تحتضن مدينة تعز مجالس الحديث المباركة التي يعقدها شيخنا المحدث الدكتور عقيل بن محمد المقطري مع جملة من المباركين من طلبة العلم في مسجد الصحابة العامر بالسنة في مدينة تعز، وشيخنا الشيخ الدكتور عقيل المقطري له أسانيده المتصلة بكتب الحديث عن جماعة من كبارالمسندين ومشاهير المحدثين المعاصرين، ثم هو أيضاً من المحدثين المعتنين بهذا الفن تأصيلاً وتقعيداً بل قد عالجه من زمان بعيدٍ ممارسةً وتطبيقاً.
هذه المجالس استُفتحت بصحيح أبي عبد الله البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله، ثم بصحيح أبي الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري ثم بسنن أبي داود سليمان بن الأشعث، ثم الآن هم في جامع أبي عيسى محمد بن سورة الترمذي.
تذكرنا هذه المجالس المباركة وأمثالها بعراقة العلم في اليمن، وقِدم الاهتمام بالسنة والحديث في هذا البلد بلد الإيمان والفقه والحكمة، فاليمن منذو عصر النبوة وهي أحد بلدان العلم التي يرحل إليها من كل حدب وصوب لأخذ العلم وتلقي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن علمائها وأعيان محدثيها وفقهائها أمثال طاوس بن كيسان اليماني وإبنه عبد الله، والحكم بن أبان ، وإبراهيم بن الحكم، ويحيى بن عمر العدني، وغيرهم من علمائهم ومحدثيهم...
بل شاع وذاع صيت بعض اليمانيين من أهل الحديث، وبرز جملةٌ من أعيانهم ممن اعتنوا بالحديث وصنفوا فيه كأبي عقبة همام بن منبه بن كامل بن شيخ وهو من كبار التابعين ممن صحب أبا هريرة وأخذ عنه جملة من الأحاديث وقد توفي سنة(131)هـ، وله الصحيفة المشهورة وهي من أقدم التأليف في الحديث النبوي، وبرز أيضا أبوعروة معمر بن راشد الأزدي الصنعاني ، وقد تفقه في صنعاء وسمع من همام بن منبه اليمني حتى رحل إليه كبار الحفاظ وأعيان الأئمة، فقد أرتحل إليه الثوري وابن عيينه وابن المبارك وغندر وأخذ عنه محدث اليمن الشهير عبد الرزاق بن همام الصنعاني –رحم الله الجميع.، وهو صاحب الجامع الذي هو من أقدم الكتب المصنفة في تاريخ الإسلام في السنة. بل هو أقدم من الموطأ.
واشتهر بالحديث من أهل اليمن أبو هاشم عبد الملك بن عبد الرحمن الذماري أخذ عن الثوري وغيره وكان من أئمة علماء الحديث.، وله كتاب اسمه "المسند"، وكذلك عُرف أبو قرة موسى بن طارق الزبيدي اللحجي محدثاً ويقال له أيضا الرعرعي نسبة إلى الرعارع في لحج بل كان من العلماء المبرزين المجتهدين المحدثين العارفين بالسنن والآثار وقد قال عنه الجندي" وهو يروي عن مالك وأبي حنيفة والسفيانيين ومعمر وابن جريج ولم يكن أهل اليمن يعولون في معرفة الآثار إلا عليه .." وله جامع في السنن ذكره الجندي وكذلك الحافظ في تهذيب التهذيب، وله كذلك كتاب في الفقه.
ومن لا يعرف أبا بابكر عبد الرزاق بن نافع بن همام الصنعاني اليماني، محدثٌ فحل أخذ عن معمر وابن جريج والثوري وغيرهم وقد رحل إليه جماعة من الأعيان الكبار حتى قال عنه ابن سمرة" فقيه صنعاء المرحول إليه من أجل علمه" وله المصنف المطبوع الموجود الموسوعة الضخمة الذي اشتمل على واحد وعشرين ألفا واثنين وثلاثين حديثا مرتبة على أبواب الفقه، ابتدأه بالطهارة وختمه بكتاب الجامع لشيخه معمر بن راشد بروايته احتوى على أبواب الأداب والأخلاق السامية. وقد طبع في أحد عشر مجلدا بتحققيق العلامة الأعظمي.
وأما أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدبري نسبة إلى قرية دبرفهو من أهل اليمن، وهو الذي كان يحدوا الحادي بإسمه في أطراف العراق -كما ذكر بعضهم-ويقول:
لابد من صنعاء وإن طال السفر ....لطيبها والشيخ في هجرة دبر
وهو الذي قال عنه الذهبي" الشيخ العالم المسند الصدوق ..."
ومن أهل اليمن من أهل عدن القاضي الحافظ أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عمر العدني قاضي عدن المكي كان من أجلة الحفاظ وأكابر العلماء وقد سمع منه الحافظان مسلم بن الحجاج وأبو عيسى الترمذي .
في الحقيقة هذه أمثالة مختصرة لطائفة من محدثي أهل اليمن عُرفوا وبرزوا في الحديث وحفظ السنة في القرون الأولى الثلاثة الخيرة، أما بعد القرون الثلاثة فكثيرٌ هم من برزوا وعرفوا واشتهروا... فقد كثرت مجالس السماع في كثير من البلدان في اليمن، ومن هذه البلدان على سبيل المثال مدينة تعز-التي أحيا فيها الآن شيخنا هذه المجالس المباركة - فقد اشتهرت مدينة تعز بعقد مجالس الحديث ودروسه منذ زمان بعيد، بل كان الملوك فيها يشجعون علوم الحديث ويكرمون حملته، وقد رحل إلي تعز ونزل بها المحب الطبري المحدث الكبير أحمد بن عبد الله الطبري وقد وضع الطبري للمظفر وهو أحد ملوك تعز عدة كتب في علم الحديث:" الدر المنثور للملك المنصور"وألف للملك الظفر كتاب" المحرر للملك المظفر"جمع فيه أحكام الحديث من صحيحي البخاري ومسلم.
وممن اشتهر بالحديث في مدينة تعز ودرس الحديث بمساجدها الفقيه العلامة عبد الرحمن بن محمد الصهباني الذي كان مواظباً على قراءة الحديث... كما ذكر ذلك الأهدل في تحفة الزمن، وغيره من أهل العلم.
فاليمانيون منذو القديم وهم يحتفون كثيراً بمجالس الحديث وقراءته وسماعه، وأرى أن هذه السنة المباركة التي أحياها شيخنا الدكتور عقيل المقطري ما هي إلا حلقة وصل لسلسةٍ مباركةٍ صار فيها المعاصرون على طريقة الأقدمين، وأحيا فيها الأبناء سيرة الأجداد العطرة بالعلم والذكر، فهي سنةٌ مباركةٌ إحياءٌ لسنة يمانية قديمة مباركة، أسأل الله أن يبارك في هذه المجالس ويرزق أهلها والحريصين على حضورها العلم النافع والعمل الصالح...