القصد للطاعة يعني أنه ليس قاصداً للمعصية وهاهنا حالتان : إما أن يكون له عذر يعلمه الله ولم يظهر للقاضي فيؤجر على المحبة لبقاء العذر الباطن وإن ارتفع الإعذار الظاهر ..
أو يكون معه هوى مخلوط بالشبهة (وهذا هو الغالب) وهذا يؤاخذ على هواه ويعذر لخطأه..
كلامي خارج عن هاتين وإنما صححتهما لك (في نظري واجتهادي) استطراداً: أما كلامي فهو أن نفس المحبة مادامت وقعت (وهي لا تقع إلا مع حسن القصد) فهي محبة صحيحة يؤجر عليها ولا دليل على عدم أجره لانفكاك تلازمها مع العمل الجارحي فهي دافعة وليست ملازمة..
فعدم التعمد هو الخطأ، وعدم القصد، وسبب ذلك العذر
هذا خطأ فالعذر هو حكم الله في المخطئ وليس هو سبباً لعدم القصد..والخطأ وعدم القصد يعمان في كلام الشيخ : (الخطأ والنسيان والجهل والتأويل ).
فالمحبة هنا صحيحة، ولكنها المحبة المطلقة؛ ليست المحبة الدافعة لعمل المولد...فالمحبة الدافعة لعمل المولد لم تذكر هنا.
المحبة العامة تتجدد في قلب العبد فلما يحضر موعد ولادة النبي صلى الله عليه وسلم يتذكره فتحركه المحبة لعمل ما يراه احتفاء بالمولد فالمسألة هنا بمنزلة تحريك دلوك الشمس للرغبة والرهبة الدافعة للصلاة..
لا يمكن أن يكون العمل القلبي متعمدًا، والعمل الجارحي اللازم له غير متعمد!!!
كلا العملين تعمد لطاعة الله فأحدهما فسد لعدم المتابعة والآخر صحيح لا يوجد ما يفسده..ومعنى قولي لا يقال عن القلبي غير متعمد أنه عمل صحيح تام وليس هو معصية لنسأل هل تعمده ام لا وإنما يسأل عن التعمد المتعلق بالعذر وغيره عند الأعمال الفاسدة في الظاهر..ولا يقال للمصلي هل هو معذور أم لا وإنما يقال للكاذب هل هو معذور أم لا
النبي صلى الله عليه وسلم حمد الغيرة، ولم يحمد الغيرة الدافعة إلى قتل الرجل من وجده يزني بزوجته دون إقامة الشهداء الأربعة،
هذه مصادرة بل دعاوي أن الحمد كان على الغيرة الدافعة تلك..ولا ترد بمجرد الدعوى المقابلة ..
الفرق المذكور فرق مؤثر؛ لأنه يمكن تعليق الحكم عليه
إن كنت تقصد يمكن تعليق الحكم عليه من جهتك فهذا مسلم لكن الأوصاف المؤثرة إنما يبحث في إمكانية تعليق الحكم عليها من جهة الشرع ويثبت ذلك بإيراد فروع متفق عليها بين المتحاورين ولا يثبت بمجرد الدعوى..
ودعواي : إن الحمد على الغيرة مع فساد العمل دليل في محل النزاع أما رتبة فساد العمل فليست مؤثرة في إثبات هذا القدر..
وكلام ابن القيم إنما هو في صلاحية الغيرة عذراً مطلقاً وهذا نحن نقول به ونقول إن المحبة لا تصلح عذراً مطلقاً لكن كلامنا في إن كونها عذر هذه جهة وكونها عمل صحيح في نفسه هذه جهة أخرى..
تعليل المخالفة غير صحيح؛ لأن ما يظهر للقاضي أو الحاكم
لا يلزم أن يكون بخلاف المتعلق بعلم الله عز وجل..
عبارتي هي :
أما الغالب فلا يجوز الحكم بهذه الملازمة ؛لأن ما يظهر للقاضي أو الحاكم بخلاف المتعلق بعلم الله عز وجل..
ومعنى بخلاف المتعلق بعلم الله أي إن حكمهما إنما هو اجتهاد يصيب حكم الله ولا يصيب أما المتعلق بعلم الله فهو قاطع وبالتالي فيتفقان ويختلفان فيمتنع الجزم بتلازمهما..
لو سبق رده لما تكرر، وإنما سبق وصفه باستعمال مصطلحات الجدل والمنطق: مصادرة – تزيد – خلط – بالعكس - لا دليل في ذلك - دليل في محل النزاع؛ دون بيان وتعليل.
بالعكس يا مولانا فالتكرار في كلامك كثير جداً وفي مواضع سبق ردها وإنما تكرر أنت عرض الدعوى ودليلها بصيغ مختلفة رغم سبق الرد ،وهذا هو الذي جرني أنا أيضاً للتكرار وهذا ظاهر جداً لكل من يقرأ الموضوع .
أما البيان والتعليل فمجرد تطبيق معنى المصطلح المذكور سيُظهر لك أن كلامك كذلك بلا حاجة لمزيد شرح مني واعتبر بهذا الموضع وطبق هذا عليه :
النبي صلى الله عليه وسلم حمد الغيرة، ولم يحمد الغيرة الدافعة إلى قتل الرجل من وجده يزني بزوجته دون إقامة الشهداء الأربعة،
هذه مصادرة بل دعوي أن الحمد كان على الغيرة الدافعة تلك وأن هذا هو مدلول النص الذي لا صارف له ..وهذا هو محل النزاع وأنت تكرر فيه دعوى مقابلة وليس حجة..ولا ترد الدعاوى بمجرد الدعوى المقابلة ..
============
من نافلة القول أنني استفدتُ كثيراً من هذه المحاورة فلا يكن في صدرك حرج من بعض التخشين غير المقصود وأعتذر لك مما أعلم ومما لا أعلم..
بارك الله فيك ونفع بك..