تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: سقوط مالقة بيد النصارى

  1. #1

    افتراضي سقوط مالقة بيد النصارى

    بسم الله الرحمان الرحيم. و الصلاة و السلام على محمد و على آله و صحبه أجمعين.





    مالقة: من المدن الأندلسية القديمة, دخلها الإسلام في الأيام الأولى لدخول طارق بن زياد للأندلس؛ و ظلت لمدة 8 قرون بيد المسلمين حيث كانت من أواخر المدن الأندلسية التي سقطت بيد النصارى.


    لقد كان دخول النصارى إليها مختلفا عن دخولهم لغرناطة رغم أنهم تعهّدوا بتأمين أهلها على أموالهم و أنفسهم كما فعلوا في هذه الأخيرة. فإذا كان النصارى قد احترموا بنود اتفاقية غرناطة على الأقل خلال السنوات الأولى, فإن بنود اتفاقية تسليم مالقة لم يكد يجف حبرها على الورق حتى سٌفكت الدماء و انتهكت الأعراض و استرقّ الأحرار و بُعث ببعضهم هدايا للبابا. و إذا كان أهل غرناطة لم يحملوا السلاح في وجه الغزاة عند دخولهم لغرناطة, فإن فرسان مالقة من البربر الغماريين و المالقيين, على رأسهم حامد الثغري و علي دربال, آثروا الموت على رؤية الغازي النصراني سيدا لمالقة. و كان لهم –رحمهم الله- ما أرادوا حيث تمركزوا في جبل الفارو Gibralfaro و قاتلوا حتى نفذت قواهم, فتم قتل و اعتقال الغماريين و سجنهم في زنازين تحت الأرض.



    يصف الأستاذ محمد عبد الله عنان رحمه الله اللحظات التي سبقت و التي تلت سقوط مالقة:



    (كان ملك قشتالة يحرص على المضي في تحقيق خططه لسحق البقية الباقية من دولة الإسلام في الأندلس قبل أن يعود إليها اتحاد الكلمة, فيبعث إليها روحا جديدة من العزم و المقاومة. و كان من الطبيعي أن يؤثر البدء بغزو القواعد الشرقية و الجنوبية التي يسيطر عليها مولاي الزغل, لأن الزغل لم يكن يدين بطاعته, و كان يبدي في مقاومته عزما لا يلين و لايخبو, و لأنه من جهة أخرى كان يرتبط بأمير غرناطة بصلح يمتد إلى عامين, و قد أراد أن يسبغ على عهوده مسحة غادرة من الوفاء, و أخيرا لأنه كان يريد أن يعزل غرناطة و أن يطوقها من كل صوب, قبل أن يسدد إليها الضربة الأخيرة.


    و قد رأينا كيف سقطت قاعدة بلش حصن مالقة من الشرق في يد النصارى, بعد دفاع عنيف, في جمادى الأولى سنة 892ه (مايو 1487م). و على أثر سقوطها غادرها معظم أهلها, و تفرقوا في أنحاء الأندلس الأخرى الباقية بيد المسلمين, و جاز كثير منهم إلى عدوة المغرب, و استولى النصارى على جميع الحصون و القرى المجاورة, و منها حصن قمارش و حصن مونتميور, و استطاعوا بذلك أن يشرفوا على مالقة من كل صوب. و كانت مالقا ما تزال أمنع ثغور الأندلس, و قد أضحت بعد سقوط جبل طارق عقد صلتها الأخيرة بعدوة المغرب, و كان فرديناند يحرص على أن يقطع كل وسيلة ناجعة لقدوم الإمداد من إفريقية وقت الصراع الأخير. و كان الاستيلاء على مالقة يحقق هذه الغاية. و من ثم فإنه ما كاد النصارى يظفرون بالاستيلاء على بلش و الحصون المجاورة, حتى زحفوا على مالقة و طوقوها من البر و البحر بقوات كثيفة, و ذلك في جمادى الثانية سنة 892ه (يونيو 1487م) و امتنع المسلمون داخل مدينتهم, و كانت تموج بالمدافعين و على رأسهم نخبة مختارة من أكابر الفرسان, و معهم بعد الأنفاط و العدد الثقيلة. و كانت مالقة تدين بالطاعة للأمير محمد بن سعد الزغل صاحب وادي آش, و لكنه لم يستطع أن يسير إلى إنجادها بقواته خوفا من غدر ابن أخيه أمير غرناطة, فترك مالقة إلى مصيرها و هو يذوب تحسرا و أسى. و لكنه فكّر في وسيلة أخيرة لعلها تجدي في إنقاذ الأندلس من خطر الفناء الداهم, هي أن يستغيث بملوك الإسلام لآخر مرّة, فأرسل رسلا إلى أمراء أفريقية و إلى سلطان مصر الأشرف قايتباي. و لم يكن من المنتظر إزاء بعد المسافة أن تصبر مالقة على ضغط النصارى حتى يأتيها المدد المنشود. و كان يتولى الدفاع عن الثغر المحصور جند غمارة و زعيمهم حامد الثغري. و أبدى المسلمون في الدفاع عن ثغرهم أروع ضروب البسالة و الجلد, و حاولوا غير مرّة تحطيم الحصار المضروب عليهم, و فتكوا بالنصارى في بضع مواقع محلية, و مع ذلك فقد ثابر النصارى على ضغطهم و تشديد نطاقهم, حتى قطعت كل علاقة للمدينة المحصورة مع الخارج, ومنعت عنها سائر الإمداد و الأقوات؛ و عانى المسلمون داخل مدينتهم أهوال الحصار المروع, و استنفدوا كل ما وصلت إليه أيديهم من الأقوات, و أكلوا الجلود و أوراق الشجر, و فتك بهم الجوع و الإعياء و المرض, و مات كثيرون من أنجاد فرسانهم, و لم يجدوا في النهاية لهم ملاذا سوى التسليم على أن يؤمنوا في أنفسهم و أموالهم. و هكذا سقطت مالقة بعد دفاع مجيد استطال ثلاثة أشهر في أيدي النصارى, و ذلك في أواخر شعبان 892ه (18 أغسطس 1487م) و لم يحافظ فرديناند على ما بذله لأهلها من عهود لتأمين النفس و المال, و أصدر قرارا ملكيا باعتبار أهلها المسلمين رقيقا يجب عليهم افتداء أنفسهم و متاعهم, و يفرض على كل مسلم أو مسلمة مهما كان السن و الظروف, الأحرار منهم و العبيد الذي في خدمتهم, فدية للنفس و المتاع, قدرها ثلاثون دويلا من الذهب الوازن اثنين و عشرين قيراطا, أو ما يوازي هذا القدر من الذهب و الفضة و اللآلئ و الحلي و الحرير؛ و أنه يسمح لمن أدوا هذه الفدية, إذا شاءوا, بالعبور إلى المغرب و تقدم السفن لنقلهم, و أنه لا يسمح للمسلمين ذكورا أو إناثا بالعيش أو الإقامة في مملكة غرناطة, و لكن يسمح لهم أن يعيشوا أحرارا آمنين في أي ناحية من نواحي قشتالة, و أنه لا يتمتع بهذه المنح بنو الثغري و زوجاتهم و أولادهم, و بعض أفراد أشار إليهم القرار (1). و دخل النصارى المدينة دخول الفاتحين, و عاثوا فيها و سبوا النساء و الأطفال, و نهبوا الأموال و المتاع, و فرّ من استطاع من المسلمين إلى غرناطة أو وادي آش أو جاز إلى العدوة. و كان هذا التصرف نموذجا لما يضمره ملك النصارى نحو معاملة المسلمين المغلوبين, و لما تنطوي عليه سياسته من نكث للوعود و العهود. و تقول الرواية الإسلامية المعاصرة في وصف محنة أهل مالقة: (و كان مصابهم مصابا عظيما تحزن له القلوب و تذهل له النفوس, و تبكي لمصابهم العيون.). (2)



    سنة 1987م, و بمناسبة مرور 500 سنة على احتلال مالقة, قام رئيس البلدية بيدرو ابريسو Pedro Aparicio بإعلان يوم 18 غشت عيدا للمدينة. نعم هو عيد لأبناء المحتلين, أما بالنسبة للشعب الأندلسي فهو يوم يحمل ذكرى بطعم العلقم, يوم شهد إخراجهم من النور إلى الظلمات. و في هذا الإطار قام الأندلسيون بالدعوة لمقاطعة المهرجان المنظّم سنويا من طرف بلدية مالقا للاحتفال بهذه الذكرى, لأنه بمشاركة الأندلسيين في هذه المهرجانات يتنكرون لما قام به حامد الثغري و الأجداد من مجهودات لبقاء مالقة مسلمة. فهو عيد لأبناء النصارى المحتلين الذين يبتهجون باحتلال المدينة, فكيف يحتفل به من اضطهد أجداده جراء هذا الاحتلال.




    الهوامش:



    (1)هذا ما ورد ضمن وثيقة محفوظة بدار المحفوظات الإسبانية العامة Archivo general de Simancas P.R II-5.


    (2)"نهاية الأندلس" للأستاذ محمد عبد الله عنان. الصفحة 202-203.




    كتبه أبوتاشفين هشام بن محمد زلبم المغربي.

  2. #2

    افتراضي رد: سقوط مالقة بيد النصارى

    أخي الفاضل بارك الله فيكم

    والله مقالاتكم عن الأندلس تثير الحزن والعبرات . وقرأتُ طرفا من تاريخها للمؤرخ محمد عنان . فلم استطع أن أقرأ إلا صفحات وحسبنا الله ونعم الوكيل و إنا لله وإنا إليه راجعون
    قال ابن القيم ( كلما كان العبد حسن الظن بالله حسن الرجاء له صادق التوكل عليه : فإن الله لا يخيب أمله فيه ألبتة فإنه سبحانه لا يخيب أمل آمل )

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •