معركة التحرير


ودارت رحى الحرب واجتمع الأعداء على هدف واحد وغاية محددة هى إضلالك وإغوائك وشغلك عن ذكر الله وطاعته وصدك عن الصراط المستقيم والطريق القويم
فالشيطان قد هتف فى غيظ ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين ) (ص 82) ... وأعد جنوده وشحذ أسلحته وقال (لأقعدن لهم صراطك المستقيم ...) (الأعراف 16)
وأبت النفس إلا أن تنجرف وراء شهواتها وأهوائها ... تنساق وراء رغباتها ومطامعها التى لا تنتهى ولا تتوقف ... وأقبلت الدنيا بزينتها وزخرفها تدعو أهلها للتمرغ فى وحلها ودنسها ورجسها والاغتراف من شهواتها وملذاتها .
واختار الأعداء ساحة المعركة وهى القلب لأنهم متى استولوا عليه أخضعوا الجوارح لسيطرته فالقلب هو الملك على جميع الأعضاء لقول النبى عليه الصلاة والسلام : (ألا إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب)
وإزاء هذا الحصار ... وجب علينا أخذ الحذر والاحتياط ...وحماية القلب (الحصن الحصين ) من سيطرة الأعداء عليه...لابد أن نعد عدتنا ونجهز أسلحتنا لخوض هذه المعركة... معركة التحرير
أخى الحبيب ... إن السالك طريق الهداية عليه أن يحذر الفخوخ والمصائد التى ينصبها له أعداؤه فى الطريق ...
وفى هذه الرسالة نتعرف على أعدائنا ووسائلهم ومكائدهم ووسائل الوقاية :
(1) النـفـس البـشـريـــة :
إن النفس البشرية هى العدو الأول الذى يتربص بالإنسان ... فهى تسعى لنيل حظوظها من كل فعل يقوم به الإنسان فتعمل على إخضاع القلب وتجنيد مشاعره لخدمة حظوظها... فهى تؤثر الراحة والشهوات وتكره المشاق والتكاليف تتثاقل عن الطاعات ... لديها قابلية للفجور والطغيان ... تضجر من النصيحة ... تحب العلو والتميز عن الآخرين ... تحب جمع المال وتكره الإنفاق في سبيل الله .
فالنفس هى العقبة الكبرى التى تعترض طريق القلب إذا ما أراد الإستسلام لله عز وجل
لذا كانت هى الميدان الأول للمواجهة فإذا استطعت ترويضها ومجاهدتها وفطامها عن الهوى والشهوات نجحت فى إغلاق إحدى منافذ الشيطان التى يتسلل إلى قلبك من خلال استغلال جهل النفس وشحها ورغباتها فى تزيين الأفعال التى تستوفى بها حظوظها الظاهرة والخفية.
مما سبق يتضح لنا أنه لابد من مجاهدة النفس وإلزامها أداء الطاعات واجتناب المحرمات والصبر عليها لأنها لا تستسلم بسهولة ... ومن وسائل إيقاظ النفس من سكرتها وغفلتها :
1- الخوف الدائم من الله عز وجل :
فالخوف من الله هو اللجام الذى يمنع النفس من التمرغ فى المعاصى والغفلات والجرى وراء سعار الشهوات والملذات وحتى إذا ما أقدمت على ذلك بحكم الضعف البشرى فإن سياط الخوف كفيلة لتقود النفس إلى التوبة والاستغفار.
ومجالات الخوف من الله كثيرة منها :
· الخوف مهابة وتعظيما لله عز وجل (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) (الزمر 67)
· الخوف من عاقبة المعاصى ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) (النور 63)
· الخوف من التقصير فى حق العبودية
· الخوف من الاستدراج ... لقول النبى عليه الصلاة والسلام (إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج )
· الخوف من الموت وسكراته ... والقبر وظلمته
· الخوف من أهوال يوم القيامة ( يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) (الحج2,1)
· الخوف من النار وقعرها وشدة حرها فهى ( إذا رأتهم من بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا ) (الفرقان 12)
2- مراقبة النفس ومحاسبتها :
لابد من دوام محاسبة النفس على كل قول أو فعل ... فإنك إن تركت نفسك تسرح فى الشهوات وتمرح فى الملذات وتفعل ما تهوى من المحرمات وتدع ماتشاء من الطاعات بدون محاسبتها وإيقافها عند حدها وأمرها ونهيها كان ذلك سببا فى فسادها وهلاكها ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من ذكاها وقد خاب من دساها ) (الشمس 7-10)
لابد أن تحاسبها على التقصير فى الطاعات والوقوع فى المعاصى والسيئات ... لابد أن تفتش عن عيوبها من كبر وغرر ورياء وحسد وركون إلى الدنيا وحب الرياسة والشهرة والحرص على المال والشح.
3-ترك فضول الكلام والنظر والطعام فهذه منافذ يتسلل منها الشيطان إلى النفس .
4- دوام اللجوء إلى الله عز وجل بالتضرع والدعاء وطلب العودة والتوفيق للتخلص من شر النفس والسعى لتزكيتها وتقويمها وكبح جماحها (ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكى من يشاء )(النور 21)

5- احرص على مجاهدة نفسك بالإقبال على الطاعات كأداء الصلاة فى أول الوقت والحفاظ على السنن المؤكدة وذكر الله فى كل الأوقات وصيام التطوع وقراءة القرآن وطلب العلم.


(2) الشـيـطــــان :
إن العداوة بين الشيطان والإنسان قديمة منذ بداية الخلق ... منذ رفض إبليس السجود لآدم عليه السلام واستكبر وقال ( أنا خير منه خلقته من نار وخلقتنى من طين )(ص 76)
فكانت نتيجة ذلك أن قال الله تعالى له (فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتى إلى يوم الدين) (ص 77,78) ... فطلب إبليس مهلة إلى قيام الساعة من أجل إغوائك وإضلالك
من أجل أن يضع اللجام فى فمك ليسيرك كيفما يشاء.. تماما كما يضع الرجل اللجام فى فم دابته (قال أرأيتك هذا الذى كرمت على لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا) (الإسراء 62)
بل وتوعدك بالحصار من كل الجهات ( لآآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولاتجد أكثرهم شاكرين )(الأعراف 17)
لذا للشيطان مع القلب صولات وجولات ... فهو يجرى من ابن آدم مجرى الدم ... وكلما انهزم فى جولة بحث عن أخرى فهو لا يكل ولا يمل ولا يدب اليأس فيه أبدا .
وإذا أردنا أن نحدد مهمة الشيطان فى كلمات قليلة ... فإن أساس هذه المهمة أن يجعلنا ننسى أن الله موجود وأنه مطلع علينا ... يراقب حركاتنا وسكناتنا ... لا يخفى عليه أفعالنا وأحوالنا... فالذى يرتكب المعصية فى الخفاء يعتقد أنه ما دام اختفى عن أعين الناس فإن أحدا لم يره ... وهذا ما يريده الشيطان فإذا ما أنساك الشيطان وجود الله لحظة المعصية يبدأ فى تصوير المعصية فى صورة محببة للنفس فيحقر لك الذنب العظيم ويقرب إليك البعيد ... ويهون لك الصعب لتستسهله فتقبل عليه .
والشيطان فى هذه المعركة يسعى للإستيلاء على القلب بإلقاء الشهوات والشبهات فيه..
v وأبواب الشيطان ومداخله كثيرة منها :
1. حب الدنيا وطول الأمل :

فالشيطان يرسم للإنسان الأمانى الباطلة والوعود الكاذبة فيزين له الدنيا ويوهمه أن الحياة معه لا تزال ممتدة وفى العمر متسع لمزيد من اللهو والغفلة واتباع الهوى ... ويقول له : الأيام بين يديك ... عش شبابك... وهكذا حتى يمضى العمر ويجئ الموت قبل التوبة( يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا )( النساء 120 )

2. الغضب..... لذلك حذرنا النبى عليه الصلاة والسلام فقال ( إن الغضب من الشيطان وإن الشيطان خلق من النار وإنما تطفأالنار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ )

3. الحقد والحسد ... يقول النبى عليه الصلاة والسلام ( إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب )

4. الكبر ... يقول النبى عليه الصلاة والسلام ( لايدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر )

5. الرياء ... يقول الله عز وجل فى الحديث القدسى ( أنا اغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معى غيره تركته وشركه )

6. النظرة الحرام .... يقول النبى عليه الصلاة والسلام (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركها مخافة الله أبدله الله إيمانا يجد حلاوته فى قلبه )

7. احتقار الذنوب ... يقول النبى عليه الصلاة والسلام ( إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على المرء حتى يهلكنه )

8. القنوط من رحمة الله :

فيصور لك الشيطان أن ذنوبك عظيمة وكثيرة وأنك كلما بادرت بالتوبة ثم وقعت فى الذنوب والمعاصى يبدأ الشيطان فى عمله فيوسوس لك أنه لا فائدة منك وأنه لن يغفر الله لك حتى تقنط من رحمته لذا أقول لك لا تلتفت إليه وتذكر قول ربك عز وجل (قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لاتقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم )(الزمر 53)

v ومواجهة الشيطان تحتاج إلى وسائل متعددة منها :

1- إصلاح القلب وتحريره من أسر الشهوات والملذات ... وفك قيود المعاصى والسيئات .

2- إغلاق جميع مداخل وأبواب الشيطان التى ذكرت من قبل .

3- دوام اللجوء إلى الله عز وجل وطلب الحماية منه ( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم ) ( فصلت 36 )

v ومن صور اللجوء إلى الله عز وجل :

· ذكر الله فى كل وقت وحين ... فى البيت ... فى الشارع ... فى العمل ... قبل النوم

· قراءة القرآن وتدبره
· ملازمة الاستغفار ... يقول النبى عليه الصلاة والسلام ( إن الشيطان قال وعزتك وجلالك يا رب لا أبرح أغوى عبادك ما دامت أرواحهم فى أجسادهم ... فقال الله عز وجل وعزتي وجلالي لا أزال اغفر لهم ما زالوا يستغفروننى ).
(3) الـد نـيــــــا :
إن حب الدنيا واللهث وراء شهواتها وملذاتها ... والانشغال بجواذبها ومغرياتها من أكبر العقبات التى تواجه القلب فى طريقه إلى الله ... إن آفة الكثير منا أنهم يجهلون حقيقة الدنيا... يجهلون أنها دار ممر وليست مستقر وأنها معبر للآخرة مما أدى إلى الركون عليها وتحصيل أكبر قدر من لذاتها والسعى لجمع حطامها الزائل ... ودوام التفكير فى شواغلها ... فى الدراسة ... فى الوظيفة... الزواج ... الأولاد ... فكانت النتيجة نسيان الآخرة وعدم التفكير فى المسابقة إلى الخيرات واغتنام الطاعات .
لذلك لوعرفنا الدنيا على حقيقتها وتيقنا أنها قصيرة مهما طالت ... زائلة مهما استقرت وأن الثروة الظاهرية من المال والجاه والمنصب لا تتحرك مع الإنسان خطوة واحدة بعد موته ....وأنها دار أحزان وهموم وفراق ... فالأفراح تلاحقها الأحزان والعافية يطاردها المرض ... والقوة يتبعها الضعف ... لايجتمع فيها شمل الأحبة وإن اجتمعا فلابد من فراق .
وأنها لو كانت تساوى عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء كما أخبر النبى عليه الصلاة والسلام .
ألم تسمع قول النبى عليه الصلاة والسلام ( ما الدنيا فى الآخرة إلا كما يضع أحدكم إصبعه فىاليم فلينظر بما يرجع ) ... فإذا وضع الإنسان إصبعه في البحر فبكم يخرج من الماء؟
أخي الحبيب : كيف تؤثر متاع الدنيا الفاني علي نعيم الجنة الدائم ؟أمن أجل لذة ساعة تضحي بنعيم الابد ؟ هل سألت نفسك كم ستعيش في هذة الدنيا ؟ وكم سنة ضاعت منها في النوم والغفلة والمعاصي ؟ أما سمعت قول النبى عليه الصلاة والسلام ( اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك ...وصحتك قبل مرضك ...وغناك قبل فقرك ...وفراغك قبل شغلك ... وحياتك قبل موتك )

إخواني في الله :
انتهت كلماتي ..ولكن لم تنته المعركة بعد فهى مستمرة إلي يوم القيامة.
أسأل الله عزوجل ان يتقبل مني هذه الرسالة ( إن أريد الإصلاح ما استطعت وماتوفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ) (هود 88 )
فستذكرون ما اقول لكم وأفوض أمرى إلى الله إن الله بصير بالعباد
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم