حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن إسناده
قال الحافظ ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين
: وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم معاذا على اجتهاد رأيه فيما لم يجد فيه نصا عن الله ورسوله ,
قال شعبة حدثني أبو عون عن الحارث بن عمرو عن أناس من أصحاب معاذ " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن قال كيف تصنع إن عرض لك قضاء ؟ قال أقضي بما في كتاب الله , قال فإن لم يكن في كتاب الله ؟ قال فبسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , قال فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال أجتهد رأيي لا آلو قال فضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدري ثم قال الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " .
فهذا حديث وإن كان عن غير مسمين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك لأنه يدل على شهرة الحديث , وأن الذي حدث به الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ لا واحد منهم . وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي , كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى ولا يعرف في أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك , كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث , وقد قال بعض أئمة الحديث إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به :
قال أبو بكر الخطيب : وقد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ , وهذا إسناد متصل ورجاله معروفون بالثقة على أن أهل العلم قد نقلوه واحتجوا به فوقفنا بذلك على صحته عندهم , كما وقفنا على صحة قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا وصية لوارث " وقوله في البحر " هو الطهور ماؤه والحل ميتته " وقوله " إذا اختلف المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وترادا البيع " وقوله " الدية على العاقلة " وإن كانت هذه الأحاديث لا تثبت من جهة الإسناد ولكن لما نقلها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب الإسناد لها , فكذلك حديث معاذ لما احتجوا به جميعا غنوا عن طلب الإسناد له انتهى كلامه .
وقد جوز النبي صلى الله عليه وآله وسلم للحاكم أن يجتهد رأيه , وجعل له على خطئه في اجتهاد الرأي أجرا واحدا إذا كان قصده معرفة الحق واتباعه , وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجتهدون في النوازل ويقيسون بعض الأحكام على بعض , ويعتبرون النظير بنظيره .
قال أسد بن موسى : حدثنا شعبة عن زبيد اليمامي عن طلحة بن مصرف عن مرة الطيب عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة " كل قوم على بينة من أمرهم ومصلحة من أنفسهم يزرون على من سواهم ويعرف الحق بالمقايسة عند ذوي الألباب " وقد رواه الخطيب وغيره مرفوعا ورفعه غير صحيح وقد اجتهد الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كثير من الأحكام ولم يعنفهم , كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة , فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق وقال لم يرد منا التأخير وإنما أراد سرعة النهوض , فنظروا إلى المعنى , واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة فصلوها ليلا , نظروا إلى اللفظ , وهؤلاء سلف أهل الظاهر وأولئك سلف أصحاب المعاني والقياس .
ولما كان علي رضي الله عنه باليمن أتاه ثلاثة نفر يختصمون في غلام فقال كل منهم هو ابني , فأقرع علي بينهم , فجعل الولد للقارع وجعل عليه للرجلين ثلثي الدية , فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وآله وسلم فضحك حتى بدت نواجذه من قضاء علي رضي الله عنه .
واجتهد سعد بن معاذ في بني قريظة وحكم فيهم باجتهاده فصوبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات " .
واجتهد الصحابيان اللذان خرجا في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فصليا ثم وجد الماء في الوقت فأعاد أحدهما ولم يعد الآخر فصوبهما وقال للذي لم يعد " أصبت السنة وأجزأتك صلاتك , وقال للآخر لك الأجر مرتين " .
ولما قاس مجزز المدلجي وقاف وحكم بقياسه وقيافته على أن أقدام زيد وأسامة ابنه بعضها من بعض سر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى برقت أسارير وجهه من صحة هذا القياس وموافقته للحق , وكان زيد أبيض وابنه أسامة أسود , فألحق هذا القائف الفرع بنظيره وأصله وألغى وصف السواد والبياض الذي لا تأثير له في الحكم .
وقد تقدم قول الصديق رضي الله عنه في الكلالة أقول فيها برأيي , فإن يكن صوابا فمن الله , وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان أراه ما خلا الوالد والولد فلما استخلف عمر قال إني لأستحيي من الله أن أزداد شيئا قاله أبو بكر وقال الشعبي عن شريح قال : قال لي عمر : اقض بما استبان لك من كتاب الله فإن لم تعلم كل كتاب الله فاقض بما استبان لك من قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , فإن لم تعلم قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاقض بما استبان لك من أئمة المهتدين , فإن لم تعلم كل ما قضت به أئمة المهتدين فاجتهد رأيك واستشر أهل العلم والصلاح .
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن اسناده
حياك الله أبا محمد وبارك فيك.
القول بصحة الاجتهاد والعمل بالرأي عند فقد النص صحيح.
لكن القول بصحة هذا الحديث وترديد أن شهرته تغني عن إسناده فقول خطير يحتاج إلى تدبر في عواقبه.
وليس هذا الحديث بصحيح وإن قال أهل العلم بصحة معناه.
ويكفي في بيان الأمر ما بذله الشيخ مشهور حسن سلمان في التعليق على الكتاب المذكور لإمام الأئمة ابن قيم الجوزية،
فليراجع أحسن الله إليك.
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن اسناده
ضعف هذا الحديث كل من : الإمام البخاري، والترمذي، والعقيلي، والدارقطني، وابن حزم، والعراقي، وابن كثير، وابن حجر، وغيرهم.
وصححه: الخطيب البغدادي، وأبو بكر الرازي، وابن الجوزي، وابن القيم، وغيرهم.
قال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير:
(( اعلم أنني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار، وسألت عنه من لقيته من أهل العلم بالنقل فلم أجد له غير طريقين: أحدهما طريق شعبة ، والأخرى : عن محمد بن جابر، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن رجل من ثقيف، عن معاذ، وكلاهما لا يصح. انتهى
مستفاد مما كتبه الشيخ مشهور في التعليق على ((إعلام الموقعين)) (2/344 - 351).
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن اسناده
شيخنا الفاضل علي أحمد عبد الباقي وفقك الله
هنا اربعةا مور وهي :
اولا: الحديث كما ذكرت صححه: الخطيب البغدادي، وأبو بكر الرازي، وابن الجوزي، وابن القيم، وغيرهم
ثانيا:ليس كل حديث مشهورينطبق عليه هذا الكلام وانما هي احاديث يسيرة جدا
قال ابن القيم رحمه الله فهذا حديث وإن كان عن غير مسمين فهم أصحاب معاذ فلا يضره ذلك لأنه يدل على شهرة الحديث , وأن الذي حدث به الحارث بن عمرو عن جماعة من أصحاب معاذ لا واحد منهم . وهذا أبلغ في الشهرة من أن يكون عن واحد منهم لو سمي , كيف وشهرة أصحاب معاذ بالعلم والدين والفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى ولا يعرف في أصحابه متهم ولا كذاب ولا مجروح بل أصحابه من أفاضل المسلمين وخيارهم لا يشك أهل العلم بالنقل في ذلك ,
كيف وشعبة حامل لواء هذا الحديث ,
وقد قال بعض أئمة الحديث إذا رأيت شعبة في إسناد حديث فاشدد يديك به
ثالثا :يعضده من ناحية المتن
ماقاله الشعبي عن شريح قال : قال لي عمر : اقض بما استبان لك من كتاب الله فإن لم تعلم كل كتاب الله فاقض بما استبان لك من قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم , فإن لم تعلم قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاقض بما استبان لك من أئمة المهتدين , فإن لم تعلم كل ما قضت به أئمة المهتدين فاجتهد رأيك واستشر أهل العلم والصلاح
رابعا : مثله حديث لا وصية لوراث
الذي قال عنه الامام الشافعي : أن هذا المتن متواتر فقال : وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي (http://majles.alukah.net/imgcache/2009/11/1.jpg) قال عام الفتح : لا وصية لوراث ويأثرونه عمن حفظوه عنه ممن لقوه من أهل العلم ، فكان نقل كافة عن كافة . فهو أقوى من نقل واحد انتهى . فيكون هذا الحديث مقيداً لقوله تعالى : من بعد وصية يوصى بها وقد ذهب إلى ذلك الجمهور .
وقال الامام مالك في الموطأ : السنة الثابتة عندنا التي لا اختلاف فيها أنه لا يجوز وصية لوارث إلا أن يجيز له ذلك ورثة الميت . .
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن اسناده
شيخنا الحبيب
أما أولًا: فمن ضعفه أكثر عددًا وأعلى كعبًا في هذا العلم.
وأما ثانيًا: فما هو سبب تخصيص هذه الأحاديث عن غيرها؟!
وأما العلة التي دفعها الإمام ابن القيم في الكلام السابق فليست هي العلة الوحيدة له ، وحبذا لو تراجع المصدر السابق والسلسلة الضعيفة للشيخ الألباني رحمه الله (881).
وأما ثالثًا : فمتنه لا يحتاج لما يعضده فإن معناه لا أحسب يخالف فيه أحد، إلا أن يكون ذلك لأحد من الظاهرية.
لكن ليس كل ما صح متنه من جهة المعنى يتساهل في نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم، مع ضعفه من جهة السند. والله أعلم
وأما قياسة على حديث ((لا وصية لوارث)) فغير متجه لن الثاني تواتر لفظه وجاء من طرق كثيرة بلغ بها التواتر فلا يبحث عن صحة سنده . والله أعلم
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن اسناده
قال الشيخ العلامة العباد حفظه الله مبينا بعض ماقيل في الحديث من علل وشهرته تغني عن اسناده كماقال جماعة من اهل العلم
والحديث فيه ثلاث علل:
أولاً: أن فيه إرسالاً؛ لأن أصحاب معاذ هم الذين يحكون القصة،
ثانياً: أنهم مبهمون،
ثالثاً: أن الحارث بن عمرو الذي يروي عن هؤلاء هو أيضاً مجهول. ففيه هذه العلل، ولهذا ضعفه الشيخ الألباني ،
ولكن بعض أهل العلم صححه أو حسنه، ومنهم ابن كثير في أول تفسير سورة الفاتحة، وكذلك الشوكاني حسنه وقال: إن ابن كثير جمع فيه جزءاً وقال: كذلك أيضاً أبو الفضل بن طاهر المقدسي جمع فيه جزءاً. وقد وجدت آثار عن عدد من الصحابة تدل على ما دل عليه، وهي مطابقة له تماماً،
وذلك عن عمر بن الخطاب وعن عبد الله بن مسعود وهما في سنن النسائي في باب الحكم باتفاق أهل العلم؛ لأن فيهما زيادة: (بم تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: فما قضى به الصالحون) يعني: بما اتفق عليه أهل العلم وهو الإجماع، قال: (فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي).
وكأن الألباني استنكره من ناحية المعنى، يعني: أن الكتاب والسنة شيء واحد، وأن كلاهما وحي، وأن هذا التفصيل فيه نظر. والمقصود من ذلك أن الإنسان عندما يبحث في الأدلة يبحث في القرآن أولاً ثم يبحث في السنة، وكل منهما من ناحية الحكم والتعويل واحد؛ لأن السنة متعبد بها كما يتعبد بالقرآن من حيث العمل، وعليه أن يصير إلى ما يجد من دليل من كتاب الله عز وجل أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يحصل شيئاً من ذلك، ووجد إجماعاً أو حكاية إجماع واتفاق العلماء على ذلك فإنه يأخذ به، وإن لم يكن شيئاً من هذا ولا هذا فإنه يجتهد رأيه، وذلك بإلحاق النظير بالنظير، وإلحاق الشبيه بالشبيه، أو بإدخاله تحت قاعدة عامة، أو إدراجه تحت لفظ عام، أو ما إلى ذلك من الطرق التي يمكن أن يصار إليها؛ لأن الشريعة مستوعبة لكل شيء، وهذا الاستيعاب ليس بألفاظها؛ لأنه ليس كل قضية لابد أن يوجد فيها نص، ولكن هذا يكون بعموماتها وبقواعدها بقياس الشبيه بالشبيه والنظير بالنظير وهكذا، ولهذا كل نازلة تنزل بالناس ولم يعرف لها مثيل فيما مضى فإنه إذا تؤمل في نصوص الكتاب والسنة وفي قواعد الشريعة وفي عمومات النصوص وفي القياس وما إلى ذلك فإنه يمكن إيجاد الحل لها؛ لأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان وهي مستوعبة لكل شيء.
وأيضاً ذكر صاحب عون المعبود: أن البيهقي في كتابه السنن لما ذكر هذا الحديث الذي معنا ذكر بعد ذلك أربعة آثار: أثر عمر وأثر ابن مسعود وأثر زيد بن ثابت وأثر ابن عباس.
والحديث الذي أنكره الألباني هو هذا الحديث الذي معنا حديث معاذ،
أما الآثار فليس فيها إشكال. لكن كما هو معلوم أن العلماء عندما يأتون بالأدلة يذكرون أولاً أدلة الكتاب ثم أدلة السنة كما يأتي في كثير من المسائل، يعني: عندما يريد المستدل أن يستدل، يقول: وهذه المسألة دل عليها الكتاب والسنة والإجماع والقياس أو المعقول، أما الكتاب فقول الله عز وجل كذا، وأما السنة فقول الرسول صلى الله عليه وسلم كذا، وأما الإجماع فقد حكى فلان الإجماع، وأما القياس فكذا وكذا، أو المعقول فكذا وكذا.
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن اسناده
الحديث - يقينا - ضعيف ، و لا يجوز العمل بطيب النفس و أن جمعا من الفقهاء أخذوا به و تلقوه بالقبول ، ثم يجب فهم متنه - باعتباره مقولة معرضة للنظر - فمعناه أن المجتهد إذا لم يجد النازلة في القرآن و السنة و الإجماع فعليه أن يجتهد حتى يصل إلى الحكم الصحيح ، فنحسبه لأول وهلة معنى مستقيما ! غير أنه مزلق خطير ، و ذلك أن لا نازلة - إلى يوم القيامة - تنزل بالمسلمين إلا و هي مذكورة في القرآن أو السنة إما باسمها الأخص و إما باسمها الأعم ، سواء علم ذلك بالنص أو بدليله ، فدعوى عدم وجود المسألة في القرآن أو السنة دعوى باطلة كاذبة ، لأنها فاسدة الوضع مناقضة للقرآن و السنة ذلك أن الله يقول : "و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء " و هذا نص في العموم ، و قال النبي صلى الله عليه و سلم :" ذروني ما تركتكم إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم و اختلافهم على أنبيائهم فما أمرتكم به فأتوا منه مااستطعتم و ما نهيتكم عنه فاجتنبوه " ، و ليس وراء هذين كلام ، و العلم عند الله تعالى
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن اسناده
تامل ماقاله الشيخ العلامة العباد حفظه الله في معنى الاجتهاد الوارد في الحديث :
وإن لم يكن شيئاً من هذا ولا هذا فإنه يجتهد رأيه، وذلك بإلحاق النظير بالنظير، وإلحاق الشبيه بالشبيه، أو بإدخاله تحت قاعدة عامة، أو إدراجه تحت لفظ عام، أو ما إلى ذلك من الطرق التي يمكن أن يصار إليها؛ لأن الشريعة مستوعبة لكل شيء، وهذا الاستيعاب ليس بألفاظها؛
لأنه ليس كل قضية لابد أن يوجد فيها نص،
ولكن هذا يكون بعموماتها وبقواعدها بقياس الشبيه بالشبيه والنظير بالنظير وهكذا، ولهذا كل نازلة تنزل بالناس ولم يعرف لها مثيل فيما مضى
فإنه إذا تؤمل في نصوص الكتاب والسنة وفي قواعد الشريعة وفي عمومات النصوص وفي القياس وما إلى ذلك فإنه يمكن إيجاد الحل لها؛ لأن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان وهي مستوعبة لكل شيء
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن اسناده
قول الشيخ علي عبد الباقي : صححه ابن الجوزى
ومن ذكرأن ابن طاهر المقدسي جمع فيه جزءاً ليس معناه أنه صححه وراجع ما يلي :
الحديث
ـ عَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ ، عَنْ مُعَاذٍ ؛
(( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ ، فَقَالَ : كَيْفَ تَصْنَعُ إِنْ عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ؟ قَالَ : أَقْضِي بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ ، قَالَ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللهِ ؟ قَالَ : فَسُنَّةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ قَالَ : أَجْتَهِدُ رَأْيِي لاَ آلُو ، قَالَ : فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَدْرِي ، ثُمَّ قَالَ : الْحَمْدُ ِللهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم..))
أخرجه ابن أَبي شَيْبَة ، وأحمد ، وعَبد بن حُميد ، والدارِمِي ، وأبو داود ، والترمذي.
من رواية أَبي عَوْن ، مُحَمد بن عُبَيْد الله الثَّقَقِي ، عن الحارث بن عَمْرو ، ابن أخي المُغِيرَة بن شُعْبة ، عن ناسٍ من أصحابِ مُعَاذ من أهل حِمْص ، عن معاذ ، به.
وهذا حديثٌ إسناده ساقطٌ لايصح ، ومن نَسَبَهُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كَذَبَ عليه.
أولا : قال البخاري : الحارث بن عَمرو ، ابن أخي الْمُغِيرة بن شُعبة ، الثَّقَفيّ ، عن أصحاب مُعاذ ، عن مُعاذ ، رَوى عنه أبو عَوْن ، ولا يَصح ، ولا يُعرف إلا بِهَذا ، مُرسلٌ. التاريخ الكبير (2/2449).
ثانيًا : أورده العقيلي في الضعفاء 1/215 (262) ، ونقل قول البخاري السابق.
ثالثًا : قال الترمذي ، بعد أن أخرجه : هذا حديثٌ لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وليس إسناده عندي بمتصلٍ ، وأبو عون الثقفي اسمه محمد بن عُبيد الله . سنن الترمذي (1327 و1328).
رابعًا : قال ابن حَزم : وحديث معاذ ، الذي فيه : أجتهد رأيي ولا آلو ، لا يصح ، لأنه لم يروه أحدٌ إلا الحارث بن عمرو ، وهو مجهولٌ ، لا ندري مَنْ هو ، عن رجالٍ من أهل حمص لم يُسَمِّهم ، عن معاذ. ((المحلى)) 1/62.
وقال ابن حَزم : وأما حديث معاذ ، فيما رُوِيَ من قوله : أجتهد رأيي ، وحديث عبد الله بن عمرو ، في قوله : أجتهد بحضرتك يا رسول الله ، فحديثان ساقطان ، أما حديث معاذ ، فإنما رُوي عن رجالٍ من أهل حمص ، لم يُسَمَّوْا ، وحديث عبد الله منقطعٌ أيضًا ، لا يتصل. ((الإحكام في أصول الأحكام)) 5/121.
خامسًا : أخرجه ابن حَجَر في كتابه ((تلخيص الحبير)) 4/182 ، ثم قال : أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن عدي ، والطبراني ، والبيهقي ، من حديث الحارث بن عمرو ، عن ناسٍ من أصحاب معاذ ، عن معاذٍ.
قال الترمذي : لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وليس إسناده بمتصل.
وقال البخاري ، في ((تاريخه)) : الحارث بن عمرو ، عن أصحاب معاذ ، وعنه أبو عون ، لا يصح ، ولا يُعرف إلا بهذا.
وقال الدارقطني ، في ((العلل)) : رواه شعبة ، عن أبي عون ، هكذا ، وأرسله ابن مهدي ، وجماعاتٌ ، عنه ، والمرسل أصح.
قال أبو داود ، يعني الطيالسي ، أكثر ما كان يحدثنا شعبة ، عن أصحاب معاذ ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال مرةً : عن معاذ.
وقال ابن حزم : لا يصح ، لأن الحارث مجهولٌ ، وشيوخه لا يُعرفون ، قال : وادعى بعضُهم فيه التواتر ، وهذا كذبٌ ، بل هو ضد التواتر ، لأنه ما رواه إلا أبو عون ، عن الحارث ، فكيف يكون متواترًا.
وقال عبد الحق : لا يُسند ، ولا يوجد من وجه صحيحٍ.
وقال ابن الجوزي ، في ((العلل المتناهية)) : لا يصح ، وإن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم ، ويعتمدون عليه.
* وقال ابن طاهر المقدسي ، في تصنيفٍ له مفرد ، في الكلام على هذا الحديث : اعلم أني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار ، وسألتُ عنه مَنْ لَقِيتُهُ من أهل العلم بالنقل ، فلم أجد إلا طريقين ، أحدهما طريق شعبة ، والأخرى عن محمد بن جابر ، عن أشعث بن أبي الشعثاء ، عن رجل من ثقيف ، عن معاذ ، وكلاهما لا يصح ، قال : وأقبح ما رأيتُ فيه ، قول إمام الحرمين ، في كتاب ((أصول الفقه)) : والعمدة في هذا الباب على حديث معاذ ، قال : وهذه زلةٌ منه ، ولو كان عالمًا بالنقل ، لما ارتكب هذه الجهالة.
قال ابن حَجَر : كلام إمام الحرمين أشد مما نقله عنه ، فإنه (أي الجويني) قال : والحديث مدون في الصحاح ، متفق على صحته ، لا يتطرق إليه التأويل. انتهى كلام ابن حَجَر ، نقلا عن تلخيص الحبير ، مع الاختصار.
* كلام الجويني لا يعتمد عليه في علم الحديث وتأمل ما سبق
وليست هذه أول أخطائه في علم الحديث ففى كتاب النهاية عزا حديث (أصحابي كالنحوم) إلى الصحيحين وهو حديث موضوع !!!!!
*وزعم البعض أنه جاء من طريق عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل .
بينما الذي رواه عن عبادة بن نسي هو محمد بن حسان المصلوب الذي صلبه أبو جعفر المنصور في الزندقة، وهو كذاب لا يحتج به.
######
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن اسناده
كلام الشيخ الألباني عن حديث معاذ ..
(أنكر الشيخ الألباني تصحيحه سنداً أو متناً رغم أنه ممن يقال عنه أنه متساهل في ذلك ! )
قال في منزلة السنة في الإسلام :
وقبل أن أنهي كلمتي هذه أرى أنه لا بد لي من أن ألفت انتباه الإخوة الحاضرين إلى حديث مشهور قلما يخلو منه كتاب من كتب أصول الفقه لضعفه من حيث إسناده ولتعارضه مع ما انتهينا إليه في هذه الكلمة من عدم جواز التفريق في التشريع بين الكتاب والسنة ووجوب الأخذ بهما معا ألا وهو حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له حين أرسله إلى اليمن :
بم تحكم ؟ قال : بكتاب الله قال : " فإن لم تجد ؟ " قال : بسنة رسول الله قال : " فإن لم تجد ؟ " قال : أجتهد رأيي ولا آلو . قال : " الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يحب رسول الله "
أما ضعف إسناده فلا مجال لبيانه الآن وقد بينت ذلك بيانا شافيا ربما لم أسبق إليه في السلسلة السابقة الذكر 4 ، وحسبي الآن أن أذكر أن أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري رحمه الله تعالى قال فيه : ( حديث منكر ) . وبعد هذا يجوز لي أن أشرع في بيان التعارض الذي أشرت إليه فأقول :
السلسلة الضعيفة
881 - ( منكر ) الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله ( عن معاذ بن جبل أن النبي ( ص ) حين بعثه إلى اليمن قال له كيف تقضي إذا عرض لك قضاء قال أقضي بما في كتاب الله قال فإن لم يكن في كتاب الله قال بسنة رسول الله قال فإن لم لم يكن في سنة رسول الله قال أجتهد رايي لا آلو قال فضرب رسول الله ( ص ) صدره وقال فذكره ( انظر الشرح الطويل لهذا الموضوع ص 274 – 286)
السلسلة الضعيفة
قال الألباني في " السلسلة الضعيفة و الموضوعة " ( 2 / 273 ) : منكر . أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " ( 1 / 286 - منحة المعبود ) وكذا أحمد ( 5 / 230 ، 242 ) و أبو داود في " السنن " ( 2 / 116 ) و الترمذي و ابن سعد في " الطبقات " ( 2 / 347 و 584 - طبع بيروت ) و العقيلي في "الضعفاء " ( 76 - 77 ) و الخطيب في " الفقيه و المتفقه " ( 93 / 1 و 112 -
113 مخطوطة الظاهرية ، 154 - 155 و 188 - 189 - مطبوعة الرياض ) و البيهقي في " سننه " ( 10 / 114 ) و ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " ( 2 / 55 - 56 ) و ابن حزم في " الإحكام " ( 6 / 26 ، 35 ، 7 / 111 - 112 ) من طرق عن شعبة عن أبي العون عن الحارث بن عمرو - أخي المغيرة بن شعبة - عن أصحاب معاذ بن جبل عن معاذ بن جبل : أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن قال له : كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ قال : أقضي بما في كتاب الله . قال : فإن لم يكن في كتاب الله ؟ قال : بسنة رسول الله ، قال : فإن لم يكن في سنة رسول الله ؟ قال : أجتهد رأيي لا آلو ، قال : فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره ، و قال : فذكره . و قال العقيلي : " قال البخاري : لا يصح ، و لا يعرف إلا مرسلا " . قلت : و نصه في " التاريخ " ( 2 / 1 / 275 ) : " لا يصح ، و لا يعرف إلا بهذا ، مرسل " . قلت : يعني أن الصواب أنه عن أصحاب معاذ بن جبل ليس فيه " عن معاذ " .
و قال الذهبي : " قلت : تفرد به أبو عون محمد بن بن عبيد الله الثقفي عن الحارث بن عمرو الثقفي أخو المغيرة بن شعبة ، و ما روى عن الحارث غير أبي عون فهو مجهول ، و قال الترمذي : ليس إسناده عندي بمتصل " . قلت : و لذلك جزم الحافظ في " التقريب " بأن الحارث هذا مجهول . ثم رواه أحمد ( 5 / 236 ) و أبو داود و ابن عساكر ( 16 / 310 / 2 ) من طريقين آخرين عن شعبة ، إلا أنهما قالا : " عن رجال من أصحاب معاذ أن رسول الله لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن " . الحديث . لم يذكر : " عن معاذ " . قلت : هذا مرسل و به أعله البخاري كما سبق ، و كذا الترمذي حيث قال عقبه : " هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، و ليس إسناده عندي بمتصل " . و أقره الحافظ العراقي في " تخريج أحاديث منهاج الأصول " للبيضاوي ( ق 76 / 1 ) . قلت : فقد أعل هذا الحديث بعلل ثلاث : الأولى : الإرسال هذا . الثانية : جهالة أصحاب معاذ . الثالثة : جهالة الحارث بن عمرو .
قال ابن حزم : " هذا حديث ساقط ، لم يروه أحد من غير هذا الطريق ، و أول سقوطه أنه عن قوم مجهولين ، لم يسموا ، فلا حجة فيمن لا يعرف من هو ؟ و فيه الحارث بن عمرو ، و هو مجهول لا يعرف من هو ؟ و لم يأت هذا الحديث قط من غير طريقه " . وقال في موضع آخر بعد أن نقل قول البخاري فيه : " لا يصح " . " و هذا حديث باطل لا أصل له " . و قال الحافظ في " التلخيص " ( ص 401 ) عقب قول البخاري المذكور وقال الدارقطني في " العلل " : رواه شعبة عن أبي عون هكذا . و أرسله ابن مهدي و جماعات عنه . و المرسل أصح . قال أبو داود ( يعني الطيالسي ) : و أكثر ما كان يحدثنا شعبة عن أصحاب معاذ أن رسول الله . و قال مرة : عن معاذ . و قال ابن حزم : " لا يصح لأن الحارث مجهول ، و شيوخه لا يعرفون ، قال : و ادعى بعضهم فيه التواتر ، و هذا كذب ، بل هو ضد التواتر ، لأنه ما رواه أحد غير أبي عون عن الحارث ، فكيف يكون متواترا ؟! " . و قال عبد الحق : " لا يسند ، و لا يوجد من وجه صحيح " . و قال ابن الجوزي في " العلل المتناهية " : " لا يصح و إن كان الفقهاء كلهم يذكرونه في كتبهم و يعتمدون عليه ، و إن كان معناه صحيحا " . وقال ابن طاهر في تصنيف له مفرد ، في الكلام على هذا الحديث : " اعلم أنني فحصت عن هذا الحديث في المسانيد الكبار و الصغار ، و سألت عنه من لقيته من أهل العلم بالنقل ، فلم أجد غير طريقين : أحدهما : طريق شعبة . و الأخرى : عن محمد بن جابر عن أشعث بن أبي الشعثاء عن رجل من ثقيف عن معاذ و كلاهما لا يصح . قال : وأقبح ما رأيت فيه قول إمام الحرمين في كتاب " أصول الفقه " : " و العمدة في هذا الباب على حديث معاذ " قال : " و هذه زلة منه ، و لو كان عالما بالنقل لما ارتكب هذه الجهالة " ، ( قال الحافظ رحمه الله تعالى ) : " قلت : أساء الأدب على إمام الحرمين ، و كان يمكنه أن يعبر بألين من هذه العبارة مع كلام إمام الحرمين أشد مما نقله عنه ! فإنه قال : " و الحديث مدون في " الصحاح " متفق على صحته (!) لا يتطرق إليه التأويل " . كذا قال رحمه الله ، و قد أخرجه الخطيب في كتاب " الفقيه و المتفقه " من رواية عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل ، فلو كان الإسناد إلى عبد الرحمن ثابتا لكان كافيا في صحة الحديث " . قلت : لم يخرجه الخطيب ، بل علقه ( ص 189 ) بقوله : " و قد قيل إن عبادة بن نسي رواه عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ . و هذا إسناد متصل و رجاله معروفون بالثقة " . قلت : وهيهات ، فإن في السند إليه كذابا وضاعا ، فقد أورده ابن القيم في " تهذيب السنن " تعليقا على هذا الحديث فقال ( 5 / 213 ) : " وقد أخرجه ابن ماجه في " سننه " من حديث يحيى بن سعيد الأموي عن محمد بن سعيد بن حسان عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم : حدثنا معاذ بن جبل قال : " لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال : لا تقضين و لا تفصلن إلا بما تعلم ، و إن أشكل عليك أمر فقف حتى تبينه ، أو تكتب إلي فيه " . و هذا أجود إسنادا من الأول ، و لا ذكر للرأي فيه " . قلت : كيف يكون أجود إسنادا من الأول و فيه محمد بن سعيد بن حسان و هو الدمشقي المصلوب ؟! قال في " التقريب " : " قال أحمد بن صالح : وضع أربعة آلاف حديث ، و قال أحمد : قتله المنصور على الزندقة و صلبه " . و قد سبق نحوه ( ص 244 ) عن غيره من الأئمة . قلت : و لعله اشتبه على ابن القيم رحمه الله بمحمد بن سعيد بن حسان الحمصي ، و ليس به ، فإنه متأخر عن المصلوب ، و لم يذكروا له رواية عن ابن نسي ، و لا في الرواة عنه يحيى بن سعيد الأموي ، و إنما ذكروا ذلك في الأول ، على أنه مجهول كما قال الحافظ ، و أيضا فإن هذا ليس من رجال ابن ماجه ، و إنما ذكروه تمييزا بينه و بين الأول . و الحديث في " المقدمة " من سنن " ابن ماجه " ( 1 / 28 ) ، و قال البوصيري في " الزوائد " ( ق 5 / 2 ) : " هذا إسناد ضعيف ، محمد بن سعيد هو المصلوب اتهم بوضع الحديث " . على أن قول ابن القيم : " و لا ذكر للرأي فيه " . إنما هو بالنظر إلى لفظ رواية ابن ماجه ، وإلا فقد أخرجه ابن عساكر في " تاريخه " ( 16 / 310 / 1 ) من طريق المصلوب هذا بلفظ : " قال معاذ : يا رسول الله : أرأيت ما سئلت عنه مما لم أجده في كتاب الله و لم أسمعه منك ؟ قال : اجتهد رأيك " . ثم رواه ابن عساكر ( 16 / 310 / 2 من طريق سليمان الشاذكوني : أخبرنا الهيثم بن عبد العفار عن سبرة بن معبد عن عبادة بن نسي به بلفظ : " اجتهد رأيك ، فإن الله إذا علم منك الحق وفقك للحق " . و الهيثم هذا قال ابن مهدي : " يضع الحديث " . و الشاذكوني كذاب . قلت : وأجاب ابن القيم عن العلة الثانية ، و هي جهالة أصحاب معاذ بقوله في " إعلام الموقعين " ( 1 / 243 ) : " و أصحاب معاذ و إن كانوا غير مسمين فلا يضره ذلك ، لأنه يدل على شهرة الحديث ، و شهرة أصحاب معاذ بالعلم و الدين و الفضل والصدق بالمحل الذي لا يخفى .... " أقول : فهذا جواب صحيح لو أن علة الحديث محصورة بهذه العلة ، أما و هناك علتان أخريان قائمتان ، فالحديث ضعيف على كل حال ، و من العجيب أن ابن القيم رحمه الله لم يتعرض للجواب عنهما مطلقا . فكأنه ذهل عنهما لانشغاله بالجواب عن هذه العلة و الله أعلم . ثم تبين لي أن ابن القيم اتبع في ذلك كله الخطيب البغدادي في " الفقيه و المتفقه " ( 113 / 1 – 2 من المخطوطة ، 189 - من المطبوعة ) ، و هذا أعجب ، أن يخفى على مثل الخطيب في حفظه و معرفته بالرجال علة هذا الحديث القادحة ! ( تنبيه ) أورد ابن الأثير هذا الحديث في " جامع الأصول " ( 10 / 551 ) عن الحارث بن عمرو باللفظ الذي ذكرته ، ثم قال : " و في رواية : " أن معاذا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله بما أقضي ؟ قال : بكتاب الله ، قال : فإن لم أجد ؟ قال : بسنة رسول الله ، قال فإن لم أجد ، قال استدق الدنيا ، و تعظم في عينيك ما عند الله و اجتهد رأيك فيسددك الله للحق . ثم قال عقبه : " و أخرجه أبو داود " . قلت : و ليست عنده هذه الرواية ، و لا رأيت أحدا عزاها إليه غيره ، و لا وجدت لها أصلا في شيء من المصادر التي وقفت عليها ، فهي منكرة شديدة النكارة ، لمخالفتها لجميع الروايات المرسلة منها و الموصولة ، و جميعها معلة بالجهالة . و مر على هذا العزو لأبي داود المحقق الفاضل لـ " جامع الأصول " ( 10 / 177 - 178 – طبعة دمشق ) دون أي تعليق أو تحقيق ! تنبيه آخر : ذهب الشيخ زاهد الكوثري المعروف في مقال له إلى تقوية هذا الحديث ، و ليس ذلك بغريب منه ما دام أنه قد سبق إليه ، و لكن الغريب حقا أنه سلك في سبيل ذلك طريقا معوجة ، لا يعرفها أهل الجرح والتعديل ، فرأيت أن أنقل خلاصة كلامه فيه ، ثم أرد عليه و أبين خطأه و زغله .
قال في " مقالاته " ( ص 60 - 61 ) : " و هذا الحديث رواه عن أصحاب معاذ الحارث بن عمرو الثقفي ، و ليس هو مجهول العين بالنظر إلى أن شعبة بن الحجاج يقول عنه : إنه ابن أخي المغيرة بن شعبة ، و لا مجهول الوصف من حيث أنه من كبار التابعين ، في طبقة شيوخ أبي عون الثقفي المتوفى سنة 116 ، و لم ينقل أهل الشأن جرحا مفسرا في حقه ، و لا حاجة في الحكم بصحة خبر التابعي الكبير إلى أن ينقل توثيقه عن أهل طبقته ، بل يكفي في عدالة و قبول روايته ألا يثبت فيه جرح مفسر من أهل الشأن ، لما ثبت من بالغ الفحص على المجروحين من رجال تلك الطبقة . أما من بعدهم فلا تقبل روايتهم ما لم تثبت عدالتهم و هكذا . و الحارث هذا ذكره ابن حبان في " الثقات " و إن جهله العقيلي و ابن الجارود و أبو العرب ، و قد روى هذا الحديث عن أبي عون عن الحارث - أبو إسحاق الشيباني و شعبة بن الحجاج المعروف بالتشدد في الرواية و المعترف له بزوال الجهالة وصفا عن رجال يكونون في سند روايته " . قلت : و في هذا الكلام من الأخطاء المخالفة لما عليه علماء الحديث ، و من المغالطات و الدعاوى الباطلة ، ما لا يعرفه إلا من كان متمكنا في هذا العلم الشريف ، و بيانا لذلك أقول : 1 - قوله : " ليس هو مجهول العين بالنظر إلى أن شعبة يقول عنه ابن أخي المغيرة " . فأقول : بل هو مجهول و توضيحه من ثلاثة وجوه : الأول : أن أحدا من علماء الحديث - فيما علمت - لم يقل أن الراوي المجهول إذا عرف اسم جده بله اسم أخي جده خرج بذلك عن جهالة العين إلى جهالة الحال أو الوصف . فهي مجرد دعوى من هذا الجامد في الفقه ، والمجتهد في الحديث دون مراعاة منه لقواعد الأئمة ، و أقوالهم الصريحة في خلاف ما يذهب إليه فإنهم أطلقوا القول في ذلك ، قال الخطيب : " المجهول عند أهل الحديث من لم يعرفه العلماء و لا يعرف حديثه إلا من جهة واحد ..... " . الثاني : أنه خلاف ما جرى عليه أئمة الجرح و التعديل في تراجم المجهولين عينا ، فقد عرفت مما سبق ذكره في ترجمة الحارث هذا أنه مجهول عند الحافظين الذهبي و العسقلاني و كفى بهما حجة ، لاسيما و هما مسبوقون إلى ذلك من ابن حزم و غيره ممن ذكرهم الكوثري نفسه كما رأيت ! و من الأمثلة الأخرى على ذلك ذهيل بن عوف بن شماخ التميمي أشار الذهبي إلى جهالته بقوله في " الميزان " : " ما روى عنه سوى سليط بن عبد الله
الطهوي " و صرح بذلك الحافظ فقال في " التقريب " : " مجهول من الثالثة " . و من ذلك أيضا زريق بن سعيد بن عبد الرحمن المدني ، أشار الذهبي أيضا إلى جهالته وقال الحافظ : " مجهول " . و الأمثلة على ذلك تكثر ، و فيما ذكرنا كفاية ، فأنت ترى أن هؤلاء قد عرف اسم جد كل منهم ، و مع ذلك حكموا عليهم بالجهالة . الثالث : قوله : " شعبة يقول عنه : إنه ابن أخي المغيرة بن شعبة " . فأقول : ليس هذا من قول شعبة ، و إنما هو من قول أبي العون كما مر في إسناد الحديث ، و شعبة إنما هو راو عنه ، و هو في هذه الحالة لا ينسب إليه قول ما جاء في روايته ، حتى و لو صحت عنده لأنه قد يقول بخلاف ذلك ، و لذلك جاء في علم المصطلح ، " و عمل العالم و فتياه على وفق حديث رواه ليس حكما بصحته ، و لا مخالفته قدح في صحته ولا في رواته " . كذا في " تقريب النووي " ( ص 209 بشرح التدريب ) . و كأن الكوثري تعمد هذا التحريف و نسبة هذا القول لشعبة - و ليس له - ليقوي به دعوى كون الحارث بن عمرو هذا ابن أخي المغيرة ، لأن أبا العون - و اسمه محمد بن عبيد الله ابن الثقفي الأعور و إن كان ثقة ، فإنه لا يزيد على كونه راويا من رواة
الحديث ، و أما شعبة فإمام نقاد . على أننا لو سلمنا بأنه من قوله ، فذلك مما لا يفيد الكوثري شيئا من رفع الجهالة كما سبق بيانه . 2 - قوله : " و لا مجهول الوصف من حيث أنه من كبار التابعين في طبقة شيوخ أبي عون ....... " . فأقول : الجواب من وجهين : الأول : بطلان هذه الدعوى من أصلها ، لأن شيوخ أبي عون ليسوا جميعا من كبار التابعين حتى يلحق بهم الحارث هذا ، فإن من شيوخه أبا الزبير المكي و قد مات سنة ( 126 ) ، و لذلك جعله الحافظ من الطبقة الرابعة ، و هم
الذين جل روايتهم عن كبار التابعين ، و من شيوخه والده عبيد الله بن سعيد ، ولا تعرف له وفاة ، لكن ذكره ابن حبان في " أتباع التابعين " ، و قال : يروي المقاطيع . قال الحافظ : فعلى هذا فحديثه عن المغيرة مرسل . يعني منقطع ، ولذلك جعله في " التقريب " من الطبقة السادسة ، و هم من صغار التابعين الذين لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة كابن جريج . إذا عرفت هذا فادعاء أن الحارث بن
عمرو من كبار التابعين افتئات على العلم ، و تخرص لا يصدر من مخلص ، و الصواب أن يذكر ذلك على طريق الاحتمال ، فيقال : يحتمل أنه من كبار التابعين ، كما يحتمل أنه من صغارهم . فإن قيل : فأيهما الأرجح لديك ؟ قلت : إذا كان لابد من اتباع أهل الاختصاص في هذا العلم ، و ترك الاجتهاد فيما لا سبيل لأحد اليوم إليه ، فهو أنه من صغار التابعين ، فقد أورده الإمام البخاري في " التاريخ الصغير " في فصل " من مات ما بين المائة إلى العشرة " ( ص 126 - هند ) و أشار إلي حديثه هذا و قال : " و لا يعرف الحارث إلا بهذا ، و لا يصح " . و لذلك جعله الحافظ في " التقريب " من الطبقة السادسة التي لم يثبت لأصحابها لقاء أحد من الصحابة فقال : " مجهول ، من السادسة " . فإن قيل : ينافي هذا ما ذكره الكوثري (ص 62 ) أن لفظ شعبة في رواية علي بن الجعد قال : سمعت الحارث بن عمرو ابن أخي المغيرة بن شعبة يحدث عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاذ بن جبل .
كما أخرجه ابن أبي خيثمة ، في " تاريخه " و مثله في " جامع بيان العلم " لابن عبد البر . فهذا صريح في أنه لقي جمعا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو تابعي . فأقول : نعم والله إن هذه الرواية لتنافي ذلك أشد المنافاة ، و لكن يقال للكوثري و أمثاله : أثبت العرش ثم انقش ، فإنها رواية شاذة ، تفرد بها علي بن الجعد مخالفا في ذلك لسائر الثقات الذين لم يذكروا رسول الله صلى الله عليه
وسلم مضافا إلى ( الأصحاب ) ، و إنما قالوا : أصحاب معاذ كما تقدم في الإسناد عند جميع من عزونا الحديث إليهم ، إلا في رواية لابن عبد البر ، و هي من روايته عن أحمد بن زهير قال : حدثنا علي بن الجعد ...... و أحمد بن زهير هو ابن أبي خيثمة . و إليك أسماء الثقات المخالفين لابن الجعد في روايته تلك : الأول : أبوداود الطيالسي نفسه في " مسنده " و عنه البيهقي . الثاني : محمد بن جعفر عند أحمد و الترمذي . الثالث : عفان بن مسلمة عند أحمد أيضا . الرابع : يحيى بن سعيد القطان ، عند أبي داود و ابن عبد البر في الرواية الأخرى . الخامس : وكيع بن الجراح عند الترمذي . السادس : عبد الرحمن بن مهدي عند الترمذي . السابع : يزيد بن هارون عند ابن سعد . الثامن : أبو الوليد الطيالسي عند ابن سعد . فهؤلاء ثمانية من الثقات و كلهم أئمة أثبات ، لاسيما و فيهم يحيى القطان الحافظ المتقن لو أن بعضهم خالفوا ابن الجعد لكان كافيا في الجزم بوهمه في نسبته ( الأصحاب ) إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لا إلى معاذ ، فكيف بهم مجتمعين ؟! ومثل هذا لا يخفى على الكوثري ، و لكنه يتجاهل ذلك عمدا لغاية في نفسه ، و إلا فإن لم تكن رواية ابن الجعد هذه شاذة فليس في الدنيا ما يمكن الحكم عليه بالشذوذ ، و لذلك لم يعرج على هذه الرواية كل من ترجم للحارث هذا . فثبت مما تقدم أن الحارث بن عمرو هو من صغار التابعين ، و ليس من كبارهم ، و قد صرح بسماعه من جابر بن سمرة في رواية الطيالسي في " مسنده " ( 216 ) عن شعبة عنه .
و الآخر : هب أنه من كبار التابعين ، فذلك لا ينفي عنه جهالة العين فضلا عن جهالة الوصف عند أحد من أئمة الجرح و التعديل ، بل إن سيرتهم في ترجمتهم للرواة يؤيد ما ذكرنا ، فهذا مثلا حريث بن ظهير من الطبقة الثانية عند الحافظ ، و هي طبقة كبار التابعين ، فإنه مع ذلك أطلق عليه الحافظ بأنه مجهول . و سبقه إلى ذلك الإمام الذهبي فقال : " لا يعرف " . و مثله حصين بن نمير الكندي الحمصي .
قال الحافظ : " يروي عن بلال ، مجهول من الثانية " . و نحوه خالد بن وهبان ابن خالة أبي ذر . قال الحافظ : " مجهول ، من الثالثة " . 3 - قوله : " و لم ينقل أهل الشأن جرحا مفسرا في حقه " . قلت : لا ضرورة إلى هذا الجرح ، لأنه ليس بمثله فقط يثبت الجرح ، بل يكفي أن يكون جرحا غير مفسر إذا كان صادرا من إمام ذي معرفة بنقد الرواة ، و لم يكن هناك توثيق معتمد معارض له ، كما هو مقرر في علم المصطلح ، فمثل هذا الجرح مقبول ، لا يجوز رفضه ، و من هذا القبيل وصفه بالجهالة ، لأن الجهالة علة في الحديث تستلزم ضعفه ، و قد عرفت أنه مجهول عند جمع من الأئمة النقاد و منهم الإمام البخاري ، فأغنى ذلك عن الجرح المفسر ، وثبت ضعف الحديث . 4 - قوله : " و لا حاجة في الحكم بصحة خبر التابعي الكبير إلى أن ينقل توثيق عن أهل طبقته " . فأقول : فيه أمور : أولا : أن الحارث هذا لم يثبت أنه تابعي كبير كما تقدم فانهار قوله من أصله . و ثانيا : أنه لا قائل بأن الراوي سواء كان تابعيا أو ممن دونه بحاجة إلى أن ينقل توثيقه عن أهل طبقته ، بل يكفي في ذلك أن يوثقه إمام من أئمة الجرح و التعديل سواء كان من طبقته أو ممن دونها ، فلما كان الحارث هذا لم يوثقه أحد ممن يوثق بتوثيقه بل جهلوه فقد سقط حديثه . 5 - قوله : " بل يكفي في عدالته ........ ( إلى قوله ) من رجال تلك الطبقة " . قلت : هذه مجرد دعوى ، فهي لذلك ساقطة الاعتبار ، فكيف و هي مخالفة للشرط الأول من شروط الحديث الصحيح : " ما رواه عدل ضابط ..... " فلو سلمنا أن عدالته تثبت بذلك ، فكيف يثبت ضبطه و ليس له من الحديث إلا القليل بحيث لا يمكن سبره و عرضه على أحاديث الثقات ليحكم له بالضبط أو بخلافه ، أو بأنه وسط بين ذلك . كما هو طريق من طرق الأئمة النقاد في نقد الرواة الذين لم يرو فيهم جرح أو تعديل ممن قبلهم من الأئمة . و يكفي في إبطال هذا القول مع عدم وروده في" علم المصطلح " أنه مباين لما جاء فيه : أن أقل ما يرفع الجهالة رواية اثنين مشهورين كما تقدم عن الخطيب . و لما تعقبه بعضهم بأن البخاري روى عن مرداس الأسلمي ، و مسلما عن ربيعة بن كعب الأسلمي و لم يرو عنهما غير واحد . رده النووي في " التقريب " بقوله ( ص 211 ) : " و الصواب نقل الخطيب ، و لا يصح
الرد عليه بمرداس و ربيعة فإنهما صحابيان مشهوران ، و الصحابة كلهم عدول " . وأيده السيوطي في " التدريب " فقال عقبه : " فلا يحتاج إلى رفع الجهالة عنهم بتعداد الرواة ، قال العراقي : هذا الذي قاله النووي متجه إذا ثبتت الصحبة ، ولكن بقي الكلام في أنه هل تثبت الصحبة برواية واحد عنه أو لا تثبت إلا برواية اثنين عنه ، و هو محل نظر و اختلاف بين أهل العلم ، و الحق أنه إن كان معروفا بذكره في الغزوات أو في من وفد من الصحابة أو نحو ذلك فإنه تثبت صحبته " . قلت : فتأمل كلام العراقي هذا يتبين لك بطلان قول الكوثري ، لأنه تساهل في إثبات عدالة التابعي الكبير فلم يشترط فيه ما اشترطه العراقي في إثبات الصحبة المستلزمة لثبوت العدالة ! فإنه اشترط مع رواية الواحد عنه أن يكون معروفا بذكره في الغزوات أو الوفود . و هذا ما لم يشترط الكوثري مثله في التابعي !
فاعتبروا يا أولي الأبصار . و لعله قد وضح لك أنه لا فرق بين التابعي الكبير ومن دونه في أنه لا تقبل روايتهم ما لم تثبت عدالتهم . و تثبت العدالة بتنصيص عدلين عليها أو بالاستفاضة . كما هو معلوم . 6 - قال : " أما من بعدهم فلا تقبل روايتهم ما لم تثبت عدالتهم و هكذا " . قلت : بل و التابعي الكبير كذلك كما حققناه في الفقرة السابقة . 7 - قال : " و الحارث هذا ذكره ابن حبان في "
الثقات " ، و إن جهله العقيلي و ابن الجارود و أبو العرب " . قلت : فيه أمران : الأول : أنه تغافل عن أئمة آخرين جهلوه ، منهم الإمام البخاري و الذهبي والعسقلاني و غرضه من ذلك واضح و هو الحط من شأن هذا التجهيل ! و الآخر : اعتداده بتوثيق ابن حبان هنا خلاف مذهبه الذي يصرح في بعض تعليقاته <1> بأن ابن حبان يذكر في " الثقات من لم يطلع على جرح فيه ، فلا يخرجه ذلك عن حد الجهالة عند الآخرين ، و قد رد شذوذ ابن حبان هذا في ( لسان الميزان ) " . و هذا من تلاعبه في هذا العلم الشريف ، فتراه يعتد بتوثيق ابن حبان حيث كان له هوى في ذلك كهذا الحديث ، و حديث آخر في التوسل كنت خرجته فيما تقدم برقم ( 23 ) ، ولا يعتد به حين يكون هواه على نقيضه كحديث الأوعال و غيره ، و قد شرحت حاله هذا هناك بما فيه كفاية . و لكن لابد لي هنا من أن أنقل كلامه في راوي حديث الأوعال و هو عبد الله بن عميرة راويه عن العباس بن عبد المطلب ، فهو تابعي كبير ، لتتأكد من وجود التشابه التام بينه و بين الحارث بن عمرو الراوي للحديث عن معاذ ، و مع ذلك يوثق هذا بذاك الأسلوب الملتوي ، و يجهل ذاك و هو فيه على
الصراط السوي ! قال في " مقالاته " ( ص 309 ) : " و قال مسلم في " الوحدان " (ص 14 ) : " انفرد سماك بن حرب بالرواية عن عبد الله بن عميرة " . فيكون ابن عميرة مجهول العين عنده ، ( يعني مسلما ) لأن جهالة العين لا تزول إلا برواية ثقتين ، ( تأمل ) و قال إبراهيم الحربي - أجل أصحاب أحمد - عن ابن عميرة لا أعرفه . و قال الذهبي في " الميزان " عن عبد الله بن عميرة : فيه جهالة " . قلت : ثم وصفه الكوثري بأنه شيخ خيالي ! و بأنه مجهول عينا و صفة ! و نحوه قوله في " النكت الطريفة " ( ص 101 ) و قد ذكر حديثا في سنده عبد الرحمن بن مسعود : " وهو مجهول . قال الذهبي : " لا يعرف " و إن ذكره ابن حبان في الثقات على قاعدته في التوثيق " ! و قال في ( قابوس ) . " و إنما وثقه ابن حبان على طريقته في توثيق المجاهيل إذا لم يبلغه عنهم عنهم جرح ، و هذا غاية التساهل " !! ( ص منه ) . فقابل كلامه هذا بالقاعدة التي وضعها من عند نفسه في قبول حديث التابعي الكبير حتى و لو نص الأئمة على جهالته تزداد تأكدا من تلاعبه المشار إليه . نسأل الله السلامة . و لو كانت القاعدة الموضوعة صحيحة لكان قبول حديث ابن عميرة هذا أولى من حديث الحارث ، لأنه روى عن العباس فهو تابعي كبير قطعا ، و لذلك جعله ابن حجر من الطبقة الثانية ، بينما الحارث إنما يروي عن بعض التابعين كما سبق ، و لكن هكذا يفعل الهوى بصاحبه . نسأل الله العافية . 8 - قال أخيرا : " و قد روى هذا الحديث عن أبي عون عن الحارث - أبو إسحاق الشيباني ، و شعبة بن الحجاج المعروف بالتشدد في الرواية ، و المعترف له بزوال الجهالة
وصفا عن رجال يكونون في سند روايته " ! قلت : فيه مؤاخذتان : الأولى : أن كون شعبة معروفا بالتشدد في الرواية لا يستلزم أن يكون كل شيخ من شيوخه ثقة ، بله من فوقهم ، فقد وجد في شيوخه جمع من الضعفاء ، و بعضهم ممن جزم الكوثري نفسه بضعفه ! و لا بأس من أن أسمي هنا من تيسر لي منهم ذكره : 1 - إبراهيم بن مسلم الهجري . 2 - أشعث بن سوار . 3 - ثابت بن هرمز . 4 - ثوير بن أبي فاختة . 5 - جابر الجعفي . 6 - داود بن فراهيج . 7 - داود بن يزيد الأودي . 8 - عاصم بن عبيد الله ( قال الكوثري في " النكت " ( ص 74 ) : ضعيف لا يحتج به ) . 9 – عطاء بن أبي مسلم الخراساني . 10 - علي بن زيد بن جدعان . 11 - ليث بن أبي سليم . 12 - مجالد بن سعيد . - قال الكوثري في " النكت " ( ص 63 ) : " ضعيف بالاتفاق " وضعف به حديث : " زكاة الجنين زكاة أمه " ! ثم ضعف به فيه ( ص 95 ) حديث " لعن الله المحلل و المحلل له " ! فلم يتجه من تضعيفه إياه أنه من شيوخ شعبة ! <2> .13 - مسلم الأعور . 14 - موسى بن عبيدة . 15 - يزيد بن أبي زياد . 16 – يزيد بن عبد الرحمن الدالاني . 17 - يعقوب بن عطاء . 18 - يونس بن خباب . من أجل ذلك قالوا في لم المصطلح : و إذا روى العدل عمن سماه لم يكن تعديلا عند الأكثرين ، و هو الصحيح كما قال النووي في " التدريب " ( ص 208 ) و راجع له شرحه " التقريب " و إذا كان هذا في شيوخه فبالأولى أن لا يكون شيوخ شيوخه عدولا إلا إذا سموا
، فكيف إذا لم يسموا ؟! الأخرى : قوله : " و المعترف له بزوال الجهالة ........ " . أقول : إن كان يعني أن ذلك معترف به عند المحدثين ، فقد كذب عليهم ، فقد عرفت مما سردناه آنفا طائفة من الضعفاء من شيوخ شعبة مباشرة ، فبالأولى أن يكون في شيوخ شيوخه من هو ضعيف أو مجهول ، و كم من حديث رواه شعبة ، و مع ذلك ضعفه العلماء بمن فوقه من مجهول أو ضعيف ، من ذلك حديثه عن أبي التياح : حدثني شيخ عن أبي موسى مرفوعا بلفظ : " إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله موضعا " . فضعفوه بجهالة شيخ أبي التياح كما سيأتي برقم ( 2320 ) ، و من ذلك حديث " من أفطر يوما من رمضان من غير رخصة ..... " الحديث . رواه شعبة بإسناده عن أبي المطوس عن أبي هريرة مرفوعا : فضعفه البخاري و غيره بجهالة أبي المطوس فراجع " الترغيب و الترهيب " ( 2 / 74 ) ، و " المشكاة " ( 2013 ) ، و " نقد الكتاني و إن كان يعني بذلك نفسه ، أي أنه هو المعترف بذلك ، فهو كاذب أيضا مع ما فيه من التدليس و الإيهام - ، لأن طريقته في إعلال الأحاديث بالجهالة تناقض ذلك ، و إليك بعض الأمثلة : 1 - عبد الرحمن بن مسعود ، صرح في " النكت الطريفة " ( ص 101 ) بأنه " مجهول " مع أنه من رواية شعبة عنه بالواسطة ! و قد قمت بالرد عليه عند ذكر حديثه الآتي برقم ( 2556 ) و بيان تناقضه ، و إن كان الرجل فعلا مجهولا . 2 - عمرو بن راشد الذي في حديث وابصة في الأمر بإعادة الصلاة لمن صلى وراء الصف وحده . قال الكوثري في " النكت " ( ص 28 ) : " ليس معروفا بالعدالة فلا يحتج بحديثه " . مع أنه يرويه شعبة بإسناده عنه ، و هو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 683 ) ، و " إرواء الغليل " ( 534 ) . و راجع تعليق أحمد شاكر على الترمذي ( 1 / 448 - 449 ) " . 3 - وكيع بن حدس الراوي عن أبي رزين العقيلي حديث كان في عماء ما فوقه هواء ، و ما تحته هواء ..... " قال الكوثري في تعليقه على " الأسماء " ( ص 407 ) : " مجهول الصفة " . مع أنه يعلم أن شعبة قد روى له حديثا آخر عند الطيالسي ( 1090 ) و أحمد ( 4 / 11 ) . فما الذي جعل هؤلاء الرواة مجهولين عند الكوثري ، و جعل الحارث بن عمرو معروفا عنده وكلهم وقعوا في إسناد فيه شعبة ؟! الحق ، و الحق أقول : إن هذا الرجل لا يخشى الله ، فإنه يتبع هواه انتصارا لمذهبه ، فيبرم أمرا أو قاعدة من عند نفسه لينقضها في مكان آخر متجاوبا مع مذهبه سلبا و إيجابا . و في ذلك من التضليل وقلب الحقائق ما لا يخفى ضرره على أهل العلم . نسأل الله العصمة من الهوى . وبعد ، فقد أطلت النفس في الرد على هذا الرجل لبيان ما في كلامه من الجهل و
التضليل نصحا للقراء و تحذيرا ، فمعذرة إليهم . هذا و لا يهولنك اشتهار هذا الحديث عن علماء الأصول ، و احتجاجهم به في إثبات القياس ، فإن أكثرهم لا معرفة عندهم بالحديث و رجاله ، و لا تمييز لديهم بين صحيحه و سقيمه ، شأنهم في ذلك شأن الفقهاء بالفروع ، إلا قليلا منهم ، و قد مر بك كلام إمام الحرمين في هذا الحديث - و هو من هو في العلم بالأصول و الفروع ، فماذا يقال عن غيره ممن لا يساويه في ذلك بل لا يدانيه ، كما رأت نقد الحافظ ابن طاهر إياه ، ثم الحافظ ابن حجر من بعده ، مع إنكاره على ابن طاهر سوء تعبيره في نقده . ثم وجدت لكل منهما موافقا ، فقد نقل الشيخ عبد الوهاب السبكي في ترجمة الإمام من " طبقاته " عن الذهبي أنه قال فيه : " و كان أبو المعالي مع تبحره في الفقه و أصوله ، لا يدري الحديث ! ذكر في كتاب " البرهان " حديث معاذ في القياس فقال : هو مدون في " الصحاح " متفق على صحته . كذا قال ، و أنى له الصحة ، و مداره على الحارث بن عمرو و هو مجهول ، عن رجال من أهل حمص لا يدري من هم ؟ عن معاذ " . ثم تعقبه السبكي بنحو ما سبق من تعقب الحافظ لابن طاهر ، و لكنه دافع عنه بوازع من التعصب المذهبي ، لا فائدة كبرى من نقل كلامه و بيان ما فيه من التعصب ، فحسبك أن تعلم أنه ذكر أن الحديث رواه أبو داود الترمذي ، و الفقهاء لا يتحاشون من إطلاق لفظ " الصحاح " عليها . فكأن السبكي يقول : فللإمام أسوة بهؤلاء الفقهاء في هذا الإطلاق ! فيقال له : أولو كان ذلك أمرا منكرا عند العلماء بالحديث ؟! وفي الوقت نفسه فقد تجاهل السبكي قول الإمام في الحديث " متفق على صحته " ، فإنه خطأ محض لا سبيل إلى تبريره أو الدفاع عنه بوجه من الوجوه ، و لذلك لم يدندن السبكي حوله و لو بكلمة . و لكنه كان منصفا حين اعترف بضعف الحديث ، و أن الإمام صحح غيره من الأحاديث الضعيفة فقال : " و ما هذا الحديث وحده ادعى الإمام صحته و ليس بصحيح ، بل قد ادعى ذلك في أحاديث غيره ، و لم يوجب ذلك عندنا الغض منه " . و أقول أخيرا : إن وصف الرجل بما فيه ليس من الغض منه في شيء ، بل ذلك من باب النصح للمسلمين ، و بسبب تجاهل هذه الحقيقة صار عامة المسلمين لا يفرقون بين الفقيه و المحدث ، فيتوهمون أن كل فقيه محدث ، ويستغربون أشد الاستغراب حين يقال لهم الحديث الفلاني ضعيف عند المحدثين و إن احتج به الفقهاء ، و الأمثلة على ذلك كثيرة جدا ، تجدها مبثوثة في تضاعيف هذه " السلسلة " ، و حسبك الآن هذا الحديث الذي بين يديك . و جملة القول أن الحديث لا يصح إسناده لإرساله ، و جهالة راويه الحارث بن عمرو ، فمن كان عنده من المعرفة بهذا العلم الشريف ، و تبين له ذلك فبها ، و إلا فحسبه أن يستحضر أسماء الأئمة الذين صرحوا بتضعيفه ، فيزول الشك من قلبه ، و ها أنها ذا أسردها و أقربها إلى القراء الكرام : 1 - البخاري . 2 - الترمذي . 3 - العقيلي . 4 - الدارقطني . 5 - ابن حزم . 6 - ابن طاهر . 7 - ابن الجوزي . 8 - الذهبي . 9 - السبكي 10 – ابن حجر كل هؤلاء - و غيرهم ممن لا نستحضرهم - قد ضعفوا هذا الحديث ، و لن يضل بإذن الله من اهتدى بهديهم ، كيف و هم أولى الناس بالقول المأثور : " هم القوم لا يشقى جليسهم " . هذا و لما أنكر ابن الجوزي صحة الحديث أتبع ذلك قوله : " وإن كان معناه صحيحا " كما تقدم . فأقول : هو صحيح المعنى فيما يتعلق بالاجتهاد عند فقدان النص ، و هذا مما لا خلاف فيه ، و لكنه ليس صحيح المعنى عندي فيما يتعلق بتصنيف السنة مع القرآن و إنزاله إياه معه ، منزلة الاجتهاد منهما . فكما أنه لا يجوز الاجتهاد مع وجود النص في الكتاب و السنة ، فكذلك لا يأخذ بالسنة إلا إذا لم يجد في الكتاب . و هذا التفريق بينهما مما لا يقول به مسلم بل الواجب النظر في الكتاب و السنة معا و عدم التفريق بينهما ، لما علم من أن السنة تبين مجمل القرآن ، و تقيد مطلقه ، و تخصص عمومه كما هو معلوم . ومن رام الزيادة في بيان هذا فعليه برسالتي " منزلة السنة في الإسلام و بيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن " . و هي مطبوعة ، و هي الرسالة الرابعة من " رسائل الدعوة السلفية " . و الله ولي التوفيق .
-----------------------------------------------------
[1] انظر " مقالات الكوثري " ( ص 309 ) ، و " شروط الأئمة الخمسة " ( ص 45 ) .
[2] و لا يفوتني التنبيه على أن الحديثين المذكورين صحيحان رغم أنف الكوثري ، و
تعصبه المذهبي ، و هما مخرجان في " إرواء الغليل " ( 2606 و 1955 ) . اهـ .
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن اسناده
بارك الله فيكم
/// نظر الفقهاء في الأحاديث يختلف عن نظر المحدثين
ففي الغالب عندما يتكلم المحدث على الحديث يكون جل همه ومقصده بيان ما يتعلق بتخصصه الحديثي وهو بيان صحة الحديث وضعفه ونسبته إلى الشارع من جهة الإسناد والصنعة الحديثية
فإذا جاء موطن الكلام على فقه الحديث ودلالته تراه يصحح الحديث (أي معناه) ضمنا إذا كان في الباب ما يعضده من نصوص أخرى او قواعد وأصول ولم يكن فيه ما يعارضه
كما كان يفعل الشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهما من فقهاء المحدثين
/// وفي المقابل فإن الفقيه والأصولي عندما يتكلم على الحديث يكون جل همه ومقصده بيان ما يتعلق بتخصصه وهو بيان صحة معنى الحديث وهل يرتقي للاحتجاج سواء بنفسه أو بما يعضده من النصوص أو القواعد أو الأصول الكلية أو العمل أو غير ذلك من المرجحات
ولذلك لا يستغرب من وجود أحاديث ضعيفة في كتب الفقهاء والأصوليين
لأنهم يذكرونه على هذا المعنى كما نقله مسلم في جلود السباع والبيهقي عن الشافعي
وإنما موطن العيب في ذكر الأحاديث الضعيفة التي لا عاضد لها من نصوص أو أصول وقواعد
فيكون ذكرها لا على طريقة الاستشهاد والشد
/// وهذا الحديث تلقاه أغلب العلماء من الفقهاء والأصوليين والمحدثين والمفسرين بالقبول ليس جهلا منهم بما في إسناده من كلام ولكن من أجل أن معناه صحيح بغيره
أي بالنصوص الكثيرة المتواترة معنىً على مشروعية الاجتهاد والقياس وعلى ترتيب الأدلة
وهذه النصوص معروفة عند أهل العلم قاطبة وهي مذكورة في مظانها
وقد أجمعت الأمة على ما يستفاد من حديث معاذ من مشروعية الاجتهاد وهذا لم يخالف فيه أحد فيما أعلم
وكذا ما يستفاد منه من مشروعية القياس كما نقله الإمام المزني خريج الشافعي عن الصحابة ومن دونهم من أهل العلم إلى عصره ولم يخالف في ذلك _كما حكاه أهل العلم_ إلا النظام المعتزلي وداود الظاهري
وقد هجرهم علماء السلف لسلوكهما هذه الطريقة ولغير ذلك على ما حكاه ابن أبي حاتم الرازي وغيره
واستبشع العلماء وقوع ذلك منهما وأنكراه غاية الإنكار وأطلقوا عليه اسم البدعة
وحداهم ذلك لجمع النصوص الدالة على مشروعية القياس فبلغوا بها التواتر المعنوى وهي موجودة في كتب الأصول وغيرها كإعلام الموقعين لابن القيم
/// وأما ترتيب الأدلة المذكور في حديث معاذ فقد جاء مثله عن الصحابة كعمر بن الخطاب في كتابه لأبي موسى
وعن ابن مسعود وغيرهما بأسانيد صحيحة
وتكلم عليها العلماء في مظانها ومنهم المجدد أبو العباس ابن تيمية رحمه الله
وما ذكره الأخ صياد غير وارد على حديث معاذ والمنقول عن الصحابة لأن المراد من عدم وجود القضية في كتاب الله أي في ذهن وجهد القاضي أوالحاكم أو العالم لا في نفس الأمر
ولذلك من قال إن النصوص تشمل جميع الحوداث كالبخاري وابن تيمية وغيرهما من المحققين لم ينكر القياس واستعمله عندما لم يجد حكم الحادثة في النصوص
فقد تكون الحادثة في النصوص ولكن لا يوفق الحاكم أو العالم إلى كشفها فيضطر إلى القياس كما دل عليه كلام الشافعي وأحمد وغيرهما من علماء الإسلام الكبار
/// والمقصود أنه لا تعارض بين قولنا:"هذا الحديث متلقى بالقبول" وبين قولنا: "في إسناده نظر وضعف".
إذا معنى الحديث متفق على تلقيه بالقبول.
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن إسناده
اقتباس:
وقد هجرهم علماء السلف لسلوكهما هذه الطريقة ولغير ذلك
هجروا الأول لغير ذلك و الثاني لم يبلغ بهم انكار غير ذلك الى هجره كما الأول...فشتان بين مقولتيهما ..بل شدد بعض الأئمة على الثاني ما لم يشدد غيرهم من الأئمة كما فعلوا بمن هو مثله في قدره من السنة من أئمة الرأي كالامام أبي ثور بل و الامام أبي حنيفة...و لم يدعوا مخالطته و ابنه و لا الاستفادة منهما و مذاكرتهما و مناظرتهما و لا التعويل على كبير فقههما و لا الاعتداد بخلافهما..بخلاف النظام و غيره ممن على شاكلته ممن هجروا نهائيا و لم يؤخذ منهم من الدين شيء...فجمعهما هكذا في سلة واحدة من الاجحاف البين سببه عدم انزال انكار السلف في مواضعه..و الله أعلم
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن إسناده
أما ذكرك يا أمجد أن البخاري - رحمه الله تعالى - لم ينكر القياس و أنه استعمله إذا لم يجد حكم الحادثة في النص فقول عار عن البرهان ، و البرهان عكسه أي : أن البخاري ينكر القياس الفقهي و قد ذكر ذلك في صحيحه و نقله عنه اليخ العلامة مقبل بن هادي رحمه الله تعالى مقرا له .
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن إسناده
بارك الله فيك أخي ابن الرومية
قد قلت في سياق كلامي المردود عليه :"لسلوكهما هذه الطريقة ولغير ذلك".
ولم أقصد أن أجمع بين إبراهيم وداود في سلة واحدة
وأين داود رحمه الله في زهده وعلمه وورعه من النظام وأين أصوله من أصوله
وإنما هو خلل في سياق الكلام وعجلة الكتابة في المنتديات
فجزاك الله خيرا على التنبيه...
/// وأما مذهب البخاري فهو أعقل وأعلم من أن يذهب لهذا القول
وليس إنكار القياس موضوعنا
وإنما أردنا بيان معنى تلقى العلماء لهذا الحديث بالقبول
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن إسناده
و فيكم بارك الله شيخنا الفاضل...و ان كان شيء يستفيد منه المسلم من هذا الشريط فهو في رأيي كلمة الامام ابن القيم
اقتباس:
, كما أمرهم يوم الأحزاب أن يصلوا العصر في بني قريظة , فاجتهد بعضهم وصلاها في الطريق وقال لم يرد منا التأخير وإنما أراد سرعة النهوض , فنظروا إلى المعنى , واجتهد آخرون وأخروها إلى بني قريظة فصلوها ليلا , نظروا إلى اللفظ , وهؤلاء سلف أهل الظاهر وأولئك سلف أصحاب المعاني والقياس
فقد استقر خكما أغلبيا عند السلف بأخرة لم شمل المدارس الفقهية الاسلامية و تقبلها من أقصى اليمين الى اقصى اليسار بحسب ما تحصره أصول الكتاب و السنة من دقائق الفهم و كباره اختلافا و اتفاقا..فسبحان الله ان تأمل المرء كيف بادت بقية المذاهب و لم تبق منها مما خدمه الخلف و نقل أصولها و فروعها الا هذه الخمسة..و كيف يتدرج ملحظ كل منها لحقائق و ظواهر الوحي و الكون بين آخذ بقوة بالرأي كأبي حنيفة الامام..الى مائل اليه كالامام مالك ..الى متوسط بعبقرية بينه و بين النص كالامام الشافعي ..الى مائل ميلانا بينا اليه كالامام احمد..فآخذ بقوة بالنص كالامام داود..و كلها في تفريعاتها السلفية قبل ان تدخل عليها التفريعات الدخيلة و ما صح بناؤه من التفريعات اللاحقة تشكل ثروة خلافية تمنح المسلم المتوسط- فكيف بالمسلم الفقيه- اتساع أفق و ضبطا للرأي وحدة نظر و حلم منطق تشعرك بتميز البناء المنطقي التي بنيت عليه..ما خلا الانسان من التعصب وحصر الاسلام كله في واحد منها..و هو الحاصل اليوم في بعض المتعصبين لطرفي الفسيفاء المذهبية.. مستعيدين ما دفنه الشافعي في تجديده المتفق عليه من الشنآن بين الجناحين..و الله أعلم و أحكم
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن إسناده
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الطيب صياد
أما ذكرك يا أمجد أن البخاري - رحمه الله تعالى - لم ينكر القياس و أنه استعمله إذا لم يجد حكم الحادثة في النص فقول عار عن البرهان، والبرهان عكسه أي : أن البخاري ينكر القياس الفقهي وقد ذكر ذلك في صحيحه و نقله عنه الشيخ العلامة مقبل بن هادي رحمه الله تعالى مقرا له .
/// مع كون هذه النقطة منحرفة عن أصل الموضوع قليلا لكن لا بأس بالتنبيه على الغلط.
/// موقف البخاري جليٌّ ظاهر من القياس والاجتهاد في استنباط الأحكام من الأشباه، وهو موقفٌ وسط بين من منعه مطلقًا، ومن تكلَّف فيه من أهل الرأي، فردَّ به النُّصوص القاضية عليه، والذين كان يردُّ عليهم بقوله في غير مناسبةٍ: «قال بعض الناس».
/// ومن تدبَّر تبويباته ظهر له ذلك جليًّا.
/// قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، كتاب الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة:
باب ما يذكر من ذم الرأي وتكلُّف القياس.
ثم أورد تحته حديث: «إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاهموه انتزاعا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم، فيضلون ويضلون».
وحديث سهل بن حنيف: يا أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم، لقد رأيتنى يوم أبى جندل ولو أستطيع أن أرد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددته، وما وضعنا سيوفنا على عواتقنا إلى أمر يفظعنا إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه غير هذا الأمر.
ثم قال: باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل مما لم ينزل عليه الوحى فيقول: «لا أدري». أو لم يجب حتى ينزل عليه الوحي، ولم يقل برأى ولا بقياس لقوله تعالى (بما أراك الله). وقال ابن مسعود سئل النبىي صلى الله عليه وسلم عن الروح فسكت حتى نزلت الآية.
ثم أورد تحته حديث: جابر بن عبد الله يقول: مرضت فجاءنى رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودنى وأبو بكر وهما ماشيان، فأتانى وقد أغمى على فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صب وضوءه على فأفقت فقلت يا رسول الله كيف أقضى فى مالى كيف أصنع فى مالى قال فما أجابنى بشىء حتى نزلت آية الميراث.
ثم قال: باب تعليم النبى صلى الله عليه وسلم أمته من الرجال والنساء، مما علمه الله، ليس برأى ولا تمثيل.
ثم أورد تحته حديث: أبي سعيد جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك، يوما نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله. فقال «اجتمعن فى يوم كذا وكذا فى مكان كذا وكذا». فاجتمعن فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله ثم قال «ما منكن امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة، إلا كان لها حجابا من النار». فقالت امرأة منهن يا رسول الله اثنين قال فأعادتها مرتين ثم قال «واثنين واثنين واثنين».
/// ثم قال رحمه الله: باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين قد بين الله حكمهما، ليفهم السائل.
ثم أورد تحته حديث:أبي هريرة أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن امرأتى ولدت غلاما أسود، وإنى أنكرته. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل لك من إبل؟». قال: نعم. قال «فما ألوانها؟». قال: حمر. قال «هل فيها من أورق؟». قال: إن فيها لورقا. قال: «فأنى ترى ذلك جاءها؟». قال: يا رسول الله عرق نزعها. قال: «ولعل هذا عرق نزعه».
/// وحديث ابن عباس: أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمى نذرت أن تحج فماتت قبل أن تحج أفأحج عنها قال «نعم حجى عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته». قالت نعم. فقال: «فاقضوا الذى له، فإن الله أحق بالوفاء».
/// ثم قال رحمه الله: باب ما جاء فى اجتهاد القضاة بما أنزل الله تعالى. لقوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون). ومدح النبى صلى الله عليه وسلم صاحب الحكمة حين يقضى بها ويعلمها، لا يتكلَّف من قبله، ومشاورة الخلفاء وسؤالهم أهل العلم.
/// وبعدُ.. فقد ظهر أنَّ البخاري إنَّما يذمُّ القياس المتكلَّف، الذي لا ينبني على نصوص الشرع، أويصادمه.
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن إسناده
اقتباس:
ثم قال رحمه الله: باب من شبه أصلا معلوما بأصل مبين قد بين الله حكمهما، ليفهم السائل.
الأخ الفاضل الشيخ عدنان:
قال البخارى : (باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل مما لم ينزل عليه الوحى فيقول لا أدرى ولم يجب حتى ينزل عليه الوحى ولم يقل برأى ولا بقياس (فتح البارى 247/13)......
هذا كلام البخارى أن الحجة فى الدين هو الوحى متمثلاً فى القرآن والسنة والوحى فقط دون الرأى والقياس
قال البخارى :باب تعليم النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الرجال والنساء مما علمه الله ليس برأى ولا تمثيل (فتح البارى 249/13)
قال البخارى : باب ما جاء فى اجتهاد القضاة بما أنزل الله تعالى لقوله (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) ومدح النبي صاحب الحكمة حين يقضى بها ويعلمها لا يتكلف من قبله (فتح البارى 254/13) أ.هــ
فالقاضى عند البخارى يجتهد فى تفسير الوحى المنزل من غير أن يأتى بشئ من قبله
* قول البخارى (باب من شبه أصلا معلوماً بأصل مبين قد بين الله حكمهما ليفهم السائل ...أ.ه (فتح البارى 252/13)
التشبيه عند البخارى هو تشبيه أصل بأصل لمجرد إفهام السائل وتقريب المعنى له وليس إلحاق فرع بأصل كما هو القياس...
.. قد قال البخارى فى الأصلين (قد بين الله حكمهما) بصيغة التثنية أى أن حكم الأصلين مذكور فى الشريعة فلا حاجة للرأى أو للقياس لإلحاق أحدهما بالآخر ....
###
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن إسناده
بارك الله فيك يا أبا محمد..
بمناسبة ذكرك لكلام ابن حجر في الفتح في موضعٍ من المواضع التي وجَّهتها =فهل رأيت كلامه في المواضع الأخرى التي وجَّهتها أيضًا لكن دون اقتباس كلامه فيه؟
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن إسناده
قال محمد بن أبي حاتم : وسمعته - يقصد البخاري - يقول: لا أعلم شيئا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة.
فقلت له: يمكن معرفة ذلك كله ؟ قال: نعم
نقلا عن (السير ، 12/412) للذهبي.
أوَ بعد هذا يقال إن الإمام البخاري كان يحتج بالقياس ..؟؟
و أما الخلاف الواقع بين القياسيين و نفاة القياس ..، فالخطب فيه يسير ..، ## حذفت العبارات غير الموضوعية ## و أقصد بالقياس هنا ما يسميه القياسيون (قياسا جليا)..،
رد: حديث معاذ في الاجتهاد شهرته تغني عن إسناده
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عدنان البخاري
بارك الله فيك يا أبا محمد..
بمناسبة ذكرك لكلام ابن حجر في الفتح في موضعٍ من المواضع التي وجَّهتها =فهل رأيت كلامه في المواضع الأخرى التي وجَّهتها أيضًا لكن دون اقتباس كلامه فيه؟
وفيكم بارك الشيخ الكريم أبا عمر
نعم رأيت كل كلامه
واقتباسي هو لتبويبات البخاري ولم أنقل كلام ابن حجر ثم الرد عليه فهذا يخرجنا عن الموضوع بكثير
والكلام في حجية القياس أو عدمه يطول
وإنما أحلت إلى فتح الباري لأن نسخ البخاري التى لدي حالياً نسخ إلكترونية لا أطمئن إلى ترقيمها.
** أمر آخر أود التنبيه عليه :
لا بد من التفرقة بين أجناس ما يسميه بعض العلماء بالقياس (وهو ليس قياساً ولا يُنازع فيه أحد) ...(وكثير من العلماء لا يسمونه قياساً وهو الأليق ولعل الأنسب لمن سماه قياساً أن يُغادر هذه التسمية لما فيها من لبس المتفق عليه بالمختالف فيه)...وبين القسم المختلف فيه..والذي فيه وقع الخلاف وهو كما عبر عنه شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله :
((تَخْرِيجُ الْمَنَاطِ وَهُوَ : الْقِيَاسُ الْمَحْضُ وَهُوَ : أَنْ يَنُصَّ عَلَى حُكْمٍ فِي أُمُورٍ قَدْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَخْتَصُّ الْحُكْمُ بِهَا فَيَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهَا مِثْلُهَا إمَّا لِانْتِفَاءِ الْفَارِقِ ؛ أَوْ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْوَصْفِ الَّذِي قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِهِ فِي الْأَصْلِ ؛ فَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ الَّذِي تُقِرُّ بِهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَيُنْكِرُهُ نفاة الْقِيَاسِ . وَإِنَّمَا يَكْثُرُ الْغَلَطُ فِيهِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْجَامِعِ الْمُشْتَرَكِ الَّذِي عَلَّقَ الشَّارِعُ الْحُكْمَ بِهِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى سُؤَالَ الْمُطَالَبَةِ وَهُوَ : مُطَالَبَةُ الْمُعْتَرِضِ لِلْمُسْتَدِلِّ بِأَنَّ الْوَصْفَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ هُوَ عِلَّةُ الْحُكْمِ ؛ أَوْ دَلِيلُ الْعِلَّةِ . فَأَكْثَرُ غَلَطِ الْقَائِسِينَ مِنْ ظَنِّهِمْ عِلَّةً فِي الْأَصْلِ مَا لَيْسَ بِعِلَّةِ وَلِهَذَا كَثُرَتْ شَنَاعَاتُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْقِيَاسِ الْفَاسِدِ . فَأَمَّا إذَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى إلْغَاءِ الْفَارِقِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ فَرْقٌ يُفَرِّقُ الشَّارِعُ لِأَجْلِهِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ ؛ أَوْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى الْفُلَانِيَّ هُوَ الَّذِي لِأَجْلِهِ حَكَمَ الشَّارِعُ بِهَذَا الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي صُورَةٍ أُخْرَى ؛ فَهَذَا الْقِيَاسُ لَا يُنَازِعُ فِيهِ إلَّا مَنْ لَمْ يَعْرِفْ هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَي ْنِ)).
وكثير مما يُنسب للصحابة والصدر الأول من الأقيسة ليس هو هذا القسم المختلف فيه ..
** أختم كلامي بأن بعض كتب الأصول تهول من إنكار القياس وأن ثمرته هدم الشريعة وليس كذلك لأن الجزء المختلف فيه أقل من الجزء المتفق عليه بين نفاة القياس ومثبتيه وإن كان يسميه الجمهور قياساً لكنه ليس بقياس حقيقة