أخي متيم الشافعي ـ حفظه الله ـ :
لا إشكال في ذلك ، ولو تأملت الحديث لرأيت فيه ، (( وسألوه عن الأشربة )) (( فأمرهم بأربع ، ونهاهم عن أربع أمرهم )) ، فالأشربة الأربع التي نهاهم عنها هي : ((عن الحنتم ، والدباء ، والنقير ، والمزفت ، وربما قال المقير )) .
وفي رواية أحمد ( 1/361 ) (3406) ، (3407) ، وأبي داود (3694) ، والنَّسائي في " الكبرى " ( 6803) : (( وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ عَنِ الشُّرْبِ فِى الْحَنْتَمِ ، وَالدُّبَّاءِ ، وَالنَّقِيرِ ، وَالْمُزَفَّتِ . فَقَالُوا : فَفِيمَ نَشْرَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : (( عَلَيْكُمْ بِأَسْقِيَةِ الآدم الَّتِى يُلاَثُ عَلَى أَفْوَاهِهَا )) .
والمراد بالنهي هنا عن الانتباذ في هذه الأوعية لكثرة تعاطيهم لها .
قال الحافظ في الفتح ( 1/176 ) : " وفي مسند أبي داود الطيالسي ، عن أبي بكرة قال : أما الدباء فإن أهل الطائف كانوا يأخذون القرع فيخرطون فيه العنب ثم يدفنونه حتى يهدر ثم يموت. واما النقير فإن أهل اليمامة كانوا ينقرون أصل النخلة ثم ينبذون الرطب والبسر ثم يدَعونه حتى يهدر ثم يموت . وأما الحنتم فجرار كانت تحمل إلينا فيها الخمر. وأما المزفت فهذه الأوعية التي فيها الزفت انتهى. وإسناده حسن. وتفسير الصحابي أولى أن يعتمد عليه من غيره لأنه أعلم بالمراد. ومعنى النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية بخصوصها لأنه يسرع فيها الإسكار، فربما شرب منها من لا يشعر بذلك، ثم ثبتت الرخصة في الانتباذ في كل وعاء مع النهي عن شرب كل مسكر " . أهـ
وجاء في صحيح مسلم : " نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً " .
قال النووي : كان الانتباذ في الحنتم والدباء والنقير والمزفت منهياً عنه في أول الاسلام خوفاً من أن يصير مسكراً فيها ولا نعمل به لكثافتها فيتلف ماليته وربما شربه الانسان ظاناً أن لم يصر مسكراً فيصير شارباً للمسكر، وكان العهد قريباً بإباحة المسكر، فلما طال الزمان واشتهر تحريم المسكرات وتقرر ذلك في نفوسهم نسخ ذلك وأبيح لهم الانتباذ في كل وعاء بشرط أن لا تشربوا مسكراً، وهذا صريح قوله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ في حديث بريدة : " كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في سقاء " الحديث . قال : هذا الذي ذكرناه من كونه منسوخاً هو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء . قال الخطابي : القول بالنسخ هو أصح الأقاويل . قال : وقال قوم : التحريم باق ، وكرهوا الانتباذ في هذه الأوعية ، ذهب إليه مالك ، وأحمد ، وإسحاق ، وهو مروي عن عمر ، وابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ انتهى .
فالمراد هنا الانتباذ في هذه الأوعية : الخنتم ، والدباء ، والنقير ، والمزفت ، وليس الأكل . ولا يؤكل من هذه الأشياء إلا الدباء ، لأنها أوعية .
أما أكل الدباء ، فهو شيء آخر ، فهو كما جاء في الحديث : " عندما أُهدي للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ طعاماًكان يتتبع الدباء " .
فلا إشكال بين الحديثين البته .
ارجو أن الأمر اتضح لك أخي متيم الشافعي .