الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد:
فهذه فوائد من محاضرة الشيخ / صالح آل الشيخ- حفظه الله - ((طالب العلم والبحث)):
% طالب العلم لابد له أن يجمع ما بين ثلاثة أشياء:
- ما بين تلقي العلم عن الأشياخ الذين ينفعونه.
- والثاني الإطلاع والقراءة والتوسع في المطالعة.
- والثالث في البحث؛ بحث المسائل وتحريرها والنظر في كلام أهل العلم فيها باحثا مدوِّنا كاتبا ما يصل إليه في بحثه.
الذي دعا إلى ذلك؛ يعني إلى طرح هذا الموضوع شيئان:
الأول: ما ذكرته من أن طالب العلم لابد له أن يبحث، ولا ينبت لطالب العلم ريش لجناحيه يصلح له أن يطير بهما في سماء العلم إلا ببحث، فمن لم يبحث يبقى في العلم ضعيفا.
والأمر الثاني: أن البحث به تتضح المسائل، وبه يتبين طالب العلم معلومات كثيرة متنوعة لم تكن تحصل له بلا بحث.
فكم من معلومات استفدناها من جرَّاء بحث مسألة في اللغة أو بحث تفسير آية أو في بحث موضع حديث، فمرّ معنا أثناء البحث مئات الفوائد المختلفة، وهذه إذا كان طالب العلم صحيح الذهن فإنه يستفيد مما يمر عليه
% يفضَّل أن يعاني البحث وأن لا يرجع دائما إلى الفهارس التي توصله إلى المقصود بأقرب طريق
فضلا عن السريعة جدا كالكمبيوتر والبرامج الحديثة.

%طالب العلم يبحث مسألة في الفقه فيمر على كتاب كامل من كتب الفقه من خلال هذا البحث سيمر على المسائل هذه وسيرسخ في ذهنه بعض ما يرسخ، وسيمضي ويعبر بعض ما يعبر لكنه سيستفيد فوائد كثيرة.
لهذا نقول: إنه كأصل عام لطالب العلم مع البحث كلما كان أبعد عمَّا ييسِّر له البحث في مقتبل الطلب ومتوسط الطلب كلما كان أنفع له.
% لا تفرح بسهولة العثور على المسألة في مقتبل أمرك بقدر ما تفرح إذا بحثت عن مسألة وتعبت في البحث حتى وجدتها.
% في بحثك في أي مسألة كلما عانيت أكثر كلما استفدت أكثر. هذه فوائد علمية.
إضافة إلى الفوائد التعبدية الكبيرة التي يحصل عليها طالب العلم إذا مرَّ على تفسير آيات كثيرة فيها ذِكر الرحمن جل جلاله وذكر صفاته وذكر نعوت كماله، وما يحصل للقلب من فوائد في العبادة والرِّقة والخضوع لله جل وعلا، المرور على الأحاديث كم من مرة سيصلي على النبي عليه الصلاة والسلام، فإذن في معاناة البحث فوائد في العبادة وفوائد في التعبد، فإذا كان ثَم متسع من الوقت عند طالب العلم فلا يختر الطريق السهل.

% كلما كانت معرفتُك بكتب أهل العلم أكثر وبما يختصّ به هذا الكتاب عن ذاك، مميزات هذا الكتاب، مميزات هذا المؤلَّف، ما تميز به المؤلِّف، إلى آخره، كلما كان قدرتك على البحث أعظم.

% البحث إذا أردت أن يضيق ضاق وإذا أردت أن يتسع جدا اتسع
% من لم يطَّلع على الكتب فإنه لن يستطيع أن يبحث
% الكتب بحر لا ساحل له.
% إذا كان طالب العلم كسلان لا يتصل بالكتب في أماكنها ولا يعرف الطبعات، ولا يعرف هذا الكتاب هل هو موجود غير موجود، وقديم أو غير قديم، هذا يصيبه فيه ضعف بقدر ما فاته من ذلك.
% الباحث لابد أن يحدد ما يريد.
% إذا كان يريد بحث مسألة لابد أن يتجه إليها تكون دائما نصب عينيه وهو يبحث.
% لا يأتي الباحث ويأخذ في الفقه خط واحد في التأليف ويستكثر به، هذا فيه ضعف في البحث.
% كلام الفقهاء في كتبهم كل مذهب هو الذي يؤتمن على نقل مذهبه؛ يعني إذا وجدتَّ كلام المذهب تريد تعرف رأي الحنابلة تأخذه من كتب الحنابلة، ما تأخذ رأي الحنابلة من سبل السلام أو من فتح الباري أو نحو ذلك؛ لأنه ما دام أن المصدر الأصيل فإن الأخذ عن الفروع ضعيف.

% الباحث إذا كان يعرف الكتب فإنه إذا نزل درجة في البحث فإنه معرض للغلط، فكلما علا إسناده وعلا النقل كلما كان أقوى.

% لابد أن يعرف طالب العلم ما الكتب التي يعتمد عليها أصحاب المذهب حتى إذا نقل يكون نقله موافق للصواب عند أهله.

% المذاهب الفقهية منقسمة إلى خمسة مذاهب: المذاهب الأربعة ومذهب الظاهرية، مذاهب أهل الحديث هي داخلة في مذاهب الأئمة الأربعة؛ لأنها بين أقوال أحمد والشافعي ومالك، هذا يسمى عند العلماء الخلاف العالي، وثَم خلاف أقل وهو كلام العلماء غير المتبوعين مثلا خلاف الأوزاعي، خلاف ابن جرير، أو خلاف المتقدين من التابعين إلى غير ذلك.

% إذا أراد طالب العلم أن يبحث مسألة في ذلك فإنه يبتدئ بالخلاف العالي ثم ينزل إلى أن يصل إلى عهد الصحابة رضوان الله عليهم، وهذه المنهجية هي التي تفقِّه وتفيد الباحث، خلافا لمن ظن أن الصواب العكس أنك تبدأ من عهد الصحابة ثم تصعد، هذا غير جيد لأن مع تقدم العصور المسائل اتضحت وصار الخلاف محدد والأدلة محددة، فإذا نظرت إلى كلام المتأخرين؛ يعني كلام الأئمة ثم انتقلت شيئا فشيئا إلى أن تصل إلى زمن التابعين ثم زمن الصحابة في الكتب والمصنفات هنا تصل في البحث إلى رؤية واضحة وقوة، وهذه هي طريقة أهل العلم والمحققين فيما يعرضونه في البحث كما تراه في المغني والمجموع وفي المحلى وفي غير هذه الكتب.

% قد ينسب فتح الباري للإمام أحمد أقوالا هي في الواقع أخذها من بعض كتب المذهب؛ لكن ليست هي المذهب، إذا أتى الباحث وقال الحنابلة كذا أو مذهب الإمام أحمد كذا هذه تحتاج منه إلى تأنِّي لابد أن يأخذها من كتب أصحابها، كذلك الشافعي المالكي أبو حنيفة إلى آخره.

% أنا أرى اليوم كثيرا ممن يبحثون ويحققون الكتب خاصة من طلبة العلم المتوسطين لا يرعون جانب المنهجية في البحث والتعليقات وتحقيق المسائل، فلهذا يجد طالب العلم إذا نظر في التحقيقات يجد صوابا كثيرا ويجد خلطا أيضا أو ضعفا في المنهجية.

% ابن حزم له أصول فقه خاصة به دونها في كتابه الإحكام في أصول الأحكام.
% إذا قال القائل: قال الأصوليون الأمر للوجوب. هذه الكلمة مالها معنى لأن الأصوليين مختلفون هل الأمر للوجوب أم لا؟ اختلاف طويل، آخر يكون أدق في التعبير فيقول: قال الأصوليون الأصل في الأمر أنه للوجوب. هذه أدق من الكلمة السابقة
% أن طالب العلم إذا أراد أن يبحث مسألة من مسائل الأصول فليعلم طرائق الأصوليين في بحث المسائل حتى تكون عبارته دقيقة فيما إذا بحث يعرف مدار الأصول وكتب الأصول ومميزاتها إلى غير ذلك.
% صاحب الصحاح متقدم في القرن الرابع الهجري وصاحب اللسان متأخِّر صاحب اللسان جمع خمسة كتب ابن منظور ليس له كلام في لسان العرب، ولذلك يأتي طالب العلم ويقول قال ابن منظور في لسان العرب كذا، هذا كلام لا معنى له، هذا الكلام لا معنى له للعلم الذين يفهمون اللغة، أن يقول قال ابن منظور في لسان العرب معنى كذا هو كذا هذا ليس له مانع لماذا؟ لأن ابن منظور ذكر في مقدمته....خمسة كتب أو ستة فرتبها في هذا الكتاب فلم يؤلف تأليفا مستقلا خلافا لفيروز آبادي في القاموس المحيط الذي جمع كتبا لكن صاغها بصياغته وثَم أشياء تفرد فيها ورد فيها على من سبقه ورد عليه واستدرك وأُستدرك عليه إلى غير ذلك مما هو معروف.
% إذن طالب العلم مثلا يعرف تسلسل كتب اللغة والكتاب الذي دخل في غيره والكتاب الذي استقل به صاحبه، يعرف من أين أُستقي ذلك حتى يكون دقيقا، هذا لا يتأتى لك إلا بمعرفة مدارس اللغة وكيف نشأت الكتب وصنفت وأشباه ذلك،

% جاءنا كتاب الجوهري وهو معروف سماه الصحاح وهو عند أهل اللغة بمنزلة كتب الصحاح في الحديث؛ لكن ثم فيه أشياء لا مستند لها عند الباحث اللغوي الصحيح،

% فالبحث إذا أردته على حقيقته فإنه متوسِّع جدا؛ يعني ليس ثم مسألة إلا وراءها مسألة، وراءها مسألة حتى يصل الباحث في تحقيق العلم إلى أهله،

% لابد للباحث أن يكون متئدا في بحثه متريثا، فالعلم واسع جدا جدّا ولهذا لابد أن يكون ثم بلوغ في البحث وفي أخذ العلم، وأن يتحرى طالب العلم الصواب المختصر،

% إذا أراد أن يبحث في مسألة من مسائل اعتقاد أهل البدع مثلا في كتب الأشاعرة من مسائل الأشاعرة ينظر أين ذكرت المسالة كيف صوروها أولا ترجع إلى كتب الأئمة تنظر كيف عرضوا للمسألة، كيف صوروا مذهب أهل السنة وكيف صوروا المخالفين من الأشاعرة والمعتزلة والخوارج إلى آخره.
ثم تنتقل منها إلى كتب القوم ولابد للباحث المتخصص في العقيدة ليس كل طالب علم أن يعرف هذه الكتب ومميزاتها إلى آخره، ثم بعد ذلك يرجع إلى الرد عليها عند شيخ الإسلام وابن القيم والأئمة رحمهم الله تعالى.
% طالب العلم إذا اقتصر في مسألة ما على ما هو موجود في كتب الشروح المتأخرة وقال خلاص هذه هي كلمة الفصل يضعف بقدر ذلك، طيب

% يأتي باحث ويقول هذا الحديث إسناده حسن؛ لأن فيه فلان قال الحافظ ابن حجر فيه صدوق، هذا الكلام في الحقيقة لا معنى له، الحافظ ابن حجر ألف التقريب ليكون كاشفا معك في اليد في أسفارك؛ يعني تعرف تقريبه ليس الحكم على الرجل،
% الباحث لابد أن يكون دقيقا وكلما صار أدق كلما صار أحرى بالصواب في العلم.

% إذا أردت أن تبحث بحثا مدققا وتنشره ويكون لك فائدة بشيء تقتنع به لابد أن تتوسع في البحث مرة وتصل إلى أقصى الموجود،
% الباحث كلما كان أقوى في الأصول وفي الاستدلال وفي الاجتهاد كلما كان نظره أدق،

% أغرب من ذلك أن يقتصر الباحث على كلام بعض المعاصرين في نصوصهم، سواء في اللغة أو في العلوم المختلفة، لاشك أن هذا ضعف لأنه من حيث أخذوا فخذ، ومن حيث نقلوا فانقل، والحمد لله الآن ثورة علمية كبيرة بوجود هذه الكتب بينا، فلابد للباحث أن يصل إلى أوائل المسائل.

% طالب العلم ما يشتاق للعلم يتحرك فيتفاعل معه إلا بالبحث، لابد أن يقسم أمره على هذه الأقسام الثلاثة:
لابد من طلب العلم على الأشياخ.
لابد من المطالعة والقراءة لتستفيد.
لابد من بحث مسائل تتنقح عندك وتتضح الصورة ويكون عندك شغف بالعلم.
وكلما كنت أرغب في البحث كلما كان رغبك في العلم وصلة بالكتب أعظم.