بقلم الشيخ محمد الامام اليمني

بسم الله الرحمن الرحيم

الاعتصـــــــــ ـــام

النوع الأول: الاعتصام بالله:

قال تعالى: {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم} (آل عمران)،
وقال تعالى: {واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير} (الحج).
قال الإمام ابن القيم في مدارج السالكين ( 1/462): (وأما الاعتصام به فهو التوكل عليه والامتناع به والاحتماء به وسؤاله أن يحمي العبد ويمنعه ويعصمه ويدفع عنه... فيدفع عن عبده المؤمن إذا اعتصم به كل سبب يفضي به إلى العطب ويحميه منه فيدفع عنه الشبهات والشهوات وكيد عدوه الظاهر والباطن وشر نفسه ويدفع عنه موجب أسباب الشر بعد انعقادهابحسب قوة الاعتصام به وتمكنه... فيدفع عنه قدره بقدره وإرادته بإرادته ويعيذه به منه). قلت: وهذا كلام في غاية الأهمية نفعنا الله به.

النوع الثاني: الاعتصام بحبله

قال تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} والاعتصام بحبل الله معناه: التمسك بما يعصمك ويمنعك من المحذور والمخوف , فالاعتصام بحبل الله يوجب الهداية واتباع الدليل الشرعي ويمنع من الضلال والشقاء , قال تعالى: {فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى} (طه)
فقوله تعالى: {فلا يضل} لفظ يشمل النجاة من أي نوع من أنواع الضلال , وقوله تعالى: {ولا يشقى} أيضا لفظ يشمل عدم الشقاء في الدنيا ولا في الآخرة.
قال ابن عباس: (ضمن الله لمن تبع القرآن أن لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ثم تلا الآية) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وسنده حسن.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وعامة هذه الضلالات إنما تطرق من لم يعتصم بالكتاب والسنة, كما كان الزهري يقول: كان علماؤنا يقولون الاعتصام بالسنة هو النجاة). وقال مالك: (السنة كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى)
وقال رحمه الله: (والدنيا كلها ملعونة ملعون ما فيها إلا ما أشرقت عليه شمس الرسالة وأسس بنيانه عليها ولا بقاء لأهل الأرض إلا ما دامت آثار الرسل موجودة فيهم فإذا درست آثار الرسل من الأرض وانمحت بالكلية خرب الله العالم العلوي والسفلي وأقام القيامة)


النوع الثالث: حقيقة الاعتصام بشرع الله:


الاعتصام بحبل الله يتحقق بثلاثة أشياء لا بد منها:

الأولى: قبول القرآن كله سوره وآياته وحروفه وقبول كلما صح عن رسولنا صلى الله عليه وسلم إذ أن كثيرا من الفرق الضالة تقبل بعضا من صحيح سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وترفض البعض الآخر بدعوى عدم التواتر وغير ذلك، ناهيك عمن لا يرى الاحتجاج بالسنة بالكلية كالفرقة القرآنية الضالة, فمتى قبل المسلم القرآن كله وما صح من السنة كلها فقد تحقق لديه الإيمان بحفظ الله لكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} (الحجرات)، والذكر يشمل القرآن الكريم والسنة المطهرة فألفاظهما محفوظة بحفظ الله من أنواع التحريف والتبديل والزيادة والنقص.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن الناس عليهم أن يجعلوا كلام الله ورسوله هو الأصل المتبع والإمام المقتدى به سواء علموا معناه أو لم يعلموه فيؤمنون بلفظ النصوص ولو لم يعرفوا حقيقة معناها وأما ما سوى كلام الله فلا يجوز أن يجعل أصلا بحال)
الثانية: ارتباط فهم الخلف للقرآن وارتباط فهمهم للسنة النبوية بفهم السلف الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان لأن الصحابة قد شاهدوا الوحي وعلموا مقاصد التشريع وتربوا على ذلك.
الثالثة: عمل الخلف بمقتضى ما عمل به السلف لأن الله أمرنا باتباع الصحابة قال تعالى: {ومن يشاق الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} (النساء)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند هذه الآية: (وقد شهد الله لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان بالإيمان فعلم قطعا أنهم المراد بالآية الكريمة)
والأدلة على وجوب اتباع الصحابة كثيرة اتباعا للقرآن والسنة وبالوجوب قال مالك وأحمد والشافعي وأبو حنيفة وعامة علماء الحديث قديما وحديثا , وهذه المرتبة أخص من المرتبة الثانية وعامة ضلال أهل البدع والتحزب بسبب تركهم لهذه المرتبة ولو اجتهدوا في الالتزام بالمرتبتين السابقتين دون عمل بالمرتبة الثالثة لما سلموا من الانحرافات وبقدر ما تركوا من المرتبة الثالثة يكون ضلالهم وزيغهم وبهذه الثلاث المراتب يحصل الائتلاف التام بين المعتصمين بحبل الله.
قال العلامة الشاطبي في قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}: (فبين أن التأليف إنما يحصل عند الائتلاف على التعلق بمعنى واحد وأما إذا تعلق كل شيعة بحبل غير ما تعلقت به الأخرى فلا بد من التفرق وهو معنى قوله تعالى: {وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)ا.هـ
وقال الإمام البربهاري في شرح السنة ص (59): (والأساس الذي تبنى عليه الجماعة هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وهم أهل السنة والجماعة فمن لم يأخذ عنهم فقد ضل).
وبالقيام بالمراتب الثلاث والتسليم يتحقق للمؤمن أنه قد آمن إيمانا تاما بكمال الشريعة المحمدية من جميع الوجوه التي قال الله فيها: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} (المائدة)، قال الإمام ابن القيم: (فقد أكمل الله لنا الدين فيما أمرنا به من فريضة وفضيلة وندب وكل سبب ينال به صلاح القلب والدين وفيما نهانا عنه من كل مكروه ومحرم وكل سبب يؤثر فسادا في القلب والدين)ا.هـ
وقال أيضا: تأمل كيف وصف الدين الذي اختاره لهم بالكمال... إيذانا في الدين بأنه لا نقص ولا عيب ولا خلل ولا شيء خارجا عن الحكمة بوجه)