رد الإمام الألباني على دعوى طنطاوي بأن تغطية وجه المرأة عادة لا عبادة


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد :

مع مخالفة طنطاوي لإجماع أهل الإسلام على مشروعية تغطية الوجه للمرأة المسلمة أمام الرجال الأجانب وانحصار الخلاف فيما بينهم في كونه واجبا أو مستحبا فهو أيضا مخالف للأدلة الصريحة الصحيحة في الموضوع ذكر كثيرا منها الإمام المحدث العلامة الثقة محمد ناصر الدين الألباني - عليه سحائب الرحمة- في كتابه "جلباب المرأة المسلمة" تحت باب خصصه لذلك هو " مشروعية ستر الوجه " ص 104.
فإليك كلامه بحروفه - سوى التخريج فقد اختصرته من كلامه-
قال شيخنا الألباني :

" مشروعية ستر الوجه :

هذا ثم إن كثيرا من المشايخ اليوم يذهبون إلى أن وجه المرأة عورة لا يجوز لها كشفه بل يحرم وفيما تقدم في هذا البحث كفاية في الرد عليهم ويقابل هؤلاء طائفة أخرى يرون أن ستره بدعة و تنطع في الدين كما قد بلغنا عن بعض من يتمسك بما ثبت في السنة في بعض البلاد اللبنانية فإلى هؤلاء الإخوان وغيرهم نسوق الكلمة التالية :

ليعلم أن ستر الوجه والكفين له أصل في السنة وقد كان ذلك معهودا في زمنه صلى الله عليه و سلم كما يشير إليه صلى الله عليه و سلم بقوله :
( لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين )[رواه البخاري]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( تفسير سورة النور ) ( ص 56 ) :
( وهذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن ).

والنصوص متضافرة عن أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يحتجبن حتى في وجوههن وإليك بعض الأحاديث والآثار التي تؤيد ما نقول :

1 - عن عائشة قالت :
( خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها فرآها عمر بن الخطاب فقال : يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين قالت : فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وإنه ليتعشى وفي يده عرق ( هو العظم إذا أخذ منه معظم اللحم ) فدخلت عليه فقالت : يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي فقال لي عمر: كذا وكذا قالت : فأوحى الله إليه ثم رفع عنه وإن العرق في يده ما وضعه فقال : إنه أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن ) [أخرجه البخاري ومسلم ].

2 - وعنها أيضا في حديث قصة الإفك قالت :
( . . . فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت وكان صفوان
ابن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت ( وفي رواية : فسترت ) وجهي عنه بجلبابي . . . ) الحديث [ أخرجه البخاري ومسلم ].

3 - عن أنس في قصة غزوة خيبر واصطفائه صلى الله عليه و سلم صفية لنفسه قال :
( فخرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من خيبر ولم يعرس بها فلما قرب البعير لرسول الله ليخرج وضع رسول الله صلى الله عليه و سلم رجله لصفية لتضع قدمها على فخذه فأبت ووضعت ركبتها على فخذه وسترها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملها وراءه وجعل رداءه على ظهرها ووجهها ثم شده من تحت رجلها وتحمل بها وجعلها بمنزلة نسائه ) [ أخرجه ابن سعد وقد أخرجه الشيخان نحوه ].

4 - عن عائشة قالت :
( كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم محرمات فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه ) [ أخرجه أحمد وأبو داود وسنده حسن في الشواهد ].

5 - عن أسماء بنت أبي بكر قالت :
( كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام ) [أخرجه الحاكم وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وإنما هو على شرط مسلم وحده ].

6 - عن صفية بنت شيبة قالت :
( رأيت عائشة طافت بالبيت وهي منتقبة )[رواه ابن سعد وكذا عبد الرزاق في المصنف عن ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن صفية. وهذا إسناد رجاله ثقات غير أن ابن جريج مدلس وقد عنعنه ].

7 - عن عبد الله بن عمر قال :
( لما اجتلى النبي صلى الله عليه و سلم صفية رأى عائشة منتقبة وسط الناس فعرفها )[ أخرجه ابن سعد بسند منقطع لكن له شاهد عن عطاء مرسلا نحوه ].
8 - عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف :
( أن عمر بن الخطاب أذن لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الحج في آخر حجة حجها وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف قال : كان عثمان ينادي : ألا لا يدنو إليهن أحد ولا ينظر إليهن أحد وهن في الهوادج على الإبل فإذا نزلن أنزلهن بصدر الشعب وكان عثمان وعبد الرحمن بذنب الشعب فلم يصعد إليهن أحد )[أخرجه ابن سعد بإسناد حسن ].
ففي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على أن حجاب الوجه قد كان معروفا في عهده صلى الله عليه و سلم وأن نساءه كن يفعلن ذلك وقد استن بهن فضليات النساء بعدهن وإليك مثالين على ذلك :

1 - عن عاصم الأحول قال :
( كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذا : وتنقبت به فنقول لها : رحمك الله قال الله تعالى : ( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة ) هو الجلباب قال : فتقول لنا : أي شيء بعد ذلك ؟ فنقول : ( وأن يستعففن خير لهن ) فتقول : هو إثبات الحجاب ) [ أخرجه البيهقي بإسناد صحيح ].
2 - عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن موسى القاضي قال :
حضرت مجلس موسى بن إسحاق القاضي بالري سنة ست وثمانين ومائتين وتقدمت امرأة فادعى وليها على زوجها خمسمائة دينار مهرا فأنكر فقال القاضي : شهودك . قال :
قد أحضرتهم . فاستدعى بعض الشهود أن ينظر إلى المرأة ليشير إليها في شهادته فقام الشاهد وقال للمرأة :
قومي . فقال الزوج :
تفعلون ماذا ؟ قال الوكيل :
ينظرون إلى امرأتك وهي مسفرة لتصح عندهم معرفتها . فقال الزوج :
وإني أشهد القاضي أن لها علي هذا المهر الذي تدعيه ولا تسفر عن وجهها . فردت المرأة وأخبرت بما كان من زوجها - فقالت :
فإني أشهد القاضي : أن قد وهبت له هذا المهر وأبرأته منه في الدنيا والآخرة
فقال القاضي :
يكتب هذا في مكارم الأخلاق
فيستفاد مما ذكرنا أن ستر المرأة لوجهها ببرقع أو نحوه مما هو معروف اليوم عند النساء المحصنات أمر مشروع محمود وإن كان لا يجب ذلك عليها بل من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج " [ أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" ].
انتهى كلام الألباني رحمه الله .

كتبه أبو معاوية غالب الساقي المشرف على موقع روضة السلفيين www.salafien.com