بسم الله الرحمن الرحيم



السلام عليكم ورحمة وبركاته




الله يعلم إن قلوبنا لتتقطع لما حل بإخواننا من أهل جدة، ونقول لهم إن مصيبتكم مصيبتنا وجرحكم جرحنا والقلب يحزن والعين تدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا فـ: (إنا لله وإنا إليه راجعون) و (الحمد لله على كل حال).



وإننا يجب أن نستشعر أن هذه مصيبتنا عموما إذ المسلم مع أخيه كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر. ومن استشعر هذا الأمر فله- إن شاء الله- من الأجر على قدر ما يصيبه من الحزن على إخوانه، وفي الحديث: (ما من شيء يصيب المؤمن من نصب ولا حزن ولا وصب حتى الهم يهمه إلا يكفر الله به عنه من سيئاته).



لقد تتنوعت أوجه الجريمة في هذه الكارثة فمن مسؤول لم يحمل الأمانة كما إسندت إليه وآخر غلب عليه الطمع والجشع فكانت غايته أن يملأ بطنه بالحرام ولو أدى ذلك إلى تعريض حياة أهل البلد بأكمله إلى الموت. ولهؤلاء وأمثالهم نقول كيف بكم إذا وقف هؤلاء الضعفة من النساء والأطفال الذين لاذنب لهم ونحوهم في موقف الخصومة أمام من يقتص للشاة القرناء من الشاة الجلحاء؟



وإن من أوجه الجريمة التي لا يمكن تجاوزه في هذه الكارثة إغفال جانب العقوبة الإلهية الذي ربما كان السبب الأول والأخير لهذه المشكلة بجميع تعقيداتها.



ولقد سمعنا من ينادى بإغفال جانب العقوبة الإلهية مراعاة للمشاعر كما يقولون، أو لغير ذلك من المبررات. ألم يطلع من ينادي بمثل هذا من المسلمين على قول الله تعالى {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) الشورى30، وما في معنى هذه الآية من النصوص القرانية والنبوية!



إن من النصح لأنفسنا ولغيرنا ألا نتعامى عن تفريطنا في جنب الله وندس رؤوسنا عن أهم عوامل المشكلة.



من العقوبات الإلهية للمجتمع حين يظلم نفسه بالذنوب والمعاصي أن يولى عليه شرار الناس ممن لا يقيمون للأمانة وزنا. ومصداق هذا في كتاب الله (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) الأنعام 129.



ومن العقوبات الإلهية أن يعمى القلب فلا تفيد فيه القوارع والنذر ولا يميز بين الأبيض والأسود (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج.



من العقوبات الآلهية أن تتلاشى فائدة ما يبنى من التجهيزات والإعددات البشرية أمام قوة القوي المتين. ولا يزال العالم إلى يومنا هذا يشاهد آثار قوة قوم صالح الذي نحتوا الجبال فهل أغنى عنهم ذلك شيئا لما جاء أمر ربك. قال تعالى عنهم (وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ{82} فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ{83} فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ{84}) قال المفسرون: (ما كانوا يكسبون) من بناء الحصون وجمع الأموال.



إن الجريمة كل الجريمة أن يرسل الله الآيات والنذر للناس فتزيدهم تكبرا وإصرارا على المعاصي وتزكية للنفوس. وقد ذم الله سبحانه وتعالى من هذا طبعه فقال سبحانه {وَنُخَوِّفُهُم فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً }.



وإن أعظم ما يدفع به البلاء قبل وقوعه ويرفعه بعد وقوعه هو إظهار الفقر والمسكنة والذلة والا عتراف بالخطأ وسرعة الإنابة.


وإن أعظم ما يعجل بالعقوبة ويمكنها هو الإعراض عن الله وعن نذره والتمدح بالعمل ونفي التقصير عن النفس. (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا ْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً) النساء 64.



نعم. لقد ذهب في هذه الكارثة أناس صالحون وأطفال أبرياء لا ذنوب لهم ولكن المسلم- بحمد لله- قد استقر عنده أن الله حكيم في أفعاله يضع الأمور في مواضعها اللائقة بها.



وإن من سنن الله سبحانه وتعالى الماضية أن من العقوبات ما يعم الصالح الطالح، هذا في الدنيا أما في الآخرة فيبعث من أخذ بمثل هذا على أعمالهم ونياتهم وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم (إن الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون فيصابون معهم ثم يبعثون على نياتهم).



ويقال أيضا إن من ذهب من الصالحين فله رفعة الدرجات والانتقال إلى من هو أرحم به من نفسه ووالديه وهذا يغبط ولا يحزن عليه.



ويقال أيضا إن الكون كله وما فيه هو ملك لله يفعل فيه ما يشاء على ما يقتضيه علمه وحكمته وعدله وسائر صفاته الحسنى (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) الأنبياء 23.



ما للعباد عليه حق واجب........كلا ولا سعي لديه ضائع

إن عذبوا فبعدله أو نعموا.......فبفضله وهو الكريم الواسع



أخيرا نذكر ما قاله بعض السلف عن العقوبات حيث قال (إنكم ترون العقوبات نقمة ونحن نراها نعمة) وقوله هذا محمول على من استفاد من العبر وفهم قول الله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم 41.



وإن كل ما سبق لا يعنى غض الطرف عمن أجرم بحق الناس وفرط في الأمانه فهذا لا يختلف عليه العقلاء والحمد لله، فنسأل الله أن يلطف بنا ويكفينا شر الأشرار وكيد الفجار وطوارق الليل والنهار. وصلى الله وسلم على النبي المختار وعلى آله وصحبة الأطهار وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.



والســلام