وجدت تفصيلا لعلة ما أشكل عليك في كتاب : ( علل النحو ) لأبي الحسن الوراق - باب الحروف التي ترفع الأسماء والنعوت والأخبار -
أضع نصه بين يديك , لأنه أجاب بتفصيل أظنه لا يوجد مثله .
قال :
" فأما ( أي ) : فهي معربة في جميع الوجوه ، إلا في موضع سنبينه ،
وإنما استحقت الإعراب لأنها متضمنة للإضافة ، وهي مع هذا متمكنة مستعملة في موضع الرفع والنصب والجر ، فلتمكنها في الإخبار عنها ، وتضمنها للإضافة استحقت الإعراب ، لأن الإضافة تقوم مقام التنوين ، وما تلحقه على هذا السبيل الإضافة ، فلا بد من أن يكون معربا ، فلهذا خالفت ( من وما والذي ) .
وأما الموضع الذي تبنى فيه ( أي ) : فهو أن تجريها مجرى ( الذي ) وتصلها باسم مفرد ، كقولك : لأضربن أيهم قائم ، وكان الأصل : لأضربن أيهم هو قائم ، فيكون ( هو ) المبتدأ ، و ( قائم ) الخبر ، والجملة صلة ( أي ) ، كما تكون صلة ( الذي ) ، وحذف ( هو ) وهو قبيح ، وإنما قبح لأنه يجوز أن يقع موقعه أخوه وأبوه ، وما أشبه ذلك ، فيقع لبس في الكلام ، ومع هذا فإن المبتدأ لا بد منه ، وإنما يجب الحذف للفضلات لما لا بد منه ، إلا أن العرب قلما تستعمل حذف المبتدإ مع ( الذي ) ، وقد استعملوا حذفه مع ( أي ) .
قال سيبويه : لما جاءت ( أي ) في هذا الموضع الذي ذكرناه مخالفة لما تجيء عليه أخواتها بنيت على الضم لمخالفتها أخواتها - أعني : ( الذي ومن وما ) - .
وقال الخليل ، رحمه الله : هي معربة في هذا الموضع ، وإنما رفعت على المعنى للحكاية ، والتقدير عنده : لأضربن الذي يقال له : أيهم قائم .
وقال يونس : الفعل ملغى ، وشبهه بأفعال القلوب التي يجوز إلغاؤها .
وقول يونس ضعيف جدا ، لأن ( ضربت ) فعل مؤثر ، ومحال أن يلغى ما له تأثير .
وقول الخليل أقرب ، وإن كان فيه بعض البعد ؛ لأن تقدير الحكاية إنما يسوغ فيما جرى له ذكر ، ونحن نبتدئ الكلام بالمسألة التي ذكرناها ، ولم يبق ما يعمل عليه إلا قول سيبويه ، وقد طعن عليه أبو بكر بن السراج ، فإنه قال : وجدت المفرد مما يستحق البناء فإذا أضيف أعرب ، نحو : ( قبل وبعد ) فصارت الإضافة توجب إعراب الاسم ، ووجدنا ( أيا ) إذا أفردت أعربت ، وهذا نقض الأصول ، وهذا الذي حكيناه معنى قوله .
قال أبو الحسن : والذي قدره أبو بكر ليس بصحيح ، وذلك أن الإضافة ترد الاسم إلى حال الإعراب ، إذا استحق البناء في حال الإفراد ، فإذا كان الموجب للبناء في حال الإضافة ذلك الشيء ، كان حال الاسم مفردا أشد افتقارا إلى البناء ، ألا ترى أن ( لدن ) مبنية ، وهي مع هذا مضافة ؛ لأنها استحقت البناء في حال إضافتها .
وإذا كان ذلك على ما ذكرناه سقط ما اعتمد عليه أبو بكر ، وصح ما قال سيبويه .
وإنما وجب أن تعرب ( أي ) في حال الإفراد ؛ لأن الإضافة تعاقب التنوين وهي متضمنة للإضافة ، فلما زال لفظ الإضافة رجع التنوين ، ومتى حصل التنوين الذي هو علامة الانصراف في الاسم ، وجب أن يعرب .
فإن قال قائل : أليس الإضافة تقوم مقام التنوين فقد استويا ، فلم صار في حال الإضافة أولى من حال الإفراد ؟
قيل له : لأنها إذا بنيت في حال الإضافة ، فإنما دخلها نقص واحد بالبناء ،
فيحمل بناؤها في هذه الإضافة لخفة حكمه ، فإذا أفردت كرهوا ان يجمعوا عليها حذف المضاف والبناء ، فإذا تمت بصلتها فلا بد من إعرابها ، وهذا يقوي ما قال سيبويه ، لأن معنى الحكاية لا يتغير بإظهار المبتدإ بعد ( أي ) ، فلما جدنا العرب تنصب ( أيا ) إذا تمت بصلتها ، وتضمها إذا حذفت منها المبتدأ ، علمنا أن الضم بناؤها دون ما سواه ، وتمامها أن تقول : لأضربن أيَّهم هو قائم .
وبعض العرب يعربها وإن حذفت منها المبتدأ , وهي لغة جيدة . ووجهها : أن ( أيا ) قد بينا تمكنها واستحقاقها للإعراب ، وسبب الحذف بعدها للاستخفاف ، ولا ينبغي أنيكون ما حذف للاستخفاف يؤثر في إزالة تمكن الاسم .
فإن قيل : فلم قبح استعمال ( الذي ) إذا حذف من صلته المبتدأ ، ولم يقبح
ذلك مع ( أي ) ؟
قيل : يجوز أن يكون ذلك ؛ لأن ( أيا ) لا تنفك من الإضافة ، فيصير المضاف إليه كالعوض من حذف المبتدإ ، فلهذا كثر في ( أي ) الحذف من بين سائر أخواتها . "
انتهى