تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 4 1234 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 61

الموضوع: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    97

    افتراضي رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    حين لا تستقيم الحكومات. . تعوج الطوابير
    الاربعاء 09 ذو القعدة 1430 الموافق 28 أكتوبر 2009
    عبد الله بن عبد العزيز الهدلق

    قال مكسيم غوركي: "جئت إلى هذا العالم كي أختلف معه".
    ولقائل أن يقول: جئت إلى هذا العالم لأختلف مع مكسيم غوركي، جئت إلى هذا العالم كي أضيف إليه..
    تريد الحق بلا مواربة: ما أكرهه في هذه الحياة أكثر مما أحبه، لكن كره أشياء الحياة تختلف درجاته بتفاوت أثره السيئ على نفسي.. أنا أكره حارس مسجدنا البنغالي؛ لأنه كان يرش إطارات السيارة بالماء ثم ينصرف –رعاه الله- ليوهمني بأنه قام بتنظيفها.
    مع أني أستحق شيئًا من هذا، لأني لم أعتبر، متى اعتبرنا ونحن كلما أنضجتنا الأيام فضحتنا التجربة! ربما قاله كثّ الشارب والعقل، هذا المحير البصير بالنفس الإنسانية والأعراق غوستاف لوبون: "ويتصف البنغالي بالقِصَر والهزال والاسمرار والتكرّش، ويهضم ما يلقَّنه، ويبدو البنغالي من الناحية الخلقية جبانًا نذلاً مرائيًا"!
    لو رأيتم صاحبي لقلتم إن لوبون قد أرخي له شيء من سُجُف الغيب فهو يصفه رأي العين، أَوَ ما كنتُ قلتُ في مقالة سابقة: كاد صاحب المعرفة أن يكون عرّافًا.
    (قال لوبون ذلك في كتابه "حضارات الهند" وإذا أردت أن تعرف كيف تكتب الدراسات الحضارية فعليك بهذا الكتاب، مع كتابه الآخر "حضارة العرب"، على ما فيهما مما ليس يخفى، فقد كان لوبون سيئ القول في الأديان، وهذا من عجائب العقول التي لم تهتد بنور الوحي).
    لكن كرهي لصاحبنا لا يداني كرهي الوقوف في الطابور، أنا ما كرهت من الحياة شيئًا ما كرهت الوقوف في هذه الطوابير: طابور الصباح، طابور الكشف الطبي، طابور استلام الرواتب، طابور المراجعات الحكومية، طابور التسوق، طابور فرنكو الخامس...
    ومع احترامي للغربي الذي قال: "إن طريقة الوقوف في الطابور هي خير دليل على درجة رقي مجتمع من المجتمعات"؛ فلن أقف منضبطًا في طابور إن وقفت، وليقل عني مقوّم الحضارات هذا ما يشاء.
    ثم إن العرب كانت تعرف الصف لا الطابور، فمن أين جاءنا هذا الذّل حتى يقف الرجل ووجهه في مؤخرة من يتقدمه، ومؤخرته في وجه من يقف خلفه؟
    هل يقابل الغربي عبادة الصف في المسجد عند المسلمين؛ بعبادة الطابور؟ (قال محمود السعدني: إذا كان في ملة الإسلام لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى، ففي ملة الإنجليز لا فضل لعربي على عجمي إلا بالدور!).
    هل للأسبقية الحضارية واستعلاء التقدم أثر على الفرق بين ثقافة الصف وفلسفة الطابور؟
    هل أنا مصاب -لا سمح الله- بداء التاريخ؟
    ليتك تقلب هذه الكلمة لنديم نجدي لتخرّج عليها ما أحسه من هذا الهبوط المفاجئ الذي يصيبني بالدوار الحضاري حين أقف في طابور: "للشرقيين غرور أسبقيتهم الحضارية في التاريخ، وللغربيين استعلاء تقدمهم الحضاري على التاريخ".
    عندما زرت رومانيا – نسيت أن أجزل بأني أكره كذلك من يتحدث عن أسفاره على أنها مظهر من مظاهر الثقافة –توقف بنا سائق الأجرة عند أحد المخابز، لم أكن رأيت عن قرب الأثر أطول طابور معوجٍّ يقف عند أصغر نافذة مخبز..
    كانت رومانيا قد تحررت غير بعيد من أسر النظام الشيوعي، لكن الطبقة الكادحة "البروليتاريا" (هل كتبتها على الصحيح؟ كان لنا أخ في الله يسمي "البروتستانت": "البروستاتا"!
    جعل كالْفِن ولوثر من أطباء المسالك البولية! ما علينا).
    هذه الطبقة الكادحة هي التي تدفع من الثمن وفي مثل هذه التحولات الحادّة ضعف ما كانت تدفعه من قبل.
    ذلك المنظر الغريب كان من بقايا عهد الشيوعية النّكد، فما أصدق ما قاله بعض الساخرين حين عرّف الشيوعية بأنها: "النظام الذي ينتج طوابير يتقدم فيها المرء في السن بعض الشيء قبل أن يحصل على حاجته"!
    لكن إن أردت الدقة؛ في البلدان الشيوعية أو في غيرها: حين لا تستقيم الحكومات تعوجّ الطوابير، وحين تعوجّ الطوابير تنحني الجباه للحياة، كرهت أن أنحني للحياة؛ فهل فهمت عني: لـمَ لـمْ أكره شيئًا من مكاره الحياة ما كرهت الوقوف في هذه الطوابير.
    على أنه إن كان ولابد من انحناءه من قال:
    معلّق أنا على مشانق الصباح
    وجبهتي بالموت محنيّة
    لأنني لم أحنها حيّه..
    ارتعت من طول ذلك الطابور وأنا من قد عرفت كرهًا للطوابير، فسألت سائق الأجرة.
    هل سنقف مع هؤلاء التعساء؟
    فأجابتي: يمكنك أن تدفع ثلاثة أضعاف قيمة الخبز فتحصل عليه دون الوقوف.
    دفعت المبلغ مستبشرًا، وانصرفنا بخبزنا راشدين. كان ابن القيم قال: "ما ابيض رغيفهم حتى اسودّ فقيرهم".
    كان سائق الأجرة على شيء من الودّ، فأخذت أثناء التفاوض للسماح لنا بالحصول على الخبز أتحدث معه حديثًا بالإشارة ما عدت أذكره، وإنما أذكر أنه أثناء حديثه أشار إلى إصبعين من أصابعه، ثم نفى أن يكون أحدهما يشبه الآخر؛ فذهلت.. هل يريد سائق الأجرة هذا الروماني الخارج لتوّه من سعير الشيوعية أن يقول لي أنا الوهابي القادم من صميم نجد: "أصابعك ما هيب سوا"؟!
    ما أشد تبايننا واتفاقنا..
    أدركتُ فيما بعد بقدر من التأمل والقراءة في فلسفة الأمثال:
    1- أن ما يميز الثقافات بعضها عن بعض هو الاختلاف بينها، وأن هذا الجنس الأدبي "الأمثال" يعود فيَحطِم هذا المعنى؛ لأن ثمة تشابهًا مدهشًا بين أمثال الشعوب على الرغم من شدة التباين بين هذه الثقافات المنتجة.. (لا تنس الطرفة أيضًا، في التراث اليهودي شخصية ساخرة (هيرشيل أو مستر وبولير أو ستروبولير) يرون عنها من الطرائف قريبًا مما نرويه عنه جمًا".
    2- أن هذا التشابه المحيّر أول وهلة إنما يرجع عند تحليله إلى عوامل عدة؛ من أهمها:
    a . التأثير الحضاري بسبب حركة التجارة وهجرة الشعوب. (يذكرني هذا العامل بما كانوا يقولونه عن عوامل سقوط الدولة العثمانية في كتب التاريخ الهزيلة التي كنا ندرسها).
    b . التشابه في التجربة الإنسانية الذي يولّد المعاني نفسها حين تتماثل المؤثرات، ففي غينيا – بيساو وفي بلدتي شقراء؛ لا أحد يضحك من شدة الألم..
    يكثر جريان المثل في كل مجتمع على ألسنة العامة من الناس، وكلما ارتفعت الطبقة الاجتماعية ضعف دوران المثل في كلامها، لأن المثل موروث تقليدي تتناقله الثقافة الشفهية الشعبية، وليس تتأكد هوية النخبة إلا بالقدر الذي تبتعد فيه عن هوية العامة؛ لأن الفقر تربة الرذيلة؛ ولأن الفقر يشوّه القيم في نفس الفقير، ويورثه ميزانًا غير صالح يزن به العادات والأخلاق؛ فإن الفقير يظن أن الأغنياء وأصحاب البيوتات لم يصبحوا كذلك إلا لقيم لا يملكها، فإذا انتقل إلى طبقة أعلى من طبقته؛ فإنه يحاول أن يقترب من أخلاق هذه الطبقة وعاداتها..
    ولأن أكثر الطبقة الوسطى في المجتمع السعودي قد طرأت عليها الثروة بسبب الطفرة العقارية وجنون الأسهم؛ فإنها تمزّقت هويتها بسبب هذا النمو المادي المباغت الذي لم يصحبه نموّ مواز لأخلاق وعادات اكتسبها أهل البيوتات العريقة اكتسابًا طبيعيًا على مر الزمن. (ذكر العلاقة محمد كرد علي في بعض كتبه أنه رأى وزيرًا جاء من الطبقة الدنيا قد اتسخت أظافره).
    لهذا التشوه الذي أصاب هذه الأنفس التي ما بارحت الفقر إلا البارحة؛ نجد أنها تدير في كلامها مفردات لا تستخدمها النخبة؛ لأنها لا تستطيع أن تستغني عنها سريعًا في خطابها، لكنها –لأنه أيسر عليها- تتكلّف نسيان المثل ومحوه من ذاكرتها حتى تلحق بالطبقة الأعلى، فلا يكاد المثل يجري على لسانها كما كانت تفعل من قبل.
    قال الدكتور صلاح فضل في كتابه "شفرات النص" في نقد بعض الشعراء: "هو ذو بعد كوني أنطولوجي في مرحلته الأولى، وله طابع معرفي إيستمولوجي في الثانية، ويتمتع بأساس أكسيولوجي في الثالثة، وله سمة كوزمولوجية في الرابعة، وقوة ترنسند نتالية في الخامسة، وصفات فينومينولوجية في السادسة، وأيديلوجية في السابعة".
    صدق من قال بمثل: حسبك من شرّ سماعه.. إن استطعت أن تعيد هذه الوصفة الطبية في نفس واحد دون أن تصاب بحساسية في الجيوب الأنفية؛ فلك عندي عشر إبستمولوجيات من الذهب الخالص، مع علبة كوزمولوجي دهان موضعي عند اللزوم!
    حسبكم الله ماذا فعلتم بعقولنا يا نقاد الجنون المعقول؟ زعمتْ أقلامكم أنها استيقظت: "من عادة النوم على الأمجاد"؛ ثم ماذا؟ وقفت ذليلة تتثاءب –بلباس النوم- على باب المنهج الغربي تتكففه نموذجه المعرفي..
    دع عنك البينوية الجامدة والتفكيكية السيّالة، وخذ عن هذا النجدي الطيّب: لو سئلتُ عن أبرز سمة تسِم مُحْدَث النعمة لقلت: إنها ابتداء غياب المثل عن حديثه، والحمد لله.
    أخبرك عني: سجادة مجلسي ليست بيضاء.. (كتب أحدهم: يميل أصحاب الدخل القليل إلى الألوان الداكنة لا عن مزاج سوداوي، لكن لأن الألوان الداكنة لا تتسخ سريعًا!).
    ولا يلوح لي في الوقت الحاضر بوادر انتقال إلى الطبقة الفاتحة، لذا فإني مولع بالأمثال، قرأت من كتبها، واستظهرت فدرًا لا بأس به منها، لكني أجدني عاجزًا -ليست هذه أولى خيباتي- عن استدعاء المثل في أثناء الكلام، فلا أكاد أحسن التمثل بهذه الأمثال التي أحفظها، ثم إني أجد بعض من هو أقل مني موروثًا من الأمثال تجري الأمثال على لسانه بلا عسر.
    لذا صرت أعتقد أن التمثل بالمثل شيء آخر غير حفظه، فهؤلاء الذين نراهم يحسنون إيراد المثل في مواقعه من الكلام يملكون موهبة أخرى غير موهبة الحفظ، ولعل هذا هو السبب في أنك تجد كثيرًا من الأمثال التي يقولونها ليست مجهولة لديك، لكنك لا تحسن أن تستدعيها على البديهة في مواقع كلامك كما يفعلون.
    ضمتني عدة مجالس مع الأستاذ عبد الكريم الجهيمان، وكنت أسمع فيما بعد إحدى قريباتي يجري المثل على لسانها بأيسر مما يجري على لسانه.
    فالتمثل بالمثل إذن موهبة ليست لكل أحد، ولا تقل في نظري عن موهبة حسن إيراد القصص عند بعض المتحدثين. وإلى خاطرات أخرى نلتقط فيها معًا من صور الحياة ومعاني الأنفس ما عساه يثري ويمتع ويفيد، حفظك الله –أيديولوجيًا- من الطبقة الفاتحة أو الداكنة أيّا كنت..
    الهوامش:
    خالفت السائد –ليس كل ما خالف السائد. بمسترذل- فلم أضع علامة الهامش في أصل المقالة؛ خوف أن تقطع على القارئ متعة الاسترسال، وها هي بعضها هنا على ترتيب ما ورد في المقالة:
    1- "كلما أنضجتنا الأيام فضحتنا التجربة" أظن أن للرباعي كلمة على هذا النحو: "كلما أنضجتنا الحكمة فضحتنا التجربة" فتصرفتُ فيها على ما تراه بما أراه أليق بها.
    2- كلمة نديم نجدي: "للشرقيين غرور أسبقيتهم.." وردت في كتابه" أثر الاستشراق في الفكر العربي المعاصر عند: إدوارد سعيد –حسن حنفي- عبد الله العروي" ص 17.
    3- أخذت قليلاً مما ذكرته عن فلسفة الأمثال من كتاب الباحثة الهولندية مينيكه شيبر: "إياك والزواج من كبيرة القدمين: النساء في أمثال الشعوب" صدر مترجمًا عن دار الشروق 2008م.
    4- عن الفكاهة عند اليهود: "الفكاهة اليهودية) لجوزف كلازمن، ترجمة محمد محمود، 1430هـ.
    5- نقلت نص صلاح فضل عن كتاب: "تساعية نقدية" لماهر فريد، ص (292). وهو تمثل بالقول: "حسبك من شرّ سماعه".
    6- الأستاذ عبد الكريم الجهيمان، هو صاحب الكتاب المعروف: "الأمثال الشعبية في قلب الجزيرة العربية".
    7- وأخيرًا لا تظن بي الحقد على هذا البنغالي المسكين سامحه الله.. إنما أردت أن أتوصل به إلى ما قصدت من التطريق للمعرفة والكلام.


    http://www.islamtoday.net/nawafeth/a...-40-121910.htm

    المصدر :

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,444

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    وافق شن طبقه !
    اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا وأصلح لنا شأننا كله ..

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    ...
    لولا كلامه عن البنغالي...
    والعجيب أنه يدعم رأيه بترهات "لوبون" ونظرياته التي رمى بها أهل الاختصاص إلى مزبلة التاريخ!
    و"لوبون" معروف بنظرياته وتنظيراته العنصرية، وأحكامه التعميمية على الشعوب، بل على آحاد البشر، من خلال تصنيفه لهم وفق سلّمه الخاص الذي وضعه، معتمدًا - فيما اعتمد- على ربط الذكاء بالتركيب البيولوجي...
    ووصف شعب كامل بأنه جبان ونذل ومنافق: هو جهل محض، أو تحامل جهول.
    وبفضل بعض نظريات "لوبون" وأمثاله، تقوّت النازية والستالينية...
    حديث خرافة يا أمّ عمرو...

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    ...
    ولو أردنا أن نكيل للوبون الصاع صاعين، لأضفنا:
    لا أجْبَن َمِن بعض أوائل المستشرقين، الذين كانوا يحتمون بثكنات الاحتلال الغربي وجيوشه، للكتابة عن ثقافات الشعوب وعاداتها وخصائصها، بزيفٍ وتزييف يمتزج فيه التقرير المخابراتي بالرغبة في إيراد الغرائب...
    ولا أذلّ من شعب احتلّته ألمانيا النازية في لمح البصر، وظلّت كاتمة أنفاسه عدّة سنوات. ولا يروينّ لنا أحدهم قصة المقاومة الفرنسية، فهي ممّا لا يرويه إلا السيد خرافة. وما يرويه لوبون عن رحلاته شبيه بما رواه خرافة عن الجن...
    ولا أشد نفاقًا من الرجُل الغربيّ. وهذه لا تحتاج إلى حجاج. فالنفاق هو عنوان السلوك عندهم، لكنهم يسمّونه بغير اسمه...
    والحاصل: "لوبون" تعني بالفرنسية: الطيِّب. والظاهر أنه لم يكن طيّبًا إلا تجاه شعبه وحضارته.
    وفي كثير من مقالاته، لم يكن لوبون "سيئ القول في الأديان" فحسب؛ بل كان سيّء القول وحسب.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المشاركات
    343

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    نعم ..

    لولا كلامه عن البنغالي...

    فقد قالَ قبلها :

    وأخيرًا لا تظن بي الحقد على هذا البنغالي المسكين سامحه الله.. إنما أردت أن أتوصل به إلى ما قصدت من التطريق للمعرفة والكلام.

    بل ، و في ظنّي - كذلكَ - أنّ قوله سليم تماماً .. و أزيده صفةً و هيَ ( الكسل ) ، طبعاً هذا لا يستلزم القدحَ في دينهِ بالنسبةِ لنا ، و لأضرب لكَ مثالاً على هذا : الشعبُ السعودي معروفٌ بالـ (النُكتة) و (الطرفة) ، و تكاد هذه أن تكون غالبة على أمره في جدّه و هزلهِ ، أو كما قالَ الدكتور محمد العبد الكريم : ( شعبُ اللهِ المحتار ) ، فهذا من ذاك !

    فتجد مثلاً عندما تُشاهد مسرحيةً رمزيةً أو فلسفيةً لممثلين سعوديين ، أنكَ لا تستطيع إكمالها ، أمّا عندَ المسرحية الكوميدية ففيها المُتعة و النجاح التام .. بل و الإبداع !

    كما نقول أنّ أهل العراق ، في ( الكوفة ) بالأخص ، في طبيعتهم حبّ الخروج على حُكامهم .. حتى لو كانَ صالحاً مُصلحاً كسعد - رضي اللهُ عنه - ، و نقول في آهالي ( حمص ) من أعمال بلاد الشام نفسَ الأمر في هذا .. حتى أنّ حِمص تُعرف بالـ ( الكويفة ) لتشابهها مع أهالي الكوفة ..

    هـا يا أبا فهر ، أَتُريد أن تعرف رأيي في الشعب المصري - كذلك - ؟ !
    و"لوبون" معروف بنظرياته وتنظيراته العنصرية، وأحكامه التعميمية على الشعوب، بل على آحاد البشر، من خلال تصنيفه لهم وفق سلّمه الخاص الذي وضعه، معتمدًا - فيما اعتمد- على ربط الذكاء بالتركيب البيولوجي...
    لعلهُ كانَ يقصد طريقته في كتابته و مجرد التصنيف .. ، ومع هذا فالفيسلوف العظيم ( غوستاف لوبون ) في كتبه الكثير من الفوائد النفسية و المعلومات النادرة .. !
    و اللهُ المستعان .

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    1,444

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    هـا يا أبا فهر ، أَتُريد أن تعرف رأيي في الشعب المصري - كذلك - ؟ !
    إن كان رأياً حسناً = فلك عمل من طب لمن حب..

    وإن كان رأياً سيئاً = فيداك أوكتا وفوك نفخ..


    اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا وأصلح لنا شأننا كله ..

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    93

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    أبشرك يا شيخ عبدالله أنه لم يعد ثم طوابير في الغرب أصلاً لا في الدوائر الحكومية ولا في غيرها , بخلافنا نحن فقد عذّب الحب قومنا مبلغ العشق المرَضي فلا يرضون إلا بتكحيل أعينهم بنا في أي معاملة (خذ مثلا :أخي حين أراد استخراج شهادة ميلاد كانت قد ضاعت منه استغرق الأمر منه نحو خمسة أشهر اضطر خلالها للوقوف في طوابير كل طابور منها يلعن أخاه,هذا غير طابور الإهانات المعنوي الذي يعاضد مسيرة الطوابير الآنفة بالتوازي ثم إنه أصابته جلطة حضارية فهرع إلى بلاد الكنغر ومن هناك اتصل يغريني بالقدوم قائلا:تخيل أني أجدد الجواز والرخصة والاستمارة وكل شيء -نعم كل شيء!- دون أن يروا سحنتي ولكن برنة هاتف أو كبسة زر على حاسب موصول بالشبكة!) ثم أقول :لا أخفيك سراً أني استأت جدً امن استشهادك بجوستاف لوبون في وصف البنغالي لأن المسلم الذي عرف معنى التوحيد يتحسس جدا من هذه الأشياء(وهي فرع عن صدق توحيده ورهافة قلب المؤمن) , وهذا رسول الله يبجّح أهل بعض البلدان حتى تبجح إليهم نفوسهم فتطيب "اللهم بارك في شامنا ..اللهم بارك في يمننا" "لو كان الإيمان في الثريا لناله أناس من هؤلاء..وأشار إلى سلمان الفارسي" "استوصوا بأهل مصر خيرا.." إلخ ومهما قيل عن طبائع الشعوب وأخلاقهم يبقى معيار الله تعالى "إن أكرمكم عند الله أتقاكم" هو المهيع الحقيقي في وزن الناس ولك أن تتخيل بنغالياً يدرس الشريعة في الجامعة الإسلامية مثلا اطلع على مقالك..كم سيكون أثره السيء على نفسه! على أن كثيراً مما نستقبحه من تصرفات بعض الناس أسبابه الموضوعية بما ظلمناهم وعاملناهم بأسوأ من الرقيق في الجاهلية , ودام قلمك سيالاً بالحق

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
    قبل أن نذهب بعيدًا في ذكر حال البنغالي، المنتمي إلى شعب يتميز "بالجبن، والذل، والنفاق".. والذي يذكره الشيخ "دون حقد"، لكنه يكرهه... لماذا؟ لأنه لا يغسل سيارته كما ينبغي!
    هو يَكرهه، لكنه لا يحقد عليه... ولن نحاول مجادلة أستاذ امتلكه البيان فصار له ملَكةً، وطارَد الحرفَ منذا الصبا، فأضحى الحرف أحد خدَّامه... فجوابه ظاهر لن يحوجنا إليه فرط التقصّي أو التفصّي، وهو أنّ الكره: ضدّ الحب. وكره إنسان ما، أو شعب برمّته، لا يعني أنّك تحقد عليه؛ بل أنت "لا تحبّه"، فقط لا غير...
    قبل هذا وغيره، دعنا نتأمّل المقال كلَّه، من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه... ولْيكُن ذلك بعين الإنصاف، لا بعيني "لوبون". وأنا متأكّد أنَّ "لوبون"، لمّا زار الهند، كان يضع نظّارة سوداء مكثَّفة الزجاج، لتقيه عدوى "الجبن والذلّ والنفاق". بيد أنّ كثافة الزجاج انتقلت –كالعدوى- إلى عقله، فحُرِم رؤية لطيف المعاني في المجتمعات الإنسانية. وحق للأستاذ الهدلق أن يصفه بالعرَّاف، لأنّ العرَّاف لا يرى شيئا، وإذا أراد ادّعاء رؤية ما، فهو لا يفعل ذلك عادةً إلاَّ مغمض العينين...
    ماذا إذن عن المقال؟
    قد لا أفاجئ الشيخ إذا قلت له: إنّ ديباجة الشيخ عبد الله في هذا المقال جاءت دون مستوى أسلوب الشيخ الهدلق؛ ذلك الأسلوب الذي تعوَّدنا عليه يستحوذ على القارئ، فينسيه سِحرُه فحوى الكلام ومعناه. بل إنّه ليتلبّسك ويسلب لُبّك، فتتجاهل المضمون اكتفاءً بجمال السبك والحبك..
    وأنا أقيس أسلوب الشيخ بنبضات قلبي وتسارُعها، وتلك الدهشة التي تستولي عليّ كلّما قرأت كلامًا سهلاً ممتنعًا.. لكنّني عند قراءة هذا المقال، لم أسمع ذلك النبض الرنَّان، ولم تغْشَني تلك الدهشة الممتعة...
    وأسلوب الشيخ يذكّرنا بتلك المساحيق التجميلية الخفيفة التي كان يدرجها العقاد في بعض مقالاته، فتجذب القارئ مكرَهًا إليها، وترغمه على إعادة القراءة ليملأ عينيه بشيء من ذلك الحُسن المترجَم. ثم جاء أنيس منصور، فتقمّص تلك اللبوس؛ لكنّه أسرف في استعمال تلك المساحيق، فشوّه الوجه الذي نَشَده، وتأرجح بين البهرجة والتهريج، حتّى سئمناه وسئمنا أسلوبه المستعار...
    لكن الشيخ الهدلق أحيا النمط، ونفخ فيه من روحه، وأضاف إليه من ذاته، فأصبح لا يضاف إلاَّ إلى ذاته، وأخرجه من صيغة "الكولاج" التي ارتكس فيها أنيس منصور، وهندَس له بآليّات داخلية دقيقة، وضمّخه بأنفاس من المسك الأصيل، فأصبحت كالجينات، لا نعرفه إلاّ بها، ولا نعرفها إلاّ له:
    ولم تَكُ تصلُح إلاَّ له --- ولم يَكُ يصلحُ إلاَّ لها
    لذا فإنّني لا أرومها، خشية أن تزلزل الأرض زلزالها، ولو أتتني "منقادةً" "تجرّر أذيالَها"...
    غير أنّي لم أجد شيئا من الشيخ الهدلَق في مقاله هذا.. وكأنّه جاء إثر ولادة عسيرة، أو كأنّه كتبه وهو يعاني من عسر هضم. وظنّي أنّه لو سئل عن هذا المقال، لاعترف أنّه لم ير فيه نفسه...
    المقال في رأيي يفتقد إلى شيء من ذلك النمط الأسلوبي و"النبض الهدلقي" الذي اعتدناه وأدمنّاه. وأظنّ الإخوة الذين أدمنوا النظر في "الكتابة الهدلقية" -من أمثال: عبد الله العلي، ومحب الأدب، وأبي فهر- يشاطرونني الرأي.

    (يتبع، بإذن الله)

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    (تابع)

    ولو شئتُ تلخيص المقال بكلمة أوكلمتين، لكتبت له عنوانًا آخر يطابقه تمام المطابقة، وهو: لماذا أنا أناني؟
    لماذا؟
    يبدأ الشيخ مقاله بتفسير الأشياء التي يكرهها في الحياة، فيضع لها معيارًا، وهو: أثرها السيء على نفسه. أنا أكره كلّ ما يسيء إليّ. وماذا لو كنتَ مسيئًا؟ بل ماذا لو ظننتَ إحساني إليك إساءةً؟
    وذنب البنغالي المسكين أنه لم ينظِّف سيارة الشيخ على الوجه المراد. ماذا إذن لو لم يكن ذلك المنظِّف بنغاليًّا؟ ماذا لو كان مصريًّا، أو يمنيًّا، أو سوريًّا؟ بل ماذا لو كان سعوديًّا؟ هل كان الشيخ سيستنجد بالمسيو "لوبون" أو حفيده أو ابن عم خالته ليسعفه بحكم شامل صارم عن المصريين أو اليمنيين أو السوريّين أو السعوديّين؟
    لذا، أوصي كلَّ قارئ لهذا المقال بألاّ يسيء إلى الشيخ الهدلق فيكرهه، وإذا كرهه فإنه سيكره قومه وشعبه وخصاله وتاريخه، مستئنسًا بقولٍ شارد لأحد خواجات القرن المنصرم...
    وبعد ذلك، ينتقل الشيخ إلى شيء آخر يكرهه، وهو "الطابور". ويحاول أن يكرِّهنا الطابور، فيرفع اسمه مقارنًا إياه بالصف. وكأنَّ الصف شيء، والطابور شيء آخر! لكن للأستاذ غرض آخر من ذلك، ألا وهو ربط الصف بالصلاة، وربط الطابور بمصالح الحياة الدنيا. ولعلّه غاب عن ذهنه أنّ كلمتي الصفّ والطابور أكثر ما تستعملان في تراثنا للدلالة على الجهاد. والجهاد ممّا يسيء ظاهرًا للنفس، مع أنّ فيه حياة القيم والشعوب...
    والعرب عرفت الصف وعرفت في زمن متأخر الطابور بمعانيهما الثلاثة، ولذا كان لها شأن في التاريخ البشري العام. وهل السنن المتعلّقة بتنظيم صلاة الجماعة، إضافةً إلى معانيها التعبُّديّة البحتة، إلا تدريب على الالتزام بما يشابهها في العلاقات الاجتماعية؟
    والمتمرّد على الصف: متمرّد على النظام والجماعة. ووصفه عند الغربيين: "anarchist". وهذه الكلمة لم أجد لها مقابلاً عربيًّا يشفي الغليل، ولعلّ ذلك ناشئ عن أنّ العربي الأصيل يأبى الفوضى وينفر عنها...
    وماذا لو اضطررتَ إلى الوقوف في طابور لقضاء مصلحة ما، وكنت ممّن يكره "كلّ ما يسيء إلى نفسه"؟ الشيخ الهدلق يقترح عليك حلاًّ، أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه "ليس بذاك"... وقد تغيب عنّا خطورة هذا الحل، إذا حصرناها في رغيف يشترى من مخبز في رومانيا؛ لكن لننقل هذه "النازلة" التي "أساءت إلى نفس الشيخ" "فكرهها".. لننقلها من حيّزها المضيَّق، ولنقسها إلى نظائرها. ماذا لو أردت إجراء معاملة إدارية معيَّنة، وكانت هذه المعاملة لا تتم إلا بالوقوف في طابور عدّة ساعات، فأعطيتَ المشرف على هذه الإجراءات مبلغًا من المال ليعفيك من الطابور الذي "تكرهه" لأنه "يسيء إلى نفسك"؟ ماذا لو...
    الجواب أتركه للفقهاء، سواء كانوا من "البروليتاريا" أو من "أصحاب البيوتات"...

    (يتبع، بإذن الله)

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    (تابع)

    وبعد أن يروي لنا قصّته مع سائق الأجرة الروماني، يختم قائلاً: "ما أشدّ تبايننا واتفاقنا". والسؤال الذي استبدّ بي لمّا قرأت هذه العبارة هو: ما الفرق بين الروماني والبنغالي؟ لماذ لا يكون ما بيننا وبين البنغالي نفس ما هو بيننا وبين الروماني؟ ولم أجد لذلك من جواب إلاّ كون البنغالي يشتغل في بلدنا، والروماني يشتغل في بلده! وهذا هو مدار الاستعلاء والتنقيص من البنغالي وشعبه. قد يكونون بشرًا أسوياء في بلدانهم، لكنّنا "نكرههم" في بلادنا، لأنهم لا ينظّفون سياراتنا على الوجه المطلوب!
    ولم يسأل الشيخ نفسه عن وضع ذلك البنغالي: كم هي أجرته؟ وكم ساعة يعمل في اليوم؟ وهل هو مقيم مع عائلته أمْ منفردًأ؟ ... إلخ. فهذا لا يهم الشيخ... الذي يهمّه هو أن لا يساء إليه.
    والعجيب بعد ذلك أنّ الشيخ يواصل الحديث بعد ذلك، فيسرد العوامل التي أدّت إلى التشابه بين أمثال الشعوب وطرائفهم!! ولست أدري إن كان يعدّ البنغاليين شعبًا، أم مجرَّد أفراد يتميّزون "بالجبن والذلّ والنفاق"!
    هذا عن بعض ما يمكن قوله عن مضمون المقال.

    (يتبع، بإذن الله)

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    (تابع)

    ولْنعُد الآن إلى الكلام عن البنغالي المسكين، وشعبه، وتاريخه...
    الشيخ وصف نفسه "بلا مواربة"، كما قال، بأنه يكره ذلك البنغالي. ثم أراد أن يفلسف ذيّاك الكره، فاستدعى الخواجة "لوبون" ليمنحه رخصة كره البنغالي "الشغّال"، ومعه كلّ البنغاليين، منذ أن وُجِدت أرض اسمها بلاد البنغال. ولم يبخل الخواجة، ولم يتحرّج الشيخ!
    ولعلّ الشيخ قرأ كتاب "لوبون"، ثم أراد أن يتأكَّد من نظريته حول البنغاليين، فراقب ذلك الشغّال البنغالي، وتوهّم أنه يوهمه أنّه غسل سيارته، فاستنتج صحّة نظرية الخواجة. وأين البنغالي الشغّال من الخواجة لوبون؟ بل كيف تصح المقارنة بين من يزور بلاد الناس ليدرس ثقافتهم وتقاليدهم، ومن يزورها فقط لأكل العيش؟ الحرب إذن غير متكافئة؛ وقد فضّل الشيخ التضحية بسمعة الشعب البنغالي كلّه بدل التشكيك في نظرية المسيو "لوبون"!
    ولن يشفع له استدراكه في الهامش، الذي جاء شبيهًا بشفيع غير مؤتزر، بل هو تأكيد لنظرة "لوبون" للشعب البنغالي. فكأنّ الشيخ يستثني ذلك البنغالي المسكين من حكم عام على الشعب البنغالي، اعتبره جزءًا من المعرفة!
    ومسيو "لوبون" هذا يصف كلّ بنغالي بأنّه: "يتّصف بالقِصَر، والهزال، والاسمرار، والتكرُّش"! وقد حاولتُ رسم صورة للبنغالي، أجمع فيها بين الهزال والتكرّش، فلم تسعفني المخيّلة وضنّت الموهبة...
    وهذا الوصف، ولو كان جسديًّا، فيه من نتانة العرقية والعنصرية ما فيه. تصوَّر أنَّ أحدهم يصف شعبًا ما بأنه سمين، وأنفه مفلطح، وقامته طويلة. هل يصحّ هذا الوصفى علميًّا؟ إنّ بعض أوائل المستشرقين كان يتعامل مع الشعوب، وصفًا وتصنيفًا، كما يتعامل مع مكتشفاته في عالم النبات والحيوان والآثار؛ لهذا وقعوا في مزالق فاضحة كان أوّل من نبّه إليها علماء الاجتماع في الغرب نفسه.
    بل لو سلّمنا بصحّة هذا المنهج في وصف الشعوب وتصنيفها، فإنّه لا يستقيم مع الخواجة "لوبون"، لافتقاره إلى ما يسمّى "الشروط الموضوعية للملاحظة العلمية".
    توضيح ذلك: عندما يأتي رجل مثل "لوبون" إلى منطقة البنغال، وهي مستعمرة بريطانية، ويخرج إلى الناس ببزّته الإفرنجية، وبرنيطته، وعصاه، ونظّارته السوداء ذات الزجاج المكثَّف، كيف ينظر إليه المواطن البنغالي؟ لا شك أنه لن يميّز بينه وبين أي بريطاني، تمامًا مثلما وضع "لوبون" البنغاليين كلهم في قالب واحد، وأصدر عليهم حكمًا واحدًا. والبنغالي لا يرى في المسيو لوبون إلا نسخة ثانية للمستر "موير"، ذلك المستشرق البريطاني الذي كان يعمل ضمن شبكة مخابرات بريطانية في بلاد البنغال. والبنغالي يكره البريطاني، لأنه احتلّ بلاده، واستنزف ثرواته، وقتل وشرد عشرات الآلاف من ذويه؛ لكنه مضطر للتعامل مع "الرجل الأبيض"، لأنّ هذا الرجل الأبيض هو الذي يتحكّم في اقتصاد البلد وسلطته السياسية. كيف إذن تتوقع سلوك البنغالي تجاه هذا المسيو، إن لم تكن مسالَمةً ومداراةً تبطِن حقدًا دفينًا؟ وهذا هو الذي أخطأ الخواجة لوبون في وصفه، فسمّاه "جبنا، وذلاًّ، ونفاقًا"...
    ولم يتساءل الخواجة عن سر هذا الانصياع والنفاق، ولا عن أعجوبة ذلك التلازم بين الهزال والتكرّش!
    ولو قلَّب النظر في التاريخ القريب لتلك المنطقة، لأدرك أنّ مردَّ ذلك كلّه إلى الرجل الأبيض، الذي جاء بالمجاعة مع البارود، وبالفقر مع مظاهر الحياة الحديثة، وبتجهيل الشعب مع نظارات أهداها للنخبة... ولا عجب بعد ذلك أن يصف المسيو "لوبون" البنغاليَّ بأنه قصير القامة، فالرجل الأبيض لا ينظر إلى الرجل الأسمر إلاّ مِن عَل...

    (يتبع، بإذن الله، بعد ساعة أو نيّف)

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    (تابع)

    وأرى القلم الآن متأرجحًا بين الخواجة "لوبون" وذلك البنغالي المسكين.
    وأصارحكم بشعوري أنني أقرب إلى ذلك البنغالي منّي إلى المسيو لوبون.
    لذا سأتخلّص بكلمات من ذلك الطبيب المزيَّف، صاحب الدعاوى العريضة في التاريخ والأدب وعلم الاجتماع... والقائمة لا تنتهي...
    كلام "لوبون" تجاوَزَه علْما "السوسيولوجية" و"الأنثربولوجية" . ونظرياته لا يستعمل بعض منها إلا في علم اجتماع الاتصال، ويلجأ إليها المتخصّصون استئناسًا لا تأسيسًا. ولو صدر مثل كلام الشخ عبد الله عن مثقف فرنسي، لحوكم بتهمة العرقية والتمييز العنصري، ولكان الحكم غير قابل للاستئناف.
    بل إنّ كلّ تصنيف للشعوب استنادًا إلى صفات أو مميّزات غالبة يُعتبَر هرطقةً عند علماء الاجتماع والأنثروبولوجيا ، لافتقاده إلى أدنى شروط العلميّة، وهي: القابلية للتعميم والديمومة.
    وبالمثال يتضح المقال: لمّا كان للبنغال دولة وحضارة قبل ميلاد سيّدنا عيسى، عليه السلام، بعدّة قرون، لم يكن لما نسمّيه الآن فرنسا والشعب الفرنسي وجود؛ بل كان سكّان تلك المنطقة من الدنيا هملا سدى، احتار المؤرِّخون في تصنيفهم. فمن هو الكسول؟ ومن هو النشيط؟ ومن هو المتحضِّر؟ ومن هو الهمجي؟
    مثال آخر: في القرون الوسطى، اشتهر الفرنسيون بالقذارة والوساخة؛ وفي عصرنا الحالي: فرنسا هي قبلة المولعين بالعطور وأدوات الزينة، ويبدي شعبها حرصًا ظاهرًا على النظافة. فعلى أيّ الفترتين نعتمد في تصنيف هذا الشعب؟ الخواجة لوبون كتب ذلك الكلام عن الشعب البنغالي منذ أكثر من قرن، وما زال الشيخ عبد الله يردّده وكأنه حقيقية غير قابلة للنقض!
    وقد استشهد أحد الإخوة بما يقال عن الشعب السعودي من أنه ذو نكتة وطرفة. والذي أعرفه أنّ المصريين هم أولى الناس بهذا الوصف، لكن لا علينا... ولْنتخذ هذا المثال أساسًا لحديثنا:
    الذي ذكره الأخ "طالب الإيمان" يندرج ضمن ما يسمّى بـ "المخيال الجمعي" (l’imaginaire collectif) وهو مرتبط بالتمثُّلات المجتمعية (représentations sociales). ولكل شعب مخيال جمعي حول الذات، ومخيال جمعي حول الآخر. والمخيال الجمعي حول الذات يغذيه عدّة عوامل، منها: الأحداث المؤسِّسة، والنماذج التاريخية، والقصص والأساطير الشعبية المحكية... إلى آخره. وهو في الغالب: إيجابي، يدغدغ النرجسية الجمعية، ويُشعرها بالرضا والتفوّق والاكتفاء. ومن ذلك قول بعضهم: "لو لم أكن مصريًّا، لتمنّيتُ أن أكون مصريًّا"...
    والمخيال الجمعي عن الآخر متوقّف على علاقة الذات الجمعية بالآخر، حدّةً أو لطفًا؛ لكنّه غالبًا ما يكون سلبيًّا، لأنّ كل نقيصة في الآخر يحوّلها اللاوعي الجمعي إلى منقبة نقيضة في الذات.
    ولم يسأل الأخ "طالب الإيمان" نفسه السؤال الذي مفرّ منه، وهو: كيف ينظر غير السعوديين إلى المجتمع السعودي؟
    وأعفي نفسي وإياه من الجواب، لأنّ ذلك من شأنه أن يفتح الباب للعصبية، وقد أُمِرنا بتركها، لأنّها نتنة.
    لذا، فإنّ كل ما نقرؤه في تراثنا من وصف تغليبي سلبي لقبيلة أو لشعب ما، إنّما مصدره "الآخر" بالنسبة لتلك القبيلة أو ذلك الشعب. والجاهل وحدَه هو من يعتقد أنّ تلك المذامّ وصفٌ يطابق الحقيقة والواقع. والأمثلة كثيرة في كتب التاريخ والبلدان والأدب...
    ومن ذلك ما ظلّ يقرع أسماعنا إلى الآن عن أهل مكة وطباعهم، ومقارنتها بطباع أهل المدينة؛ وإنّه لمن الغفلة أن نتقبّل مثل هذه الأحكام أو نقررها...
    بل إنّ الشيخ عبد الله لو تساءل عن نظرة الغير إلى أهل نجد وطباعهم، لما استسهل تكرار ما قيل عن الشعب البنغالي...
    ومنذ ما لا يقلّ عن عشر سنوات، سمعنا ما سمعنا عن الشعب الأفغاني، وبطولته، ومقاومته للمحتل عبر التاريخ. وفي كل ذلك بعض الحقيقة... لكن للنظر الآن مَن يحكم أفغانستان؟ ومن يساعد القوات المحتلّة؟ ومَن يتجسس على شعبه لمصلحة الغرب؟ ومن يقتِّل ومن يشرِّد؟ أليسوا أفغانًا؟!
    وبعد كلّ هذا، هل من الضروري العودة إلى البنغالي المسكين؟
    وقد أضاف أخونا "طالب الإيمان" إلى الصفات المزجاة من جعبة الخواجة "لوبون" صفةً رابعة، وهي: الكسل.
    والحق أنّه ليس بكسل، بل تحايُل. وإذا لجأ الخادم أو العامل إلى التحايل، فاسأل نفسك: هل وفيته حقه واتقيت الله فيه أم لا؟ ثم حاسبه.
    وسمعنا كثيرًا عن كسل السودانيين وميلهم إلى الراحة والاسترخاء، ثم حلّت فترة اكتفى السودانيون فيها ذاتيا بمنتوجهم للقمح، بل وصدّروا منه إلى الخارج! وشعب كهذا لا يوصف بالكسل الأبدي الملازِم، وكأنه قدَر لا مفرَّ منه.
    وزرتُ منذ سنوات ليبيا، ومكثت فيها عدّة أيَّام، فسمعت نفس الكلام الذي قاله الخواجة لوبون عن البنغاليين في حق المصريين والفلسطينيين. وفي لبنان تسمع النغمة نفسها عن السوريين...
    وخلاصة القول: إنّ كلاما ككلام الشيخ عبد الله قد يترخّص فيه بعضنا في مجالس السمر، استكثارًا للنوادر والطرف عن شعب ما، أو ليتخذه مدخلاً لمعرفة نظرة بعض الناس إلى بعض الشعوب. أمّا أن يُكتب بقلم كقلمه ويقيّد ويُنشَر، فهذا ما لا ترتضيه حقائق العلم وآداب الشرع.
    وللشيخ مكانة خاصة في قلوبنا. وما ذكرتُ ما ذكرتُ إلا حرصًا على سموِّ هذه المكانة.
    والله ولِيُّ التوفيق.

    (انتهــــــــى)

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    93

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    أشكر الفاضل المكرم والأستاذ الواحدي على ما دبجه يراعه من تعليقات مسددة
    ولي عودة مهمة
    والله المستعان

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    97

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الواحدي مشاهدة المشاركة
    وخلاصة القول: إنّ كلاما ككلام الشيخ عبد الله قد يترخّص فيه بعضنا في مجالس السمر، استكثارًا للنوادر والطرف عن شعب ما، أو ليتخذه مدخلاً لمعرفة نظرة بعض الناس إلى بعض الشعوب.

    يا أستاذنا (الواحدي )
    ما اقتبسته أعلاه : هو كل ما في الأمر !!
    فما بالك أخذت الأمر على محمل الجد ؟؟؟
    أعاننا الله على قلمك المتدفق الذي لا يقبل المزح ، ولا يستريح للإجمال !!!
    ولئن تكلف (الهدلق ) في الأسلوب الذي هو أشق من الوقوف في الطابور
    فلقد ابتعد عن لبسة التصنع والمثالية في المعاني والأفكار

    وللأدباء ورود إذا فركها المحققون تلفت وذهبت رائحتها

    ودام الهدلق والواحدي
    لأصدقائهم ومحبيهم - آمين -

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    93

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    الحق أن الأمر ليس كذلك فصاحب القلم والفكر مسؤول عما يكتب أمام الله عز وجل
    وليس "أدب" المرء بأحد الشفعاء يوم القيامة
    والله الموفق للسداد

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محب الأدب مشاهدة المشاركة
    وللأدباء ورود إذا فركها المحققون تلفت وذهبت رائحتها
    إلاَّ الوردةَ يا مولاي!
    إلاَّ الوردَهْ...

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Oct 2009
    المشاركات
    8

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    هذا تعقيب وردني من عبدالله الهدلق ..

    أحق أن السلفية تطامن من العقل , وتزري بالقدرة , وتحجر على الموهبة ؟ وأن الإبداع لا يقاربه قلم الكاتب : إلا أن يتمرد على إسار النص , ويجري في أفانين الغواية , ويكسر حاجز المقدس ؟ أحق أن السلفية تورث صاحبها ذهناً فاتراً , وأداة خابية , وروحاً بليدة ؟ وأن العبقرية إنما تتنزى من نفس الإنسان , والوهج إنما يلفح في أحرف هجائه , والمعاني تأتلق بها روعة تراكيبه ؛ حين يوصف بكل وصف إلا أن يكون سلفياً ؟ أحق أن السلفية تأسر محط النظر فلا يبرح القرطاس الأصفر , وتطمس مجالي البهاء فلا ينفذ الجمال الى مسارب الفؤاد , فهي قدر المحرومين .. قدر المحرومين من لذاذات العقول , ومدارج الثقافة , ومطارح الجمال ؟ وأن كل أحد إلا أن يكون سلفياً : له من أيامه : بهجة المعرفة , وثراء تراث الإنسان , ومفاتن الفكر , ومهاوي الفتون؟ لقد حاولت من خلال ( مشروعي الثقافي الصغير ) أن أفند هذا الشغب الصبياني البليد الذي يلصقه أراذل أهل المعرفة بهذه السلفية المباركة .. فجعلت قلمي وأيامي - على بساطة تجربتي - وقفاً على هذا المشروع , أردت أن أثبت أن السلفية تحسن أشياء كثيرة إن هي أرادت , وأنها ليست تطامن من العقل , ولا تورث صاحبها ذهناً فاتراً , وأنها ليست بقدر المحرومين من لذاذات العقول , ومطارح الجمال .. وأن الإبداع طوع قلم الكاتب - إن هو استعد - دون أن يستطيل على الرب والدين ويتهاون بالأصول والمعتقدات .. فذهبت أنشىء التأصيل المعرفي .. أرود الثقافة على اتساع مداها , وأحلل الفكر في أصوله , وأوظف الكلام من مظانه العالية , ببيان مشرق وضيء مااستطعت .. حاولت أن أنقض عليهم دعاواهم الواهية , وأدفع الفرية التي يصمنا بها سقط أهل الفكر : حين يرددون أن الخطاب السلفي بات خطاباً متربصاً , ناقداً لمنجز الآخرين دون أن ينجز .. لم أحب أن يذلني أحد - أنا السلفي - إذلالاً معرفياً .. فآمل ألا تختصر هذه الآمال الثقافية , وألا يختزل هذا المشروع المعرفي الذي وقفت حياتي لأجله ؛ بثلاثة أسطر وردت في بداية مقال ( لي فيها وجهة نظر خاصة لم أتراجع عنها حتى الساعة ) فيغيب عن القارىء ما وراء ذلك من سمو المقاصد وكريم الغايات , وبسط هذا بحاجة إلى كلام أوفى .. عسى الله سبحانه أن يوفقنا لما يحب ويرضى , وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
    لا أظن أنّ الشيخ عبد الله الهدلق قرأ التعقيب، وإنّما بُلِّغه مختصَرًا أو مختزَلا. ولو قرأه، لما قال ما قال، ولما جاء ردّه بهذا التضخيم الذي يوحي أنّني حاكمتُه، أو حكمتُ عليه، أو دعوتُه إلى التحكيم...
    وهذا الرد، إن صحّت نسبته إلى الشيخ، فإنه يقتضي جوابًا مفصّلاً، أين منه قصة البنغالي المسكين...
    والله الهادي إلى سواء السبيل.

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    786

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
    أخي الحبيب: محب الأدب.
    لتدرك مدى خطورة الكلمة، سواء كانت راقية أو ركيكة، وما زُخرِف منها كان أخطر، تأمّل هذه النماذج التي جاءت تعقيبًا على مقال الشيخ عبد الله في موقع "الإسلام اليوم":
    ** تقول "لاميا":
    "رسالتي إلى الموقع: مالذي وجدتموه في تعليقي حتى يتم حذفه..أهو اعتراضي لأن مثقفا يزدري بنغاليا ..سأكتب تعليقا آخر على أمل نشره.. المقال أكثر من رائع أنا ما كنت أتخيل أحدا يكتب بهذه الروعة أنا في غاية الاعجاب والدهشة ما هذه الأفكار النيرة ماهذا العرض الأكثر من رائع....الخ "
    فيرد عليها أحدهم، أو إحداهنّ، واصفًا إياها بـ "زبالة النسوان". ويقول:
    "أنا سأقول لكِ لماذا حُذِفَ هراؤكِ .. كنت قد كتبتُ بالأمس ردَّا يليق بأمثالكِ وبإخوانكِ البنغال (حثالة البشر) ولكن للأسف حُذِفَ تعليقي ... وأرسلته مرة أخرى فحذف مرة أخرى"
    ** ويقول آخر (المشاركة رقم 18):
    "خبث الأجانب وجرائمهم في جزيرة العرب وإفسادهم فيها هو السبب الذي جعل المجتمع تحتقرهم وتعاملهم كعبيد .. الناس لا يمكن أن تحترم إنسان نذل حقير غايته في هذه هو جمع الريالات بأي وسيلة "
    أرأيت؟
    هذا ما أردت التنبيه إليه، لا غير...
    والعجيب أنّ الموقع أبقى هذه المشاركات ولم يحذفها؟
    والأغرب من ذلك كلّه أن يأتي الشيخ عبد الله، بعد كل هذه العصبية المشينة الحاقدة، فيسوق كلامًا هلاميًّا عن "مشروعه الثقافي الصغير"، ولا ينبس ببنت شفة عن تلك النتانات التي وَجَدت في مقاله مستندً فاتّكأت عليه؛ بل يؤكّد أن له في المسألة "وجهة نظر خاصة" "لم يتراجع عنها حتى الساعة"!!
    وقد كتب كلامه هذا على الساعة: 02.13.00 صباحًا
    ونقل كلامه الأخ "الهمام" على الساعة: 03.19.00 صباحًا، وذكر أنّه ورَدَه من عبد الله الهدلق. ونحن لا نصدّقه ولا نكذّبه... لكن يؤخَذ عليه أنه أوهمنا (كما أوهم البنغاليُّ الشيخَ عبد الله بأنه غسل سيارته) بأنّ التعقيب جاء ردًّا على ما كُتِب في مجلسنا هذا. والأمر خلاف ذلك...
    وإذا كان الشيخ عبد الله لم يتراجع عن رأيه إلى تلك الساعة، فإنّ رجائي أن تقنعه ساعات الليل بخلافه. والمثل الفرنسي، بلغة الخواجة "لوبون" (الذي وصفه أحد إخواننا ظلمًا بأنّه "فيلسوف عظيم"!)، يقول: "الليل يجلب النصائح"...
    والله الهادي إلى سواء السبيل.

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المشاركات
    343

    افتراضي رد: رائعة !! من روائع الهدلق !! نظرات في النفس والعادات والأخلاق والشعوب

    باركَ اللهُ فيكَ ..
    أنت - يا أستاذنا - تلعب خارج (الحلبة) ، و هذا مُخالفٌ لأصول اللُعبة ..
    أنا لم ينتقل إلى ذَهني عندَ قراءة مقال الأستاذ عبد الله إلا أنّهُ من التمليح و الإحماض ..
    ثُم تأتي أنتّ - وفقكَ اللهُ - و تقرأ النص قراءة تفكيكية ثُم تُخرج منها قصدّ المؤلف و قصدكَ ، و فهمهَ و فهمكَ ، و ما أرادَ و ما لم ْ يُرد .
    و على كل ٍ :
    فالمعيار الزمني لتطور الحضارات لهُ نصيبٌ من التأسيس و التقعيد للتصنيف ، ففرنسي العصور الوسطى لم يعد وسخاً ، و قد أرسلَ لكَ رقائق الذاكرة و مطبعة نابليون ..
    أما الشعب العربي ( و العقل العربي ) ، و العقل البنغالي فقام على أطلال الأمجاد يرعاها بالذكرِ و المفخرة ، و كانَ أمرُ الله فما كان يُضربُ المثل فيهِ - قديماً - : ( الهند هناك لو قل ما عندك ) و ( الشام شامك لو الزمن ضامك ) أصبح هوَ من يُؤتى ، و هذه دورة الحضارة كما يقول : ابن خلدون ..!
    و لكنني : لا أدري لِمَ تعتقد أنّ الشيخ يزدري الشعبَ البنغالي كلّهُ جملةً و تفصيلاً ؟ ! ، كما أنني لا أُدافعُ عن الشعب السعودي جملةً و تفصيلاً .. !
    و لكن - كما يقال - في الطبائع صفاتٌ ثابتة ، كالترمومتر بين جزرٍ و مد ، و هيطٍ و ميط ، ترتفع و تنخفض حسبَ العلائق القائمة بينها ، و الصفة ( الأعجوبة = الهُزال و التكرش ) التي لم تستطع تخيلها أنتَ ، يُمكن أن نفهمها هكذا :
    - شيءٌ في الذهنِ و الخارجِ معاً / و الصفة المذكورة عندي من هذا الباب .
    - شيءٌ في الذهنِ فقط .
    - شيءٌ في الخارجِ فقط / و إن لم تُسعفكَ مخيلتك فهيَ من هذا الباب ، على أنني لم أفهم كون الشيء في الخارج دون الذهن ، ففي الغالب الأعمّ أن الشيء في الذهنِ أكثر منهُ في الخارج ، و لكنّها تعقيداتُ المناطقة ، و تفسلفات البيانيين ، و تجاوزات الأصوليين !

    و لأضرب لكَ - مثالاً - آخرَ : الطوراق قبيلةٌ قريبةٌ منكَ جداً ، رجالُها يتلثمون ، و نسائها يكشفنَ ، و هيَ صفةٌ غالبةٌ على أمرهم فأصبحت طبعاً ردةَ فعل على علاقتهم مع الصحراء ، فقدْ تكون مثلبةً عندي ، حسنةً عندَكَ ، لكنها صفةٌ موجودة رأينها في التلفزيون أم رأي العين دون وسيلة ؟ ! ، من نظارةٍ سوداء أم دونَ ذلكَ ..
    ألم تقرأ كتابَ ( الإستشراق ) لإدوارد سعيد ؟ ! " و بملحوطة فقد أعاد الدكتور محمد عناني بترجمةِ الكتابِ ترجمةً فاخرة تفادت أخطاء ترجمة كما أبو ديب " ..، ألم تقرأ أن الغلبة الحضارية سببٌ لهذا ، و هل تظننّ هذا خطأ لوبون أم خطأكَ أنتَ و قومكَ ؟ !
    و مع هذا فحفظُ مودة الإسلامِ واجبة ، و لا نرضى و لا نرتضي النقولات التي وجدتها معلقة على مقالة الأستاذ الهدلق ، و نرفض الطريقة السيئة التي يُعامل بها بعضُ الناسِ العمّالَ ، و التكبر و الترفع الذي يقومون بهِ ، و كما أنّ البنغالي يجمع الريال ليعيش ( و يعيش فقط ) ، فهوَ يجمع الريال ليترفه ( و يترفه فقط ) .. ، و الظلم مرفوض في ديننا ( و ألزم الربُ بها نفسه ) ، و في الأخلاق البشرية العامة ، و لكنني بملحوظة : كيف يُفسر أستاذنا الفاضل ( حتى لا نقع بمثلبةٍ التعميم ) السُفن التي تأتي متظاهرةً إلى غزة عند وقوعِ الحرب ؟ !
    أجاؤا ليسخرو و يشمتوا بنا ، أم جائت بهم الأخلاق الإنسانية التي تعترف بحقوق الإنسان و تُدافع عنهُ ، و الفيسلوف (غوستاف) من هذه البابة - كذلكَ - و إلا كيف تقرأ ( حضارة العرب ) مع ( حضارة الهند ) ، و كيف تجمع بين مدحه لكَ و دفاعهِ عنكَ و بين ذمهِ للبنغال - إن كانَ يقصد ذمهم - ؟ !
    و إن كانَ الرجل ..
    - عراقي الأصل .
    - دمشقي النسبة .
    - نجدي المولد .
    فأينَ تضعهُ في مخيالكَ حول الذات أم حول الآخر ؟ ! ، إنّها الثقافةُ يا أستاذ ..إنها الثقافة ، و الواقع يدعمُها !
    و في هذا غُنية ، و كانت على عجالة ، و الله المستعان .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •