الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي - المعافى بن زكريا :
المجلس السادس عَشْر »
زيارة حرقة بِنْت النُّعْمَان لسعد بْن أبي وقاص
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن القَاسِم الأنبَاريّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أبي ، قَالَ : حَدَّثَنَا أبو بَكْر مُحَمَّد بْن يَعْقُوب الدينوري ، قَالَ : حَدَّثَنَا حَسّان بْن أبان البَعْلَبَكيّ ، قَالَ : لمّا قَدِمَ سَعْد بْن أبي وقاص القادسية أميرًا أتتْه حرقة بِنْت النُّعْمَان بْن المنذر فِي جَوَارٍ فِي مثل زِيَّها ، تطلب صِلَته ، فَلَمّا وقفن بَيْنَ يَدَيْهِ ، قَالَ : أيتكن حرقة ؟ قلن : هَذِهِ ، قَالَ : أنت حرقة ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، فما تكرارك استفهامي ؟ إن الدُّنْيَا دار زوال وإنها لا تدوم على حال ، تنتقل بأهلها انتقالا ، وتُعقبهم بَعْدَ حال حالا ، إنا كُنَّا ملوكَ هَذَا الْمِصْرِ قبلك ، يُجْبى إلينا خَرْجه ، ويُطيعنا أهله ، مدَّة المدة وزمان الدّولة ، فَلَمّا أدبر الأمر وانقضى ، صاح بنا صائحُ الدهر ، فصدع عصانا وشتّتَ ملأنا ، وكذلك الدهر يا سَعْد ، إِنَّهُ لَيْسَ من قَوْمٍ بحبرة إلا والدهر مُعقبهم عَبْرة ، ثُمَّ أنشأت تقول : فبينا نَسُوسُ الناسَ والأمر أمرنا إِذَا نَحْنُ فيهم سوُقةٌ نَتَنَصَّفُ فأفٍّ لدينا لا يدوم سرورها تَقَلّبُ تاراتٍ بنا وتصرفُ فَقَالَ سَعْد : قاتل اللَّه عَدِيّ بْن زَيْدُ كأنه كَانَ ينظر إليها ، حَيْث تقول : إن للدهر صَوْلةً فاحْذَرَنْها لا تبيتن قَدْ أمنت الشُّرُورا قَدْ يبيت الفتى مُعَافًى فيُرْزَا ولقد كَانَ آمنًا مَسْرُورًا وأكرمها سَعْد وأحسن جائزتها فَلَمّا أرادات فراقه ، قَالَتْ : حَتَّى أُحَيِّيك تحيةَ أمْلاكِنَا بعضهم بعضا لا جعل اللَّه لك إلى لئيمٍ حاجة ، ولا زال لكريم عندك حاجة ، ولا نزع من عَبْد صالح نعمة إلا جعلك سببًا لردّها عَلَيْهِ.
فَلَمّا خرجت من عِنْدَهُ تلقاها نساءُ الْمِصْر فقلن لَهَا : مَا صنع بك الأمير ؟ قَالَتْ : حَاطَ لي ذِمّتي وأكرم وجهي إنما يُكْرم الكريمُ الكَريما
__________________