لا يا أخي القاضي عياض ينص على أنه فرض على أمهات المؤمنين , وأنه سنة ومستحب على ما سواهن .
فلا يستقيم حمله على تحريم المقاصد وتحريم الوسائل كما تدعي , والظن أن القاضي رحمه الله اختلط عليه باب الخصوصية بالنسبة لأمهات المؤمنين , وقوله لم يسبق به , ولم يتابعه عليه غيره ممن وافقوه في النتيجة كالشيخ الألباني وغيره , وفي هذا دليل على غلطه رحمه الله .
قال القاضي عياض : لا خلاف في أن فرض ستر وجه المرأة مما اختص به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.."..
ونص في موضع أخر من شرحه على أن ستر الوجه فرض واجب على أمهات المؤمنين وسنة ومستحب على سائر نساء المؤمنين .
لعلك تنقل أقواله كاملة حتى أتأملها
انظر إكمال المعلم للقاضي عياض رحمه الله :
1- كتاب الاَداب / باب نظر الفجأة :
نصه : (( فرض ستر عورة الوجه مما اختص به أزواج النبى ( صلى الله عليه وسلم ) منذ نزل الحجاب )) .
2- باب إباحة الخروج للنساء لقضاء حاجة الإنسان :
نصه : (( لا خلاف في فرضه عليهن في الوجه والكفين الذي اختلف في ندب غيرهن إلى ستره ، قالوا : ولا يجوز لهن كشف ذلك لشهادة ولا غيره ، ولا ظهور أشخاصهن ، وإن كن مستترات إلا ما دعت إليه الضرورة من الخروج إلى البراز ، وقد كن إذا خرجن جلسن للناس من وراء حجاب ، وإذا خرجن لحاجتهن حجبن وسترن )) .
قلت : تأمل قوله ( ولا يجوز لهن كشف ذلك - أي الوجه واليدين - لشهادة ولا غيره ) وقارنه بأقوال الفقهاء من المذاهب الأربعة , الذين يقررون أنه لسائر نساء المسلمين أن يكشفن لشهادة ونحوه , وهذا هي الخصوصية , وليس ما زعم القاضي رحمه الله , لأن الأية تأبى التفريق بينهن في فرض ستر الوجه , ولكن اختلف الحكم بينهن بأية الرخصة { إلا ما ظهر منها } , فتدبر .
معنى قول ابن مفلح : ( ومقتضى قول ابن عبد البر تحريمه عليها ) : ومقتضى قول ابن عبد البر تحريم النقاب على المرأة في الصلاة والإحرام !
قال ابن عبد الهادي في مقدمة مغني ذوي الأفهام (ص19-20، ط أشرف عبد المقصود) مبينًا إشاراته في الكتاب : وأشير إلى ... ما اتفق فيه الأئمة بصيغ المضارع ، وربما وقع لنا ذلك فيما اتفق فيه أبو حنيفة والشافعي في بعض مسائل لم نعلم فيها مذهب الإمام مالك، أو له فيها أو في مذهبه ثم قول غير المشهور ؛ فإن كان لا خلاف عندنا في المسألة فبالياء ، وإن كان فيها خلاف عندنا فبالتاء ، ووفاق الشافعي فقط بالهمزة، وأيضًا و ش، وأبي حنيفة فقط بالنون، وأيضًا بالحاء .
أما ما كتبه في كتاب النكاح (ص256)؛ فصورته: ويجب عليها (و) ستر (ء) وجهها إذا برزت . اهـ
يعني وفاقًا للشافعي فقط !!
ما علاقة هذا بموضوع الرد ؟!!!
أحسن الله إليك يا غيثي .
هذا عجيب !
يقول ابن مفلح : " أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَا فِي الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ " .
قلت : وهذا ظاهر بأن المراة لو كان لها أن تكشف في غير الصلاة والإحرام , لما احتاج لنقل الإجماع على مشروعية كشفه في الصلاة والإحرام , فتأمل .
وقولهم (( للمرأة )) أو (( لها ذلك )) عبارات تستخدم لبيان الجواز , خصوصا عندما يكون الأصل في الحكم الحظر .
وتأمل تتمة الكلام : " وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهَا ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً بِأَنَّهُ عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ يَجِبُ سَتْرُهُ . انتهى
قلت : ظاهر جدًا , أن الضمير في قوله (( تحريمه )) عائد على (( الكشف )) , ومن المستحيل أن يكون المقصود تحريم الكشف في الصلاة والإحرام .
فلما كان المقرر تحريم كشف وجه المرأة في خارج الصلاة , أجمعوا على أن لها كشفه في الصلاة والإحرام , فدل ذلك على حكم الأصل وأنه على التحريم .
ثم قال " وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً بِأَنَّهُ عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ يَجِبُ سَتْرُهُ " وهذا واضح أن من الفقهاء من لا يجيز كشفه حتى في الصلاة , فتأمل .
وأما اصطلاح ابن المبرد فيُنظر ويُراجع , وياتيك الجواب إن شاء الله .
هل يعني هذا أن القائلين بسفور المراة عن وجهها في الحج هم دعاة سفور ؟!
ما رأيكم في حديث الخثعمية ؟
لا , ليس هناك تشابه
فقاسم وغيره ارادوا أن تخلع المرأة حيائها بخلعها لعبائتها
وتجردها من أنوثتا وعفتها.................. ...........الخ
أما العلماء الربانيين وجمور السلف
فتكلموا عن مسألة شرعية
بدليل قرآني ضمن أطر الاجتهاد المعروف
وقالوا بكشف الوجه
ليس من منطلق أهواء في نفوسم
كقاسم امين الذي كان يتدرج في تجريد المرأة من كرامتها
ويدل على ذلك كتبه
إنما بنص شرعي
على تفسيره جمع من الصحابة
الكبار
وهم إذ يفتون بذلك
لايجوزون التبرج والتطيب
وماشاكله
ففرق بين من يدعوا المرأة للتبرج واستئصال حيائها
وهو مكتس بثياب التغريب
ومن يأمر بالتعفف وغض البصر
ويجيز كشف الوجه(لأنه دين يدين الله به)
من نص قرآني.
لا يلزم من القول بأن المرأة تكشف وجهها في الصلاة والإحرام؛ أنه ليس لها أن تكشفه في غير الصلاة والإحرام؛ لأنه يحتمل أن يكون ردًا على من أوجب ستره في الصلاة؛ فيجوز أن يكون المعنى بأن للمرأة أن تكشف وجهها في الصلاة والإحرام كما أن لها ذلك في غير الصلاة والإحرام. وهذا هو الواقع؛ لأن ابن عبد البر عبر بإجماع العلماء على أن للمرأة أن تصلي المكتوبة ويداها ووجهها مكشوف ذلك كله منها تباشر الأرض به في معرض الرد على من قال بأنه عورة في الصلاة يجب ستره ...
بل الضمير في قوله: (تحريمه) عائد على النقاب (تغطية الوجه) في الصلاة!!
لأن ابن مفلح ذكر هذه المسألة في فصل ( في كراهة تشبه الرجال بالنساء وعكسه ومن حرمه ) في لباس أو غيره؛ فهي : حكم النقاب للمرأة في الصلاة؛ يعني حكم تغطية المرأة وجهها في الصلاة، وليس حكم كشف المرأة لوجهها !
ويدل على أن الضمير عائد على تغطية الوجه قول ابن عبد البر في التمهيد (8/324): (وتؤمر بكشف الوجه والكفين في الصلاة).
كيف؛ وقد " ذكر بعضهم رواية بأنه عورة في الصلاة يجب ستره"؟!!
أسأل الله لي ولك يا أخي الهداية لما اختلف فيه من الحق .
الأخ أبو عبد الله الغيثي صحح نسختك .
فرموز المصنف ابن المبرد قد جرى عليها تعديل من نفس المصنف رحمه الله كما أشار لذلك بقوله رحمه الله : " وقد زدنا فيه رموزًا بالحروف , تدل من لا معرفة له بالنحو على المعنى الذي أردنا :
الإجماع : ع
ووفاق الثلاثة : و
وأبي حنيفة : و هـ
والشافعي : و ش
وخلاف الثلاثة : خ
والمسائل الغريبة التي عدتها أربعة آلاف مسألة : ء
وما فيه خلاف عندنا : و د . انتهى
انظر مقدمة غاية المرام شرح مغني ذوي الأفهام للشيخ العبيكان , وقد صدّر محقق الكتاب أشرف عبد المقصود هذه الرموز المزيدة في جميع صفحات متن الكتاب في أعلى الصفحة , ولكنه لم يشير لذلك في مقدمته وهذا ما سبب الخلل عندك يا أبا عبد الله .
فهذه الرموز هي المعتمدة لفهم ألفاظ الكتاب وعباراته فلتحرر ذلك .
وما يؤكد ذلك النظر الصحيح في مسائل الكتاب ومن ذلك :
كتاب النكاح :
30 - ولا يجوز ( و ) تصريح ولا تعريض بخطبة رجعية ويَحرُم ( و ) على كل أحد أن يفسد ( ء ) امرأة على زوجها .
هل هذا وفاق للشافعي فقط يا أبا عبد الله ؟؟!!
فبهذا يندفع اعتراضك السابق في قولك :
فتكون صورة المسألة ( 21 ) من كتاب النكاح ما حاصله : " ويجب عليها ( وفاقًا للأئمة الثلاثة ) ستر وجهها إذا برزت , وهي من المسائل الغريبة التي عدتها أربعة آلاف في هذا الكتاب " .
والمصنف استثنى مالكًا لا لخلافه في المسألة , ولكن لأن المصنف لو تأملت رموزه لوجدتها تخلو من (وفاق مالك أو خلافه) , لذا فصيغة المضارع تدل على اتفاق الأربعة غالبًا إلا ما استثناه بقوله (ولا نعلم لمالك فيها شيء أو له فيها أو في مذهبه قول غير مشهور) , وهو كما قال ابن المبرد , فقد نص المالكية في كتبهم وقالوا : " وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ سَتْرُ وَجْهِهَا وَيَدَيْهَا ؟ وَهُوَ الَّذِي لِابْنِ مَرْزُوقٍ قَائِلًا : إنَّهُ مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ : أَوْ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا عَلَى الرَّجُلِ غَضُّ بَصَرِهِ ؟ وَهُوَ مُقْتَضَى نَقْلِ الْمَوَّاقِ عَنْ عِيَاضٍ " .
فمشهور المذهب هو الصواب والموافق للمذاهب الثلاثة وهو المعتمد , لأن الخلاف إنما هو بناء على قول القاضي عياض الخاطئ غفر الله له , وليس لرواية أخرى في المذهب عن الإمام .
يقول ابن القطان في أحكام النظر ص 124 : " ويحتمل عندي أن يقال : أن مذهب مالك هو أن نظر الرجل إلى وجه المرأة الأجنبية , لا يجوز إلا من ضرورة ... وجواز البُدوِّ وتحريمه , مرتب عنده - أي عند مالك - على جواز النظر , أو تحريمه , فكل موضع له فيه جواز النظر , فيه إجازة البُدوِّ ". انتهى
أما بخصوص النقل عن العلامة ابن مفلح رحمه الله يا غيثي .
فالذي يظهر لي بأن الكلام غير محرر , وفيه خلط عندنا , فالكلام عن النقاب في الصلاة والإحرام غير الكلام عن تغطية الوجه فيهما فأنتبه لذلك .
والمهم أن تعرف أن المؤلف عندما يتكلم عن مسألة ما , فلا يصح الاستدلال بلازم كلامه , على فرع من فروع تلك المسألة أو غيرها .
فلا عبرة إلا بنص كلامه , لأن من طبيعة البشر , الاختلاف والاضطراب في أقوالهم , ويغني عن كل ذلك , ما قدمته لك من نص محرر لابن المبرد يحكي فيه الاتفاق بين الأئمة , على وجوب ستر وجه المرأة عند بروزها , فما الذي يدفع ذلك ؟
قال ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/244) :
وَيُكْرَهُ النِّقَابُ لِلْأَمَةِ وَعَنْهُ يَحْرُمُ ، وَعَنْهُ يُبَاحُ إنْ كَانَتْ جَمِيلَةً وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ النِّقَابُ وَالْبُرْقُعُ فِي الصَّلَاةِ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَذَكَرَ فِي الْمُغْنِي قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَكْشِفَ وَجْهَهَا فِي الصَّلَاةِ وَالْإِحْرَامِ .
وَمُقْتَضَى قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهَا ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً بِأَنَّهُ عَوْرَةٌ فِي الصَّلَاةِ يَجِبُ سَتْرُهُ . انتهى
أقول : مع مزيد تأمل لهذا الكلام عن ابن مفلح رحمه الله , يظهر بأنه يتكلم عن حكم النقاب متى يكره أو يحرم , ولذلك صدّر الكلام بحكمه في حق الأمة , وأنه بين الكراهة والتحريم , وهذا وحده كافي في بيان حكمه على الحرائر , لأن الفقهاء وأولهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه منعوا تشبه الإماء بالحرائر في حجاب الوجه , ثم واصل ابن مفلح , وتكلم عن حكم النقاب في الصلاة والإحرام , مبينًا كراهته , ثم نقل الإجماع عن ابن عبد البر على جواز كشف الوجه في الصلاة , وأما قول ابن مفلح رحمه الله في قوله ((ومقتضى قول ابن عبد البر تحريمه عليها )) , إن كان يقصد النقاب في الصلاة قياسًا على الإحرام , فله وجه , وهو بعيد , ولا دلالة فيه على وجوب كشف الوجه لا في الصلاة ولا في الإحرام , فالوجه يُستر بالنقاب وبالسدل , وغاية المنع في الإحرام مباشرة الحائل للوجه , وهذا موجب قياسه في الصلاة .
قال الأمير الصنعاني في حاشيته على ضوء النهار (3/510) ط حلاق : " لا يخفى أن المراد من كون إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه , عدم تغطيتهما بمباشرة , لا التغطية بغير مباشر , كالخيمة وتعمم المرأة ثم إرسال ساتر من فوق العمامة , بل ستر وجهها واجب ". انتهى
الرموز المزيدة تعتبر إضافة لا تعديلاً أو تبديلاً كما يفهم من هذه العبارات: ( صحح نسختك)، (فرموز المصنف ابن المبرد قد جرى عليها تعديل من نفس المصنف رحمه الله)، (فهذه الرموز هي المعتمدة لفهم ألفاظ الكتاب وعباراته فلتحرر ذلك)!!
ولم انتبه على أن مراد ابن عبد الهادي بالياء والتاء والهمزة حروف المضارعة، وليس الرمز بها مستقلة، كما أني لم انتبه على وجود رموز أخرى في ترويسة مطبوعة أشرف عبد المقصود، ولم اقرأ مقدمته استغناء بمقدمة المصنف عنها، وقد رجعت إلى المطبوعة التي بتحقيق أشرف عبد المقصود، وإلى شرح الشيخ عبد المحسن العبيكان؛ بعد تنبيه أخي القضاعي على وجود رموز زائدة؛ فوجدت أن عبد الهادي أشار إلى الاتفاق والخلاف في المسائل بالصيغة وبالحروف لمن لا معرفة له بالنحو، وذلك كما هو موضح في الجدول التالي:
[/URL]
فذكره للمسألة بصيغة المضارع بالياء، والإشارة إلى صفة الأقوال فيها بالواو؛ يعني وفاق المذاهب الثلاثة فيها... أما الإشارة بالهمزة إلى أنها من المسائل الغريبة؛ فلا أدري ما مراده بالمسائل الغريبة؟!!
(حينئذ) متى ؟ ينبغي ذكر ما يبين المسألة بيانًا تامًا !! والمسألة كما في حاشية الدسوقي: (يجوز النظر إليهما [يعني الوجه والكفين]ولا فرق بين ظاهر الكفين وباطنهما؛ بشرط أن لا يخشى بالنظر لذلك فتنة، وأن يكون النظر بغير قصد لذة، وإلا حرم النظر لهما، وهل يجب عليها حينئذ ستر وجهها ويديها -وهو الذي لابن مرزوق قائلاً: إنه مشهور المذهب- أو لا يجب عليها ذلك، وإنما على الرجل غض بصره -وهو مقتضى نقل المواق عن عياض- وفصل زروق في شرح الوغليسية بين الجميلة؛ فيجب عليها، وغيرها؛ فيستحب..؟!
فالكلام في وجوب ستر وجهها إذا علمت أن أجنبيًا ينظر إليها، وفيه خلاف مع ذلك، وأما مشهور المذهب فيحتاج إلى تحرير...
بل الكلام محرر، وهو عن حكم النقاب للمرأة في الصلاة، وليس عن حكم كشف المرأة لوجهها، والكلام عن النقاب في الصلاة ليس غير الكلام عن تغطية الوجه فيها.
ذاك ليس فيه استدلال بشيء على شيء، وإنما هو تصويب لخطأ وقع في بيان معنى كلام ابن مفلح .
أما ما وقع في مغني ذوي الأفهام فلعله – إن سلم من خطأ النسخ والطباعة- ليس على إطلاقه، وإنما إذا علمت المرأة نظر أجنبي إليها... فهذا يمكن أن يقال: إن فيه إتفاقًا... وإلا فالخلاف في أصل المسألة واقع، كما قال ابن مفلح: (وفي المسألة قولان)، وقد تقدم ذكر بعض من قال بالجواز في أصل المسألة؛ كابن جرير وابن عبد البر وعياض، ويضاف إليهم:
أبو جعفر الطحاوي (ت 321هـ) فإنه قال في " شرح المعاني " ( 2 / 392 - 393 ): (أبيح للناس أن ينظروا إلى ما ليس بمحرم عليهم من النساء إلى وجوههن وأكفهن، وحرم ذلك عليهم من أزواج النبي صلى الله عليه و سلم، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى).
وابن بطال (ت449ﻫ) فإنه قال في شرح حديث نظر الفضل بن عباس إلى المرأة الخثعمية : ( وهذا الحديث يدل على أن ستر المؤمنات وجوههن عن غير ذوي محارمهن سنة ؛ لإجماعهم أن للمرأة أن تبدي وجهها في الصلاة ، ويراه منها الغرباء ، وأن قوله : (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) النور:٣٠، على الفرض في غير الوجه، وأن غض البصر عن جميع المحرمات وكل ما يخشى منه الفتنة واجب ، وقد قال النبي عليه السلام: لا تتبع النظرة [النظرة] ، فإنما لك الأولى ، وليست لك الثانية [الآخرة] ، وهذا معنى دخول (من) في قوله: (من أبصارهم)؛ لأن النظرة الأولى لا تملك؛ فوجب التبعيض لذلك ، ولم يقل ذلك في الفروج ؛ لأنها تملك ).
والبغوي (ت 516هـ) فإنه قال في " شرح السنة " ( 9 / 23 ) : (فإن كانت أجنبية حرة؛ فجميع بدنها عورة في حق الرجل؛ لا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها؛ إلا الوجه واليدين إلى الكوعين، وعليه غض البصر عن النظر إلى وجهها ويديها أيضًا عند خوف الفتنة).
وابن القطان (ت 628هـ) فإنه قال في كتاب "النظر في أحكام النظر بحاسة البصر": (جائز للمرأة إبداء وجهها وكفيها, فإذاً النظر إلى ذلك جائز, لكن بشرط ألا يخاف الفتنة، وأن لا يقصد اللذة, أما إذا قصد اللذة، وخاف الفتنة؛ فلا نزاع في التحريم).
قولك:
قد قلت نحوه حيث قلت:
وقد استدللت باللازم، وتلمست الأقوال من التفريعات الواردة في مسائل أخرى؛ في مواضع؛ حيث قلت:
وقلت:
وقلت:
وقلت:
بوركت أبا عبد الله ، وإقرارك لما نقله ابن المبرد من الاتفاق بين الأئمة على وجوب ستر وجه المرأة إذا برزت للأجنبي ، دليل على إنصافك نحسبك والله حسيبك ، ولكنك لازلت تنازع في جواز كشف الوجه للمرأة عند انتفاء الفتنة أو الشهوة ، وهذا لا خلاف فيه ، في نزاعنا حول السفور والذي صفته أن تسفر المرأة عن وجهها دائما لحاجة ولغير حاجة ، مع وجود الفتنة أو انتفاءها ، وهذا هو الذي نقل الاتفاق على منعه الجويني وابن المبرد وغيرهما ، ولا يشكل عليه ما نقلته عن الطحاوي أو غيره لأن قول الطحاوي ( ابيح ) دليل على الرخصة حال الحاجة لا على الدوام ، وأنا يا أخي لم اتلمس من التفريعات إلا ما يشهد للأصل المتقرر نقله بالاتفاق ، وأنت الذي ذهبت تتأول النقول التي تنص صراحة على منع السفور قطعا ، والله الموفق
بقي مسألة يجب التنبيه عليها وهي حول قول الفقهاء ( إذا انتفت الفتنة ) أو قولهم ( إذا لم يخش شهوة ) فالبعض يظن أن هذا قيدا يوجب على المرأة ستر وجهها فإن عدم فجاز لها السفور ! ، وهذا فهم مقلوب لكلام الفقهاء ، لأن علة تشريع الحجاب هي درء الفتنة ومنع الشهوة ، وهذه العلة مطردة حال اجتماع النساء مع الرجال والأصل عدم زوالها ، وبنى الفقهاء مظنة زوالها على حال الحاجة والضرورة كالشهادة والخطبة والبيع والشراء ونحوها وهذه حاجات تقدر بقدرها ولا يجوز أن تجعل أصلا ، وبهذا تعرف غلط من ظن أن العلة قد تنتفي
جزاك الله خيرا.
في الحقيقة بقيت المسألة برمتها لم تحسم.
الإجماع على أنه يجب على المرأة ستر وجهها عن الرجال الأجانب مطلقاً إجماع لم يتحقق ، لوجود الخلاف ، بل حتى الإجماع على أنه يجب عليها ستره مع الفتنة إجماع لا يسلم من قدح ، فهذا البغوي - كما نقل أخونا الغيثي - يقول : (فإن كانت أجنبية حرة؛ فجميع بدنها عورة في حق الرجل؛ لا يجوز له أن ينظر إلى شيء منها؛ إلا الوجه واليدين إلى الكوعين، وعليه غض البصر عن النظر إلى وجهها ويديها أيضًا عند خوف الفتنة). فجعل عوضاً عن إلزام المرأة بستر الوجه عند الفتنة ، أقول جعل عوضاً عنه إلزام الرجل بغض البصر ، ولو كان فيه إجماع "لا يحتمل الخلاف" لعكس البغوي المسألة وجعل الواجب ستر المرأة وجهها عند الفتنة ، الأمر الذي ينبيء عن وجود خلاف. ويُفهم مثله من كلام ابن بطال حيث قال :"...وأن قوله : (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) النور:٣٠، على الفرض في غير الوجه، وأن غض البصر عن جميع المحرمات وكل ما يخشى منه الفتنة واجب"أ.هـ. فجعل الغض هو الواجب عند الفتنة لا تغطية المرأة وجهها ، ولا يمكن لمثل هذين أن يتكلموا بخلاف إجماع متحقق يأثم من يخالفه.
وهذا كما ترى لا يتمشى أيضاً مع قاعدتك التي اقترحتها وهي قولك :
فالبعض يظن أن هذا قيدا يوجب على المرأة ستر وجهها فإن عدم فجاز لها السفور ! ، وهذا فهم مقلوب لكلام الفقهاء ، لأن علة تشريع الحجاب هي درء الفتنة ومنع الشهوة ، وهذه العلة مطردة حال اجتماع النساء مع الرجال والأصل عدم زوالها
إذ لو كان هذا هو الأصل الذي يصير من خالفه صاحب "فهم مقلوب" لم يسلم البغوي وابن بطال مما قلت ، إذ أنهما قلبا ولم يقلبا من فراغ بل عن علم واجتهاد ! فجعلا الكشف جائز مطلقاً وأوجبا الغض على الرجل عند خوف الفتنة ، وكان الأحرى بهما أن يمشيا على قاعدتك فيوجبا على المرأة التغطية لا الاستمرار في الكشف مع وجود الفتنة.
ولا أدل على وجود الخلاف من اختلافنا في تحقق الإجماع - ولا أظن بي ولا بك ولا بغيرنا من العلماء الذين ناقشوا المسألة أن يختلفوا في إجماع لا يسع المرء إلا اتباعه وإلا أثم واتبع غير سبيل المؤمنين ، لا أظن ذلك. بعبارة أخرى ، لو أن هناك إجماع متيقن في مسألتنا لوجب الكف عن النقاش ولحرم النزاع ، كما لو نازع أحد في الاتفاق على حرمة مس جسد المرأة الأجنبية لغير ضرورة ، وما شابه ذلك...مسألتنا لم يستقر فيها إجماع كهذا ولا قريب منه ، ولذلك يمتد نقاشنا وأخالفك وتخالفني ، وأدلل على كلامي وتدلل على كلامك ، وتنقل وأنقل ، فهل يسوغ كل هذا في إجماع مستقر تحرم مخالفته ؟ أم يسوغ في إجماع يُحكى لا تقوم به الحجة على كل أحد ولا يعذر طالب علم بجهله فضلاً عن عالم؟
لا يصح إذا كان في المسألة تفصيل أن يطلق الحكم؛
فحكم كشف المرأة وجهها إذا كانت بحيث يراها أجنبي؛ عند الفقهاء؛ فيه تفصيل:
فإن كان لحاجة؛ فمنعه محل خلاف،
وإن كان لغير حاجة؛ فمنعه محل اتفاق،
وإن كان مع وجود الفتنة أو الشهوة؛ فمنعه محل اتفاق،
وإن كان عند انتفاء الفتنة أو الشهوة؛ فمنعه محل خلاف،
فلا يصح أن يحمل ما نقل من الاتفاق على الإطلاق؛ بأن يقال: السفور والذي صفته أن تسفر المرأة عن وجهها دائما لحاجة ولغير حاجة ، مع وجود الفتنة أو انتفاءها؛ نقل الاتفاق على منعه الجويني وابن المبرد وغيرهما.
في هذا الكلام أخطاء لغوية؛ منها قول: (أن هذا قيدا) ، والصواب: قيد .
ومنها قول: (يوجب على المرأة ستر وجهها)، والصواب: يجيز للمرأة كشف وجهها.
ومنها قول: (فإن عدم فجاز لها السفور!)، والصواب: فإن عدم؛ وجب عليها ستر وجهها.
فالكلام مقلوب!!
ومنها قول: (وبنى الفقهاء مظنة زوالها)، فهو تعبير غير مناسب أدى إلى غموض المعنى.
وفيه أخطاء علمية؛ وهي: الخلط بين مقصد التشريع الحقيقي ومقصد الفقهاء، وافتراض أنهما متطابقان!!
والتسليم بما نسب إلى الفقهاء من أن: الشهادة والخطبة والبيع والشراء ونحوها؛ مظنة زوال علة تشريع الحجاب، وهي درء الفتنة ومنع الشهوة . وعدم مناقشة ذلك .
والتناقض بين قول: (وبنى الفقهاء مظنة زوالها على حال الحاجة والضرورة كالشهادة والخطبة والبيع والشراء ونحوها وهذه حاجات تقدر بقدرها ولا يجوز أن تجعل أصلا) ، وقول: (وبهذا تعرف غلط من ظن أن العلة قد تنتفي)؛ فقد سلم قائل هذين القولين بأنها قد تنتفي!!
هذا النقاش الجميل في تحقيق الإجماع (أو عدمه) على وجوب ستر المرأة لوجهها يعني أن جمهور العلماء - على أقل تقدير - يوجبون على المرأة ستر الوجه، وهذا أبلغ رد على دعاة السفور من المنتسبين إلى العلم في هذا العصر ومن يقول أنها عادة بدوية لا تمت للإسلام بصلة - كبرت كلمة - !