من شبهات اليهود وأباطيلهم «أن المسلمين بنوا المسجد الأقصى مكان الهيكل الذي بناه الملك سليمان»
زعم المستشرقون والباحثون اليهود، ومنهم (ياسين دانيال) الذي كتب: «أن الأمويين هم الذين أعادوا تفسير القرآن؛ لإيجاد متسع للقدس، عندما بنوا مسجداً فوق الهيكل، وأسموه: المسجد الأقصى، وأعطوه دوراً بارزاً في حياة الرسول محمد ه بأثر رجعي».
لقد نسج الباحثون اليهود وأعوانهم من المستشرقين الكثير من الأساطير حول الهيكل المزعوم؛ الذي سطروا حوله الكثير من الأكاذيب، واتخذوا منها السوغات للكثير من الإجراءات والممارسات الممهدة لهدم المسجد الأقصى؛ ليعيدوا أمجادهم المزعومة في بناء ما أسموه: «هيكل سليمان».
وقد سعت في إشاعة تلك الأساطير المؤسسات اليهودية العاملة من أجل إقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى، وأحاطتها بمنطلقات عقائدية، ومن نماذج تلك الأساطير: ما نُشر مؤخراً في كتاب مصور يحمل اسماً عبريّاً يعني: «القدس أولا»، تحت شعار: (تطوير السياحة في القدس)، بالتعاون بين: «سلطة تطوير القدس»، و«بلدية القدس»، وتحوي صفحاته معالم المخطط القادم بالصور، والوثائق، والرسومات الهندسية المفصلة، لما ستكون عليه البلدة القديمة والمسجد الأقصى بعد إقامة المنشآت الجديدة، المزمع تشييدها داخل أسواره، وأسوار البلدة القديمة وما جاورها.
وأخطر هذه المخططات المفصلة في الكتاب: إقامة الهيكل المزعوم بين قبة الصخرة والمصلى الجامع في صدر المسجد الأقصى، والهدف من توزيع هذا الكتاب وأمثاله: إيصال رسالة صريحة للزائرين من اليهود وغيرهم من السائحين بأن تاريخ تلك الأرض هو تاريخ اليهود فقط، فهي -بتزييفهم وتزويرهم- مدينة داود وسليمان، والعرب احتلوها وبنوا مقدساتهم على أنقاض كنسهم، ومقابرهم، ومنازلهم!
ونرد على هذه الشبهة بالآتي:
1- إن بقعة المسجد الأقصى لها قداسة على مر العصور، منذ الأنبياء والأولياء والعبّاد، وأساس البناء الأول ثابت في هذه البقعة المباركة، وكل من تتابع على إعمار أو بناء أو إصلاح أو تطهير هذه البقعة إنما يفعل ذلك على الأساس القديم.
ومما يدل على قداسة هذه الأرض وبركتها ما يلي:
أ) أن قداسة هذه البقعة «المسجد الأقصى» من الموروثات الدينية التي أوحى الله بها لأنبيائه والمتبعين لهم؛ حتى وصلت عهدة القيام بها والمحافظة عليها إلى خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ولأمته، فقد اختار الله تعالى هذه البقعة واصطفاها لتكون مسجداً للمسلمين الموحدين في كل زمان، إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، قال تعالى عن إبراهيم ولوط: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}( الأنبياء: 71) وتلك البركة كانت قبل إبراهيم.
ب) وقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ..}(الإ سراء:1) يدل على أن البركة موجودة، وأن الله -تعالى- أسرى بعبده إليه تذكيراً للناس ببركته وقدسيته، وقد وصفت الآية الأولى من سورة الإسراء البيت الحرام بالمسجد الحرام؛ ووصفت كذلك بيت المقدس بالمسجد الأقصى، وقد كان المسجد الحرام يعجّ بالأصنام، وكان الأقصى محتلاً من قِبَل الروم، وفي هذا إخبار ربانيٌّ للمستقبل، بأنّ البيت الحرام سيحرّر من الأصنام ويعود مسجداً للموحّدين من جديد كما كان زمن نبي الله إبراهيم، وأن المسجد الأقصى سيحرّره المسلمون، وسيعود مسجداً كما كان زمن الأنبياء والمرسلين، وهذا ما تحقق في فتح المسلمين للمسجد الأقصى زمن خلافة الفاروق عمر رضي الله عنه وأرضاه.
جـ) وخطاب موسى لقومه، قال تعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ }(المائدة: 21) فيه دليل على أن القدس وفلسطين مقدسة منذ القِدم، قبل أن يحل بها قوم موسى، وقبل أنبياء بني إسرائيل الذين يزعم اليهود وراثتهم.
2- في الأخبار اليهودية المصنوعة يذكرون الهيكل ويذكرون المذبح، وفي المصادر الإسلامية المسندة جاء اسم: «المسجد الأقصى»، وجاء اسم: «بيت المقدس»، وجاء اسم: «المحراب»، وليس في الأخبار الإسلامية الصحيحة ما ينص على أن ما بناه سليمان يسمى: هيكلاً، لأن كلمة (هيكل) مروية عن كتب أهل الكتاب، ونحن لا نثق بما تقوله هذه الكتب، ولا نركن إليها عند تحقيق تاريخنا الإسلامي، وما جاء مصطلح (الهيكل الأول والهيكل الثاني) إلا من ألفاظ ومصطلحات توراتية.
3- إن الله -سبحانه- ما أمر ببناء المسجد الأقصى إلا لعبادته في هذه البقعة المباركة، وبقعة المسجد الأقصى كانت موجودة ومعروفة؛ ولذلك سكن اليبوسيون بجوارها، ولم يسكنوا فيها، لأنها محل للعبادة، فقد قال أبو ذر رضي الله عنه : قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام»، قال: قلت: ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى»، قلت: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون سنة».
4- ما قام به سليمان في بيت المقدس ليس بناءً لهيكل وإنما هو تجديد للمسجد الأقصى المبارك؛ الذي هو ثاني مسجد وضع في الأرض، كما ثبت في الحديث الصحيح، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس سأل الله ثلاثاً: حكماً يصادف حكمه، وملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه»، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : «أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة».
وأوضح القرطبي هذا الأمر بعد ذكر الآية: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}(البق رة:127) وذكر الحديث المتقدم فقال: «..لا يدلان على أن إبراهيم وسليمان ابتدآ وضعهما، بل كان تجديداً لما أَسَّسَ غيرهما».
وذكر ابن كثير أنه في عهد يعقوب بن إسحق إ أعيد بناء المسجد بعد أن هرم بناء إبراهيم.
وذكر شهاب الدين المقدسي في «مثير الغرام»: «وكان هذا البناء تجديدا».
5- المصدر الوحيد لأخبار الهيكل: (أسفار بني إسرائيل)، وهذه الأسفار ليست منسوبة إلى نبي، ولم يكتبها من كتبها في وقت الأحداث التي ترويها، فجاء أكثرها من نسج الخيال، فهل يُعقل أن المكان الذي أسري بالنبي إليه هو الهيكل، أو مكان الهيكل؟! لا؛ بل أسري به إلى المسجد الأقصى البقعة المباركة.
6- لم يستطع أحد من الباحثين اليهود تحديد مكان الهيكل بصورة لا تقبل الشك حتى يومنا هذا، ولهم آراء عدة، ونظريات، بشأن مكان الهيكل، منهم من يقول: تحت المسجد الأقصى المبارك، وأن المسجد الأقصى قد بُني على أنقاض الهيكل، وبعضهم يرى أن الهيكل يقع فوق الصخرة، وأنها -أي: الصخرة- حجر الأساس لانتشار الكون، وآخرون يرون أن مكان الهيكل يقع بين مصلى «المسجد الأقصى»، وبين مسجد «قبة الصخرة» في داخل أسوار المسجد الأقصى، ويرى يهود السامرة: أن الهيكل موجود على جبل جرزيم قرب نابلس، والبعض يقول: إنه في بيت أيل شمال القدس وجنوب رام الله في لوزة أبو لوز.
7- بل أثبت علماء الآثار من اليهود والأوروبيين والأمريكان الذين نقّبوا واشتغلوا بالحفريات والأنفاق تحت المسجد الأقصى، أنه لا يوجد أثر واحد لهيكل سليمان؛ لا تحت المسجد الأقصى، ولا تحت قبة الصخرة، وشاركهم في هذا الرأي كثير من الباحثين اليهود والغربيين، مما دفع بعضهم إلى أن يقول: إن الهيكل قصة خرافية، ليس لها وجود! ومن أشهر هؤلاء العلماء اليهود: (إسرائيل فلنتشتاين)، من جامعة تل أبيب، ونشرت آراؤه منذ فترة قريبة، وغيره كثير.
8- لماذا لا يعرف اليهود بالتحديد مكان مقدساتهم، ويختلفون ولا يتفقون في ذلك؟! ولماذا يتشبث اليهود بمدينة بيت المقدس؛ مع العلم أنه لا توجد علامات أو إشارات أو إثباتات تشير إلى أماكن المقدسات اليهودية بها؟! ولماذا لا يتشبث اليهود بمدينة الخليل بدلاً من مدينة القدس؛ مع العلم أنها حسب رأيهم مدينة الآباء والأجداد؟!
فعند اليهود: إن داود وسليمان كانا ملكين، وإبراهيم كان نبياً … فكيف تقدس مدينة الملوك ولا تقدس بالدرجة نفسها مدينة الآباء والأجداد والأنبياء؟!
وخلاصة ما سبق: المسلمون على مر العصور لم يعتدوا على أية أبنية، أو أثار يهودية؛ سواء بالهدم أم عن طريق المصادرة، كما أنهم لم يشيدوا المسجد الأقصى فوق ما زعموا أنه هيكل سليمان، بل جاء في موقعه الحالي على أساس قدسية هذه البقعة المباركة بنص القرآن الكريم والحديث الشريف، فهذا الموقع مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعقيدة الإسلامية.
فالمسجد الأقصى موجود قبل سليمان وموسى وإبراهيم، وجدد بناءه أنبياء الله -تعالى-: إبراهيم، وإسحق، ويعقوب، وسليمان ، ولم يكن في يوم من الأيام معبداً لليهود، ولكنه مسجد لكل أمة مسلمة صَدَّقَت بدعوة نبيها.
وإن يعقوب أو داود أو سليمان هم أنبياء الله، فمن اتبع طريقهم هو أولى بهم، واليهود -كما تحكي التوراة وغيرها- قد خالفوا أوامرهم وسفهوهم؛ فقد افتروا على سليمان ؛، وقالوا: إنه ساحر، فهل يتوافق الطعن فيهم مع ادعاء وراثة ما خلفوه؟
والمسجد الأقصى بني ليعبد فيه الله؛ دون أحد سواه، قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}(الجن:18)، وأحق الناس به المسلمون، فهم دون من سواهم يفردون الله -تعالى- بالعبادة، ولا يشركون به شيئاً، وهم الذين آمنوا بأنبياء الله ورسله واتبعوهم ووقروهم، فهم أحق بهم، كما قال سبحانه في حق إبراهيم ؛: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} (آل عمران: 68)
اعداد: عيسى القدومي