سلام عليكم
فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو،
أما بعد،
فسأتناول هاهنا إن شاء الله تعالى مسألة سماع قتادة من عبد الله بن سرجس، من خلال كلام أهل العلم، حسب الخطة التالية:
1- إمكانية سماع قتادة من عبد الله بن سرجس
2- سماع قتادة من عبد الله بن سرجس
3- استدلال بعض المعاصرين لنفي سماع قتادة من عبد الله بن سرجس
أولا: إمكانية سماع قتادة من عبد الله بن سرجس:
نلاحظ أن عاصم بن سليمان الأحول، وهو من الطبقة الرابعة من أهل البصرة، قد روى عن عبد الله بن سرجس، وحديثه عنه في مواضع من صحيح مسلم، أذكر منها:
كتاب صلاة المسافربن باب 9 ح 1684
كتاب الحج باب 41 ح 3128
كتاب الحج باب 75 ح 3340
كتاب الحج باب 75 ح 3341
كتاب الفضائل باب 30 ح 6234
وقد تأخرت وفاة عاصم الأحول عن وفاة قتادة، إذ توفي بعد سنة أربعين ومائة، فقتادة أولى بالرواية عن عبد الله بن سرجس منه.
قال عبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال:
(4300) قلت لأبي: قتادة سمع من عبد الله بن سرجس؟ قال: ما أشبهه، قد روى عنه عاصِمٌ الأحول.
وقتادة حافظ البصرة، وهو أحرص الناس على الحديث:
قال يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة والتاريخ (2/281)
ثنا سلمة، ثنا أحمد بن حنبل، حدثنا عفان، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن روح بن القاسم، عن مطرٍ قال: كان قتادة إذا سمع الحديث يختطفه اختطافا. قال: وكان إذا سمع الحديث لم يحفظه، أخذه العويل والزويل حتى يحفظه.
قلت: شهادة مطر لقتادة جائزة!
وقد ذكر الحافظ في التقريب (شاغف/ 3365) أن عبد الله بن سرجس : (صحابي سكن البصرة)
ثانيا: سماع قتادة من عبد الله بن سرجس
ما دام سماع قتادة من عبد الله بن سرجس ممكنا، فرواية هشام الدستوائي عن قتادة عنه تكفي في إثبات سماع قتادة منه.
وعلى هذا جرى عمل الأئمة من أول شعبة، وهو أول النقاد الحفاظ، ويحيى بن سعيد القطان، وهو رأس الطبقة الثانية من الحفاظ النقاد، كما عدهم عبد الرحمن بن أبي حاتم في كتاب تقدمة المعرفة:
قال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم، في كتاب تقدمة المعرفة، في باب ما ذُكِرَ من علمِ شُعبة بناقلة الأخبار وكلامه فيهم على حروف المعجم:
قال: نا أبي، نا مقاتل بن محمد، قال: سمعتُ أبا داود قال: قال شعبة: إذا حدثكم هشامٌ الدستوائيُّ بشيءٍ فاختموا عليه.
وقال أبو الفضل الدوري في تاريخه :
(3993) قال يحيى بن معين: قال يحيى بن سعيد: إذا كان عندي عن سعيد بن أبي عروبة لم أُبالِ ألا أسمعه من هشام، وإذا كان عندي عن هشام لم أُبالِ ألَّا أسمعه من شعبة، فإن كان عندي عن شعبة لم أبالِ ألَّا أسمعه منهما.
وقال أبو محمد بن أبي حاتم (9/240):
أنا أبو بكر بن أبي خيثمة فيما كتب إلى، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: قال شعبة: هشام الدستوائي أعلم بحديث قتادة منى وأكثر له مجالسة منى.
قال: وسمعت يحيى بن معين يقول: كان يحيى بن سعيد إذا سمع الحديث من هشام الدستوائي لا يبالي أن لا يسمعه من غيره.(وراجع التاريخ الكبير لأبي بكر بن أبي خيثمة ص 600 ط دار غراس)
وقال أبو القاسم البغوي في الجعديات:
1051- حدثنا أحمد بن زهير، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: أثبت الناس في قتادة: سعيد بن أبي عروبة، وهشامٌ الدستوائي، وشعبة. ومن حَدَّثَ من هؤلاء بحديث، فلا تبال ألا تسمعه من غيره.
وقال عبد الله بن أحمد (في العلل ومعرفة الرجال، 1529)
قال أبي: سمعتُ عبد الرحمن بن مهدي يقول: قال هشامٌ الدستوائيُّ: لو شهدتُ على ضرب عنق قتادة جاز في الحديث، كأنه قد استثبت.
وقال عبد الله بن أحمد في العلل ومعرفة الرجال:
( 5264) قيل: سمع قتادة من عبد الله بن سرجس؟ قال: نعم! قد حَدَّثَ عنه هشامٌ - يعني عن قتادة عن عبد الله بن سرجس - حديثا واحدا، وقد حَدَّثَ عنه عاصِمٌ الأحول.
والحديث الذي ذكره الإمام أحمد، رواه في المسند، قال رحمه الله:
21320 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِى أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِى الْجُحْرِ وَإِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا السِّرَاجَ فَإِنَّ الْفَأْرَةَ تَأْخُذُ الْفَتِيلَةَ فَتَحْرِقُ أَهْلَ الْبَيْتِ وَأَوْكِئُوا الأَسْقِيَةَ وَخَمِّرُوا الشَّرَابَ وَغَلِّقُوا الأَبْوَابَ بِاللَّيْلِ » . قَالُوا لِقَتَادَةَ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْبَوْلِ فِى الْجُحْرِ قَالَ: يُقَالُ إِنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ . تحفة 5322 معتلى 3172 مجمع 8/111
وقال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم في المراسيل (ط دار الرسالة، بتحقيق شكر الله قوجاني)
619ب- حديث ابن سرجس ما يرويه غير معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن عبد الله بن سرجس أن النبي صلى الله عليه وسلم عن البول في الأحجرة.
وقد صَحَّحَ أبو حاتم سماعَ قتادة من عبد الله بن سرجس أيضا:
قال أبو محمد بن أبي حاتم في المراسيل:
640- سمعت أبي يقول: قتادة عن أبي هريرة مرسلٌ، وقتادة عن عائشة مرسلٌ، ولم يلقَ قتادة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنساً، وعبد الله بن سرجس.
وقال أبو عبد الله الحاكم النيسابوري في المستدرك (1/181):
سَمِعْتُ أَبَا زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيَّ يَحْيَى بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ ، يَقُولُ : أَنْهَى عَنِ الْبَوْلِ فِي الأَجْحِرَةِ لِخَبَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ : " لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْجُحْرِ " ،
وَقَالَ قَتَادَةُ : إِنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ وَلَسْتُ أَبُتُّ الْقَوْلَ أَنَّهَا مَسْكَنُ الْجِنِّ لأَنَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ قَتَادَةَ،
هَذَا حَدِيثٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَقَدِ احْتَجَّا بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ ، وَلَعَلَّ مُتَوَهِّمًا يَتَوَهَّمُ أَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَذْكُرْ سَمَاعَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ ، وَلَيْسَ هَذَا بِمُسْتَبْعَدٍ ، فَقَدْ سَمِعَ قَتَادَةُ مِنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلُ ، وَقَدِ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِحَدِيثِ عَاصِمٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ وَهُوَ مِنْ سَاكِنِي الْبَصْرَةِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(ط دار الكتب العلمية ح667، وطبعة دار الحرمين ح670)
ثالثا: استدلال بعض المعاصرين لنفي سماع قتادة من عبد الله بن سرجس:
قال أبو محمد بن أبي حاتم في المراسيل:
619- أخبرنا حرب بن إسماعيل – فيما كتب إلي – قال: قال أحمد بن حنبل:
ما أعلم قتادة روى عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسَلَّم، إلا عن أنس.
قيل: فابن سرجس ؟
فكأنه لم يره سماعا.
(وهو في مسائل حرب بن إسماعيل، ص 467، ط دار الرشد بتحقيق القاضي ناصر بن سعود)
ففهم بعض المعاصرين من هذا النص أن الإمام أحمد لا يثبت سماع قتادة من عبدالله بن سرجس:
منهم:
1- مقبل بن هادي الوادعي (الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين، ح 579، ص492، الطبعة الثالثة) وصحح الحديث المذكور
2- أبو إسحاق الحويني (حجازي بن محمد شريف) في عون المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود، التعليق على الحديث 34، فأورد جانبا من أقوال أهل العلم، وذهب إلى ضعف الحديث، مع إقراره بأن قتادة سمع من عبد الله بن سرجس في الجملة !!
قال أبو إسحاق الحويني: (قلت: الذي يظهر لي أن قتادة سمع من ابن سرجس في الجملة، فقد كانا متعاصرين، كما يفهم من كلام أبي حاتم السابق ......... )
قلت: عبد الله بن أحمد ألزم لأبيه وأعرف به وهو مقدم على حرب في الرواية عنه، فضلا عن كونه آخر من حدث عنه، فما نقله من تصريح الإمام أحمد أولى.
والنصان 4300، 5264 من العلل برواية عبد الله بن أحمد، لم يذكرهما مقبل ولا أبو إسحاق.
ولم يرو قتادة عن عبد الله بن سرجس إلا حديثا واحدا، كما قال أبو محمد بن أبي حاتم.
ويبقى تنبيه على ما نقله العلائي في جامع التحصيل:
قال رحمه الله: في ترجمة قتادة/633/ ص 255 ط3 عالم الكتب:
وصحح أبو زرعة سماعه من عبد الله بن سرجس.
قلت: لم أقف على كلام أبي زرعة، ولا هو ذكر تصحيح أبي حاتم سماع قتادة من عبد الله بن سرجس، وأخشى أن يكون العلائي وهم في هذا، فذكر أبا زرعة مكان أبي حاتم.
والله تعالى أجل وأعلم.