وللتوضيح إليكم بحث الدكتور على العوض عبد الله حول إدغام المتقاربين {الإدغام الصغير}
الإدغام الصغير كما يقول ابن القاصح: "إدغام الحروف السواكن فيما قاربها وهو ما كان الحرف المدغم منه ساكناً. فمذهب أبي عمرو في هذا الباب إدغام حروف لم يدغمها غيره من القُرَّاء. ويتضح ذلك جلياً في الحديث عن إدغام (ذال إذ ودال قد وتاء التأنيث) ويمكننا أن نوضِّح مذهبه في هذا الباب بما ورد في "حرز الأماني" للشاطبي وشارحها ابن القاصح مع الاختصار.
يقول الشاطبي([1]) عن ذلك مقدماً لإدغام هذه الحروف:
سأذكر ألفاظاً تليها حروفها
فدونك إذ في بيتها وحروفها
سأُسمي وبعد الواو تسمو حروف مَنْ في دال قد أيضاً وتاء مؤنث
بالاظهار والإدغام تُروى وتُجتلا
وما بعد بالتقييد قُدهُ مُذللا
تسمّى على سيما تروق مُقّبلا
وفي هل وبل فاحتل بذهنك أحيلا
ثم يبدأ بـ (ذال إذ):
نَعمْ إذ تمشّت زينب صال دَلّها
فإظهارها أجرى دوام نسيمها
سَميَّ جمال واصلاّ من توصلا
وأظهر رَيَّا قوله واصِفٌ جَلا
يقول ابن القاصح بعد توضيحه لمذهب القُرَّاء في إدغام (ذال إذ) هذه: "توضيح، القُرَّاء في فصل ذال إذ على ثلاث مراتب: منهم من أظهرها عند حروفها الستة، وهم: نافع، وابن كثير، وعاصم، ومنهم من أدغمها في حروفها الستة، وهما: أبو عمرو وهشام، ومنهم من أظهرها عند بعضها وأدغم في بعضها، وهم: الكسائي، وخلف، وخلاد، وابن ذكوان. فأمّا الكسائي وخلاد فإنّهما أظهراها عند الجيم وأدغماها فيما بقي، وأمّا خلف فإنّه أدغم في التاء والدال وأظهر عندما بقي، وأمَّا ابن ذكوان فإنّه أدغم في الدال وأظهر عندما بقي([2]).
وفي الحديث عن (دال قد) يقول الشاطبي:
وقد سحبت ذيلاّ ضفا ظل زرنب
فاظهرها نجم بدا دلّ واضحاً
((وأدغم (مُـ)ـروٍ واكِفٌ ضَيْرَ (ذ) ابل
وفي حَرفِ زينّا خلافٌ ومظهرٌ
جلته صباه شائقاً ومُعَللاّ
وأدغم في ورش ضر ظمآن وامتلا
(ز)وى (ظِ)لّه وغر تسداه كلكلا))
هشامٌ بصاد حرفه متحمّلا
يقول ابن القاصح ملخصاً لمذهب القُرَّاء في إدغام (دال قد) بعد تفصيله لهذا الباب وتوضيح مذهب كل قارئ: "(توضيح) القُرَّاء في (دال قد) على ثلاث مراتب: منهم من أظهرها عند حروفها الثمانية بلا خلاف، وهم: قالون، وابن كثير، وعاصم. ومنهم من أدغمها في حروفها الثمانية، وهم: أبو عمرو، وحمزة، والكسائي. ومنهم من أظهر عند بعضها وأدغم في بعضها، وهم: ورش، وابن ذكوان، وهشام.
أمّا ورش فإنّه أدغم في الضاد والطاء وأظهرها عند الستة الباقية، وأمّا ابن ذكوان فإنّ الأحرف الثمانية عنده على ثلاث مراتب، منها أربعة أظهر عندها بلا خلاف، وهي: السين، والصاد، والجيم، والشين، ومنها ثلاثة أدغم فيها بلا خلاف، وهي: الضاد والطاء والذال، ومنها حرف واحد اختلف عنه فيه، وهو الزاي. وأمّا هشام فإنّه أظهر (قال لقد ظلمك) وأدغم في السبعة البواقي([3]).
وأمّا عن ذكر تاء التأنيث فيقول الشاطبي:
وأبْدت سَنا ثَغْر صَفَتْ زُرق ظَلْمِهِ
فإظهاره دُرٌّ نمته بدوره
وأظهر كهف وافرٌ سَيبُ جُوده
وأظهر راويه هشام لهُدِّمتْ
جمعن وروداً بارداً عطر الطِلاّ
وأدغم ورش ظافراً ومحوّلا
زكيٌ وفيٌّ عُصْرَةً ومُحَللاّ
وفي وجبت خلف ابن ذكوان يفتلا
ويلخص ابن القاصح مذاهب القُرَّاء في هذا الباب بعد توضيحه لمذهب كل قارئ بقوله:
توضيح: القُرَّاء في تاء التأنيث على ثلاث مراتب: منهم من أظهرها عند جميع حروفها، وهم: عاصم، وقالون، وابن كثير. ومنهم من أدغمها في حروفها الجميع، وهم: أبو عمرو، وحمزة، والكسائي. ومنهم من أظهرها عند بعضها وأدغمها في بعضها، وهما: ورش وابن عامر([4]).
ومما ذكر في هذا الباب يتضح لنا مذهب أبي عمرو في الإدغام الصغير، فهو قد أدغم كل هذا الباب بلا استثناء بخلاف غيره من القُرَّاء والرواة الذين نجدهم يدغمون أحياناً ويظهرون أحياناً أخرى مما يؤيد لنا القاعدة التي ذكرناها من قبل أنَّ أبا عمرو يدغم من الحروف ما لا يدغمه ويميل في قراءته غالباً إلى التخفيف الذي أصبح سمة بارزة لقراءته.
([1]) الشاطبية بشرح سراج القاري: ابن القاصح (ت 801هـ)، طبعة 1954م، القاهرة، ص 92.
([2]) سراج القاري لابن القاصح، ص 94.
([3]) سراج القرائ لابن القاصح، ص 95.
([4]) المصدر السابق، ص 96.