عجيب أمرك والله يا عباسي ،تتعب نفسك فيما لا جدوى فيه،إذا كان أئمة السنة والتاريخ والتراجم قد قررروا أن كثيرا من الصحابة والتابعين كانوا يفضلون عليا على غيره ،فما حاجتنا إلى تسويداتك التي لا تسمن ولا تغني من جوع،وهل أحكامك عندي أدق من تحقيقات ابن عبد البروابن حزم أو ابن حجر أو الذهبي،فأنت تتعب نفسك فيما لا طائل تحته.
وعودة بالنقاش إلى أصله،وتحرير محل النزاع من جديد،وبعيدا عن كل هذه المهاترات،أقول وبالله التوفيق:
بدأ النقاش حول تخصيص الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء بالسلام،فذكر كثير من المتدخلين أن ذلك بدعة،فاستشهدت بفعل جمهور السلف،وكتبهم شاهدة،فطال البعض بالدليل،فأقول:
الدليل هو عدم الدليل،فمعي البراءة الأصلية واستصحاب الأصل،والماتع هو من يحتاج إلى دليل.
قالوا هذا من شعار الرافضة،فبينت بالنقل الموثق عن أئمة السنة من أهل القرون الأولى(وليس الجويني أو النووي)أنهم لا يعدون ذلك من شعار الرافضة،وإلا لما هم أقدموا على ذلك،وإلى الآن لم أتلق أي جواب سوى جواب ابن كثير وهو جواب لوازمه خطيرة.
ولا زلت أطرح السؤال:إذا كان هذا التخصيص بدعة فهل خفي ذلك على البخاري والنسائي وأخمد بن حنبل؟
ومن من المتقدمين أنكر هذا التخصيص.؟
ثم تفرع النقاش لتبديع من فضل عليا على سائر الصحابة،بخجة أن الإجماع قد قام على تفضيل الشيخين،فبينت بالنقول الموثقة عن كبار مؤرخي الإسلام ورود هذا القول عن جمع من الصحابة والتابعين،فهل هؤلاء كانوا على بدعة.؟
ثم إني أزيد نقولا أخرى تبين تفضيل بعض السلف حتى لغير علي على أبي بكر وعمر،لكن قبل ذلك،لا بد أن يكون المناقش عالما بمعنى الإجماع وما ينقضه،فإذا أثبت وجود الخلاف في عهد الصحابة فلا يتعب العباسي ولا غيره نفسه في نقل الإجماع عن فلان وعلان،لأن الخلاف إذا استقر في العصر الأول لا يرفع إلى يوم القيامة،ولو ادعى الإجماع ألف مدعي،خاصة أنهم يقصدون إستقرا ر الإجماع بعد ثبوت الخلاف ،وهذا ليس بشيء ولا بإجماع معتبر،فإن الأقوال لا تموت بموت أصحابها،وتبقى ناقضة لتلك الإجماعات المدعاة إلى يوم الدين.
إذن من أراد أن ينقل هذا الإجماع فليناقش في ثبوت النقل عن الصحابة من عدمه،كما فعل العباسي -للإنصاف- في بعض النقول،لكنه لم ولن يتمكن من نقضها جميعا،فيبقى الخلاف مستقرا إلى يوم القيامة.
وهذه نقول أخرى في تفضيل غير أبي بكر وعمر على سائر الصحب،ولا زال في الجراب بقية:
قال العلامة ابن عبد البر:"وقد ذهب قوم من جلة العلماء إلى القطع أن من مات في حياة النبي صلى الله عليه و آله و سلم من الشهداء، مثل:حمزة، و جعفر، و مصعب بن عمير، و سعد بن معاذ و من جرى مجراهم ممن موتهم قبله، و صلى عليهم،و شهد لهم بالجنة ،أفضل ممن بقي بعده من أصحابه الذين قال فيهم:"ألا لا أدري ما تحدثون بعدي"، و خاف عليهم من الفتنة و الميل إلى الدنيا، ما قد قد وقع فيه بعضهم."إهـ"الاست كار"(14/237).
و ذكر مثله الحافظ ابن حجر في الفتح(7/17)و ابن رشد في الجامع من "المقدمات"(ص:176) و القاضي عياض في شرح صحيح مسلم(7/382).
ذكر عبد الرزاق عن معمر بن راشد:"لو أن رجلا قال عمر أفضل من أبي بكر ما عنفته"،قال عبد الرزاق:"فذكرت ذلك لوكيع فأعجبه و اشتهاه"إهـ"الاست يعاب"(3/329).
عن أبي هريرة قال:"ما احتذى النعال، و لا انتعل، و لا ركب المطايا، و لا ركب الكوَر من رجل بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم أفضل من جعفر."إهـ
أخرجه أحمد في المسند(2/413) و النسائي في الكبرى(8157) و الترمذي(3764) و قال:حسن صحيح. و الحاكم في المستدرك(3/41-209) و صححه و وافقه الذهبي.
قال الحافظ في الإصابة(2/58):في ترجمة جعفر بن أبي طالب"كان أبو هريرة يقول:إنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم."إهـ.
قال ابن حزم في"الفصل"(4/182):"روينا عن مسروق بن الأجدع و تميم بن حذلم،و إبراهيم النخعي، و غيرهم،أن أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم عبد الله بن مسعود،قال تميم- و هو من كبار التابعين- رأيت أبا بكر و عمر فما رأيت مثل عبد الله بن مسعود"إهـ.
أخرج الطبراني في الأوسط(2721) عن عمرو بن دينار قال:قالت عائشة:"ما رأيت أفضل من فاطمة غير أبيها".
قال الحافظ في الاصابة(4/378) بعدما عزاه للطبراني في الأوسط:سنده صحيح على شرط الشيخين إلى عمرو".إهـ
و منهم من فضل أمهات المؤمنين رضي الله عنهن كابن حزم في رسالته"المفاضلة بين الصحابة".
في سير أعلام النبلاء(5/127):"أيوب بن سويد،حدثنا يونس،عن الزهري قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى سالم ليكتب له بسيرة عمر في الصدقات،فكتب إليه بذلك، و كتب إليه:إنك إن عملت بمثل عمل عمر في زمانه و رجاله في مثل زمانك و رجالك،كنت عند الله خيرا من عمر."إهـ.
و في سنة الخلال(452):"جاء رجل أبا ذر و هو في مسجد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم فقال: يا أبا ذر ألا تخبرني بأحب الناس إليك؟ فإني أعرف أن أحبهم إليك أحبهم إلى رسول الله.قال:إي و رب الكعبة،إن أحبهم إلي أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، و هو ذاك الشيخ و أشار بيده إلى علي و هو يصلي أمامه".
و قال أبو بكر الباقلاني في مناقب الأئمة الأربعة(ص:294) :" القول بتفضيل علي رضوان الله عليه مشهور عند كثير من الصحابة".إهـ.
و قال:"فأما القول بتفضيل عمر أو عثمان أو العباس أو عبد الرحمن بن عوف على سائر الصحابة،فأقوال حادثة غير معروفة في الصحابة."إهـ.